الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بامتيازات شخصية إلا بمقدار ما تستدعيه المصحلة. وقد طبق هذا المعيار خلال العصر الذهبي للمجتمع الإسلامي -خلال عهد الخلفاء الراشدين- حيث كانا لحاكم يحاسب نفسه أولا، ويطلب إلى الشعب محاسبته ومراقبته ويعتبرها ضرورة من ضرورات استمرار الحكم الصالح. ويتضح هذا في خطبة أبي بكر الصديق عندما تولى الخلافة إذ قال: "أيها الناس، إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني
…
أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم".
وقال رجل لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، لو وسعت على نفسك في النفقة من مال الله تعالى، فقال له عمر: تدري ما مثلي ومثل هؤلاء؟ كمثل قوم كانوا في سفر، فجمعوا منهم مالا وسلموه إلى واحد ينفقه عليهم فهل يحل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم من أموالهم؟ فالمال العام لدى الحاكم وديعة وكان الخلفاء الراشدون يحاسبون الأمراء والعمال عن الأموال الموجودة لديهم، فإذا اكتشفوا أن أحدهم استغل مركزه في تحقيق منفعة مادية أو إثراء غير مشروع، كانوا يصادرون هذا المال -كله أو بعضه- ويضمونه إلى بيت المال ليستفيد منه الناس جميعا. وقد حبس الخليفة عمر بن عبد العزيز أحد ولاته وهو يزيد بن المهلب لأنه امتنع عن إعادة الأموال التي بحوزته إلى بيت المال، وقال له في تعليل ذلك: إنها حقوق المسلمين52.
مسئولية الدولة في مجال الضمان الاجتماعي ومعاونة الفئات المحتاجة
.
الدولة في المجتمع المسلم مسئولة عن الفقراء والأيتام والعاطلين والعجزة واللقطاء، وتشير الكتب الفقهية إلى ضرورة توافر الضمان الاجتماعي لكل محتاج حيث تقوم الدولة بتوفير الإنفاق والعلاج المجاني لكل محتاج. يقول الكاساني في بدائع الصنائع: وأما النوع الرابع فيصرف
إلى دواء الفقراء والمرضى وعلاجهم وإلى أكفان الموتى الذين لا مال لهم، وإلى نفقة اللقيط وعقل جنايته، وإلى نفقة من هو عاجز عن الكسب، وليس ل من تجب عليه نفقته، ونحو ذلك وعلى الإمام صرف هذه الحقوق إلى مستحقيها".
وقد خصت الدولة الإسلامية عطاء معينا من بيت المال للأطفال سواء كانوا أغنياء أم فقراء رعاية للأطفال وحرصا على تنشئتهم تنشئة صالحة متوازنة. وقد أمر عمر بن الخطاب مناديا ينادي بالناس بألا تعجلوا أولادكم على الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام53.
ولا تقتصر واجبات الدولة المسلمة على رعاية المحتاجين من المسلمين فحسب، وإنما تمتد رعاية الإسلام إلى غير المسلمين كذلك، فقد جاء في كتاب خالد بن الوليد إلى أهل الحيرة عندما صالحهم: وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات، طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام54. وهكذا تكفل الإسلام برعاية كل مواطن في الدولة الإسلامية بغض النظر عن دينه أو أصله أو لونه. فالإسلام يرعى الإنسان كإنسان، وهذا هو ما جعل أهل البلاد المفتوحة يدخلون في دين الله أفواجا التماسا للعدل والحق والرعاية الكريمة.
والفرق شاسع بين الفتوحات الإسلامية والفتوحات الاستعمارية، فالفتوحات الإسلامية أدت إلى اندماج عضوي بين المسلمين وأهل البلاد المفتوحة حيث دخل أهل هذه البلاد في دين الإسلام وتبنوا اللغة العربية نتيجة الاقتناعهم بالدين الحنيف الذي يتفق مع الفطرة ولما حققه الإسلام لهم من قضاء على الظلم والاستغلال، وما نعموا به في ظل الإسلام من عدل ومساواة ومعاملة كريمة، وما قدمه الإسلام لهم من حضارة خالدة، أما الحركات الاستعمارية فكان مآلها طرد البلاد المستعمرة نتيجة لما قامت به من استغلال واستنزاف للمستعمرات.