المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التحديث والتغير الاجتماعي - بناء المجتمع الإسلامي

[نبيل السمالوطي]

فهرس الكتاب

- ‌ال‌‌مقدمة

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌فهرس

- ‌الفصل الأول: الأسس البنائية للمجتمع الإسلامي

- ‌مقدمة

- ‌العقيدة بين المفهوم الإسلامي والمفاهيم المعارضة:

- ‌المفهوم القرآني للعقيدة:

- ‌الفكر الاجتماعي الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ نفي الحرج

- ‌ قلة التكاليف

- ‌ التدرج في الأحكام

- ‌ مسايرة مصالح الناس

- ‌ تحقيق العدالة بين الناس

- ‌أهداف الشريعة الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ تهذيب الإنسان بالعبادات

- ‌ إقامة العدل في الجماعة الإسلامية

- ‌المصلحة

- ‌مدخل

- ‌ مرتبة الضروريات:

- ‌ مرتبة الحاجيات:

- ‌ مرتبة التحسينات:

- ‌أسس العلاقات الاجتماعية الصالحة

- ‌العدل واجتناب الظلم

- ‌ طاعة أولياء الأمور في غير معصية:

- ‌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌ التخلق بالأخلاق الإسلامية:

- ‌التربية الإسلامية الصحيحة

- ‌مدخل

- ‌ التربية الإسلامية تربية تكاملية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية متوازية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية سلوكية وعملية:

- ‌ التربية الإسلامية تجمع بين الفردية والجماعية:

- ‌ التربية الإسلامية تركز على تقوية جانب المراقبة لله:

- ‌ التربية الإسلامية تربية لفطرة الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية توجه الإنسان نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تتسم بالعالمية والشمول:

- ‌ التربية الإسلامية محافظة ومجددة:

- ‌العلاقة بين العقيدة والشريعة

- ‌مدخل

- ‌ الجوانب السلوكية التي تحدد العلاقة بين الإنسان وربه

- ‌ الجوانب السلوكية الذاتية والاجتماعية

- ‌مصادر الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني: الدراسة السوسيولوجية للنظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌تعريف النظام الاجتماعي:

- ‌خصائص النظم الاجتماعية

- ‌لكل نظام وظيفة أو مجموعة من الوظائف يؤديها داخل المجتمع

- ‌ يرتبط النظام بفكرة المعايير أو القواعد الضابطة للسلوك

- ‌التزام الناس بهذه القواعد يرتبط بفكرة الجزاءات الاجتماعية

- ‌ النظام هو السلوك الاجتماعي الذي يعترف به أبناء المجتمع

- ‌ أغلب النظم تتسم بدرجة عالية من التعقيد

- ‌ الترابط الوظيفي

- ‌ لكل نظام اجتماعي مجموعة من العناصر

- ‌أنواع النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ من حيث العمومية والخصوصية:

- ‌ من حيث الاستمرار والعرضية أو الوقتية في الحدوث:

- ‌ من حيث التلقائية والتقنين:

- ‌ من حيث المشروعية وعدم المشروعية:

- ‌ من حيث الهدف:

- ‌من حيث ما إذا كان النظام أساسي أو فرعى

- ‌ النظم الاختيارية والنظم الإجبارية

- ‌ يضيف بعض العلماء

- ‌أهداف النظم الاجتماعية:

- ‌تصنيف النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ النظم الاقتصادية والحكومية:

- ‌ النظام العائلي:

- ‌ نظام الدين:

- ‌ نظام التعبيرات الجمالية والعقلية والترويح:

- ‌أهمية دراسة النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ تدخل النظم الأساسية في تكوين البناء الاجتماعي

- ‌ تكشف النظم الاجتماعية للمجتمع عن أساليبَ لمواجهة حاجاته الجماعية

- ‌ تعد دراسة النظم الاجتماعية هي الأساس الأول للدراسة المقارنة بين المجتمعات

- ‌ تعد الدراسة العلمية للنظم الاجتماعية هي الأساس الأول لمواجهة المشكلات الاجتماعية

- ‌النظم وأوزانها داخل البناء الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ التيار الماركسي الملحد

- ‌ التيار الديني أو القيمي

- ‌مصادر الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث: النظام العائلي

- ‌الأسرة

- ‌الأسرة أهميتها ووظائفها

- ‌أسس بناء الأسرة في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ التعرف:

- ‌ الرضا الكامل الذاتي من الطرفين

- ‌ الكفاءة:

- ‌ المهر:

- ‌الحقوق والواجبات الزوجية

- ‌نظام الأدوار والمراكز الاجتماعية داخل إطار العلاقات الأسرية

- ‌مدخل

- ‌ حقوق الزوجة على الزوج:

- ‌ حقوق الزوج على زوجته:

- ‌ حقوق الأولاد:

- ‌نظام المحرمات من النساء في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ المحرمات بسبب القرابة

- ‌ المحرمات بسبب المصاهرة

- ‌ المحرمات بسبب الرضاعة:

- ‌نظام التحريم على سبيل التأقيت:

- ‌النظام الإسلامي في مواجهة الخلافات والمشكلات الأسرية:

- ‌النظام الإسلامي لإنهاء العلاقات الزوجية مع محاولات العلاج:

- ‌الإسلام وقضية تعدد الزوجات:

- ‌مصادر الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع: النظام التربوي

- ‌مقدمة

- ‌نماذج قرآنية للتربية:

- ‌نماذج من أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام:

- ‌أهداف التربية الإسلامية:

- ‌ميادين التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌الميدان الأول تلاوة الآيات

- ‌الميدان الثاني التزكية

- ‌الميدان الثالث تعليم الكتاب

- ‌الميدان الرابع تعليم الحكمة

- ‌أهم الأسس العامة التي تقوم عليها التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ التربية الإسلامية تحقق النمو المتكامل المتوازن لشخصية الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية تحقق للإنسان التوازن:

- ‌ التربية الإسلامية تربية فكرية وسلوكية وعملية معا:

- ‌تجمع التربية الإسلامية بين الطابع الفردى والاجتماعي معا

- ‌التربية الإسلامية تنشيء الفرد على مراقبة الله سبحانه

- ‌ التربية الإسلامية تحافظ على فطرة الإنسان النقية وتعلي غرائزه الفطرية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية موجهة نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية عالمية منفتحة:

- ‌التربية الإسلامية تجمع بين المحافظة والتجديد

- ‌أساليب التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ أسلوب القدوة الصالحة:

- ‌ أسلوب الترغيب والترهيب:

- ‌ أسلوب التوجيه والموعظة الحسنة:

- ‌ أسلوب العقاب الفعلي:

- ‌ أسلوب القصة:

- ‌أسلوب التربية السلوكية باقتلاع العادات السيئة

- ‌ استخدام الأساليب الحسية:

- ‌ أسلوب النقاش والحوار

- ‌ أسلوب المحاولة والخطأ:

- ‌ أسلوب استخدام الأحداث والظروف والمواقف في مجال التعليم:

- ‌ توجيه طاقات الإنسان في مساراتها الصحيحة:

- ‌ أسلوب استثمار وقت الفراغ:

- ‌التربية الإسلامية وقضية الصحة النفسية

- ‌مدخل

- ‌ المعيار المثالي:

- ‌ المعيار الإحصائي:

- ‌ المعيار الحضاري:

- ‌ المعيار السيكولوجي أو الطبي النفسي:

- ‌ المعيار الإسلامي الصحيح:

- ‌مؤشرات الصحة النفسية بالمفهوم الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ الإيمان الكامل اليقيني بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره

- ‌ التوافق الاجتماعي مع الغير:

- ‌ التوافق الذاتي:

- ‌ الشعور بالسموِّ والعزة والعلوِّ والقدرة على مواجهة الصعاب والأزمات

- ‌ الشعور بالرضا والسعادة:

- ‌ القدرة على العطاء والإنجاز والعمل:

- ‌مبادئ التعلم في النظرية التربوية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ الربط بين النظرية والتطبيق:

- ‌ مراعاة استعدادات المتعلم وقدرته الاستيعابية والإدراكية:

- ‌ تكوين الاتجاهات قبل الفهم واستيعاب المعلومات:

- ‌ تسهيل العملية التعليمية وتيسير حصولها:

- ‌التعزيز من خلال الاستفسار والمراجعة والمناقشة

- ‌مدخل

- ‌ التطور، سنة من سنن الحياة:

- ‌ التبصر في التراث وإعمال العقل وعدم التقليد الأعمي:

- ‌ الانفتاح العقلي على مختلف التجارب والخبرات البشرية

- ‌ التكامل بين العلم والإيمان:

- ‌ التكامل بين العقل والنقل أو الإيمان بالغيب ومنطق العلم:

- ‌ ضرورة أن يكون العلم موجهًا لما يرضي الله سبحانه:

- ‌ ضَرُورة العمل على نشر العلم وتعليم الناس:

- ‌ استمرارية التعلم وعدم تقيده بسن:

- ‌ إيجاد علاقة شخصية وطيدة بين المتعلم والمعلم:

- ‌نماذج من الآراء التربوية عند المسلمين

- ‌مدخل

- ‌ المستوى الفردي

- ‌ المستوى الاجتماعي العام

- ‌ المستوى الإنساني

- ‌مصادر الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس: النظام الاقتصادي

- ‌مقدمة

- ‌المنظور الإسلامي للمال أو الثروة المادية:

- ‌أساليب تحصيل الثروة والأموال

- ‌مدخل

- ‌ التجارة:

- ‌ الزراعة:

- ‌ الصناعة:

- ‌دعوة الإسلام إلي الاستثمار

- ‌مدخل

- ‌ دعوة الإسلام إلى العمل:

- ‌ تحريم الاكتناز والاستغلال:

- ‌ تحريم الاستثمار الاستغلالي:

- ‌الأسس البنائية للاقتصاد الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌الاتفاق مع الطبيعية البشرية

- ‌ تحقيق التوازن بين الفرد والجماعة وبين دوافع الإنسان:

- ‌ الضوابط الاقتصادية:

- ‌ إطلاق الطاقات الاستثمارية وتشجيع النشاط الاقتصادي المنتج:

- ‌ الحيلولة دون التضخم المرضي للثروات الخاصة:

- ‌ المجتمع الإسلامي يقضي على الفقر ويعالج مشكلة الاحتياج:

- ‌نظام الملكية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌واجبات التملك

- ‌مدخل

- ‌ أداء الزكاة التي فرضها الله سبحانه:

- ‌ أداء واجبات التكافل الاجتماعي:

- ‌ضوابط الملكية الخاصة في الإسلام:

- ‌أساليب اكتساب الملكية

- ‌مدخل

- ‌ الكسب بالانتظار:

- ‌ العمل:

- ‌ المخاطرة:

- ‌ الزرع وإحياء الأرض الموات:

- ‌ العقود الناقلة للملكية:

- ‌ الميراث:

- ‌نظام المعاملات المالية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌نظام الزكاة: فلسفتها وأهدافها الاجتماعية:

- ‌علاقات العمل في الإسلام:

- ‌الواقعية الاقتصادية في الإسلام -تكافؤ الفرص وتفاوت الثروات

- ‌العدالة الاقتصادية في الإسلام:

- ‌أسلوب مواجهة الإسلام للمشكلات الاقتصادية

- ‌مدخل

- ‌مواجهة الإسلام لمشكلة الفقر

- ‌مدخل

- ‌ بيت مال المسلمين

- ‌ الزكاة:

- ‌ النفقات الواجبة:

- ‌ مواجهة الإسلام لمشكلة التمايز والصراع الطبقي:

- ‌ مواجهة الإسلام لمشكلة البطالة:

- ‌تحقيق الاستقلال الاقتصادي للمجتمع الإسلامي:

- ‌التوجيه الاقتصادي في الإسلام:

- ‌الوظائف الاقتصادية للدولة طبقا للنظام الاقتصادي الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ حالات الاحتكار والاستغلال والإضرار:

- ‌ في حالة الربح الفاحش:

- ‌ في الحالات التي تستدعيها الضرورة:

- ‌مسئولية الدولة عن الأموال العامة:

- ‌مسئولية الدولة في مجال الضمان الاجتماعي ومعاونة الفئات المحتاجة

- ‌الملكية العامة في الإسلام وضوابطها

- ‌مدخل

- ‌ أرض الحمى:

- ‌ الأراضي الزراعية المفتوحة:

- ‌الفكر الاقتصادي في التراث الإسلامي:

- ‌مصادر الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس: قضايا التحديث والتنمية في علم الاجتماع مع طرح مدخل إسلامي مقترح

- ‌مقدمة

- ‌التحديث وارتباطه بالتصنيع:

- ‌التحديث والتغير الاجتماعي

- ‌التحديث الحضاري: شروطه، نماذجه، معوقاته

- ‌اتجاهات دراسة التحديث في الدول النامية

- ‌تحديث البناء الاجتماعي-التحديث الفردي

- ‌التحديث وقضية الالتزام الجماهيري بقضايا المجتمع والتنمية

- ‌نماذج من المعوقات الاستراتيجية أمام تحديث الدول النامية

- ‌التحديث والتنمية

- ‌العلاقة بينهما ومداخل الدراسة

- ‌مدخل

- ‌البعد العقائدي أو الإيديولوجي

- ‌ بعد النظم الاجتماعية:

- ‌ البعد التنظيمي:

- ‌ البعد الثقافي:

- ‌ البعد النفسي:

- ‌ بُعْد الإمكانات المتاحة:

- ‌ بُعْد المناخ الدولي أو النسق العالمي:

- ‌نحو مدخل إسلامي للتنمية

- ‌مصادر الفصل السادس

الفصل: ‌التحديث والتغير الاجتماعي

والاتجاهات الموجهة. والواقع أن حرية الاختيار تعد وظيفة لأنواع مختلفة من التنمية والتغيرات الإنمائية. ويؤكد دافيد آبتر D. Apter أهمية هذا المتغير حيث يشير في دراسته بعنوان The Politics of Modernization أرى أن التحديث كعملية غير اقتصادية يظهر عندما تُطَوَّر الثقافة اتجاهًا لطرح استفسارات أو تساؤلات حول كيفية قيام الناس بعملية الاختيار، سواء الاختيارات الأخلاقية أو المعيارية أو الاجتماعية البنائية أو الشخصية السلوكية فمشكلة الاختيار مشكلة أساسية أو محورية في حياة الإنسان الحديث10.

ويذهب ايثيل دي سولا بول Pool في دراسته عن دور الاتصال في عملية التحديث والتغير التكنولوجي إلى أن التحديث هو عملية اكتساب تصورات أو صور عقلية جديدة مثل تصور التغير الموجه Direct Change، وتصور إمكانية حدوث التنمية Possibility of development. ويشير إلى أن وسائل الاتصال العامة Mass media تلعب دورًا مهمًا في إكساب الناس مثل هذه التصورات الجديدة. وهذا يعني أن من بين وظائف وسائل الاتصال تقديم مجموعة من البدائل الفكرية أو التصويرية أو السلوكية الأمر الذي يستثير أعمال الفكر والمقارنة والاختيار، وهذه المتغيرات أساسيَّة للتحول من التقليديين إلى الحداثة.

ص: 295

‌التحديث والتغير الاجتماعي

وعلى الرغم اختلاف المنظورات والاتجاهات بصدد تحديد مفهوم ومضامين عملية ومصطلح التحديث، إلا أن هناك اتفاقًا حول بعض القضايا. ومثال هذا أن "دانيل ليرنر" D. Lerner يحدد لنا أهم جوانب الالتقاء بين الدارسين بصدد تحديد أهم خصائص الحداثة Charecteristics of Modernity فيما يلي:

أولًا: توافر حد أدنى من القدرة الاقتصادية على النمو الذاتي المستمر

ص: 295

Self suslained growth. وهذا يعني قدرة الاقتصاد الوطني على تحقيق نمو مستمر ومنتظم في الإنتاج والاستهلاك.

ثانيًا: تحقيق قدر معين من المشاركة السياسية على كافة مستويات المشاركة طبقًا لمقاييس المشاركة يمكن صياغتها وإعدادها لقياس هذه الظاهرة.

ثالثًا: توافر إمكانات الحراك الاجتماعي أو التنقل الاجتماعي وتزايد معدلاته.

رابعًا: انتشار المعايير العقلية والعلمية ونماذج التفكير المنطقي داخل الثقافة العامة للمجتمع.

خامسًا: سيادة نموذج منوالي للشخصية يتيح للأفراد أداء الأعمال التي يقومون بها -لعب أدوارهم- بكافة في إطار نظام اجتماعي يتسم بخصائص معينة -قدرة الاقتصاد على النمو الذاتي المستمر والمنتظم، والمشاركة، وسيادة المعايير العقلية والعلمية، وشيوع الحراك والتنقل الاجتماعي.

وإذا كان "لوير" يشير إلى أن التحديث ببساطة يعني مواجهة نوعين أساسيين من المشكلات وهي مشكلات الخبز، الاقتصاد، والحرية، الأخلاق والاجتماع والسياسة والثقافة، فإذا هذا يعني أن التحديث لا يقتصر على الجانب الاقتصادي ولكن يشير إلى مفهوم تتكامل في إطاره مختلف التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وهناك تساؤل يطرحه "لوير" حول مدى كفاية نظريات التغير الاجتماعي المطروحة في تراث علم الاجتماع، من حيث تفسير التغيرات التحدثية أو التنموية التي تجري في دول العالم الثالث التي تمثل قطاعًا ضخمًا من سكان العالم. ومن الملاحظ أن الكثير من النظريات والآراء المطروحة في هذا العلم ركزت على جانب أو جوانب معينة في حين أغفلت جوانب أخرى. وينطبق هذا على التحليل البنائي الوظيفي الذي قدمه "سملسر" N. Smelser

ص: 296

عن التحديث في انجلترا، كما ينطبق على أنصار التيار السيكولوجي في تفسير التحديث "هيجن" و"ماكليلاند" وعلى أنصار تيار التحديث الفردي Individual Modrnity. ويتضح للمتتبع للتراث أن نظريات التغير المطروحة غير كافية لتفسير التغيرات الحادثة في العالم الثالث، وأن هذه النظريات متصارعة والعديد منها موجه إيديولوجيا، وتعكس تجربة مجتمع أو آخر أو تجربة إيديولوجية يعينها ولم تصغ أي منها بالأساليب المنهجية المقارنة الصحيحة.

وهناك العديد من الدراسات النقدية التي تعرضت لدراسات التحديث من بينها دراسة "دين تيبس" Dean Tipps بعنوان نظرية التحديث والدراسة المقارنة للمجتمعات: منظور نقدي11. ويؤكد تيبس أن أغلب علماء الاجتماع استخدموا مفهوم التحديث على أنه مفهوم شمولي مستقل Inclusive وليس على أنه تصور فارق أو مميز Discriminating concept. فهم يستخدمونه للإشارة إلى تغيرات وظواهر معينة، وليس لتوضيح الفروق بين ما هو حديث وما هو تقليدي وأساليب التحول وعوامله. وغالبًا ما تكون مستويات التحليل النظرية منصبة على عموميات كالمجتمع والثقافة ولا يركزون على الفرد. وغالبًا ما ينظر علماء الاجتماع إلى الحداثة الفردية على أنها وظيفة للتحديث في المجتمع والثقافة وهذا يعني اتساع وحدة التحليل على مستوى المجتمعات Societal Level مما يدخلهم في دائرة التجريد ويفقد تحليلاتهم الطابع الأمبيريقي. ويصنف تيبس نظريات التحديث إلى نموذجين وهما:

أ- نموذج المتغير الحاكم أو الرئيس The critical variable

ب- نموذج النظريات الثنائية Dichotomous theories

ويركز أنصار النموذج الأول على متغير يعينه بوصفه المتغير الأساسي الذي يقود حركة التغير ويستثير تغيرات تابعة مثل سيادة الاتجاه العقلي، أو التصنيع. وهنا يصبح التحديث مرادفًا للمتغير الحاكم. أما أنصار النموذج

ص: 297

الثاني -الأكثر شيوعًا- فهم يركزون على عملية التحولات الاجتماعية والثقافية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعقائدية والقيمية

إلخ. من الأشكال التقليدية إلى الأشكال الحديثة. وهنا يتحدد مفهوم التحديث في ضوء الهدف النهائي سيادة النظم الغربية عند البعض، أو النظم السائدة في الاتحاد السوفيتي عند البعض، أو النظم الإسلامية عند البعض

إلخ.

ويمكن القول أن المشكلة الأساسية بالنسبة للنموذج الأول هو أن استبدال مصطلح التحديث بالمتغير الحاكم حسب ما يراه كل مفكر أمر لا يفيد كثيرًا من التحليل العلمي. أما مشكلة نموذج الثنائيات فهي كما يحددها "تيبس" ذات ثلاثة جوانب:

أ- جانب إيديولوجي Ideological

ب- جانب واقعي Emperical

ج- جانب يتعلق بما بعد التنظير أو بفلسفة التنظير Meta theoretical

ويتمثل النقد الإيديولوجي في فكرة الطوبائية التي يلحقونها بالمجتمعات الغربية بوصفها هدف التحديث في الدول النامية -وهذا ينطبق على أغلب النظريات الثنائية. وقد أطلق فرانك على هذه النظريات التشبيه التالي12. "الملابس التي تخفي الاستعمار العاري"*. ويؤكد "ميردال" أن أهم جوانب النقد الواقعي الموجهة لهذه الثنائيات أنها تتجاهل أثر القوى الخارجية. الدولية والإقليمية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية من حيث أثرها على تحريك المجتمعات نحو التحديث، سواء أكانت قوى تحدى أو تعويق، أو قوى للدعم والمساعدة. يضاف إلى هذه أن هذه النظريات تحاول تنميط التقليدية والحداثة بشكل جامد الأمر الذي يتجاهل الأنواع المختلفة من التقليدية ومن الحداثة، كما يتجاهل التجارب المختلفة للمجتمعات. هذا

* The clothes that hide the naked imperialism see. Ander Guunner Frank; Sociology of development and underdevelopment of sociology-Catalist. No. 1967 pp. 20-73.

ص: 298

إلى جانب إمكان التداخل بين جوانب التقليدية والحداثة. ولتوضيح النقطة الأخيرة يحاول بعض الباحثين المقابلة بين التوجه نحو الإنجاز Achievement orientation -وهو خاصية المجتمعات الحديثة- والتوجه نحو التركيز على العوامل المنسوبة Ascription. والواقع أنه حتى في المجتمعات الحديثة يوجد التوجهان ويعملان معًا بأشكال ونسب مختلفة وهذا ما كشفت عنه دراسة "أدوين سوذرلاند" E. Sutherland في دراسته عن جرائم ذوي الياقات البيضاء أو جرائم الصفوة13، ودرَاسَة "تشارلس رايت ملز" C.R. Mills عن صفوة القوة في الولايات المتحدة الأمريكية14 حيث كشف عن أن الصفوات الاقتصادية والسياسة والعسكرية هي في واقع الأمر صفوة واحدة لما يوجد بينها من مصالح وعلاقات وخلفيات اجتماعية وإيديولوجية وسياسية موحدة. ويصنف "فرانك" Frank فكرة الإنجاز إلى عنصرين وهما: أ- المكافأة Reward، ب- التعبئة Recruitment، وإذا كانت المكافآت تعتمد على الإنجاز بشكل أساسي، فإن التعبئة -ويقصد بها تحديد شاغلي بعض الأدوار القيادية خاصة في قمة التنظيمات الاستراتيجية- فإنها تعمد على عوامل منسوبة، وهذه العوامل الأخيرة تلعب دورًا مهمًّا في تحديد مراكز النساء في المجتمع الأمريكي -خاصة من حيث الجانب الاقتصادي- ونفس الأمر يحدث في المجتمع الياباني وإن كان بشكل عكسي -فهذا المجتمع عندما يحدد شاغلي الأدوار -التعبئة- يعتمد بشكل كامل على الكفاية والخبرة والتعليم -الإنجاز- أما عندما يوزع العائد أو المكافآت الاقتصادية فإنه يعتمد على عوامل منسوبة كالسن والجنس وحجم الالتزامات الشخصية

إلخ15.

مثل هذه الملاحظات وغيرها هي التي جعلت بعض الدارسين مثل "تيبس" و"فرانك" يرون ضرورة إحداث تغيرات أساسية في توجهات نظرية التحديث، وهذا هو ما حاوله بعض الدارسين بالفعل. غير أنهم انطلقوا من خلفيات إيديولوجية متناقضة: ومثال هذا فرانك الذي انطلق من منطلقات ماركسية جماعية مدخل جماعي وهناك باحثون انطلقوا من المستوى الفردي

ص: 299

حيث ركزوا على التحولات الفردية التي تحدث في المجالات المعرفية عند الأفراد In terms of cognitive transformation وفي اتجاهاتهم وقيمهم وسلوكهم -مدخل فردي أو سيكو اجتماعي- وهناك فريق ثالث من الباحثين ينطلقون من التحليل الفينومينولوجي لظاهرة التحديث -مدخل فينومينولوجي-16. ويمكن القول إنه نتيجة لانطلاق نظريات واتجاهات الدراسة في التحديث والتنمية من منطلقات إيديولوجية، فإنه لا توجد حتى الآن نظرية تنال موافقة جميع الباحثين أو حتى غالبيتهم. وعلى الباحث الموضوعي إحداث نوع من الالتقاء النظري بين الاتجاهات المطروحة خاصة تلك التي تركز كل منها على جانب أو آخر من جوانب الواقع الاجتماعي.

والواقع أنّ محاولة التوصل إلى صياغة نظرية جديدة قادرة على تفسير الواقع وتحديثه، لا بد أن تلتزم بدورها بإطار عقائدي من جهة كما تستفيد من معطيات الدراسات الأمبيريقية داخل مجتمعات متقدمة اقتصاديًّا وتكنولوجيًّا وعلميًّا، وداخل مجتمعات متخلفة وداخل مجتمعات انتقالية أو في حالة نمو Translation Societies من جهة أخرى. ونحن عندما ندرس قضايا التحديث يجب أن ندرسها في ضوء المدخل الإسلامي وفي ضوء خصائص الواقع ومعطياته، وإذا كان التكامل بين الإطار النظري ومعطيات الواقع الاجتماعي التاريخي أمرًا لازمًا، فإن التكامل بين العوامل الداخلية والعوامل الخارجية أمر مهم عند دراسة منطلقات ومحركات التغير التحديثي. وهنا يجب الربط بين التباينات أو التناقضات التي توجد داخل كافة مستويات الواقع الاجتماعي، تلك التي تدفع الناس إلى إحداث تغيرات من أجل القضاء عليها. ويجب أن نبدل أو ندرس هذه التباينات في إطار ها الاجتماعي التاريخي على أنها محصلة لعمليات وظواهر حدثت في الماضي وتتجه الجهود المعاصرة لتجاوزها. يجب الاستفادة من المدخل الوظيفي من حيث ضرورة إدراك التساند الوظيفي بين مكونات الواقع الاجتماعي والثقافي من جهة والتساند بين مختلف التغيرات الحادثة داخله من جهة أخرى. ونفس الأمر يجب أن يطبق على ما يمكن أن نطلق عليه النسق العالمي World System حيث

ص: 300