الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
Nationalistic ideology، والقدرات الحركية والدينامية عند الأفراد، وقبول المعايير العقلية والمنطقية والروح العلمية.. ويشير الباحثون بأهمية ربط التحديث بأسس عقائدية حتى يستثيروا الدافع الكافي Sufficient motivation لدى أبناء المجتمع وهذا الجانب متوافر في العقيدة الإسلامية التي تجعل عمارة الأرض وتطوير المجتمع وتنميته واستخدام كل الظواهر التي سخرها الله لخدمة الإنسان من خلال الفكر والعلم والعمل. كل هذا من أسس العقيدة الإسلامية ويتحقق ذلك في العديد من المجتمعات من خلال بعض الأنشطة الرمزية Symbolic activity كذلك ترتبط قضية الالتزام الجماهيري بنظم الحكم المحلي أو لا مركزية الإدارة في العديد من الدول.
سابعًا: تجدر الإشارة إلى أن قضية الالتزام الجماهيري أمر أساسي بالنسبة لانطلاق التحديث، ولكنها ليست القضية الوحيدة، فهناك العوامل الاقتصادية "مشكلات الموارد والتراكم الرأسمالي" والبشرية "العمالة والخبرات والكوادر الإدارية والفنية" والتكنولوجية "إمكانية نقل واستيعاب التكنولوجيا" ونوعية الثقافة القائمة ونوعية التعليم ونماذج التربية الأسرية وخصائص جماعات الصفوة
…
إلخ.
نماذج من المعوقات الاستراتيجية أمام تحديث الدول النامية
وعادة ما تواجه المجتمعات النامية بضرورة تحديد اختيارات استراتيجية وتجاوز بعض مناطق الأشكال الحرجة التي يمكن أن تحبط كل محاولات التحديث الحضاري وسوف تقتصر هنا على إيراد نماذج من هذه المعوقات.
أولًا: المشكلة المتعلقة بتحديد نموذج التنمية أو التحديث Model of modernization وقد سبق أن أشرت إلى أنه على عكس زعم أنصار الصياغة الغربية للمجتمعات Westernization أو الصياغة الماركسية للمجتمعات، فإن هناك عدة مسارات ونماذج للتحديث، وتكمن المشكلة لدى المجتمعات وأمام الصفوات السياسية عند قيام كل مجتمع بتحديد النموذج التحديثي
المناسب والذي يتناسب مع الواقع الاجتماعي والديني والثقافي والتاريخي للمجتمع في إطار نسق العلاقات الدولية المعاصرة. وقد جاءت العديد من تجارب التحديث على أساس تطبيق النموذج الغربي في بعض الدول النامية مخيبة للآمال. فالتجربة الغربية في التحديث تجربة فريدة حيث سارت متغيرات النمو السكاني ونمو التطلعات والنمو التكنولوجي والنمو الاقتصادي وعمليات التحضير بشكل متناسق، بعكس الحال بالنسبة للمجتمعات النامية المعاصرة التي تعاني عدمَ اتساق أو تصارع هذه المتغيرات الاستراتيجية. ومن بين الخيارات الاستراتيجية المطروحة أمام الدول النامية تحديد شكل الملكية، وتحديد شكل الصناعة -ثقيلة أم خفيفة- وتحديد استراتيجية التمويل والقروض، ورسم استراتيجية التعليم
…
إلخ. وسوف نلقي الضوء على هذا المتغير الأخير على سبيل المثال. ومن الواضح أن نمو التعليم يرتبط بالنمو الاقتصادي وتحديث المجتمع سياسيًّا واجتماعيًّا وحضاريًّا.. وهذا ما سار في التجربة الغربية بشكل متوازٍ أما في الدول النامية فقد حدث توسع في تعليم الشعب بشكل سريع ومفاجئ وغير مخطط -في كثير من الأحيان- الأمر الذي أدى إلى حدوث عدة أزمات من بينها:
أ- أزمة اقتصادية حيث تخصص الدول جزءًا كبيرًا من ميزانيتها للإنفاق على التعليم بوصفه مشروعًا اجتماعيًّا واستثماريًّا طويل الأجل في وقت هي في أمس الحاجة إلى توجيه هذا الجزء من الدخل القومي لبرامج استثمارية سريعة العائد.
ب- أدت سرعة تخريج حاملي الشهادات المتوسطة والعليا، بشكل يفوق سرعة نمو المشروعات الاقتصادية والاجتماعية إلى حدوث أشكال البطالة السافرة أو المقنعة لدى المجتمعات التي تلزم نفسها بتعيين الخريجين -مثل مصر- الأمر الذي يسبب عبئًا أكبر على الميزانية ولعل أخطر أنواع البطالة هي بطالة المتعلمين.
جـ- مع تزايد أعداد المتعلمين تتزايد طموحاتهم وتطلعاتهم في وقت
يَعْجَزُونَ عَنْ تَحْقِيقِهَا مما يسبب أزمات للمجتمع سياسية واجتماعية وإيديولوجية.
هـ- تتفاقم هذه المشكلات إذا كان التعليم موجهًا توجيهًا أرستوقراطيًّا أو نظريًّا لا يخدم متطلبات التنمية -تخرج عمالة ماهرة أو نصف ماهرة أو فنيين أو كوادر إدارية ذات كفاءة عالية- وهذا هو ما يطلق عليه "هوروفتز" Horowitz سوء التعليم أو سواء التوجيه التعليمي Miss Education وهو يتضمن إهدار القوة البشرية الأمر الذي يدفعها إلى السير في مسارات مدمرة على المستوى الفردي والمجتمعي.
ثانيًا: والمشكلة الثانية التي تعوق العمليات التحديثية في المجتمعات النامية المعاصرة هو الوضع المتميز والفريد Advantageous position للمجمعات المتقدمة اقتصاديًّا وممارستها كل أنواع الضغط لتعويق التنمية في الدول النامية. وهذه النقطة عالجها الباحثون عند حديثهم عن البيئة الاجتماعية والاقتصاد الدولية كإطار عالمي للتنمية داخل الدول النامية، وهو ما يطلق عليه البعض مصطلح النسق العالمي The World System فالمزايا الهائلة التي حصلت عليها الدول الغربية عند دخولها في مجال التنمية خلال القرن التاسع عشر وأوائل العشرين، والمزايا التي حصلت عليها وتستمتع بها الآن -اقتصاديًّا وتكنولوجيًّا وعلميًّا وبشريًّا وعسكريًّا
…
في ضوء استحوازها وتحكمها في الموارد ورأس المال والتقدم العلمي والتكنولوجي.. مكنها من ممارسة الضغط وزودها بقدرات تنافسية قوية، الأمر الذي يجعل تحديث المجتمعات النامية أمرًا صعبًا ومستوجبًا للدخول في الكثير من المشاكل والأزمات. فتحديث هذه المجتمعات الأخيرة يعني استقلالها عن الغرب اقتصاديًّا، كما يعني حرمان الغرب من سوق واسع لمنتجاتها كما يعني دخولها في منافسة مع الغرب في الأسواق العالمية، ويعني إعادة النظر في تصدير المواد الخام للدول الغربية بنفس المقادير ونفس الشروط السابقة لتمكنها من عمليات التصنيع
…
إلخ.
وكما يشير "لوير" فإن تحديث المجتمعات النامية المعاصرة لا يتحقق كوظيفة لاتخاذ قرارات وطنية ولعمليات تحدث داخل هذه الدول نفسها فحسب، ولكنه يحدث في إطار سياق علمي International context محكوم بالعديد من المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإيديولوجية. ويشير "هانز سنجر" H. Singer في مقال له بعنوان توزيع العائد بين الدول المقترضة والدول المستثمرة إلى أن معدلات التجارة العالمية Terms of trade تسير في غير صالح الدول النامية بوصفها دولًا مصدرة للمواد النامية لأن متوسط دخول أبنائها منخفضة، ولهذا فإن التقلبات الحادة في معدلات وشروط التجارة الخارجية -سواء في حجمها أو في قيمتها. تضع عقبات أمام تحديث أو معدل وسرعة التحديث داخل هذه الدول. والدول النامية كما سبق القول غير قادرة على الدخول في منافسة في الأسواق العالمية العريقة بسبب رخص الصناعات المنافسة التي تملكها الدول المتقدمة صناعيًّا. يضاف إلى هذا أن أغلب الدول النامية تعتمد على اقتصاد الكفاف وبالتالي فإنها تعتمد على هامش الدخل Margin of Income الناجم عن التجارة الخارجية كمصدر أساسي للتراكم الرأسمالي، الذي يعد بدوره المصدر الأساسي للاستثمارات التنموية داخلها28.
وإذا كانت الدول النامية في أمس الحاجة إلى توازنات في التجارة الخارجية تتجه لصالحها وهذا ما لا يحدث عادة إلا لظروف طارئة كما حدث في أسعار البترول بعد حرب 1973 بين الدول العربية وإسرائيل، فالواقع أن استثمارات الدول المتقدمة صناعيًّا داخل الدول النامية، حولت أغلب هذه الدول الأخيرة إلى دول مصدرة للطعام والمواد الأولية للدول المتقدمة صناعيًّا، الأمر الذي يضر باقتصاديات ومصادر تمويل التنمية في الدول النامية لاعتمادها الأساسي على تصدير سلعة أو أكثر من السلع الأولية، الذي تتجه معدلات التبادل العالمية في غير صالح الدول المصدرة لها. والعكس صحيح فأسعار المنتجات المصنعة "التي تزداد جودتها وتقل تكلفتها داخل الدول
المتقدمة صناعيًّا نتيجة الأخذ بأساليب علمية وتكنولوجية تتقدم يومًا بعد يوم "تزداد يومًا بعد يوم" ما يمثل أعباء جديدة ومتزايدة على كاهل الدول النامية. وهذا يعني أن الدول المتقدمة صناعيًّا تحصل على كل المميزات كمستهلكين للطعام والمواد الأولية وكمنتجين للصناعات الثقيلة والوسيطة والاستهلاكية. والعكس يحدث للدول النامية حيث تخسر مرتين كمستهلكين وكمنتجين29.
ثالثًا: ويطرح "لوير" المشكلة الثالثة في شكل سؤال على النحو التالي: هل تكنولوجيا التحديث على مستوى العالم كله أمر ممكن؟ ويذهب بعض الباحثين إلى أن موارد الكرة الأرضية كافية لرفع مستوى سكان العالم كله إلى مستويات المعيشة التي يتمتع بها إنسان العالم الغربي المتقدم صناعيًّا. ويتنبأ الباحث المذكور باحتمال انخفاض المستويات المعيشية في كل دول العالم خلال الفترة الزمنية القادمة، ويذهب إلى أن هذا التنبؤ ليس رجمًا بالغيب، ولكنه يعتمد على نماذج تقديرية لحسابات الاحتمالات ولتقديرات الحاسبات الآلية، نتيجة لحساب العلاقة بين عدة متغيرات استراتيجية مثل سكان العالم ونسب نموهم وحجم الموارد الطبيعية ومشكلات التلوث والحروب وحجم الإنفاق العسكري العالمي ورأس المال وإنتاج الطعام. وقديمًا كانت هناك تحذيرات من جانب بعض العلماء المتشائمين مثل "مالتوس" بصدد مشكلة العلاقة بين السكان والموارد الاقتصادية، غير أن ظهور تكنولوجيات ومصادر غير متوقعة أفسد هذه التوقعات. ويشير أغلب المحللين الاقتصاديين والاجتماعيين المعاصرين إلى أنه إذا لم تتقدم التكنولوجيا بسرعة داخل الدول النامية، بحيث يصبح في إمكانها نقلها واستيعابها والاستفادة منها من رفع متوسطات دخول أفرادها وإشباع قدر من تطلعاتهم على الأقل في حدها الأدنى، فإن الموقف العالمي سوف يكون متفجرًا30. وينذر بأزمات كساد عالمي وبطالة داخل الدول المتقدمة صناعيًّا وبالتالي انخفاض معدلات التنمية ومتوسطات الدخول داخلها، هذا إلى جانب مشكلات الصراع والتطرفات والحروب.