المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نماذج من المعوقات الاستراتيجية أمام تحديث الدول النامية - بناء المجتمع الإسلامي

[نبيل السمالوطي]

فهرس الكتاب

- ‌ال‌‌مقدمة

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌فهرس

- ‌الفصل الأول: الأسس البنائية للمجتمع الإسلامي

- ‌مقدمة

- ‌العقيدة بين المفهوم الإسلامي والمفاهيم المعارضة:

- ‌المفهوم القرآني للعقيدة:

- ‌الفكر الاجتماعي الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ نفي الحرج

- ‌ قلة التكاليف

- ‌ التدرج في الأحكام

- ‌ مسايرة مصالح الناس

- ‌ تحقيق العدالة بين الناس

- ‌أهداف الشريعة الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ تهذيب الإنسان بالعبادات

- ‌ إقامة العدل في الجماعة الإسلامية

- ‌المصلحة

- ‌مدخل

- ‌ مرتبة الضروريات:

- ‌ مرتبة الحاجيات:

- ‌ مرتبة التحسينات:

- ‌أسس العلاقات الاجتماعية الصالحة

- ‌العدل واجتناب الظلم

- ‌ طاعة أولياء الأمور في غير معصية:

- ‌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌ التخلق بالأخلاق الإسلامية:

- ‌التربية الإسلامية الصحيحة

- ‌مدخل

- ‌ التربية الإسلامية تربية تكاملية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية متوازية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية سلوكية وعملية:

- ‌ التربية الإسلامية تجمع بين الفردية والجماعية:

- ‌ التربية الإسلامية تركز على تقوية جانب المراقبة لله:

- ‌ التربية الإسلامية تربية لفطرة الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية توجه الإنسان نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تتسم بالعالمية والشمول:

- ‌ التربية الإسلامية محافظة ومجددة:

- ‌العلاقة بين العقيدة والشريعة

- ‌مدخل

- ‌ الجوانب السلوكية التي تحدد العلاقة بين الإنسان وربه

- ‌ الجوانب السلوكية الذاتية والاجتماعية

- ‌مصادر الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني: الدراسة السوسيولوجية للنظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌تعريف النظام الاجتماعي:

- ‌خصائص النظم الاجتماعية

- ‌لكل نظام وظيفة أو مجموعة من الوظائف يؤديها داخل المجتمع

- ‌ يرتبط النظام بفكرة المعايير أو القواعد الضابطة للسلوك

- ‌التزام الناس بهذه القواعد يرتبط بفكرة الجزاءات الاجتماعية

- ‌ النظام هو السلوك الاجتماعي الذي يعترف به أبناء المجتمع

- ‌ أغلب النظم تتسم بدرجة عالية من التعقيد

- ‌ الترابط الوظيفي

- ‌ لكل نظام اجتماعي مجموعة من العناصر

- ‌أنواع النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ من حيث العمومية والخصوصية:

- ‌ من حيث الاستمرار والعرضية أو الوقتية في الحدوث:

- ‌ من حيث التلقائية والتقنين:

- ‌ من حيث المشروعية وعدم المشروعية:

- ‌ من حيث الهدف:

- ‌من حيث ما إذا كان النظام أساسي أو فرعى

- ‌ النظم الاختيارية والنظم الإجبارية

- ‌ يضيف بعض العلماء

- ‌أهداف النظم الاجتماعية:

- ‌تصنيف النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ النظم الاقتصادية والحكومية:

- ‌ النظام العائلي:

- ‌ نظام الدين:

- ‌ نظام التعبيرات الجمالية والعقلية والترويح:

- ‌أهمية دراسة النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ تدخل النظم الأساسية في تكوين البناء الاجتماعي

- ‌ تكشف النظم الاجتماعية للمجتمع عن أساليبَ لمواجهة حاجاته الجماعية

- ‌ تعد دراسة النظم الاجتماعية هي الأساس الأول للدراسة المقارنة بين المجتمعات

- ‌ تعد الدراسة العلمية للنظم الاجتماعية هي الأساس الأول لمواجهة المشكلات الاجتماعية

- ‌النظم وأوزانها داخل البناء الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ التيار الماركسي الملحد

- ‌ التيار الديني أو القيمي

- ‌مصادر الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث: النظام العائلي

- ‌الأسرة

- ‌الأسرة أهميتها ووظائفها

- ‌أسس بناء الأسرة في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ التعرف:

- ‌ الرضا الكامل الذاتي من الطرفين

- ‌ الكفاءة:

- ‌ المهر:

- ‌الحقوق والواجبات الزوجية

- ‌نظام الأدوار والمراكز الاجتماعية داخل إطار العلاقات الأسرية

- ‌مدخل

- ‌ حقوق الزوجة على الزوج:

- ‌ حقوق الزوج على زوجته:

- ‌ حقوق الأولاد:

- ‌نظام المحرمات من النساء في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ المحرمات بسبب القرابة

- ‌ المحرمات بسبب المصاهرة

- ‌ المحرمات بسبب الرضاعة:

- ‌نظام التحريم على سبيل التأقيت:

- ‌النظام الإسلامي في مواجهة الخلافات والمشكلات الأسرية:

- ‌النظام الإسلامي لإنهاء العلاقات الزوجية مع محاولات العلاج:

- ‌الإسلام وقضية تعدد الزوجات:

- ‌مصادر الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع: النظام التربوي

- ‌مقدمة

- ‌نماذج قرآنية للتربية:

- ‌نماذج من أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام:

- ‌أهداف التربية الإسلامية:

- ‌ميادين التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌الميدان الأول تلاوة الآيات

- ‌الميدان الثاني التزكية

- ‌الميدان الثالث تعليم الكتاب

- ‌الميدان الرابع تعليم الحكمة

- ‌أهم الأسس العامة التي تقوم عليها التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ التربية الإسلامية تحقق النمو المتكامل المتوازن لشخصية الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية تحقق للإنسان التوازن:

- ‌ التربية الإسلامية تربية فكرية وسلوكية وعملية معا:

- ‌تجمع التربية الإسلامية بين الطابع الفردى والاجتماعي معا

- ‌التربية الإسلامية تنشيء الفرد على مراقبة الله سبحانه

- ‌ التربية الإسلامية تحافظ على فطرة الإنسان النقية وتعلي غرائزه الفطرية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية موجهة نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية عالمية منفتحة:

- ‌التربية الإسلامية تجمع بين المحافظة والتجديد

- ‌أساليب التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ أسلوب القدوة الصالحة:

- ‌ أسلوب الترغيب والترهيب:

- ‌ أسلوب التوجيه والموعظة الحسنة:

- ‌ أسلوب العقاب الفعلي:

- ‌ أسلوب القصة:

- ‌أسلوب التربية السلوكية باقتلاع العادات السيئة

- ‌ استخدام الأساليب الحسية:

- ‌ أسلوب النقاش والحوار

- ‌ أسلوب المحاولة والخطأ:

- ‌ أسلوب استخدام الأحداث والظروف والمواقف في مجال التعليم:

- ‌ توجيه طاقات الإنسان في مساراتها الصحيحة:

- ‌ أسلوب استثمار وقت الفراغ:

- ‌التربية الإسلامية وقضية الصحة النفسية

- ‌مدخل

- ‌ المعيار المثالي:

- ‌ المعيار الإحصائي:

- ‌ المعيار الحضاري:

- ‌ المعيار السيكولوجي أو الطبي النفسي:

- ‌ المعيار الإسلامي الصحيح:

- ‌مؤشرات الصحة النفسية بالمفهوم الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ الإيمان الكامل اليقيني بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره

- ‌ التوافق الاجتماعي مع الغير:

- ‌ التوافق الذاتي:

- ‌ الشعور بالسموِّ والعزة والعلوِّ والقدرة على مواجهة الصعاب والأزمات

- ‌ الشعور بالرضا والسعادة:

- ‌ القدرة على العطاء والإنجاز والعمل:

- ‌مبادئ التعلم في النظرية التربوية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ الربط بين النظرية والتطبيق:

- ‌ مراعاة استعدادات المتعلم وقدرته الاستيعابية والإدراكية:

- ‌ تكوين الاتجاهات قبل الفهم واستيعاب المعلومات:

- ‌ تسهيل العملية التعليمية وتيسير حصولها:

- ‌التعزيز من خلال الاستفسار والمراجعة والمناقشة

- ‌مدخل

- ‌ التطور، سنة من سنن الحياة:

- ‌ التبصر في التراث وإعمال العقل وعدم التقليد الأعمي:

- ‌ الانفتاح العقلي على مختلف التجارب والخبرات البشرية

- ‌ التكامل بين العلم والإيمان:

- ‌ التكامل بين العقل والنقل أو الإيمان بالغيب ومنطق العلم:

- ‌ ضرورة أن يكون العلم موجهًا لما يرضي الله سبحانه:

- ‌ ضَرُورة العمل على نشر العلم وتعليم الناس:

- ‌ استمرارية التعلم وعدم تقيده بسن:

- ‌ إيجاد علاقة شخصية وطيدة بين المتعلم والمعلم:

- ‌نماذج من الآراء التربوية عند المسلمين

- ‌مدخل

- ‌ المستوى الفردي

- ‌ المستوى الاجتماعي العام

- ‌ المستوى الإنساني

- ‌مصادر الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس: النظام الاقتصادي

- ‌مقدمة

- ‌المنظور الإسلامي للمال أو الثروة المادية:

- ‌أساليب تحصيل الثروة والأموال

- ‌مدخل

- ‌ التجارة:

- ‌ الزراعة:

- ‌ الصناعة:

- ‌دعوة الإسلام إلي الاستثمار

- ‌مدخل

- ‌ دعوة الإسلام إلى العمل:

- ‌ تحريم الاكتناز والاستغلال:

- ‌ تحريم الاستثمار الاستغلالي:

- ‌الأسس البنائية للاقتصاد الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌الاتفاق مع الطبيعية البشرية

- ‌ تحقيق التوازن بين الفرد والجماعة وبين دوافع الإنسان:

- ‌ الضوابط الاقتصادية:

- ‌ إطلاق الطاقات الاستثمارية وتشجيع النشاط الاقتصادي المنتج:

- ‌ الحيلولة دون التضخم المرضي للثروات الخاصة:

- ‌ المجتمع الإسلامي يقضي على الفقر ويعالج مشكلة الاحتياج:

- ‌نظام الملكية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌واجبات التملك

- ‌مدخل

- ‌ أداء الزكاة التي فرضها الله سبحانه:

- ‌ أداء واجبات التكافل الاجتماعي:

- ‌ضوابط الملكية الخاصة في الإسلام:

- ‌أساليب اكتساب الملكية

- ‌مدخل

- ‌ الكسب بالانتظار:

- ‌ العمل:

- ‌ المخاطرة:

- ‌ الزرع وإحياء الأرض الموات:

- ‌ العقود الناقلة للملكية:

- ‌ الميراث:

- ‌نظام المعاملات المالية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌نظام الزكاة: فلسفتها وأهدافها الاجتماعية:

- ‌علاقات العمل في الإسلام:

- ‌الواقعية الاقتصادية في الإسلام -تكافؤ الفرص وتفاوت الثروات

- ‌العدالة الاقتصادية في الإسلام:

- ‌أسلوب مواجهة الإسلام للمشكلات الاقتصادية

- ‌مدخل

- ‌مواجهة الإسلام لمشكلة الفقر

- ‌مدخل

- ‌ بيت مال المسلمين

- ‌ الزكاة:

- ‌ النفقات الواجبة:

- ‌ مواجهة الإسلام لمشكلة التمايز والصراع الطبقي:

- ‌ مواجهة الإسلام لمشكلة البطالة:

- ‌تحقيق الاستقلال الاقتصادي للمجتمع الإسلامي:

- ‌التوجيه الاقتصادي في الإسلام:

- ‌الوظائف الاقتصادية للدولة طبقا للنظام الاقتصادي الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ حالات الاحتكار والاستغلال والإضرار:

- ‌ في حالة الربح الفاحش:

- ‌ في الحالات التي تستدعيها الضرورة:

- ‌مسئولية الدولة عن الأموال العامة:

- ‌مسئولية الدولة في مجال الضمان الاجتماعي ومعاونة الفئات المحتاجة

- ‌الملكية العامة في الإسلام وضوابطها

- ‌مدخل

- ‌ أرض الحمى:

- ‌ الأراضي الزراعية المفتوحة:

- ‌الفكر الاقتصادي في التراث الإسلامي:

- ‌مصادر الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس: قضايا التحديث والتنمية في علم الاجتماع مع طرح مدخل إسلامي مقترح

- ‌مقدمة

- ‌التحديث وارتباطه بالتصنيع:

- ‌التحديث والتغير الاجتماعي

- ‌التحديث الحضاري: شروطه، نماذجه، معوقاته

- ‌اتجاهات دراسة التحديث في الدول النامية

- ‌تحديث البناء الاجتماعي-التحديث الفردي

- ‌التحديث وقضية الالتزام الجماهيري بقضايا المجتمع والتنمية

- ‌نماذج من المعوقات الاستراتيجية أمام تحديث الدول النامية

- ‌التحديث والتنمية

- ‌العلاقة بينهما ومداخل الدراسة

- ‌مدخل

- ‌البعد العقائدي أو الإيديولوجي

- ‌ بعد النظم الاجتماعية:

- ‌ البعد التنظيمي:

- ‌ البعد الثقافي:

- ‌ البعد النفسي:

- ‌ بُعْد الإمكانات المتاحة:

- ‌ بُعْد المناخ الدولي أو النسق العالمي:

- ‌نحو مدخل إسلامي للتنمية

- ‌مصادر الفصل السادس

الفصل: ‌نماذج من المعوقات الاستراتيجية أمام تحديث الدول النامية

Nationalistic ideology، والقدرات الحركية والدينامية عند الأفراد، وقبول المعايير العقلية والمنطقية والروح العلمية.. ويشير الباحثون بأهمية ربط التحديث بأسس عقائدية حتى يستثيروا الدافع الكافي Sufficient motivation لدى أبناء المجتمع وهذا الجانب متوافر في العقيدة الإسلامية التي تجعل عمارة الأرض وتطوير المجتمع وتنميته واستخدام كل الظواهر التي سخرها الله لخدمة الإنسان من خلال الفكر والعلم والعمل. كل هذا من أسس العقيدة الإسلامية ويتحقق ذلك في العديد من المجتمعات من خلال بعض الأنشطة الرمزية Symbolic activity كذلك ترتبط قضية الالتزام الجماهيري بنظم الحكم المحلي أو لا مركزية الإدارة في العديد من الدول.

سابعًا: تجدر الإشارة إلى أن قضية الالتزام الجماهيري أمر أساسي بالنسبة لانطلاق التحديث، ولكنها ليست القضية الوحيدة، فهناك العوامل الاقتصادية "مشكلات الموارد والتراكم الرأسمالي" والبشرية "العمالة والخبرات والكوادر الإدارية والفنية" والتكنولوجية "إمكانية نقل واستيعاب التكنولوجيا" ونوعية الثقافة القائمة ونوعية التعليم ونماذج التربية الأسرية وخصائص جماعات الصفوة

إلخ.

ص: 312

‌نماذج من المعوقات الاستراتيجية أمام تحديث الدول النامية

وعادة ما تواجه المجتمعات النامية بضرورة تحديد اختيارات استراتيجية وتجاوز بعض مناطق الأشكال الحرجة التي يمكن أن تحبط كل محاولات التحديث الحضاري وسوف تقتصر هنا على إيراد نماذج من هذه المعوقات.

أولًا: المشكلة المتعلقة بتحديد نموذج التنمية أو التحديث Model of modernization وقد سبق أن أشرت إلى أنه على عكس زعم أنصار الصياغة الغربية للمجتمعات Westernization أو الصياغة الماركسية للمجتمعات، فإن هناك عدة مسارات ونماذج للتحديث، وتكمن المشكلة لدى المجتمعات وأمام الصفوات السياسية عند قيام كل مجتمع بتحديد النموذج التحديثي

ص: 312

المناسب والذي يتناسب مع الواقع الاجتماعي والديني والثقافي والتاريخي للمجتمع في إطار نسق العلاقات الدولية المعاصرة. وقد جاءت العديد من تجارب التحديث على أساس تطبيق النموذج الغربي في بعض الدول النامية مخيبة للآمال. فالتجربة الغربية في التحديث تجربة فريدة حيث سارت متغيرات النمو السكاني ونمو التطلعات والنمو التكنولوجي والنمو الاقتصادي وعمليات التحضير بشكل متناسق، بعكس الحال بالنسبة للمجتمعات النامية المعاصرة التي تعاني عدمَ اتساق أو تصارع هذه المتغيرات الاستراتيجية. ومن بين الخيارات الاستراتيجية المطروحة أمام الدول النامية تحديد شكل الملكية، وتحديد شكل الصناعة -ثقيلة أم خفيفة- وتحديد استراتيجية التمويل والقروض، ورسم استراتيجية التعليم

إلخ. وسوف نلقي الضوء على هذا المتغير الأخير على سبيل المثال. ومن الواضح أن نمو التعليم يرتبط بالنمو الاقتصادي وتحديث المجتمع سياسيًّا واجتماعيًّا وحضاريًّا.. وهذا ما سار في التجربة الغربية بشكل متوازٍ أما في الدول النامية فقد حدث توسع في تعليم الشعب بشكل سريع ومفاجئ وغير مخطط -في كثير من الأحيان- الأمر الذي أدى إلى حدوث عدة أزمات من بينها:

أ- أزمة اقتصادية حيث تخصص الدول جزءًا كبيرًا من ميزانيتها للإنفاق على التعليم بوصفه مشروعًا اجتماعيًّا واستثماريًّا طويل الأجل في وقت هي في أمس الحاجة إلى توجيه هذا الجزء من الدخل القومي لبرامج استثمارية سريعة العائد.

ب- أدت سرعة تخريج حاملي الشهادات المتوسطة والعليا، بشكل يفوق سرعة نمو المشروعات الاقتصادية والاجتماعية إلى حدوث أشكال البطالة السافرة أو المقنعة لدى المجتمعات التي تلزم نفسها بتعيين الخريجين -مثل مصر- الأمر الذي يسبب عبئًا أكبر على الميزانية ولعل أخطر أنواع البطالة هي بطالة المتعلمين.

جـ- مع تزايد أعداد المتعلمين تتزايد طموحاتهم وتطلعاتهم في وقت

ص: 313

يَعْجَزُونَ عَنْ تَحْقِيقِهَا مما يسبب أزمات للمجتمع سياسية واجتماعية وإيديولوجية.

هـ- تتفاقم هذه المشكلات إذا كان التعليم موجهًا توجيهًا أرستوقراطيًّا أو نظريًّا لا يخدم متطلبات التنمية -تخرج عمالة ماهرة أو نصف ماهرة أو فنيين أو كوادر إدارية ذات كفاءة عالية- وهذا هو ما يطلق عليه "هوروفتز" Horowitz سوء التعليم أو سواء التوجيه التعليمي Miss Education وهو يتضمن إهدار القوة البشرية الأمر الذي يدفعها إلى السير في مسارات مدمرة على المستوى الفردي والمجتمعي.

ثانيًا: والمشكلة الثانية التي تعوق العمليات التحديثية في المجتمعات النامية المعاصرة هو الوضع المتميز والفريد Advantageous position للمجمعات المتقدمة اقتصاديًّا وممارستها كل أنواع الضغط لتعويق التنمية في الدول النامية. وهذه النقطة عالجها الباحثون عند حديثهم عن البيئة الاجتماعية والاقتصاد الدولية كإطار عالمي للتنمية داخل الدول النامية، وهو ما يطلق عليه البعض مصطلح النسق العالمي The World System فالمزايا الهائلة التي حصلت عليها الدول الغربية عند دخولها في مجال التنمية خلال القرن التاسع عشر وأوائل العشرين، والمزايا التي حصلت عليها وتستمتع بها الآن -اقتصاديًّا وتكنولوجيًّا وعلميًّا وبشريًّا وعسكريًّا

في ضوء استحوازها وتحكمها في الموارد ورأس المال والتقدم العلمي والتكنولوجي.. مكنها من ممارسة الضغط وزودها بقدرات تنافسية قوية، الأمر الذي يجعل تحديث المجتمعات النامية أمرًا صعبًا ومستوجبًا للدخول في الكثير من المشاكل والأزمات. فتحديث هذه المجتمعات الأخيرة يعني استقلالها عن الغرب اقتصاديًّا، كما يعني حرمان الغرب من سوق واسع لمنتجاتها كما يعني دخولها في منافسة مع الغرب في الأسواق العالمية، ويعني إعادة النظر في تصدير المواد الخام للدول الغربية بنفس المقادير ونفس الشروط السابقة لتمكنها من عمليات التصنيع

إلخ.

ص: 314

وكما يشير "لوير" فإن تحديث المجتمعات النامية المعاصرة لا يتحقق كوظيفة لاتخاذ قرارات وطنية ولعمليات تحدث داخل هذه الدول نفسها فحسب، ولكنه يحدث في إطار سياق علمي International context محكوم بالعديد من المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإيديولوجية. ويشير "هانز سنجر" H. Singer في مقال له بعنوان توزيع العائد بين الدول المقترضة والدول المستثمرة إلى أن معدلات التجارة العالمية Terms of trade تسير في غير صالح الدول النامية بوصفها دولًا مصدرة للمواد النامية لأن متوسط دخول أبنائها منخفضة، ولهذا فإن التقلبات الحادة في معدلات وشروط التجارة الخارجية -سواء في حجمها أو في قيمتها. تضع عقبات أمام تحديث أو معدل وسرعة التحديث داخل هذه الدول. والدول النامية كما سبق القول غير قادرة على الدخول في منافسة في الأسواق العالمية العريقة بسبب رخص الصناعات المنافسة التي تملكها الدول المتقدمة صناعيًّا. يضاف إلى هذا أن أغلب الدول النامية تعتمد على اقتصاد الكفاف وبالتالي فإنها تعتمد على هامش الدخل Margin of Income الناجم عن التجارة الخارجية كمصدر أساسي للتراكم الرأسمالي، الذي يعد بدوره المصدر الأساسي للاستثمارات التنموية داخلها28.

وإذا كانت الدول النامية في أمس الحاجة إلى توازنات في التجارة الخارجية تتجه لصالحها وهذا ما لا يحدث عادة إلا لظروف طارئة كما حدث في أسعار البترول بعد حرب 1973 بين الدول العربية وإسرائيل، فالواقع أن استثمارات الدول المتقدمة صناعيًّا داخل الدول النامية، حولت أغلب هذه الدول الأخيرة إلى دول مصدرة للطعام والمواد الأولية للدول المتقدمة صناعيًّا، الأمر الذي يضر باقتصاديات ومصادر تمويل التنمية في الدول النامية لاعتمادها الأساسي على تصدير سلعة أو أكثر من السلع الأولية، الذي تتجه معدلات التبادل العالمية في غير صالح الدول المصدرة لها. والعكس صحيح فأسعار المنتجات المصنعة "التي تزداد جودتها وتقل تكلفتها داخل الدول

ص: 315

المتقدمة صناعيًّا نتيجة الأخذ بأساليب علمية وتكنولوجية تتقدم يومًا بعد يوم "تزداد يومًا بعد يوم" ما يمثل أعباء جديدة ومتزايدة على كاهل الدول النامية. وهذا يعني أن الدول المتقدمة صناعيًّا تحصل على كل المميزات كمستهلكين للطعام والمواد الأولية وكمنتجين للصناعات الثقيلة والوسيطة والاستهلاكية. والعكس يحدث للدول النامية حيث تخسر مرتين كمستهلكين وكمنتجين29.

ثالثًا: ويطرح "لوير" المشكلة الثالثة في شكل سؤال على النحو التالي: هل تكنولوجيا التحديث على مستوى العالم كله أمر ممكن؟ ويذهب بعض الباحثين إلى أن موارد الكرة الأرضية كافية لرفع مستوى سكان العالم كله إلى مستويات المعيشة التي يتمتع بها إنسان العالم الغربي المتقدم صناعيًّا. ويتنبأ الباحث المذكور باحتمال انخفاض المستويات المعيشية في كل دول العالم خلال الفترة الزمنية القادمة، ويذهب إلى أن هذا التنبؤ ليس رجمًا بالغيب، ولكنه يعتمد على نماذج تقديرية لحسابات الاحتمالات ولتقديرات الحاسبات الآلية، نتيجة لحساب العلاقة بين عدة متغيرات استراتيجية مثل سكان العالم ونسب نموهم وحجم الموارد الطبيعية ومشكلات التلوث والحروب وحجم الإنفاق العسكري العالمي ورأس المال وإنتاج الطعام. وقديمًا كانت هناك تحذيرات من جانب بعض العلماء المتشائمين مثل "مالتوس" بصدد مشكلة العلاقة بين السكان والموارد الاقتصادية، غير أن ظهور تكنولوجيات ومصادر غير متوقعة أفسد هذه التوقعات. ويشير أغلب المحللين الاقتصاديين والاجتماعيين المعاصرين إلى أنه إذا لم تتقدم التكنولوجيا بسرعة داخل الدول النامية، بحيث يصبح في إمكانها نقلها واستيعابها والاستفادة منها من رفع متوسطات دخول أفرادها وإشباع قدر من تطلعاتهم على الأقل في حدها الأدنى، فإن الموقف العالمي سوف يكون متفجرًا30. وينذر بأزمات كساد عالمي وبطالة داخل الدول المتقدمة صناعيًّا وبالتالي انخفاض معدلات التنمية ومتوسطات الدخول داخلها، هذا إلى جانب مشكلات الصراع والتطرفات والحروب.

ص: 316