الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مما ينعكس سوءًا على حالته النفسية والاقتصادية وموقفه من زوجته الأمر الذي يهدد العلاقات الأسرية نفسها.
الحقوق والواجبات الزوجية
…
الحقوق الواجبات الزوجية:
أ- إذا تحقق التعرف والاختبار والرضا والكفاءة والمهر مع تيسيره، تم عقد الزواج -بشهادة الشهود- ويترتب على هذا العقد الذي أطلق عليه القرآن الكريم "الميثاق الغليظ" مجموعة من الحقوق والواجبات المتبادلة تضمن تماسك الأسرة واستمرارية العلاقات الزوجية وسيادة المودة والرحمة والتفاهم المتبادل. وقد كرَّمَ الإسلام المرأة بعد أن كانت كمًّا مهملًا في الجاهلية، وهذا التكريم لم يرقَ إليه أكثر القوانين الغربية المعاصرة التي تدعي أنها منحت المرأة كل حريتها. ويتضح هذا التكريم القرآني للمرأة من القاعدة القرآنية الكريمة:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف} [البقرة: 228] .
ويذهب الإمام الشيخ محمد عبده إلى أن الدين الإسلامي رفع النساء إلى درجة سامية لم تصل إليها أمة سواء قبل الإسلام أو بعده. ففي بعض الدول الأوروبية تحصل المرأة على نصف أجر الرجل على الرغم من قيامها بنفس العمل المهني للرجل. كذلك فإن قوانين بعض هذه الدول تمنع المرأة من حق التصرف في مالها دون إذن زوجها. أما الإسلام فقد أعطى المرأة استقلالها الاقتصادي ومنع الرجل من أن يأكل من مال المرأة، فضلًا عن تملكه أو التصرف فيه، أو فرض الوصاية عليها. ولا يحق للرجل أخذ شيء من مال زوجته إلا إذا كان عن طيب نفس منها {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] . وقد كان النساء يعانين حتى أقل من قرن في أوروبا من جاهلية -فكرية واجتماعية- ليست بأحسن من جاهلية ما قبل الإسلام، فقد كانت المؤتمرات تعقد في أوروبا لبحث قضية وهي:
"هل المرأة إنسان أم حيوان"؟ وبالتالي هل يحق لها التمتع بحقوق الإنسان أم لا؟.
ب- يقول تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف} [البقرة: 228] . وهذا يعني أن الأساس الذي يرجع إليه تقرير الحقوق والواجبات هو العرف الذي تقضي به فطرة المرأة وفطرة الرجل. وقد أفاض الفقهاء في بيان حقوق كل من الزوج والزوجة، والحق الذي تقضي به الفطرة السليمة هو ما قضى به النبي عليه الصلاة والسلام، بين عليٍّ وابنته فاطمة، حيث قضى على ابنته بخدمة البيت ورعايتِهِ، -تدبير المنزل ورعاية الأطفال- وعلى زوجها بالعمل والسعي والكسب خارج البيت. ويقضي الإسلام بالتعاون بين الزوجين إذا دعت الضرورة حيث يساعد كل زوج زوجته في تدبير ورعاية البيت، وتساعد كل زوجة زوجها في عمله، وهذا هو التعاون الذي يطالبنا به ديننا الحنيف {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] .
ومن حسن العشرة والعلاقات الاجتماعية الطيبة عدم قيام أي طرف بتكليف الطرف الآخر ما لا يطيق {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، ومن حسن العشرة استمرار الود والحب والمودة والرحمة، فالأسرة في نظر الإسلام ليست مؤسسة اقتصادية ولا مؤسسة سكن بالمعنى الحرفي فحسب، لكنها تنظيم يهيئ الجو الملائم لحياة الإنسان حياة مريحة يشبع من خلالها كلٌّ من الزوجين حاجاته النفسية إلى الحب والأمن والتقدير وإثبات الذات والتعبير عنها، والحاجة إلى الذرية الصالحة، والحاجة إلى المودة والرحمة إلى جانب إشباع الحاجات المادية.
ج- وإذا كان الإسلام قد ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات فإنه جعل القوامة للرجل {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] ، فالرجل
هو المسئول عن المرأة مكلف بالإنفاق عليها وصيانتها ودفع الشر عنها، فهي مسئولية قوامة وتكليف وليست مسئولية سيطرة وسلطان وقهر. وهذه المسئولية تقتضيها ضرورة الاجتماع. فأي جماعة لا بد لها من قائد ومدير ومتصرف {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] . وليس معنى هذا إعفاء المرأة من المسئولية، فعن ابن عمر رضي عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم، قال:"كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" متفق عليه5.
فالمرأة مسئولة ومشاركة للرجل في المسئولية وأعباء المنزل. وإذا كان الإسلام قد منح الرجل القوامة فلأنه قادر على القيام بمشاق الأمور بسبب ما أودعه الله سبحانه فيه من قوة جسيمة وتحكيم العقل وعدم الانقياد للعواطف، وقدرته أو مسئوليته عن الإنفاق ورعاية الأسرة كلها. وهذا يعنى أن حق اتخاذ القرار النهائي Decision Making يكون للرجل، ولكن هذا القرار لا يصدر عن تسلط ولكن عن شورى وتبادل للرأي وإقناع واقتناع. وعلى هذا فإن المرأة تعد قوة من قوى تشكيل القرار Decision Shaping. وهذه الاستراتيجية الأسرية كفيلة بدوام الأسرة واستمراريتها وتماسكها.
د- وقد سبق أن أشرنا إلى أن قوامة الرجل وقيامه باتخاذ القرارات لا يعني التسلط، وإنما يقوم على أحد المبادئ الإسلامية الخالدة لبناء العلاقات الاجتماعية على مستوى الجماعة Group Level أو مستوى التنظيم Organization Level أو مستوى المجتمع المحلي Community Level أو مستوى المجتمع العام Society Level، وهو مبدأ الشورى وتبادل الرأي والمشاركة الإيجابية Positive Participation من جانب الأعضاء. فأمر المؤمنين شورى بينهم كما يحدثنا القرآن الكريم
{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم} [الشورى: 38] . وقد أمر الله تعالى نبيه الكريم أن يشاور أصحابه إشعارًا لهم بأهميتهم في إتخاذ القرارات، فقال تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر} [آل عمران: 159] ، وليست الشورى كنظام قاصر على المستوى السياسي أو مستوى الدولة، لكنه يمتد ليطبق داخل كل الجماعات الاجتماعية Social Groups على اختلاف مستوياتها وليست الجماعة الأسرية استثناءً من هذه القاعدة.
وقد جاء ذلك صريحاً في القرآن الكريم في مجال الحق في إبداء الرأي بشأن رضاع الأبناء الأطفال وفطامهم، فليس من حق الرجل منفردًا أو المرأة منفردة حق الاستئثار باتخاذ القرار دون الرجوع للطرف الآخر، قال تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَاّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 233] ، وقد وضع القرآن الكريم هذا المبدأ ليطبق في كل أمر يحتاج إلى تفاهم وتشاور داخل الحياة الأسرية. وقد أثبتت دراسات ديناميات الجماعة Group Dynamics أن درجة رضا عضو الجماعة وصحته النفسية وإنتاجيته تتناسب طرديًّا مع شعوره بالمشاركة في اتخاذ القرارات داخل الجماعة، وقد أقر الإسلام هذا المبدأ منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا. وعلى هذا فالتسلط والاستبداد بالرأي من جانب الزوج أمر مرفوض في الإسلام يتنافى مع قوله تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُن} [البقرة: 187]، وقوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] .
هـ- توصي التعاليم الإسلامية بحسن المعاشرة بين الزوجين، ووصايا الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الصدد منها: "استوصوا