الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزوجين مراجعة أنفسهما للزوج ردّ زوجته، أما إذا وقع الطلاق الثالث سقط هذا الحق إلا بشرط بالغ الصعوبة من شأنه أن يجعل الزوج يعيد النظر عدة مرات في الإقدام عليه، هذا الشرط عبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 230] . فحتَّى فِي هذه الحالة ومع هذا الشرط الصعب، وحتى آخر مرحلة يحافظ الإسلام على إعادة التماسك والتكامل الأسري.
و من كل هذا يتضح أن الطلاق الأول والثاني في الإسلام علاج لحالات مستعصية، ويحاول من خلالها الإسلام تقديم علاج قاسٍ عندما تفشل كل وسائل العلاج الأخرى. والطلاق أمر واقع حتى في المجتمعات والشرائع التي تحرمه، وهناك الانفصال الروحي والاجتماعي مع بقاء الارتباطات القانونية أو الجسدية، وهذه ظاهرة مرضية خطيرة تهدد الأبناء والأزواج والمجتمع، وتؤدي إلى انتشار السلوك الانحرافي كالزنا والبغاء، وجناح الأحداث وتفكك العلاقات الاجتماعية. ولعل هذا هو ما جعل بعض المجتمعات الغربية تعيد النظر في قضية الطلاق والأخذ ببعض جوانب الحل الإسلامي، ذلك الحل الذي يتسم بالمواجهة الواقعة والجذرية والصحية للمشكلات الاجتماعية بشكل يحفظ على كل من الرجل والمرأة كرامتهما، وعلى المجتمع تكامله، ويحول دون ظهور الانحرافات، وإن ظهرت يواجهها مواجهة شمولية جذرية.
الإسلام وقضية تعدد الزوجات:
لقد حاول بعض المستشرقين وبعض الكتاب تشويه صورة النظام الأسري الإسلامي بالكثير من الدعاوي الباطلة حول الطلاق وتعدد
الزوجات، وقد عرضنا الأسلوب الإسلامي في إنهاء العلاقات الزوجية ومقتضياته وكيف أنه حل صحي وواقعي يتفق مع فطرة الإنسان، وهو حل لجَأَتْ إليه الدول غير الإسلامية عندما لم تجد حلًّا غيره. أما عن قضية تعدد الزوجات فقد أباحها الإسلام كحق للرجل، لحكمة تقتضي استخدام هذا الحق مع وضع شروط يجب تحقيقها. قال تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَاّ تَعُولُوا} [النساء: 3] . وجاء في نفس السورة قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 129] .
والواقع أن الإسلام لم يستحدث نظام الزواج ولا نظام التعدد وإنما شرع ما يحقق الوسطية وتجنب الانحراف والميل وما يتفق مع الطبيعة الإنسانية في فطرتها السليمة. فقد كان هناك زواج وهناك تعدد وأباحته كثير من الشرائع السماوية كما يحدثنا التاريخ عن سيدنا إبراهيم ويعقوب وداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء والمرسلين. وقد كان التعدد شائعًا في الجاهلية إلى غير ما عدد. وكان التعدد شائعًا في أوروبا حتى عهد شرلمان الذي كان متزوجًا بأكثر من واحدة، ثم أشار رجال الدين في ذلك الوقت على المتزوجين بأكثر من واحدة أن يخصصوا منهن واحدة كزوجة ويطلق على غيرها اسم "خدن". وهذا الاسم الأخير هو ما يطلق عليه الآن الخليلة أو الصديقة أو المعشوقة
…
وهي نظم تعرفها بعض الدول الغربية، ويحق للشخص أن يمارس معهن الجنس، وهي صورة مسرفة من الانحراف عن الفطرة السليمة. فالتعدد عند مثل هذه الدول ممنوعٌ من خلال الارتباط الشريف، مباحٌ من خلال العلاقات غير الشرعية. وهذا يعني تحريم الممارسة المشروعة للجنس وإباحتها من خلال الوسائل غير المشروعة عن طريق الاختلاط المحرم تحت زعم الحريات الشخصية.
وقد تعرض موضوع تعدد الزوجات لهجوم زائف على الإسلام، وقد كانت نقطة الانطلاق في الهجوم الفهم الخاطئ للإسلام أو محاولة التشوية المتعمد للإسلام، مع إعطاء أمثلة من الممارسات السيئة لحق الرجال في التعدد، تلك الممارسات التي قد تبتعد عن الصورة الإسلامية الصحيحة التي استهدفتها الشريعة. والواقع أن قضية التعدد كثيرًا ما تكون في صالح المرأة وتكريمًا لها ولأولادها. فإذا ما كان الزوج يرى في زواجه بواحدة إشباعًا لحاجاته الجسمية وحاجاته النفسية وحاجاته إلى الولد والمودة والرحمة والسكن قضي الأمر، لكن في بعض الحالات تعجز الزوجة الأولى عن الوفاء بكل حاجات الزوج -سواء الجسمية "الغريزية" أو النفسية "لا يجد معها إشباعاته النفسية"- أو حاجاته إلى الولد والذرية الصالحة إما بسبب المرض أو العجز أو سوء الخلق والمعاملة
…
إلخ. هنا يكون التعدد يقينًا لصالح المرأة -الزوجة الأولى- حيث يبقي عليها مع البحث عن إشباع حاجاته من خلال الزواج الثاني. يضاف إلى هذا الحاجة النفسية لدى الرجل للتعدد وهنا بدلًا من أن يتصل الرجل - إشباعًا لحاجاته النفسية والجسمية- بالنساء بشكل غير مشروع أباح له الإسلام حق التزوج ثانية ليعصم نفسه من الانحراف والزلل. والتعدد ظاهرة شائعة في العالم كله- حتى في البلاد التي تحرمه قانونًا- والفرق أن بعض الرجال هناك يمارسونه فعلًا بشكل غير مشروع، أما الإسلام فإنه يبيحه بشكل مشروع وبشروط معينة بكل ما يترتب عليه من حقوق مشروعة للزوجة والأبناء- مع الاحتفاظ للزوجة الأولى بكرامتها وحقوقها كاملة- وقيل في تفسير التعدد: إنه يتفق مع طبيعة القدرة الجنسية عند الرجل والمرأة، فقدرة الرجل متصلة، أما المرأة فتتعرض لفترات يحرم ممارسة الجنس معها، وتنعدم خلالها قابليتها. كفترات الحيض والحمل والوضع والنفاس، هذا إلى جانب أن قابليتها للممارسة تقل أو تنعدم بعد بلوغ سن معينة. وهناك من الرجال ما لا يحتمل الانقطاع- هنا وحتى يحمي الرجل نفسه من الانحراف لا بأس من استخدام حقه في التعدد- يضاف إلى هذا- أي حق الرجل-
فقد يمر المجتمع بظروف تختل فيها نسبة الإناث إلى الرجال بسبب ما يتعرض له الرجال من ظروف شاقة في العمل ومن إبادة في الحروب، هنا بدلًا من لجوء النساء -اللائي لا يجدن زواجًا- للانحراف يكون العلاج في التعدد.
وإذا كان التعدد ظاهرة تاريخية ومعاصرة لم يخل منها مجتمع -سواء بشكل مشروع أو غير مشروع- فإن الإسلام وضع لها ضوابط وقواعد تجعل منه علاجًا لمشكلة أو وقاية من انحراف. هذه الضوابط تتمثل في أمرين أساسيين هما:
أ- وضع حدٍ أعلى للتعدد يكفل حاجة الرجل بشكل يتخطى الفترات التي تنعدم فيها قابلية المرأة.
ب- أوجبت على الرجل أن يعدل في مطالب الحياة بين هذه الزوجات تحقيقًا للهدوء والاطمئنان وتجنبًا للظلم والميل والانحراف: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء: 129] . وليس معنى هذا تحريم التعدد لكن إباحته بشرط تحقيق العدالة بين الزوجات بمعنى ألا يميل الزوج إلى إحداهن كل الميل بحيث يترك الثانية كالمعلقة. وفي ظل هذا المبدأ عدد النبي -صلي الله عليه وسلم- زوجاته وعدد الأصحاب والتابعون زوجاتهم17.
وتتضح عظمة وواقعية الإسلام في أن كثيرًا من المجتمعات تحاول مراجعة تشريعاتها اليوم للاستفادة بالحلول الإسلامية، ذلك لأن منع التعدد أدى إلى الكثير من الظواهر الانحرافية -في المجتمعات الغربية- منها البغاء وارتفاع نسبة اللقطاء وتفكك العلاقات، وانتشار الأمراض النفسية والجنسية. مثال هذا أنه في مؤتمر عقد في فرنسا سنة 1901- لمواجهة انتشار الفسق -وجد أن عدد اللقطاء المودعين في ملاجئ في إحدى المقاطعات "السين" وحدها والذين يتلقون معاشهم على
نفقة المقاطعة بلغ 50.000 لقيط، علما أن اللقطاء من الإناث يمارسون الرذيلة "البغاء"، ومن الذكور -يمارسون الجنسية المثلية.
وقد دعا بعض المصلحين الغربيين -من غير المسلمين- إلى ضرورة الأخذ بفكرة إباحة التعدد مثل "توماس" للقضاء على العديد من الظواهر الانحرافية السائدة في بريطانيا -كالبغاء وكثرة اللقطاء والأمراض الجنسية- يقول تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24] . ويقول تعالى: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25] . فالإسلام لا ينهى عن التعدد لكنه ينهى عن السفاح والمخادنة والبغاء. وإذا كان بعض الرجال يسيئون استخدام هذا الحق -لا يراعون في هذا حقًّا ولا خلقًا- فإن مثل هذا الاستهتار محرم في الإسلام. ومن حق ولاة الأمور التصدي لهذا الاستهتار.