المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الزرع وإحياء الأرض الموات: - بناء المجتمع الإسلامي

[نبيل السمالوطي]

فهرس الكتاب

- ‌ال‌‌مقدمة

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌فهرس

- ‌الفصل الأول: الأسس البنائية للمجتمع الإسلامي

- ‌مقدمة

- ‌العقيدة بين المفهوم الإسلامي والمفاهيم المعارضة:

- ‌المفهوم القرآني للعقيدة:

- ‌الفكر الاجتماعي الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ نفي الحرج

- ‌ قلة التكاليف

- ‌ التدرج في الأحكام

- ‌ مسايرة مصالح الناس

- ‌ تحقيق العدالة بين الناس

- ‌أهداف الشريعة الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ تهذيب الإنسان بالعبادات

- ‌ إقامة العدل في الجماعة الإسلامية

- ‌المصلحة

- ‌مدخل

- ‌ مرتبة الضروريات:

- ‌ مرتبة الحاجيات:

- ‌ مرتبة التحسينات:

- ‌أسس العلاقات الاجتماعية الصالحة

- ‌العدل واجتناب الظلم

- ‌ طاعة أولياء الأمور في غير معصية:

- ‌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌ التخلق بالأخلاق الإسلامية:

- ‌التربية الإسلامية الصحيحة

- ‌مدخل

- ‌ التربية الإسلامية تربية تكاملية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية متوازية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية سلوكية وعملية:

- ‌ التربية الإسلامية تجمع بين الفردية والجماعية:

- ‌ التربية الإسلامية تركز على تقوية جانب المراقبة لله:

- ‌ التربية الإسلامية تربية لفطرة الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية توجه الإنسان نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تتسم بالعالمية والشمول:

- ‌ التربية الإسلامية محافظة ومجددة:

- ‌العلاقة بين العقيدة والشريعة

- ‌مدخل

- ‌ الجوانب السلوكية التي تحدد العلاقة بين الإنسان وربه

- ‌ الجوانب السلوكية الذاتية والاجتماعية

- ‌مصادر الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني: الدراسة السوسيولوجية للنظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌تعريف النظام الاجتماعي:

- ‌خصائص النظم الاجتماعية

- ‌لكل نظام وظيفة أو مجموعة من الوظائف يؤديها داخل المجتمع

- ‌ يرتبط النظام بفكرة المعايير أو القواعد الضابطة للسلوك

- ‌التزام الناس بهذه القواعد يرتبط بفكرة الجزاءات الاجتماعية

- ‌ النظام هو السلوك الاجتماعي الذي يعترف به أبناء المجتمع

- ‌ أغلب النظم تتسم بدرجة عالية من التعقيد

- ‌ الترابط الوظيفي

- ‌ لكل نظام اجتماعي مجموعة من العناصر

- ‌أنواع النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ من حيث العمومية والخصوصية:

- ‌ من حيث الاستمرار والعرضية أو الوقتية في الحدوث:

- ‌ من حيث التلقائية والتقنين:

- ‌ من حيث المشروعية وعدم المشروعية:

- ‌ من حيث الهدف:

- ‌من حيث ما إذا كان النظام أساسي أو فرعى

- ‌ النظم الاختيارية والنظم الإجبارية

- ‌ يضيف بعض العلماء

- ‌أهداف النظم الاجتماعية:

- ‌تصنيف النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ النظم الاقتصادية والحكومية:

- ‌ النظام العائلي:

- ‌ نظام الدين:

- ‌ نظام التعبيرات الجمالية والعقلية والترويح:

- ‌أهمية دراسة النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ تدخل النظم الأساسية في تكوين البناء الاجتماعي

- ‌ تكشف النظم الاجتماعية للمجتمع عن أساليبَ لمواجهة حاجاته الجماعية

- ‌ تعد دراسة النظم الاجتماعية هي الأساس الأول للدراسة المقارنة بين المجتمعات

- ‌ تعد الدراسة العلمية للنظم الاجتماعية هي الأساس الأول لمواجهة المشكلات الاجتماعية

- ‌النظم وأوزانها داخل البناء الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ التيار الماركسي الملحد

- ‌ التيار الديني أو القيمي

- ‌مصادر الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث: النظام العائلي

- ‌الأسرة

- ‌الأسرة أهميتها ووظائفها

- ‌أسس بناء الأسرة في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ التعرف:

- ‌ الرضا الكامل الذاتي من الطرفين

- ‌ الكفاءة:

- ‌ المهر:

- ‌الحقوق والواجبات الزوجية

- ‌نظام الأدوار والمراكز الاجتماعية داخل إطار العلاقات الأسرية

- ‌مدخل

- ‌ حقوق الزوجة على الزوج:

- ‌ حقوق الزوج على زوجته:

- ‌ حقوق الأولاد:

- ‌نظام المحرمات من النساء في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ المحرمات بسبب القرابة

- ‌ المحرمات بسبب المصاهرة

- ‌ المحرمات بسبب الرضاعة:

- ‌نظام التحريم على سبيل التأقيت:

- ‌النظام الإسلامي في مواجهة الخلافات والمشكلات الأسرية:

- ‌النظام الإسلامي لإنهاء العلاقات الزوجية مع محاولات العلاج:

- ‌الإسلام وقضية تعدد الزوجات:

- ‌مصادر الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع: النظام التربوي

- ‌مقدمة

- ‌نماذج قرآنية للتربية:

- ‌نماذج من أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام:

- ‌أهداف التربية الإسلامية:

- ‌ميادين التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌الميدان الأول تلاوة الآيات

- ‌الميدان الثاني التزكية

- ‌الميدان الثالث تعليم الكتاب

- ‌الميدان الرابع تعليم الحكمة

- ‌أهم الأسس العامة التي تقوم عليها التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ التربية الإسلامية تحقق النمو المتكامل المتوازن لشخصية الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية تحقق للإنسان التوازن:

- ‌ التربية الإسلامية تربية فكرية وسلوكية وعملية معا:

- ‌تجمع التربية الإسلامية بين الطابع الفردى والاجتماعي معا

- ‌التربية الإسلامية تنشيء الفرد على مراقبة الله سبحانه

- ‌ التربية الإسلامية تحافظ على فطرة الإنسان النقية وتعلي غرائزه الفطرية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية موجهة نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية عالمية منفتحة:

- ‌التربية الإسلامية تجمع بين المحافظة والتجديد

- ‌أساليب التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ أسلوب القدوة الصالحة:

- ‌ أسلوب الترغيب والترهيب:

- ‌ أسلوب التوجيه والموعظة الحسنة:

- ‌ أسلوب العقاب الفعلي:

- ‌ أسلوب القصة:

- ‌أسلوب التربية السلوكية باقتلاع العادات السيئة

- ‌ استخدام الأساليب الحسية:

- ‌ أسلوب النقاش والحوار

- ‌ أسلوب المحاولة والخطأ:

- ‌ أسلوب استخدام الأحداث والظروف والمواقف في مجال التعليم:

- ‌ توجيه طاقات الإنسان في مساراتها الصحيحة:

- ‌ أسلوب استثمار وقت الفراغ:

- ‌التربية الإسلامية وقضية الصحة النفسية

- ‌مدخل

- ‌ المعيار المثالي:

- ‌ المعيار الإحصائي:

- ‌ المعيار الحضاري:

- ‌ المعيار السيكولوجي أو الطبي النفسي:

- ‌ المعيار الإسلامي الصحيح:

- ‌مؤشرات الصحة النفسية بالمفهوم الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ الإيمان الكامل اليقيني بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره

- ‌ التوافق الاجتماعي مع الغير:

- ‌ التوافق الذاتي:

- ‌ الشعور بالسموِّ والعزة والعلوِّ والقدرة على مواجهة الصعاب والأزمات

- ‌ الشعور بالرضا والسعادة:

- ‌ القدرة على العطاء والإنجاز والعمل:

- ‌مبادئ التعلم في النظرية التربوية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ الربط بين النظرية والتطبيق:

- ‌ مراعاة استعدادات المتعلم وقدرته الاستيعابية والإدراكية:

- ‌ تكوين الاتجاهات قبل الفهم واستيعاب المعلومات:

- ‌ تسهيل العملية التعليمية وتيسير حصولها:

- ‌التعزيز من خلال الاستفسار والمراجعة والمناقشة

- ‌مدخل

- ‌ التطور، سنة من سنن الحياة:

- ‌ التبصر في التراث وإعمال العقل وعدم التقليد الأعمي:

- ‌ الانفتاح العقلي على مختلف التجارب والخبرات البشرية

- ‌ التكامل بين العلم والإيمان:

- ‌ التكامل بين العقل والنقل أو الإيمان بالغيب ومنطق العلم:

- ‌ ضرورة أن يكون العلم موجهًا لما يرضي الله سبحانه:

- ‌ ضَرُورة العمل على نشر العلم وتعليم الناس:

- ‌ استمرارية التعلم وعدم تقيده بسن:

- ‌ إيجاد علاقة شخصية وطيدة بين المتعلم والمعلم:

- ‌نماذج من الآراء التربوية عند المسلمين

- ‌مدخل

- ‌ المستوى الفردي

- ‌ المستوى الاجتماعي العام

- ‌ المستوى الإنساني

- ‌مصادر الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس: النظام الاقتصادي

- ‌مقدمة

- ‌المنظور الإسلامي للمال أو الثروة المادية:

- ‌أساليب تحصيل الثروة والأموال

- ‌مدخل

- ‌ التجارة:

- ‌ الزراعة:

- ‌ الصناعة:

- ‌دعوة الإسلام إلي الاستثمار

- ‌مدخل

- ‌ دعوة الإسلام إلى العمل:

- ‌ تحريم الاكتناز والاستغلال:

- ‌ تحريم الاستثمار الاستغلالي:

- ‌الأسس البنائية للاقتصاد الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌الاتفاق مع الطبيعية البشرية

- ‌ تحقيق التوازن بين الفرد والجماعة وبين دوافع الإنسان:

- ‌ الضوابط الاقتصادية:

- ‌ إطلاق الطاقات الاستثمارية وتشجيع النشاط الاقتصادي المنتج:

- ‌ الحيلولة دون التضخم المرضي للثروات الخاصة:

- ‌ المجتمع الإسلامي يقضي على الفقر ويعالج مشكلة الاحتياج:

- ‌نظام الملكية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌واجبات التملك

- ‌مدخل

- ‌ أداء الزكاة التي فرضها الله سبحانه:

- ‌ أداء واجبات التكافل الاجتماعي:

- ‌ضوابط الملكية الخاصة في الإسلام:

- ‌أساليب اكتساب الملكية

- ‌مدخل

- ‌ الكسب بالانتظار:

- ‌ العمل:

- ‌ المخاطرة:

- ‌ الزرع وإحياء الأرض الموات:

- ‌ العقود الناقلة للملكية:

- ‌ الميراث:

- ‌نظام المعاملات المالية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌نظام الزكاة: فلسفتها وأهدافها الاجتماعية:

- ‌علاقات العمل في الإسلام:

- ‌الواقعية الاقتصادية في الإسلام -تكافؤ الفرص وتفاوت الثروات

- ‌العدالة الاقتصادية في الإسلام:

- ‌أسلوب مواجهة الإسلام للمشكلات الاقتصادية

- ‌مدخل

- ‌مواجهة الإسلام لمشكلة الفقر

- ‌مدخل

- ‌ بيت مال المسلمين

- ‌ الزكاة:

- ‌ النفقات الواجبة:

- ‌ مواجهة الإسلام لمشكلة التمايز والصراع الطبقي:

- ‌ مواجهة الإسلام لمشكلة البطالة:

- ‌تحقيق الاستقلال الاقتصادي للمجتمع الإسلامي:

- ‌التوجيه الاقتصادي في الإسلام:

- ‌الوظائف الاقتصادية للدولة طبقا للنظام الاقتصادي الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ حالات الاحتكار والاستغلال والإضرار:

- ‌ في حالة الربح الفاحش:

- ‌ في الحالات التي تستدعيها الضرورة:

- ‌مسئولية الدولة عن الأموال العامة:

- ‌مسئولية الدولة في مجال الضمان الاجتماعي ومعاونة الفئات المحتاجة

- ‌الملكية العامة في الإسلام وضوابطها

- ‌مدخل

- ‌ أرض الحمى:

- ‌ الأراضي الزراعية المفتوحة:

- ‌الفكر الاقتصادي في التراث الإسلامي:

- ‌مصادر الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس: قضايا التحديث والتنمية في علم الاجتماع مع طرح مدخل إسلامي مقترح

- ‌مقدمة

- ‌التحديث وارتباطه بالتصنيع:

- ‌التحديث والتغير الاجتماعي

- ‌التحديث الحضاري: شروطه، نماذجه، معوقاته

- ‌اتجاهات دراسة التحديث في الدول النامية

- ‌تحديث البناء الاجتماعي-التحديث الفردي

- ‌التحديث وقضية الالتزام الجماهيري بقضايا المجتمع والتنمية

- ‌نماذج من المعوقات الاستراتيجية أمام تحديث الدول النامية

- ‌التحديث والتنمية

- ‌العلاقة بينهما ومداخل الدراسة

- ‌مدخل

- ‌البعد العقائدي أو الإيديولوجي

- ‌ بعد النظم الاجتماعية:

- ‌ البعد التنظيمي:

- ‌ البعد الثقافي:

- ‌ البعد النفسي:

- ‌ بُعْد الإمكانات المتاحة:

- ‌ بُعْد المناخ الدولي أو النسق العالمي:

- ‌نحو مدخل إسلامي للتنمية

- ‌مصادر الفصل السادس

الفصل: ‌ الزرع وإحياء الأرض الموات:

لكنه قيدها بضوابط تدفع الأضرار وتجلب المنافع، مثل التراضي وحرية الاتجار وتحدث الفقهاء عن تنظيم الاتجار في الدائرة الشرعية فتكلم الفقهاء عن قيد السلم وهو البيع الذي يكون المبيع فيه مؤجلَا والثمن معجلَا لينتفع بذلك من عنده مال ويريد بضاعة مستقبلًا ومن ينتظر بضائع، أو من ينتج زرعًا ويريد مالًا عاجلًا. كذلك تحدث الفقهاء عن عقد المرابحة بأن يبيع التاجر ما عنده على نسبة معينة في الثمن تكون ربحًا، وتحدثوا كذلك عن عقد التولية بأن يكون البيع بمثل الثمن -وذلك عادة يكون بين التجار أنفسهم ليسد كل تاجر نقص بضاعته مما عند الآخر

ويحرص الإسلام أن ينطلق كل تنظيم اجتماعي أو اقتصادي للسلوك الإنساني من منطلق دفع الضرر وجلب المنفعة وتحقيق التعاون والتكافل الاجتماعي بين الناس.

ولهذا يحرم الإسلام بيوع الغرر - والغرر هو الخطر وقال ابن عرفة هو ما كان ظاهره يغر وباطنه مجهول- وقال صاحب المشارف: بيع الغرر وهو بيع المخاطرة وهو الجهل بالثمن أو المثمن أو سلامته أو أجله. وبيع الغرر يعنى إذن البيع الذي لا يتحقق من نتائجه ذلك لأن هذه النتائج تكون متوقفة على أمر مستقبل مجهول قد يقع وقد لا يقع. مثال هذا بيع الثمار قبل نضجها، أو بيع السمك في الماء، أو بيع الحيوان قبل ميلاده

وتحريم هذا النوع من البيع ثابت بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام. فعن أبي هريرة قال: نهى رسول الله -صلي الله عليه وسلم- عن بيع الغرر رواه مسلم وعن علي قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر وبيع الغرر وبيع الثمرة حتى تدرك" رواه أبو داود.

وحكمة تحريم هذا النوع من البيوع سد باب الخلافات والمنازعات المحتمل حدوثها بين المتعاملين، طالما أنها تشبه المقامرة التي لا تنتهي في الغالب إلا بحدوث مشكلة.

ص: 212

رابعًا:‌

‌ الزرع وإحياء الأرض الموات:

شجع الإسلام على الزراعة وحث المسلمين على الاهتمام بالزراعة

ص: 212

تقديرًا لأهمية الزراعة لأنها هي مصدر الغذاء ومصدر المواد الخام للصناعة، قال عليه السلام:"ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة" رواه البخاري -ويشير هذا الحديث إلى ان الزارع في صدقة مستمرة لأن زرعه لا يمر عليه يوم إلا ويأكل منه طير أو بهيمة أو إنسان أو يأكلون منه جميعًا. والزراعة تتضمن عملًا بشريًّا من جانب المزارع إلى جانب تفويض الأمر إلى الله سبحانه بعد أن يؤدي ما عليه. وتقديرًا من الإسلام لأهمية الزراعة، وحفزًا للناس على إحياء الأرض بالزراعة، جعل مكافأة من يحيي أرضًا- لا تنتج زرعًا وغير مملوكة لأحد- أن يتملكها.

ولكن ما معنى الأرض الموات؟ هي الأرض التي تعطل زرعها لانقطاع الماء عنها، أو لغمر الماء لها، أو لكون طينتها غير صالحة للزراعة16. ويتمثل الإحياء هنا في إزالة السبب المانع من زراعتها، فإن كان مواتها بسبب غمر المياه لها فإحياؤها بإقامة السدود، وإن كان بسبب قلة المياه فإحياؤها بإجراء المياه لها وحفر الآبار واستخدام آلات الري، وإن كانت غير مستوية سويت وإن كانت الأرض تحتاج إلى تسميد وإضافة المخصبات فعلى المزارع لها ذلك. ويشترط لاعتبار الأرض مواتًا ألا يكون منتفعًا بها بأي شكل من الأشكال -مرابض للحيوانات أو ملاعب للخيل يتريض فيها الناس

إلخ ولعل هذا هو ما جعل الفقهاء يشترطون لاعتبار الأرض مواتًا أن تكون بعيدة عن العمران حتى لا تكون مرفقًا من مرافقه أو يمكن أن تكون كذلك مستقبلًا -هذا إلى جانب أن إحياء أرض بعيدة يسهم في امتداد العمران وتنمية الثروات. ومن الفقهاء من وضع حد للبعد عن العمران، ومنهم من ترك ذلك للعرف. وإحياء الأرض الموات يكون واجبًا على القادر في حالة ما إذا كانت غير مملوكة لأحد، فإذا كان لها مالك فإن عليه إحياءها وإلا حق لولي الأمر نزعها منه وتسليمها لمن لديه استعداد وقدرة على إحيائها.

ص: 213

وهناك من الناس من يضع سورًا حول أرض غير مملوكة لأحد، لكن حيازتها أو وضع اليد عليها وتحجيزها -أي تسويرها- ليس مثبتًا للملكية لكنه مثبت للأولوية أو الأحقية في الزراعة والإحياء، وهي سند الملكية الحقيقة. لكن هذه الأولوية في الاستصلاح والاستنزاع لا تستمر إلى ما لا نهاية، ذلك لأن معنى هذا أن واضع اليد الذي لا يزرعها يحرم غيره من الانتفاع بها كما يحرم الأمة من الانتفاع بخيراتها. لهذا حدد الرسول -صلي الله عليه وسلم- لواضع اليد ثلاث سنوات كفرصة لزراعتها أو محاولة ذلك وإلا تنزع منه وتعطى لآخر أقدر منه ولديه الاستعداد. قال عليه السلام:"من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين" وقد روي مثل ذلك عمر بن الخطاب.

والإحياء سبب للملكية باتفاق الفقهاء لورود نص واضح عن الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك. لكن هناك خلافا بين الفقهاء حول اشتراط إذن الإمام. فهل الإحياء وحده سبب للملكية دون إذن الإمام أو باشتراط إذنه؟ وقال أبو حنيفة: الإحياء سبب الملكية ولكن شرطها إذن الإمام. ويحكي أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة هذا الخلاف في كتابه الخراج17 وبين وجهة نظره هو التي هي وجهة نظر جمهور الفقهاء كما بين وجهة نظر شيخه*. ونستطيع القول: إن الجمهور ينظرون إلى الواقع وليس إلى

يذهب أبو يوسف في كتابه الخراج ويقول: "وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول: من أحيا أرضا مواتا فهي له إذا أجازه الإمام

ومن أحيا أرضا مواتا بغير إذن الإمام فليست له، وللإمام أن يخرجها من يده ويصنع فيها ما يرى من الإجارة أو الإقطاع وغير ذلك". قيل لأبي يوسف ما ينبغي لأبي حنيفة أن يكون قد قال هذا إلا من شيء لأن الحديث قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من أحيا أرضا ميتة فهي له" فبين لنا ذلك الشيء فهل سمعت عنه في هذا شيء يحتج به؟ قال أبو يوسف حجته في ذلك أنه يقول الإحياء لا يكون إلا بإذن الإمام، أرأيت رجلين أراد كل واحد منهما أن يختار موضعًا واحدًا، وكل واحد منهما منع صاحبه أيهما أحق؟، أرأيت إن أراد رجلا أن يحيي أرضا ميتة بفناء رجل وهو مقر أنه لا حق له فيها، فقال لا يحق له فإنها بفنائي وهذا يضرني، فإنما جعل أبو حنيفة إذن الإمام في ذلك ههنا فصلا بين الناس، فإذا أذن الإمام في ذلك لإنسان كان له أن يحييها وكان ذلك الإذن جائزا مستقيما وإذا منع الإمام أحد كان ذلك المنع جائزًا، ولم يكن بين الناس التشاح في الموضع الواحد، ولا الضرار فيه مع إذن الإمام ومنعه، وليس ما قاله أبو حنيفه يرد الأثر، إنما رد الأثر أن يقول: وإن أحياها بإذن الإمام فليست له، فأما أن يقول هي له فهذا اتباع ولكن بإذن الإمام ليكون إذنه فصلًا فيما بينهم من خصوماتهم ومنع إضرار بعضهم ببعض، أما أنا فأرى إذا لم يكن ضررًا على أحد، ولا لأحد فيه خصومة أن إذن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- قائم وقال:"من أحيا أرضًا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق".

ص: 214

المتوقع، فهم يقولون إنه إذا لم يكن خلاف ولا نزاع فإن الإحياء وحده سبب للملكية، وأبو حنيفة يتوقع الخلاف فيعمل على الوقاية منه قبل وقوعه -ويذهب أبو حنيفة إلى أن سلطان الدولة قائم على الأراضي كلها- مواتًا أو غير موات -وأن غير الموات عليها سلطان لأصحابها، وأصحابها في ولاية الإمام العامة المنظمة للحقوق والواجبات فيها ولهم سلطان محدود، الشيخ محمد أبو زهرة في دراستة عن المجتمع الإسلامي18 إلى أن هذا الرأي الأخير يتفق مع نظام الولاية الإسلامية وهو أجدر بالقبول لقول النبي صلي الله عليه وسلم:"ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه". وإذا كان الإحياء سبب للملكية فإن الملكية لا تنتقل إلى غير المحيي إلا بسبب مشروع من أسباب انتقال الملكية، وإذا ما عادت مواتًا وهي في يد المحيي أو يد وريثه، فإن الملكية لا تزول وعلى ولي الأمر الحاكم أن يلزمه بالإحياء لأن تركها مواتًا يضر بالصالح العام. وقد اختلف الفقهاء في هذا الأمر -فالإمام مالك يرى أن الملكية تزول لأن العلة في التملك الإحياء وقد زال، فإذا زال السبب بطل المسبب. والإحياء كاصطياد الحيوان، فالاصطياد هو سبب الملكية، فمن اصطاد سمكًا من البحر ولكن سقط في الماء حيًّا تزول ملكيته.

وقد ناقش الفقهاء قضية مهمة وهي ملكية الرقبة والمنفعة -فهل التملك بالإحياء يؤدي إلى ملكية الرقبة أم المنفعة أم لكليهما؟ يذهب بعض الفقهاء أنه في البلاد المفتوحة- إذا كان المحيي مسلمًا- ملك الرقبة والمنفعة، وإذا كان غير مسلم فإن الملكية تكون للمنفعة فقط -لأن

ص: 215

المسلم سوف يخرج الزكاة على الزرع والثمار -والزكاة عبادة إسلامية لا يلزم بها غير المسلم احترامًا من الإسلام لحرية العبادة. ولهذا فإن غير المسلمين يجب عليهم دفع الخراج الذي هو في طبيعته مقاسمة بين الدولة وواضع اليد تحقيقًا للتكافل الاجتماعي حيث تلتزم الدولة المسلمة بتغطية حاجات فقراء غير المسلمين.

وهناك رأي ينظر إلى القضية -ليس من زاوية المحيي ولكن من زاوية طريقة الحصول على الماء الذي ينبت الزرع ومصدره، فنوع الملكية يتبع الماء فإن كانت تسقى من ماء السماء أو من الآبار أو بماء الأنهار العظام التي لا تقع في قبضة أحد فإنها تكون مملوكة الرقبة وتكون الأرض عشرية لأن هذه المياه لم يكن لغير المسلمين سلطان عليها. أما إذا كانت تسقى من نهر حفره غيرالمسلمين فإنها تكون خراجية أي لا تكون الملكية فيها تامة- هذا إذا كان الذي أحياها مسلمًا، أما إذا كان الذي أحياها غير مسلم فإنها تكون خراجية تحقيقًا للتكافل الاجتماعي بدون مساس بحرية العقيدة.

هذا هو التصور الإسلامي لإحياء الأرض بالزراعة والعمران والتسوية وتقسيمها إلى بيوت وإنشاء قرى وتحويل الصحاري إلى مناطق زراعية مثمرة عامرة. وفتح باب الإحياء في الحقيقة هو فتح لباب العمارة في الأرض وتنمية الثروة ومواجهة مشكلات تزايد السكان وتحقيق للتطلعات المشروعة المتزايدة للناس وللتعاون بين الناس، ذلك أنه مع نمو الزراعة تنمو مقادير الزكاة ومقادير الخراج مما يحقق النفع للجميع. وقد قرر الفقهاء أن وجوب الزكاة في الزرع وجوب مقاسمة فهي بمقدار عشر ما تخرجه الأرض إن سقيت بغير آلة، وبمقدار نصف العشر إن سقيت بآلة. وبذلك يكون بيت مال الزكاة شريكًا لمن أخرج الزرع أو تعهد الغراس، الأمر الذي يجعل من الإحياء سبيلًا لتحقيق التنمية الاقتصادية من جهة، ولتحقيق أعلى درجة من درجات التكافل الاجتماعي بين أعضاء المجتمع من جهة أخرى.

ص: 216