الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يدرك الغرب إلا أخيرا فكرة التوازن الاقتصادي التي سبق أن أشار بها الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، وهو توازن لا ينجرف نحو الفردية المسرفة المهمة لصالح الجماعة ولا إلى الجماعية المتطرفة المهملة للإنسان كإنسان له عزته وكرامته.
وإذا كان مبدأ الاقتصاد الموجه controlled economy يختلف من مجتمع لآخر ولم يطبق في العالم الغربي إلا بعد ظهور التصدع داخل مجتمعات الغرب نتيجة لتطبيق الرأسمالية بشكلها السافر خلال القرن التاسع عشر وما أدت إليه من بطالة دورية وانخفاض في مستوى معيشة العمال واحتكارات وكساد اقتصادي وأساليب استغلالية واستعمارية، وكرد فعل في مواجهة النظام الشيوعي الهدام
…
فإن الإسلام سبق أن وضع لنا نظاما للاقتصاد الإسلامي الموجه طبقا لمبادئ تحقق التوازن بين الفردية والجماعية، وبين حرية الإنسان المسلم وواجباته الدينية والاجتماعية، كما تحقق النمو الاجتماعي والاقتصادي للإنسان والمجتمع في ضوء العدالة والمساواة والأخوة بالمفهوم الإسلامي الصحيح وليس بمفاهيم الغرب أو الشرق النسبية الزائفة.
الوظائف الاقتصادية للدولة طبقا للنظام الاقتصادي الإسلامي
مدخل
…
الوظائف الاقتصادية للدولة طبقا للنظام الاقتصادي الإسلامي:
لا تقف الدولة في الإسلام بمعزل عن النشاط الاقتصادي -كما ينادي بهذا فلاسفة الرأسمالية- كما أنها لا تفرض نفسها بشكل كلي على كل جزيئات النشاط الاقتصادي -كما ينادي بهذا فلاسفة الماركسية- وإنما يكون تدخل الدولة بالقدر الذي يحقق أهم وظائف الدولة الإسلامية وهو تحقيق الخير العام وصالح الجماعة بالمفهوم الإسلامي. وهذه المصالح ليست قاصرة على إقرار الأمن الداخلي والدفاع عن حدود البلاد -كما هو الحال في الدولة الحارسة أو البوليسية في النظام الرأسمالي- وإنما
تمتد إلى حماية التشريعات التي أقرها الإسلام تحقيقا لصالح الفرد والمجتمع، وهذه التشريعات واجبة التطبيق لأنها تمثل أساسًا من أسس النظام العقدي الشامل، وتكفل قيام المجتمع الإسلامي بالشكل الذي أراده الله سبحانه، يتحقق له القوة والاكتفاء الذاتي والعدل والتكامل.
وعلى عكس التصور في الكثير من النظم الوضعية، فإن الدولة في نظر الإسلام ليست مالكة، وليس طرفا في مواجهة الشعب، لأن هذا التصور الوضعي يؤدي إلى مختلف ألوان الصراع على المصالح، وغالبا ما يكون الانتصار للدولة وللطبقة الحاكمة بحكم ملكيتها لأجهزة القهر والسلطة. والدولة في نظر الإسلام هي الأداة المسخرة لخدمة المجتمع، فالمجتمع هو الأساس، وتطبيق الشريعة الإسلامية داخله، وتوفر السعادة لأبنائه هو الغاية، وإقامة العدل ومختلف ألوان التنظيمات الاجتماعية هو الوسيلة لتحقيق هذه الغاية.... وعلى هذا فلا يجوز للدولة أن تتخطى -في ممارستها للحكم- الحدود الشرعية المحددة لها، كما يجب ألا يغيب عنها الغاية الأساسية من وجود السلطة وهي تطبيق الشريعة وحماية المجتمع وتحقيق الخير العام.
وهذا التصور لوظيفة الدولة في الإسلام يحقق قدرا من الحريات الفردية لا تحققها أحدث دساتير العالم المعاصر. فالإسلام يؤمن للأفراد حرية الاعتقاد وحرية الفكر وحرية العمل وحرية التملك والكسب والإنتاج والاجتماع
…
وهذه الحريات ليست مطلقة، وإلا أمكن توجيها في طريق الهدم والاستغلال والتشكيك. فحرية الفكر يجب ألا توجه للتشكيك في عقيدة الأمة وتراثها وقدراتها على مقاومة أعدائها وحقا في الدفاع عن مصالحها. كذلك فإن الحرية الاقتصادية في مجال التملك والعمل والإنتاج والكسب يجب ألا توجه للاستغلال والاحتكار أو الإضرار بالمصالح الوطنية العليا للمجتمع. والدولة هي السلطة التي تقوم بحماية المصالح الدينية والاجتماعية من خلال مراقبة ومتابعة هذه المصالح وإقرار الأحكام وإصدار
القرارات التي تصونها من أي عبث أو استغلال48.
وللدولة الحق في تشكيل التنظيمات القادرة إلى الإشراف على الأنشطة الاقتصادية بهدف حماية الحقوق، وهذه التنظيمات تخضع لظروف المجتمع. وواجب على الدولة إصدار القرارات والقوانين التي تستهدف تحقيق المصحلة العامة والحقوق العامة ومصالح الفئات المختلفة، بشرط أن تتصف هذه القوانين بصفة المصلحة المعتبرة، وألا تتضمن أي ظلم لأي عضو من أعضاء المجتمع. ومثال هذا قوانين العمل من حيث تحديد ساعات العمل، وتحديد الحد الأدنى من الأجور، وإيجاب الأجر عن أيام الإجازات، وإيجاب الضمان الاجتماعي، وإيجاب التعويض عن التسريح التعسفي49.. وتستمد هذه القوانين وأمثالها، شرعيتها الإسلامية من أن الإسلام يستهدف حماية مصالح الجماعة والقضاء على الظلم، ولما كان العمال هم الفئة الأكثر جهدا وإنتاجا فهم الأجدر بالحماية والرعاية ومنع تعرضهم للظلم والتعسف والاستغلال. ومن واجب الدولة أن تمكنهم من الحياة الكريمة، سواء من خلال إقامة مشروعات للعلاج والتعليم المجاني أو من خلال غيرها من المشروعات إلى جانب تأمين حق المستحقين منهم للزكاة في أموال الأغنياء. والدولة الإسلامية، من خلال تأمين فرص الحياة الكريمة لأبناء الفئات الفقيرة والمحتاجة والمجاهدة، فإنها تحميهم في مواجهة الدعوات المشبوهة والمذاهب الهدامة -شرقية وغربية- والتي تحاول استقطاب هذه الفئات واستغلالها وتخسيرها لتحقيق مآرب سياسية بعيدة عن مصالحها الحقيقة. والواقع أن الإسلام يتضمن مجموعة من النظم المالية المتكاملة التي تكفل العيش الكريم لكل فئات المجتمع وكل أبنائه، ويكفي أن الإسلام أوجب مبدأ مشاركة المحتاجين بشكل دوري متجدد في أموال الأغنياء بنسبة محددة تتجدد كل عام، وجعل هذه المشاركة ركنا لا يتم الإسلام إلا به، وهذه النسبة قادرة على إغراق كل محتاج وفقير بالمال الذي يكفل له حياة كريمة، هذا إلى جانب أن الإسلام يحارب الشح والترف والظلم والاستغلال في كل أشكاله.