الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاتجاهات الموجهة. والواقع أن حرية الاختيار تعد وظيفة لأنواع مختلفة من التنمية والتغيرات الإنمائية. ويؤكد دافيد آبتر D. Apter أهمية هذا المتغير حيث يشير في دراسته بعنوان The Politics of Modernization أرى أن التحديث كعملية غير اقتصادية يظهر عندما تُطَوَّر الثقافة اتجاهًا لطرح استفسارات أو تساؤلات حول كيفية قيام الناس بعملية الاختيار، سواء الاختيارات الأخلاقية أو المعيارية أو الاجتماعية البنائية أو الشخصية السلوكية فمشكلة الاختيار مشكلة أساسية أو محورية في حياة الإنسان الحديث10.
ويذهب ايثيل دي سولا بول Pool في دراسته عن دور الاتصال في عملية التحديث والتغير التكنولوجي إلى أن التحديث هو عملية اكتساب تصورات أو صور عقلية جديدة مثل تصور التغير الموجه Direct Change، وتصور إمكانية حدوث التنمية Possibility of development. ويشير إلى أن وسائل الاتصال العامة Mass media تلعب دورًا مهمًا في إكساب الناس مثل هذه التصورات الجديدة. وهذا يعني أن من بين وظائف وسائل الاتصال تقديم مجموعة من البدائل الفكرية أو التصويرية أو السلوكية الأمر الذي يستثير أعمال الفكر والمقارنة والاختيار، وهذه المتغيرات أساسيَّة للتحول من التقليديين إلى الحداثة.
التحديث والتغير الاجتماعي
وعلى الرغم اختلاف المنظورات والاتجاهات بصدد تحديد مفهوم ومضامين عملية ومصطلح التحديث، إلا أن هناك اتفاقًا حول بعض القضايا. ومثال هذا أن "دانيل ليرنر" D. Lerner يحدد لنا أهم جوانب الالتقاء بين الدارسين بصدد تحديد أهم خصائص الحداثة Charecteristics of Modernity فيما يلي:
أولًا: توافر حد أدنى من القدرة الاقتصادية على النمو الذاتي المستمر
Self suslained growth. وهذا يعني قدرة الاقتصاد الوطني على تحقيق نمو مستمر ومنتظم في الإنتاج والاستهلاك.
ثانيًا: تحقيق قدر معين من المشاركة السياسية على كافة مستويات المشاركة طبقًا لمقاييس المشاركة يمكن صياغتها وإعدادها لقياس هذه الظاهرة.
ثالثًا: توافر إمكانات الحراك الاجتماعي أو التنقل الاجتماعي وتزايد معدلاته.
رابعًا: انتشار المعايير العقلية والعلمية ونماذج التفكير المنطقي داخل الثقافة العامة للمجتمع.
خامسًا: سيادة نموذج منوالي للشخصية يتيح للأفراد أداء الأعمال التي يقومون بها -لعب أدوارهم- بكافة في إطار نظام اجتماعي يتسم بخصائص معينة -قدرة الاقتصاد على النمو الذاتي المستمر والمنتظم، والمشاركة، وسيادة المعايير العقلية والعلمية، وشيوع الحراك والتنقل الاجتماعي.
وإذا كان "لوير" يشير إلى أن التحديث ببساطة يعني مواجهة نوعين أساسيين من المشكلات وهي مشكلات الخبز، الاقتصاد، والحرية، الأخلاق والاجتماع والسياسة والثقافة، فإذا هذا يعني أن التحديث لا يقتصر على الجانب الاقتصادي ولكن يشير إلى مفهوم تتكامل في إطاره مختلف التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وهناك تساؤل يطرحه "لوير" حول مدى كفاية نظريات التغير الاجتماعي المطروحة في تراث علم الاجتماع، من حيث تفسير التغيرات التحدثية أو التنموية التي تجري في دول العالم الثالث التي تمثل قطاعًا ضخمًا من سكان العالم. ومن الملاحظ أن الكثير من النظريات والآراء المطروحة في هذا العلم ركزت على جانب أو جوانب معينة في حين أغفلت جوانب أخرى. وينطبق هذا على التحليل البنائي الوظيفي الذي قدمه "سملسر" N. Smelser
عن التحديث في انجلترا، كما ينطبق على أنصار التيار السيكولوجي في تفسير التحديث "هيجن" و"ماكليلاند" وعلى أنصار تيار التحديث الفردي Individual Modrnity. ويتضح للمتتبع للتراث أن نظريات التغير المطروحة غير كافية لتفسير التغيرات الحادثة في العالم الثالث، وأن هذه النظريات متصارعة والعديد منها موجه إيديولوجيا، وتعكس تجربة مجتمع أو آخر أو تجربة إيديولوجية يعينها ولم تصغ أي منها بالأساليب المنهجية المقارنة الصحيحة.
وهناك العديد من الدراسات النقدية التي تعرضت لدراسات التحديث من بينها دراسة "دين تيبس" Dean Tipps بعنوان نظرية التحديث والدراسة المقارنة للمجتمعات: منظور نقدي11. ويؤكد تيبس أن أغلب علماء الاجتماع استخدموا مفهوم التحديث على أنه مفهوم شمولي مستقل Inclusive وليس على أنه تصور فارق أو مميز Discriminating concept. فهم يستخدمونه للإشارة إلى تغيرات وظواهر معينة، وليس لتوضيح الفروق بين ما هو حديث وما هو تقليدي وأساليب التحول وعوامله. وغالبًا ما تكون مستويات التحليل النظرية منصبة على عموميات كالمجتمع والثقافة ولا يركزون على الفرد. وغالبًا ما ينظر علماء الاجتماع إلى الحداثة الفردية على أنها وظيفة للتحديث في المجتمع والثقافة وهذا يعني اتساع وحدة التحليل على مستوى المجتمعات Societal Level مما يدخلهم في دائرة التجريد ويفقد تحليلاتهم الطابع الأمبيريقي. ويصنف تيبس نظريات التحديث إلى نموذجين وهما:
أ- نموذج المتغير الحاكم أو الرئيس The critical variable
ب- نموذج النظريات الثنائية Dichotomous theories
ويركز أنصار النموذج الأول على متغير يعينه بوصفه المتغير الأساسي الذي يقود حركة التغير ويستثير تغيرات تابعة مثل سيادة الاتجاه العقلي، أو التصنيع. وهنا يصبح التحديث مرادفًا للمتغير الحاكم. أما أنصار النموذج
الثاني -الأكثر شيوعًا- فهم يركزون على عملية التحولات الاجتماعية والثقافية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعقائدية والقيمية
…
إلخ. من الأشكال التقليدية إلى الأشكال الحديثة. وهنا يتحدد مفهوم التحديث في ضوء الهدف النهائي سيادة النظم الغربية عند البعض، أو النظم السائدة في الاتحاد السوفيتي عند البعض، أو النظم الإسلامية عند البعض
…
إلخ.
ويمكن القول أن المشكلة الأساسية بالنسبة للنموذج الأول هو أن استبدال مصطلح التحديث بالمتغير الحاكم حسب ما يراه كل مفكر أمر لا يفيد كثيرًا من التحليل العلمي. أما مشكلة نموذج الثنائيات فهي كما يحددها "تيبس" ذات ثلاثة جوانب:
أ- جانب إيديولوجي Ideological
ب- جانب واقعي Emperical
ج- جانب يتعلق بما بعد التنظير أو بفلسفة التنظير Meta theoretical
ويتمثل النقد الإيديولوجي في فكرة الطوبائية التي يلحقونها بالمجتمعات الغربية بوصفها هدف التحديث في الدول النامية -وهذا ينطبق على أغلب النظريات الثنائية. وقد أطلق فرانك على هذه النظريات التشبيه التالي12. "الملابس التي تخفي الاستعمار العاري"*. ويؤكد "ميردال" أن أهم جوانب النقد الواقعي الموجهة لهذه الثنائيات أنها تتجاهل أثر القوى الخارجية. الدولية والإقليمية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية من حيث أثرها على تحريك المجتمعات نحو التحديث، سواء أكانت قوى تحدى أو تعويق، أو قوى للدعم والمساعدة. يضاف إلى هذه أن هذه النظريات تحاول تنميط التقليدية والحداثة بشكل جامد الأمر الذي يتجاهل الأنواع المختلفة من التقليدية ومن الحداثة، كما يتجاهل التجارب المختلفة للمجتمعات. هذا
* The clothes that hide the naked imperialism see. Ander Guunner Frank; Sociology of development and underdevelopment of sociology-Catalist. No. 1967 pp. 20-73.
إلى جانب إمكان التداخل بين جوانب التقليدية والحداثة. ولتوضيح النقطة الأخيرة يحاول بعض الباحثين المقابلة بين التوجه نحو الإنجاز Achievement orientation -وهو خاصية المجتمعات الحديثة- والتوجه نحو التركيز على العوامل المنسوبة Ascription. والواقع أنه حتى في المجتمعات الحديثة يوجد التوجهان ويعملان معًا بأشكال ونسب مختلفة وهذا ما كشفت عنه دراسة "أدوين سوذرلاند" E. Sutherland في دراسته عن جرائم ذوي الياقات البيضاء أو جرائم الصفوة13، ودرَاسَة "تشارلس رايت ملز" C.R. Mills عن صفوة القوة في الولايات المتحدة الأمريكية14 حيث كشف عن أن الصفوات الاقتصادية والسياسة والعسكرية هي في واقع الأمر صفوة واحدة لما يوجد بينها من مصالح وعلاقات وخلفيات اجتماعية وإيديولوجية وسياسية موحدة. ويصنف "فرانك" Frank فكرة الإنجاز إلى عنصرين وهما: أ- المكافأة Reward، ب- التعبئة Recruitment، وإذا كانت المكافآت تعتمد على الإنجاز بشكل أساسي، فإن التعبئة -ويقصد بها تحديد شاغلي بعض الأدوار القيادية خاصة في قمة التنظيمات الاستراتيجية- فإنها تعمد على عوامل منسوبة، وهذه العوامل الأخيرة تلعب دورًا مهمًّا في تحديد مراكز النساء في المجتمع الأمريكي -خاصة من حيث الجانب الاقتصادي- ونفس الأمر يحدث في المجتمع الياباني وإن كان بشكل عكسي -فهذا المجتمع عندما يحدد شاغلي الأدوار -التعبئة- يعتمد بشكل كامل على الكفاية والخبرة والتعليم -الإنجاز- أما عندما يوزع العائد أو المكافآت الاقتصادية فإنه يعتمد على عوامل منسوبة كالسن والجنس وحجم الالتزامات الشخصية
…
إلخ15.
مثل هذه الملاحظات وغيرها هي التي جعلت بعض الدارسين مثل "تيبس" و"فرانك" يرون ضرورة إحداث تغيرات أساسية في توجهات نظرية التحديث، وهذا هو ما حاوله بعض الدارسين بالفعل. غير أنهم انطلقوا من خلفيات إيديولوجية متناقضة: ومثال هذا فرانك الذي انطلق من منطلقات ماركسية جماعية مدخل جماعي وهناك باحثون انطلقوا من المستوى الفردي
حيث ركزوا على التحولات الفردية التي تحدث في المجالات المعرفية عند الأفراد In terms of cognitive transformation وفي اتجاهاتهم وقيمهم وسلوكهم -مدخل فردي أو سيكو اجتماعي- وهناك فريق ثالث من الباحثين ينطلقون من التحليل الفينومينولوجي لظاهرة التحديث -مدخل فينومينولوجي-16. ويمكن القول إنه نتيجة لانطلاق نظريات واتجاهات الدراسة في التحديث والتنمية من منطلقات إيديولوجية، فإنه لا توجد حتى الآن نظرية تنال موافقة جميع الباحثين أو حتى غالبيتهم. وعلى الباحث الموضوعي إحداث نوع من الالتقاء النظري بين الاتجاهات المطروحة خاصة تلك التي تركز كل منها على جانب أو آخر من جوانب الواقع الاجتماعي.
والواقع أنّ محاولة التوصل إلى صياغة نظرية جديدة قادرة على تفسير الواقع وتحديثه، لا بد أن تلتزم بدورها بإطار عقائدي من جهة كما تستفيد من معطيات الدراسات الأمبيريقية داخل مجتمعات متقدمة اقتصاديًّا وتكنولوجيًّا وعلميًّا، وداخل مجتمعات متخلفة وداخل مجتمعات انتقالية أو في حالة نمو Translation Societies من جهة أخرى. ونحن عندما ندرس قضايا التحديث يجب أن ندرسها في ضوء المدخل الإسلامي وفي ضوء خصائص الواقع ومعطياته، وإذا كان التكامل بين الإطار النظري ومعطيات الواقع الاجتماعي التاريخي أمرًا لازمًا، فإن التكامل بين العوامل الداخلية والعوامل الخارجية أمر مهم عند دراسة منطلقات ومحركات التغير التحديثي. وهنا يجب الربط بين التباينات أو التناقضات التي توجد داخل كافة مستويات الواقع الاجتماعي، تلك التي تدفع الناس إلى إحداث تغيرات من أجل القضاء عليها. ويجب أن نبدل أو ندرس هذه التباينات في إطار ها الاجتماعي التاريخي على أنها محصلة لعمليات وظواهر حدثت في الماضي وتتجه الجهود المعاصرة لتجاوزها. يجب الاستفادة من المدخل الوظيفي من حيث ضرورة إدراك التساند الوظيفي بين مكونات الواقع الاجتماعي والثقافي من جهة والتساند بين مختلف التغيرات الحادثة داخله من جهة أخرى. ونفس الأمر يجب أن يطبق على ما يمكن أن نطلق عليه النسق العالمي World System حيث