الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في هذه الحياة الدنيا القصيرة أو في الآخرة دار الخلود. فالقراءة والتعلم والتربية كلها تتم باسم الله {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} .
نماذج قرآنية للتربية:
يوجه القرآن الكريم أنظار الآباء والمربين إلى مبادئ تربوية سامية عليهم الحرص عليها خلال تربية أبنائهم. ويتجلَّى هذا التوجيه فى عدة مواضع من القرآن الكريم منها لقمان الحكيم لابْنِهِ، ذلك لأن لقمان قد أوتي الحكمة، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا، قال تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ، وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ، يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور، وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 13-19] .
وهذه الوصايا التربوية تتضمن مجموعة من القيم التي يحرص الإسلام على تنشئة الناس عليها وفي مقدمتها النهي عن الشرك، وتحقيق التوحيد المطلق لله سبحانه، والتنبيه إلى أن الله يعلم السر وما يخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والتوجيه بضرورة رعاية الآباء والأمهات في كل ما يرضي الله وعدم إطاعتهما إذا كانت تعليماتهما تتعارض مع الدين، مع
ضرورة مراعاة الأدب معهما في كل الأحوال. كذلك تضمنت الوصية ضرورة إقامة الصلاة لأنها عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين، ومن هَدَمَهَا فقد هدم الدين، كما احتوت على ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومراعاة الالتزام بالصبر على المكاره {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] . وتنهي هذه الموعظة التربوية عن الكبرياء في معاملة الناس وعن الخيلاء، وضرورة الالتزام بالتواضع ومن تواضع لله رَفَعَه. وتشير كذلك إلى مجموعة من الآداب المهمة منها الاعتدال في الخطب وضرورة خفض الصوت عند الحديث وعدم التشبه بالحيوانات
…
إلخ.
وقد أثنى القرآن الكريم على أهل الكهف لأنهم صمدوا في مواجهة الظلم وثبتوا على العقيدة في مواجهة الكفر يقول تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] .
وفي سورة يوسف يضرب الله لنا مثلًا بالشاب الصالح العفيف الذي يراعي الله ويراقبه في السر والعلن، ويتمسك بدينه في مواجهة إغراءات الدنيا، فقد تعرض لفتنة جمال امرأة العزيز وحسبها ونسبها، ولكنه أبى واعتصم بعقيدته:{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ، وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 23-24] . وتشير هذه الآية إلى مجموعة من الحقائق والقيم، منها ضرورة الصمود في مواجهة المغريات، وأن هذه المغريات قد تكون اختبارًا من الله سبحانه، ويجب على الإنسان مراقبة الله في السر والعلن، وأن الله يساعد المؤمنين الذين يراقبونه على الاستمرار في الفضائل وتجنب الرذائل.
ويوضح لنا الخالق سبحانه في سورة النور مجموعة من الآداب والقيم
الاجتماعية التربوية التي يجب غرسها في نفوس النشء وتدريبهم سلوكيًّا عليها، مثال هذا استئذان الصغار عند دخولهم على الكبار خلال وقت الراحة والخولة {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 59] ، وذلك حتى لا يطلع الأبناء على علاقات آبائهم الخاصة فتترك أثرًا سيئًا في نفوسهم، وينشغلون بها قبل الأوان.
ويوضح لنا القرآن الكريم في سورة الفرقان خصائص عباد الرحمن التي يجب غرسها في النشء من خلال العملية التربوية قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً، إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً، وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً، وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 63-96] . وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا، وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَانًا، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 63-74] .
- ويروي لنا القرآن الكريم قصة نوح عليه السلام مع ابنه: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود: 42] . ولكن الابن أصر على العناد، فلم ييأسْ نوح وتوجه إلى ربه العزيز الحكيم بقلب الأب العطوف اللاهف قائلًا:{رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: 45] . وهذا سيدنا إبراهيم يدعو ربه {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35] .