الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجب إدراك عمليات التنمية داخل الدول النامية في علاقاتها سلبًا وإيجابًا مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الدولية، حيث إنه لا يمكن فهم تنمية المجتمعات المتخلفة أو الانتقالية بمعزل عن المتغيرات العالمية.
التحديث الحضاري: شروطه، نماذجه، معوقاته
هناك مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والسياسية المتفاعلة والمتكاملة يمكن من خلالها تحقيق التحديث الحضاري مقاسًا بالمعايير العلمية مثل متوسط دخل الفرد والمستويات الغذائية ونسبة الأطباء إلى الجماهير وعدد الكيلومترات المرصوفة ومستوى الإسكان ومتوسط استهلاك الفرد من الكهرباء
…
إلخ. وإذا كنا نستطيع توضيح أهم هذه العوامل فإنه يتبقى سؤالان مطروحان، الأول يتعلق بأوزان كل عامل ودوره في عملية التحديث، والثاني يتعلق بالتفاعل والعملية الدائرية بين هذه العوامل. فهناك عوامل معينة لا نستطيع الجزم بموقعها في عملية التحديث على الرغم من أهميتها الإستراتيجية: هل هي شرط لحدوثه أم مصاحبة لحدوثه، أم نتيجة لتحققه؟ ويضرب لنا "مايرون فاينر" Myron Weiner مثالًا على هذا في دراسة له بعنوان ديناميات النمو عام 1961* حيث يذكر أنه على الرغم من وجود اتفاق بين الدارسين على حتمية الارتباط بين التحديث وبين القيم والاتجاهات والتصورات العقلية، إلا أن هناك خلافًا حول تحديد موقع هذه المتغيرات في التسلسل الزمني Sequence هل هي شرط للتحديث أم نتيجة له، هل هي المتغير المستقل أم المتغير التابع؟ 17.
ويحاول البعض من خلال منظور أكثر واقعية إدراك التفاعل بين القيم والاتجاهات من جهة وبين الترتيبات النظامية Inistitutional arrangements من جهة أخرى على أساس أن هذه الأخيرة يجب أن تتسم بحد أدنى من
* The dynamics of Growth: N.Y. Basic Books 1966.
المرونة بحيث تسمح ببدء التغيرات الإنمائية -في التعليم والصحة والصناعة والزراعة
…
إلخ- وفي نفس الوقت يجب أن تتزامن مع هذه التغيرات محاولات لدعم القيم والاتجاهات والسلوكيات في الاتجاه الذي يخدم هذه التغيرات ويسرع بعملية التحول، بشرط أن تكون القيم والاتجاهات العاملة داخل المجتمع من النوع القابل للتغير في الاتجاه الذي يخدم عمليات التنمية. وهنا يحدث تفاعل بين محاولات التغيير المتزامنة في العاملين المذكورين معًا.
وعلى الرغم من عدم وضوح طبيعة العلاقة العلمية أو التفاعلية بين العوامل والمتغيرات خلال عملية التنمية، فإن هناك عوامل ذات أهمية استراتيجية. ويركز البعض على العوامل الاقتصادية، وخاصة على عمليات التصنيع. فالتنمية ترتبط بالنمو الاقتصادي المتواصل والمستمر Sustained economic growth وهذا المتغير يتطلب -كما يشير "روستو" Rostow توافر ثلاثة عوامل وهي:
أولًا: تهيئة البنية الأساسية أو توافر رأس مال اجتماعي عام Social over-head capital من أجل إيجاد وتنشيط السوق الوطني وتحقيق أحسن استغلال ممكن للثروات الطبيعية، ومن أجل تهيئة الظروف أمام الحكومة الوطنية لممارسة عمليات الحكم والضبط الاجتماعي بكفاءة.
ثانيًا: تحقيق الثورة التكنولوجية في مجالات الزراعة والصناعة والاتصالات.
ثالثًا: التوسع في الاستيراد من أجل دعم الانتاج، خاصة المواد الرأسمالية Capital import18.
وعلى الرغم من اتفاق قطاع كبير من الاقتصاديين مع الشروط التي وضعها "روستو" للنمو الاقتصادي، فإن هناك خلافًا حول تحديد طبيعة هذه الشروط من جهة، وحول تحديد المسار المناسب Appropriate Path
المؤدي إلى الاقتصاد الحديث من جهة أخرى. ومن أمثلة التساؤلات المطروحة. هل تبدأ الدولة بنموذج للتصنيع الخفيف أم الثقيل؟ وهل تتطلب التنمية إحداث تغيرٍ متوازٍ أم غير متوازٍ بين مختلف المتغيرات الاقتصادية؟
…
إلخ.
والواقع أنَّ البيئة الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورًا مهمًّا في تهيئة المناخ للتنمية داخل الدول النامية أو في تعريضه. وقد أشار "هباكوك Habakkuk" إلى الدور الذي لعبه المناخ "السوسيو- اقتصادي" لإنجلترا في تسهيل النتمية الوطنية داخلها. ويعطي على هذا أمثلة، المجال الجغرافي واتساع حجم السوق بسبب المستعمرات وندرة الحروب الداخلية أو الاضطرابات السياسية وانخفاض تكاليف الأيدي العاملة والمواد الخام
…
إلخ. وعلى العكس من الظروف في إنجلترا وفي الدول الأوروبية بوجه عام تواجه المجتمعات النامية العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المعوقة لانطلاقها الإنمائي. فهي ليس أمامها فرص للتوسع الإقليمي إلى جانب ضعف التراكم الرأسمالي وانتشار الأمية وانخفاض المستوى التكنولوجي وضعف قدراتها الإنتاجية وبالتالي التنافسية في الأسواق الدولية. وإلى جانب هذا فإن اقتصاد هذه الدول يتسم بعدم التنوع ذلك أنه يعتمد على المنتجات الأولية سواء الزراعية أو التعدينية. وقد وجد أن أكثر من 80% من أبناء غالبية هذه الدول يعملون في الزراعة الأولية. وكما يشير "لوير" Lauer بحق فإن تنمية المجتمعات الأوروبية تم بشكل لن يتكرر لأنه كان على حساب المواد الخام والعمالة الرخيصة والأسواق في الدول النامية التي كانت مستعمرات في الماضي. وهذا يعني أن المناخ الدولي لتجربة التنمية الأوروبية يتناقض مع المناخ الدولي لتنمية المجتمعات النامية اليوم، فهو مدعم في الأولى، معوق في الثانية:
ولعل هذا المناخ الدولي المعوق للتنمية في دول العالم الثالث هو ما