المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ولم يدرك الغرب إلا أخيرا فكرة التوازن الاقتصادي التي سبق - بناء المجتمع الإسلامي

[نبيل السمالوطي]

فهرس الكتاب

- ‌ال‌‌مقدمة

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌فهرس

- ‌الفصل الأول: الأسس البنائية للمجتمع الإسلامي

- ‌مقدمة

- ‌العقيدة بين المفهوم الإسلامي والمفاهيم المعارضة:

- ‌المفهوم القرآني للعقيدة:

- ‌الفكر الاجتماعي الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ نفي الحرج

- ‌ قلة التكاليف

- ‌ التدرج في الأحكام

- ‌ مسايرة مصالح الناس

- ‌ تحقيق العدالة بين الناس

- ‌أهداف الشريعة الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ تهذيب الإنسان بالعبادات

- ‌ إقامة العدل في الجماعة الإسلامية

- ‌المصلحة

- ‌مدخل

- ‌ مرتبة الضروريات:

- ‌ مرتبة الحاجيات:

- ‌ مرتبة التحسينات:

- ‌أسس العلاقات الاجتماعية الصالحة

- ‌العدل واجتناب الظلم

- ‌ طاعة أولياء الأمور في غير معصية:

- ‌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌ التخلق بالأخلاق الإسلامية:

- ‌التربية الإسلامية الصحيحة

- ‌مدخل

- ‌ التربية الإسلامية تربية تكاملية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية متوازية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية سلوكية وعملية:

- ‌ التربية الإسلامية تجمع بين الفردية والجماعية:

- ‌ التربية الإسلامية تركز على تقوية جانب المراقبة لله:

- ‌ التربية الإسلامية تربية لفطرة الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية توجه الإنسان نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تتسم بالعالمية والشمول:

- ‌ التربية الإسلامية محافظة ومجددة:

- ‌العلاقة بين العقيدة والشريعة

- ‌مدخل

- ‌ الجوانب السلوكية التي تحدد العلاقة بين الإنسان وربه

- ‌ الجوانب السلوكية الذاتية والاجتماعية

- ‌مصادر الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني: الدراسة السوسيولوجية للنظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌تعريف النظام الاجتماعي:

- ‌خصائص النظم الاجتماعية

- ‌لكل نظام وظيفة أو مجموعة من الوظائف يؤديها داخل المجتمع

- ‌ يرتبط النظام بفكرة المعايير أو القواعد الضابطة للسلوك

- ‌التزام الناس بهذه القواعد يرتبط بفكرة الجزاءات الاجتماعية

- ‌ النظام هو السلوك الاجتماعي الذي يعترف به أبناء المجتمع

- ‌ أغلب النظم تتسم بدرجة عالية من التعقيد

- ‌ الترابط الوظيفي

- ‌ لكل نظام اجتماعي مجموعة من العناصر

- ‌أنواع النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ من حيث العمومية والخصوصية:

- ‌ من حيث الاستمرار والعرضية أو الوقتية في الحدوث:

- ‌ من حيث التلقائية والتقنين:

- ‌ من حيث المشروعية وعدم المشروعية:

- ‌ من حيث الهدف:

- ‌من حيث ما إذا كان النظام أساسي أو فرعى

- ‌ النظم الاختيارية والنظم الإجبارية

- ‌ يضيف بعض العلماء

- ‌أهداف النظم الاجتماعية:

- ‌تصنيف النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ النظم الاقتصادية والحكومية:

- ‌ النظام العائلي:

- ‌ نظام الدين:

- ‌ نظام التعبيرات الجمالية والعقلية والترويح:

- ‌أهمية دراسة النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ تدخل النظم الأساسية في تكوين البناء الاجتماعي

- ‌ تكشف النظم الاجتماعية للمجتمع عن أساليبَ لمواجهة حاجاته الجماعية

- ‌ تعد دراسة النظم الاجتماعية هي الأساس الأول للدراسة المقارنة بين المجتمعات

- ‌ تعد الدراسة العلمية للنظم الاجتماعية هي الأساس الأول لمواجهة المشكلات الاجتماعية

- ‌النظم وأوزانها داخل البناء الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ التيار الماركسي الملحد

- ‌ التيار الديني أو القيمي

- ‌مصادر الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث: النظام العائلي

- ‌الأسرة

- ‌الأسرة أهميتها ووظائفها

- ‌أسس بناء الأسرة في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ التعرف:

- ‌ الرضا الكامل الذاتي من الطرفين

- ‌ الكفاءة:

- ‌ المهر:

- ‌الحقوق والواجبات الزوجية

- ‌نظام الأدوار والمراكز الاجتماعية داخل إطار العلاقات الأسرية

- ‌مدخل

- ‌ حقوق الزوجة على الزوج:

- ‌ حقوق الزوج على زوجته:

- ‌ حقوق الأولاد:

- ‌نظام المحرمات من النساء في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ المحرمات بسبب القرابة

- ‌ المحرمات بسبب المصاهرة

- ‌ المحرمات بسبب الرضاعة:

- ‌نظام التحريم على سبيل التأقيت:

- ‌النظام الإسلامي في مواجهة الخلافات والمشكلات الأسرية:

- ‌النظام الإسلامي لإنهاء العلاقات الزوجية مع محاولات العلاج:

- ‌الإسلام وقضية تعدد الزوجات:

- ‌مصادر الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع: النظام التربوي

- ‌مقدمة

- ‌نماذج قرآنية للتربية:

- ‌نماذج من أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام:

- ‌أهداف التربية الإسلامية:

- ‌ميادين التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌الميدان الأول تلاوة الآيات

- ‌الميدان الثاني التزكية

- ‌الميدان الثالث تعليم الكتاب

- ‌الميدان الرابع تعليم الحكمة

- ‌أهم الأسس العامة التي تقوم عليها التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ التربية الإسلامية تحقق النمو المتكامل المتوازن لشخصية الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية تحقق للإنسان التوازن:

- ‌ التربية الإسلامية تربية فكرية وسلوكية وعملية معا:

- ‌تجمع التربية الإسلامية بين الطابع الفردى والاجتماعي معا

- ‌التربية الإسلامية تنشيء الفرد على مراقبة الله سبحانه

- ‌ التربية الإسلامية تحافظ على فطرة الإنسان النقية وتعلي غرائزه الفطرية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية موجهة نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية عالمية منفتحة:

- ‌التربية الإسلامية تجمع بين المحافظة والتجديد

- ‌أساليب التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ أسلوب القدوة الصالحة:

- ‌ أسلوب الترغيب والترهيب:

- ‌ أسلوب التوجيه والموعظة الحسنة:

- ‌ أسلوب العقاب الفعلي:

- ‌ أسلوب القصة:

- ‌أسلوب التربية السلوكية باقتلاع العادات السيئة

- ‌ استخدام الأساليب الحسية:

- ‌ أسلوب النقاش والحوار

- ‌ أسلوب المحاولة والخطأ:

- ‌ أسلوب استخدام الأحداث والظروف والمواقف في مجال التعليم:

- ‌ توجيه طاقات الإنسان في مساراتها الصحيحة:

- ‌ أسلوب استثمار وقت الفراغ:

- ‌التربية الإسلامية وقضية الصحة النفسية

- ‌مدخل

- ‌ المعيار المثالي:

- ‌ المعيار الإحصائي:

- ‌ المعيار الحضاري:

- ‌ المعيار السيكولوجي أو الطبي النفسي:

- ‌ المعيار الإسلامي الصحيح:

- ‌مؤشرات الصحة النفسية بالمفهوم الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ الإيمان الكامل اليقيني بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره

- ‌ التوافق الاجتماعي مع الغير:

- ‌ التوافق الذاتي:

- ‌ الشعور بالسموِّ والعزة والعلوِّ والقدرة على مواجهة الصعاب والأزمات

- ‌ الشعور بالرضا والسعادة:

- ‌ القدرة على العطاء والإنجاز والعمل:

- ‌مبادئ التعلم في النظرية التربوية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ الربط بين النظرية والتطبيق:

- ‌ مراعاة استعدادات المتعلم وقدرته الاستيعابية والإدراكية:

- ‌ تكوين الاتجاهات قبل الفهم واستيعاب المعلومات:

- ‌ تسهيل العملية التعليمية وتيسير حصولها:

- ‌التعزيز من خلال الاستفسار والمراجعة والمناقشة

- ‌مدخل

- ‌ التطور، سنة من سنن الحياة:

- ‌ التبصر في التراث وإعمال العقل وعدم التقليد الأعمي:

- ‌ الانفتاح العقلي على مختلف التجارب والخبرات البشرية

- ‌ التكامل بين العلم والإيمان:

- ‌ التكامل بين العقل والنقل أو الإيمان بالغيب ومنطق العلم:

- ‌ ضرورة أن يكون العلم موجهًا لما يرضي الله سبحانه:

- ‌ ضَرُورة العمل على نشر العلم وتعليم الناس:

- ‌ استمرارية التعلم وعدم تقيده بسن:

- ‌ إيجاد علاقة شخصية وطيدة بين المتعلم والمعلم:

- ‌نماذج من الآراء التربوية عند المسلمين

- ‌مدخل

- ‌ المستوى الفردي

- ‌ المستوى الاجتماعي العام

- ‌ المستوى الإنساني

- ‌مصادر الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس: النظام الاقتصادي

- ‌مقدمة

- ‌المنظور الإسلامي للمال أو الثروة المادية:

- ‌أساليب تحصيل الثروة والأموال

- ‌مدخل

- ‌ التجارة:

- ‌ الزراعة:

- ‌ الصناعة:

- ‌دعوة الإسلام إلي الاستثمار

- ‌مدخل

- ‌ دعوة الإسلام إلى العمل:

- ‌ تحريم الاكتناز والاستغلال:

- ‌ تحريم الاستثمار الاستغلالي:

- ‌الأسس البنائية للاقتصاد الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌الاتفاق مع الطبيعية البشرية

- ‌ تحقيق التوازن بين الفرد والجماعة وبين دوافع الإنسان:

- ‌ الضوابط الاقتصادية:

- ‌ إطلاق الطاقات الاستثمارية وتشجيع النشاط الاقتصادي المنتج:

- ‌ الحيلولة دون التضخم المرضي للثروات الخاصة:

- ‌ المجتمع الإسلامي يقضي على الفقر ويعالج مشكلة الاحتياج:

- ‌نظام الملكية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌واجبات التملك

- ‌مدخل

- ‌ أداء الزكاة التي فرضها الله سبحانه:

- ‌ أداء واجبات التكافل الاجتماعي:

- ‌ضوابط الملكية الخاصة في الإسلام:

- ‌أساليب اكتساب الملكية

- ‌مدخل

- ‌ الكسب بالانتظار:

- ‌ العمل:

- ‌ المخاطرة:

- ‌ الزرع وإحياء الأرض الموات:

- ‌ العقود الناقلة للملكية:

- ‌ الميراث:

- ‌نظام المعاملات المالية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌نظام الزكاة: فلسفتها وأهدافها الاجتماعية:

- ‌علاقات العمل في الإسلام:

- ‌الواقعية الاقتصادية في الإسلام -تكافؤ الفرص وتفاوت الثروات

- ‌العدالة الاقتصادية في الإسلام:

- ‌أسلوب مواجهة الإسلام للمشكلات الاقتصادية

- ‌مدخل

- ‌مواجهة الإسلام لمشكلة الفقر

- ‌مدخل

- ‌ بيت مال المسلمين

- ‌ الزكاة:

- ‌ النفقات الواجبة:

- ‌ مواجهة الإسلام لمشكلة التمايز والصراع الطبقي:

- ‌ مواجهة الإسلام لمشكلة البطالة:

- ‌تحقيق الاستقلال الاقتصادي للمجتمع الإسلامي:

- ‌التوجيه الاقتصادي في الإسلام:

- ‌الوظائف الاقتصادية للدولة طبقا للنظام الاقتصادي الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ حالات الاحتكار والاستغلال والإضرار:

- ‌ في حالة الربح الفاحش:

- ‌ في الحالات التي تستدعيها الضرورة:

- ‌مسئولية الدولة عن الأموال العامة:

- ‌مسئولية الدولة في مجال الضمان الاجتماعي ومعاونة الفئات المحتاجة

- ‌الملكية العامة في الإسلام وضوابطها

- ‌مدخل

- ‌ أرض الحمى:

- ‌ الأراضي الزراعية المفتوحة:

- ‌الفكر الاقتصادي في التراث الإسلامي:

- ‌مصادر الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس: قضايا التحديث والتنمية في علم الاجتماع مع طرح مدخل إسلامي مقترح

- ‌مقدمة

- ‌التحديث وارتباطه بالتصنيع:

- ‌التحديث والتغير الاجتماعي

- ‌التحديث الحضاري: شروطه، نماذجه، معوقاته

- ‌اتجاهات دراسة التحديث في الدول النامية

- ‌تحديث البناء الاجتماعي-التحديث الفردي

- ‌التحديث وقضية الالتزام الجماهيري بقضايا المجتمع والتنمية

- ‌نماذج من المعوقات الاستراتيجية أمام تحديث الدول النامية

- ‌التحديث والتنمية

- ‌العلاقة بينهما ومداخل الدراسة

- ‌مدخل

- ‌البعد العقائدي أو الإيديولوجي

- ‌ بعد النظم الاجتماعية:

- ‌ البعد التنظيمي:

- ‌ البعد الثقافي:

- ‌ البعد النفسي:

- ‌ بُعْد الإمكانات المتاحة:

- ‌ بُعْد المناخ الدولي أو النسق العالمي:

- ‌نحو مدخل إسلامي للتنمية

- ‌مصادر الفصل السادس

الفصل: ولم يدرك الغرب إلا أخيرا فكرة التوازن الاقتصادي التي سبق

ولم يدرك الغرب إلا أخيرا فكرة التوازن الاقتصادي التي سبق أن أشار بها الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، وهو توازن لا ينجرف نحو الفردية المسرفة المهمة لصالح الجماعة ولا إلى الجماعية المتطرفة المهملة للإنسان كإنسان له عزته وكرامته.

وإذا كان مبدأ الاقتصاد الموجه controlled economy يختلف من مجتمع لآخر ولم يطبق في العالم الغربي إلا بعد ظهور التصدع داخل مجتمعات الغرب نتيجة لتطبيق الرأسمالية بشكلها السافر خلال القرن التاسع عشر وما أدت إليه من بطالة دورية وانخفاض في مستوى معيشة العمال واحتكارات وكساد اقتصادي وأساليب استغلالية واستعمارية، وكرد فعل في مواجهة النظام الشيوعي الهدام

فإن الإسلام سبق أن وضع لنا نظاما للاقتصاد الإسلامي الموجه طبقا لمبادئ تحقق التوازن بين الفردية والجماعية، وبين حرية الإنسان المسلم وواجباته الدينية والاجتماعية، كما تحقق النمو الاجتماعي والاقتصادي للإنسان والمجتمع في ضوء العدالة والمساواة والأخوة بالمفهوم الإسلامي الصحيح وليس بمفاهيم الغرب أو الشرق النسبية الزائفة.

ص: 264

‌الوظائف الاقتصادية للدولة طبقا للنظام الاقتصادي الإسلامي

‌مدخل

الوظائف الاقتصادية للدولة طبقا للنظام الاقتصادي الإسلامي:

لا تقف الدولة في الإسلام بمعزل عن النشاط الاقتصادي -كما ينادي بهذا فلاسفة الرأسمالية- كما أنها لا تفرض نفسها بشكل كلي على كل جزيئات النشاط الاقتصادي -كما ينادي بهذا فلاسفة الماركسية- وإنما يكون تدخل الدولة بالقدر الذي يحقق أهم وظائف الدولة الإسلامية وهو تحقيق الخير العام وصالح الجماعة بالمفهوم الإسلامي. وهذه المصالح ليست قاصرة على إقرار الأمن الداخلي والدفاع عن حدود البلاد -كما هو الحال في الدولة الحارسة أو البوليسية في النظام الرأسمالي- وإنما

ص: 264

تمتد إلى حماية التشريعات التي أقرها الإسلام تحقيقا لصالح الفرد والمجتمع، وهذه التشريعات واجبة التطبيق لأنها تمثل أساسًا من أسس النظام العقدي الشامل، وتكفل قيام المجتمع الإسلامي بالشكل الذي أراده الله سبحانه، يتحقق له القوة والاكتفاء الذاتي والعدل والتكامل.

وعلى عكس التصور في الكثير من النظم الوضعية، فإن الدولة في نظر الإسلام ليست مالكة، وليس طرفا في مواجهة الشعب، لأن هذا التصور الوضعي يؤدي إلى مختلف ألوان الصراع على المصالح، وغالبا ما يكون الانتصار للدولة وللطبقة الحاكمة بحكم ملكيتها لأجهزة القهر والسلطة. والدولة في نظر الإسلام هي الأداة المسخرة لخدمة المجتمع، فالمجتمع هو الأساس، وتطبيق الشريعة الإسلامية داخله، وتوفر السعادة لأبنائه هو الغاية، وإقامة العدل ومختلف ألوان التنظيمات الاجتماعية هو الوسيلة لتحقيق هذه الغاية.... وعلى هذا فلا يجوز للدولة أن تتخطى -في ممارستها للحكم- الحدود الشرعية المحددة لها، كما يجب ألا يغيب عنها الغاية الأساسية من وجود السلطة وهي تطبيق الشريعة وحماية المجتمع وتحقيق الخير العام.

وهذا التصور لوظيفة الدولة في الإسلام يحقق قدرا من الحريات الفردية لا تحققها أحدث دساتير العالم المعاصر. فالإسلام يؤمن للأفراد حرية الاعتقاد وحرية الفكر وحرية العمل وحرية التملك والكسب والإنتاج والاجتماع

وهذه الحريات ليست مطلقة، وإلا أمكن توجيها في طريق الهدم والاستغلال والتشكيك. فحرية الفكر يجب ألا توجه للتشكيك في عقيدة الأمة وتراثها وقدراتها على مقاومة أعدائها وحقا في الدفاع عن مصالحها. كذلك فإن الحرية الاقتصادية في مجال التملك والعمل والإنتاج والكسب يجب ألا توجه للاستغلال والاحتكار أو الإضرار بالمصالح الوطنية العليا للمجتمع. والدولة هي السلطة التي تقوم بحماية المصالح الدينية والاجتماعية من خلال مراقبة ومتابعة هذه المصالح وإقرار الأحكام وإصدار

ص: 265

القرارات التي تصونها من أي عبث أو استغلال48.

وللدولة الحق في تشكيل التنظيمات القادرة إلى الإشراف على الأنشطة الاقتصادية بهدف حماية الحقوق، وهذه التنظيمات تخضع لظروف المجتمع. وواجب على الدولة إصدار القرارات والقوانين التي تستهدف تحقيق المصحلة العامة والحقوق العامة ومصالح الفئات المختلفة، بشرط أن تتصف هذه القوانين بصفة المصلحة المعتبرة، وألا تتضمن أي ظلم لأي عضو من أعضاء المجتمع. ومثال هذا قوانين العمل من حيث تحديد ساعات العمل، وتحديد الحد الأدنى من الأجور، وإيجاب الأجر عن أيام الإجازات، وإيجاب الضمان الاجتماعي، وإيجاب التعويض عن التسريح التعسفي49.. وتستمد هذه القوانين وأمثالها، شرعيتها الإسلامية من أن الإسلام يستهدف حماية مصالح الجماعة والقضاء على الظلم، ولما كان العمال هم الفئة الأكثر جهدا وإنتاجا فهم الأجدر بالحماية والرعاية ومنع تعرضهم للظلم والتعسف والاستغلال. ومن واجب الدولة أن تمكنهم من الحياة الكريمة، سواء من خلال إقامة مشروعات للعلاج والتعليم المجاني أو من خلال غيرها من المشروعات إلى جانب تأمين حق المستحقين منهم للزكاة في أموال الأغنياء. والدولة الإسلامية، من خلال تأمين فرص الحياة الكريمة لأبناء الفئات الفقيرة والمحتاجة والمجاهدة، فإنها تحميهم في مواجهة الدعوات المشبوهة والمذاهب الهدامة -شرقية وغربية- والتي تحاول استقطاب هذه الفئات واستغلالها وتخسيرها لتحقيق مآرب سياسية بعيدة عن مصالحها الحقيقة. والواقع أن الإسلام يتضمن مجموعة من النظم المالية المتكاملة التي تكفل العيش الكريم لكل فئات المجتمع وكل أبنائه، ويكفي أن الإسلام أوجب مبدأ مشاركة المحتاجين بشكل دوري متجدد في أموال الأغنياء بنسبة محددة تتجدد كل عام، وجعل هذه المشاركة ركنا لا يتم الإسلام إلا به، وهذه النسبة قادرة على إغراق كل محتاج وفقير بالمال الذي يكفل له حياة كريمة، هذا إلى جانب أن الإسلام يحارب الشح والترف والظلم والاستغلال في كل أشكاله.

ص: 266