الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جعل لجنة التنمية الدولية توصي بضرورة قيام الدول الصناعية بتخصيص 1% من ناتجها القومي العام* G.N.P للدولة منخفضة الدخل من أجل تيسير عملية التنمية داخلها19. وفي سنة 1968 خصصت كل من فرنسا والبرتغال حوالي 0.68% من ناتجها القومي للمعونات، وخصصت الدول الغربية الأخرى نسبًا أقل وكان ترتيب الولايات المتحدة التاسع حيث خصصت 0.41% فقط من ناتجها القومي20.
* Commision of international development
اتجاهات دراسة التحديث في الدول النامية
تحديث البناء الاجتماعي-التحديث الفردي
…
اتجاهات دراسة التحديث في المجتمعات النامية
-تحديث البناء الاجتماعي- التحديث الفردي
وإذا كانت العوامل الاقتصادية "توافر رأس المال والتراكم الرأسمالي والعملات الصعبة وكم وكيف المواد المصدرة والهياكل الأساسية والمستوى التكنولوجي المستخدم ونوعية الصناعات" تلعب دورًا مهمًّا في عمليات التنمية، فإن هذا لا يعني أن قضية التحديث قضية اقتصادية خالصة. فالعوامل غير الاقتصادية -الاجتماعية والسياسية التربوية والنفسية.. تحتل الدرجة نفسها من الأهمية. وهناك شبه اتفاق بين الدارسين على أهمية العوامل التي أوردها "روستو" في هذا الصدد مثل: ضرورة توافر صفوة حديثة تقود عمليات التحديث Modernizing elite وارتفاع مستوى الطموح لدى الجماهير، وانتشار التعليم العام الفني، والتنمية السياسية في مجال الحكم والمشاركة والسلوك السياسي
…
وهذا يعني أن التحديث له جانبان -جانب بنائي- Structural وجانب فردي سيكولوجي اجتماعي Social Psychological وبالنسبة للعوامل البنائية التي تتعلق بطبيعة النظم والتنظيمات والوحدات الاجتماعية التي تتسم بالاستمرار النسبي -كالجماعات القرابية والسياسية والاقتصادية.. وأساليب
الضبط وطبيعة الأدوار الاجتماعية والبناء الطبقي أو التدرج الاجتماعي السائد، وموجهات السلوك كالمعتقدات والقيم والتصورات
…
نجد أن التحديث بكل أشكاله يمكن أن يتعثر في ظل سيادة نظم اقتصادية معينة -مثل نظم معينة للحيازة الزراعية- أو نظم سياسة معينة أو نظم معينة للتدرج الاجتماعي مثل النظام الطائفي. ويرتبط التحديث بطبيعة العلاقات الاجتماعية وموجهات السلوك العقائدية والقيمية، كما يرتبط بطبيعة التنظيمات الطوعية السائدة ومدى تطبيق نظم مركزية أو لا مركزية، ومدى تطبيق نظام الاقتصاد الحر والأخذ بفكرة الحوافز الفردية ونظام الملكية السائد. يضاف إلى هذا ارتباط التحديث بنوعية الصفوات التي تتبنى التحديث سواء كانت الصفوات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية من حيث طبيعة انتماءاتها الإيديولوجية والطبقية والاجتماعية، ومدى تمتعها بالقدرات الكارزمية التي تحدث عنها "ماكس فيبر" M. Weber وإلى جانب هذه المتغيرات البنائية الأساسية فإن عملية التحديث تتوقف بشكل مباشر على طبيعة الجهاز البيروقراطي للدولة من حيث درجة استقراره Stability وكفايته Efficiiency وفعاليته Effectiveness ونوعية الكوادر الإدارية العليا التي ترسم له خططه وأهدافه21
…
ومن ضمن العوامل البنائية الأساسية التي تحكم حركة التحديث داخل المجتمعات النامية -قضية الصراعات والانقسامات البنائية للجماعات المكونة للمجتمع- فهناك مجتمعات تشيع داخلها الصراعات الداخلية بين وحداتها البنائية -مثل بعض المجتمعات الأفريقية- وهذا أمر معوق للتحديث أو التنمية22.
ويشير أنصار الاتجاه الوظيفي إلى أن التحديث الحضاري هو في واقع الأمر إحداث تحولات في بعض الأبعاد البنائية أو في وظائف النظم والجماعات والعلاقات داخل المجتمع. ويذهب "تالكوت بارسونز" T. Parsons في دراسة له حول "بناء الفعل الاجتماعي"* إلى أن التغير الاجتماعي يرتبط بالتباين البنائي. وقد استخدم هذا المفهوم عند تحليله
* The structure of Social System
للنظم الاقتصادية والتنظيمات البيروقراطية في علاقتها بالنسق الاجتماعي العام -وقد طبق هذه الأفكار عند دراسة التغيرات البنائية في المجتمع الأمريكي بشكل عام، والأسرة الأمريكية بشكل خاص- ويركز بعض الدارسين على عوامل ينظرون إليها بوصفها عوامل بنائية استراتيجية لانطلاق عمليات التحديث، مثال هذا ما يطلق عليه "كارل دويتش" K. Duetsch التعبئة الاجتماعية Mobilization بوصفها مدخلًا للتنمية السياسية وهذا هو عنوان مقالته التعبئة والتنمية السياسية23. وهو يعرف التعبئة بأنها العملية التي تتحطم فيها جميع الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والسلوكية القديمة، ويصبح الناس على استعداد لتقبل أنماط جديدة من التنشئة الاجتماعية ومن السلوك وأشار إلى أنه إلى جانب هذا المتغير المحوري هناك عوامل أخرى تسهم في حدوث التحديث مثل التعرض للعناصر الحديثة كالأجهزة والمباني والمنتجات الاستهلاكية والتعرض لوسائل الاتصال الجماهيري ولمختلف عمليات التحضر، وتطوير التعليم وحدوث حراك مهني وارتفاع الدخل. وإلى جانب هذه العوامل فإن التحديث يفترض حدوث تحولات في النظم الاجتماعية بحيث تصبح قادرة على التوافق واستيعاب التغيرات القادمة. والتحول أو التغير هنا يتسم بالغائبة بمعنى أنه يستهدف تحقيق هدف مرسوم مقدمًا.
ويجب التنبيه هنا إلى نقطة مهمة هي أن تغير النظم لا يعني أن التحديث يحقق إحداث تحولات جذرية في كل نظم المجتمع، فالتحديث في المجتمعات الإسلامية يتم في إطار التمسك بالنظام العقائدي والقيمي والسلوك الديني، كما أن التحديث في اليابان تم في إطار النظم والقيم التقليدية في المجال الأسري والقيمي والعقائدي وبعض النماذج السلوكية التقليدية. وهذا يثير نقطة أخرى أن الحداثة المادية لا تتعارض في كل الحالات مع التقليدية القيمية بحيث يمكن أن يتعايشا معًا. فالحرص على مواعيد الزراعة والري ومقاومة الآفات والقيام مبكرًا لأداء الأعمال في المجتمعات الريفية، والحرص على أداء الصلاة في مواعيدها في المجتمع
المسلم أو لدى المسلمين. وحرص المسلم على مراقبة الله في السر والعلن وعلى قيم الحق والعدل والأخوة والإخلاص والتكافل الاجتماعي وإفشاء السلام والسعي لكسب الرزق بالحلال والإحسان إلى الجار
…
إلخ، كل هذه الأمور هي من صميم التحديث والتنمية، وهي من صميم المعتقدات الإسلامية في الوقت نفسه. والواقع أنه لا يوجد مجتمع تقليدي 100% ولا مجتمع حديث 100% حيث غالبًا ما تجتمع التقليدية والحداثة في كل المجتمعات بنسب متفاوتة. وغالبًا ما يكون للتحديث جوانب سلبية تنال من الجوانب الإيجابية للمجتمع التقليدي -ترابط الأسرة- الاستقرار النفسي -صلات الرحم- رعاية الآباء للأبناء، القناعة والرضى النفسي
…
إلخ- وهذا يعني أن التمايز البنائي أو الانتقال من التجانس إلى اللاتجانس والحراك الاجتماعي وإن كانا ضرورة من ضرورات التحديث إلا أنه يؤدي إلى الكثير من السلبيات التي تخلو منها المجتمعات التقليدية إلى حد كبير.
وإذا كانت مسارات التحديث مختلفة وليست كما يذهب "شلز" الذي يقصرها على الصياغة الغربية للمجتمعات، فإنه يمكن أن تتعايش التقليدية مع التحديث بأشكال مختلفة -كما حدث في تجربة التنمية في المجتمعات الإسلامية وكما حدث في التجربة اليابانية. وكما حدث في التجربة السوفيتية التي ينظر إليها "شلز" بوصفها تحديثًا مشوهًا. وإذا كان بعض الدارسين حاولوا إيجاد العلاقة بين المتغيرات خلال عملية التحديث مثل العلاقة بين التصنيع والأسرة أو التحضر والقيم، أو التعليم والسلوك أو التصنيع والتحضر من جهة وبين جانب الضبط الاجتماعي من جهة أخرى.. فإن هذه المحاولات ونظرًا لاختلاف نماذج التحديث واختلاف مساراته. كذلك فقد كانت المنطلقات التاريخية للتحديث مختلفة، فقد بدأت عمليات التحديث في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية والدول الْأُسْكُنْدِنَافِيَّة على يد جماعات نشطة في المجال الاقتصادي والثقافي وبدرجة أقل في المجال السياسي، الأمر الذي جعل جماهير هذه المجتمعات تنخرط في الأنشطة
الاقتصاد قبل السياسة بمدة طويلة. وعلى العكس من ذلك فإن دول أوروبا الوسطى والشرقية والدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بدأت التحديث من منطلقات سياسية تتمثل في الحصول على الاستقلال أو الثوارت الوطنية، والتطلعات الوطنية للحاق بالمستويات المعيشية في الدول المتقدمة ودعم استقلالها السياسي بمضمون اقتصادي واجتماعي. وقد تم ذلك على مستوى الجماعات الصغيرة الواعية أو الصفوات أولًا ثم على مستوى الجماهير بعد ذلك. وهذا وغيره من العوامل هو الذي يفسر اختلاط الأنماط البنائية في عملية التحديث بين مختلف المجتمعات24. وخلاصة الأمر بالنسبة للاتجاه البنائي في دراسة عمليات التحديث أن هذه العمليات تتطلب إحداث تغيرات في التشكيل البنائي للمجتمع، أي تغيير بعض المكونات البنائية، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث سلسلة متتابعة من المتغيرات الاجتماعية والثقافية. وهذا يعني بشكل آخر أن هناك ظروفًا بنائية Structural conditions تسهم في حدوث التنمية وظروفًا أخرى تعوق التنمية وهناك ظروفٌ بنائية تدعم التحديث وإن اتسمت بانعدام عدالة التوزيع والعكس ممكن.
وفي الاتجاه المقابل نجد أنصار فكرة التحديث الضروري الذين يرون أن نقطة الانطلاق هي من حيث معتقداته وقيمه واتجاهاته وسلوكياته، وهذه يجب أن توجه في الاتجاه الذي يخدم عمليات التنمية. والواقع أن العوامل الاجتماعية والنفسية ترتبط في عمليات التحديث بالعوامل البنائية. فهذه العوامل البنائية تؤثر في الترتيبات البنائية Inistittutional arrangment، وهذه الترتيبات البنائية النظامية ترتبط بدورها بالقيم والعقائد ومختلف الموجهات السلوكية القائمة وتتفاعل معها سلبًا وإيجابًا. وإذا كانت العوامل السيكو- اجتماعية هي إفراز للواقع البنائي والنظامي للمجتمع فإنها قادرة على تحريك هذا الواقع وتغييره. في حالة تغيرها سواء بشكل تلقائي أو مخطط بفعل عوامل داخلية أو خارجية. وهنا تظهر مشكلة التفاعل والدعم المتبادل بين العوامل الاجتماعية والنفسية والواقع البنائي، وهي ما يطلق عليها الحلقات المفرغة الخبيثة. وهذه هي المشكلة التي يشير إليها "لوير" عندما