الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحفاظ على مقصود الشرع من حفظ للدين والعقل والعرض والنفس والمال.
8-
التربية الإسلامية تربية مستمرة:
فهي تستمر مع الإنسان من المهد إلي اللحد، حيث يجب على المسلم التزود باستمرار من العلوم بكافة أنواعها {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} ، وينبهنا بل يطالبنا القرآن الكريم بإمعان النظر والتأمل والتفكر في مخلوقات الله؛ لأن أي تفكير صحيح -في النفس أو في التاريخ أو في الكون- سوف يدعم الإيمان الكامل اليقيني بوحدانية الله سبحانه.
9-
التربية الإسلامية تتسم بالعالمية والشمول:
ينبذ الإسلام التعصب والفروق العرقية والطبقية واللونية ويقيم معيارًا واحدًا للتمييز بين كل البشر، وهو معيار التقوى والعمل الصالح وفعل الخير. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] . والمسلمون متساوون في العبودية المطلقة لله وهم جميعًا إخوة فيما بينهم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة} والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، فالمسلمون في كل أنحاء الدنيا، يجمع بينهم عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويجمع بينهم أداء الفرائض واعتناق القيم الإسلامية وأداء السلوك الإسلامي الموحد.
10-
التربية الإسلامية محافظة ومجددة:
فهي محافظة بما تقوم عليه من مبادىء سماوية خالدة، وتقاليد ثابتة، وقيم أصلية تمتد بجذورها إلى ما يزيد على أربعة عشر قرنًا من الزمان. وتعمل التربية الإسلامية على ترسيخ هذه المبادئ في نفوس النشء، وصياغة الشخصية الإسلامية المتكاملة التي تؤمن بربها وبالرسل والكتب والملائكة واليوم الآخر والقدر خيره وشره. غير أن التربية الإسلامية ليست جامدة ولا متحجرة فهي تصلح لكل زمان ومكان، والمسلمون تتجدد أحوالهم المعيشية
بتغير الأزمنة -مع الاحتفاظ بالمبادئ والقيم الإسلامية- ولهذا يجب على التربية الإسلامية أن تنقل للنشء كل علوم العصر المادية التي لا تتعارض مع القيم الإسلامية من أجل رفع شأن المسلمين والنهضة المستمرة بالمجتمع الإسلامي والوفاء بالمطالب المتجددة للمسلمين.
هذه هي أهم أهداف وأسس التربية الإسلامية، وهناك مجموعة من الأساليب والسبل التي يحاول بها الإسلام الوصول إلى هذه الأهداف نوجزها فيما يلي:
أولا: أسلوب القدوة الصالحة: فهو أنجح الأساليب في تربية النشء، وخاصة في فترة الاكتساب خلال فترة الطفولة المبكرة والمتأخرة، وقد ضرب لنا الرسول عليه السلام أحسن الأمثلة في القدوة الصالحة بسلوكه وخلقه، قال:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِر} [الأحزاب: 21]، وشبه الرسول عليه السلام الجليس الصالح والجليس السوء ببائع المسك ونافخ الكير. ويجب أن يضرب الآباء والأساتذة الدعاة المثل الصالح حتى يحتذي بهم الأبناء والدارسون والمستمعون. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 1-2] .
ثانيا: أسلوب الترغيب والترهيب: يعد الثواب والعقاب هو الأسلوب الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية، والذي ثبت صلاحيته في كل زمان ومكان.
ويستخدم القرآن الكريم هذا الأسلوب في حض المؤمنين على فعل الخير والتمسك بمبادئ الشريعة الإسلامية واجتناب الكبائر والفواحش والرذائل وكل ما يقرب إلى النار، فهناك الحدود التي يجب تطبيقها في المجتمع الإسلامي على كل مخالف للشرع، وهناك الثواب الدنيوي والأخروي، كما أن هناك العقاب الدنيوي والأخروي. {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} الآية [فصلت: 30] وإذا كان كل بني آدم خطاء، فإن خير الخطائين التوابون كما أخبرنا الرسول، عليه الصلاة والسلام.
ثالثا: أسلوب الموعظة والنصح: يقول مخاطبًا النبي عليه السلام: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 25] . وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: 104] . وقال عليه السلام: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" رواه مسلم. وهذا الأسلوب التربوي من أنجح الأساليب في إقناع الدارسين والمتمعنين وإرشادهم إلى ما فيه رضا الله وفلاحهم في الدنيا والآخرة.
رابعًا: أسلوب الإقناع والاقتناع: يقوم الإسلام على مبدأ {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} ، وقد استخدم القرآن الكريم العديد من أساليب الإعجاز والإقناع العقلي من أجل ترشيد الناس وهدايتهم -منها أسلوب سيدنا إبراهيم مع الذي حاجه في ربه، وأسلوب موسي عليه السلام مع فرعون.... إلخ- ومن خلال الحوار والإقناع والاقتناع -القائم على أساس سليم- تتضح الحقائق ويزداد الناس اقتناعًا بالعقيدة الإسلامية السمحة.
خامسًا: أسلوب التعلم بالمحاولة والخطأ: وكان الرسول عليه السلام يعلم أصحابه بهذا الأسلوب أحيانًا، حيث كان يراقبهم في أثناء تطبيق تعاليم الإسلام ثم يصحح لهم أخطاءهم، حتى يتعلموا من خلال الممارسة والتجرية. ومن أشهر الأدلة على ذلك ما جاء في حديث -المسيء صلاته- فقد رأينا في هذا الحديث كيف أن الأعرابي دخل المسجد فصلى وأخطأ وسلم على الرسول عليه الصلاة والسلام فرده الرسول ليصلي، حتى فعل ذلك ثلاث مرات، وفي الثالثة طلب من الرسول عليه السلام أن يعلمه -وجود الدافعية في التعليم- فعلمه.
سادسًا: التعليم بالأساليب الحسية: كان الرسول عليه السلام يستخدم الأساليب الحسية -لسهولتها- من أجل شرح الأمور المعنوية، فكان على سبيل المثال يخط خطًا على الرمال وخطين عن يمينه وخطين عن شماله، ثم يذكر للصحابة عليهم رضوان الله أن الخط الوسط يمثل سبيل الله، والخطوط الجانبية هي سبل الشيطان، ويتلو قوله تعالى:
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الآية [الأنعام: 153] .
سابعًا: أسلوب الحوار الموجه: استخدام الرسول عليه السلام أسلوب الاستجواب والحوار الموجه في تعليم أصحابه عليهم رضوان الله، مثال هذا ما فعله عليه السلام مع معاذ بن جبل.
ثامنًا: الأسلوب القصصي: وقد استخدم القرآن الكريم الأسلوب القصصي في عرض وقائع وأحداث التاريخ السابق للنبي عليه السلام لما لهذا الأسلوب من أثر عميق، وإيجابي في نفس الإنسان. وسوف نفصل هذا الأسلوب في فصل قادم.
تاسعًا: أسلوب المعرفة النظرية والممارسة العملية: تحتل المعلومات النظرية أهمية كبرى في حد ذاتها، لأنها تنمي عقل الإنسان وتساعد على تكوين خلفية ثقافية تمكنه من التعامل مع مجتمعه، وتساعده على القيام بدور المواطنة الصالحة. وقد تعالت الصيحات من جانب المربين يتساءلون حول جدوى المعرفة النظرية، وانتقدوا جانبًا من التعليم المعاصر لأنه لفظي نظري، يفتقر إلى مغزاه الوظيفي والتطبيقي والاجتماعي. غير أن هذا القول لا يقلل من أهمية المعرفة النظرية لأنها الأصل والأساس في كل التطبيقات العملية والسلوكية. والإسلام يحترم العلم وأهله، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون} [الزمر: 9] {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات} [المجادلة: 11] . وإذا كان الإسلام يعتني بالعلم النظري فإنه يركز كذلك على التطبيقات العملية للعلم. وقد استعاذ الرسول عليه السلام من علم لا ينفع. ويجب على المربين أن يقرنوا العلم بالعمل والنظرية بالتطبيق، فالإيمان بالله ورسوله له تطبيقاته السلوكية. والصلاة والصوم والزكاة والحج تمثل مبادئ شرعية لها تطبيقاتها السلوكية.
وبالإضافة إلى كل ما سبق فالإسلام دين عظيم متكامل يرسم صورة