الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب-
الأراضي الزراعية المفتوحة:
هناك خلاف بين العلماء حول الأرض المفتوحة عنوة ونوجز آراء العلماء فيما يلي:
1-
يرى أنصار المذهب الشافعي أن هذه الأرض يجب أن تقسم بين الفاتحين لأنها مغنم ويستدلون على ذلك بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام في أرض خيبر *.
2-
يذهب أنصار المذهب المالكي أن الأرض التي تفتح عنوة تصير فيئا وبالتالي يجب حبسها. واستدلوا على ذلك بقوله تعالى في سورة الحشر: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 7، 8] يستدل من هاتين الآيتين بأن الذي آل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد إخراج بني النضير يكون محبوسا لمصالح المسلمين ويكون لسد باب من أبواب التكافل الاجتماعي. وتطبيقا للنص فقد قسم الرسول عليه الصلاة والسلام أموال بني النضير المنقولة بين الفقراء وخص المهاجرين بالنصيب الأوفر لشدة حاجتهم، أما الأرض فلم يوزعها وأبقاها لتكون غلاتها للفقراء واليتامى والمساكين.
3-
الرأي الثالث وهو المشهور عن أحمد ومذهب أبي حنيفة وأصحابه والذي عليه أكثر العلماء، فإنه يذهب إلى أن ولي الأمر يفعل بالأرض ما يراه أصلح للمسلمين من قسمها أو حبسها. فإن رأى قسمها كما
* ذكر الإمام ابن تيمية أن هناك روايتان حول تصرف الرسول عليه الصلاة والسلام في أرض خيبر. الأولى: أنه عليه الصلاة والسلام قسم أرض خيبر، والثانية: أنه قسم نصفها وحبس نصفها، راجع مجموعة الفتاوى للإمام ابن تيمية ج28، ص581-582.
قسم النبي عليه السلام خيبر -فعل- وإن رأى أن يدعها فيئا للمسلمين فعل، كما فعل النبي عليه السلام عندما فتح مكة عنوة ولم يقسمها بين الفاتحين، وكما فعل بنصف خيبر في إحدى الروايات التي تقول: إنه قسم نصفها. فالوالي يختار فله أن يحبسها أي يجعلها في ملكية المسلمين العامة ويكون حق الانتفاع لحائزيها نظير الخراج، كما فعل الرسول عليه السلام بأرض مكة، كما له أن يوزعها على المقاتلين كما فعل الرسول عليه السلام بأرض خيبر. كل ذلك في ضوء ما يراه من المصلحة العامة للمسلمين.
وكما يذكر الشيخ علي الحفيف، ففي عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كانت الثروة العامة للمسلمين ضيقة الحدود قليلة المقدار في جملتها. ولهذا يجب ألا يفهم من ذلك أن الاقتصاد الإسلامي لا يعرف غير تلك الصور من الملكية العامة التي أشرنا إليها، ذلك لأن تقرير الملكية العامة يضع في الإسلام لقاعدة أساسية وهي تحقيق صالح الجماعة الكتاب والسنة. فقد ذكر عليه الصلاة والسلام:"المسلمون شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار" أخرجه أحمد وأبو داود* أضاف عليه السلام في حديث آخر الملح. وهذا يعني أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوجب أن تكون ملكية هذه الأشياء هي التي كانت ضرورية لجميع الناس على عهد الرسول عليه السلام ولا يتوقف وجودها أو الانتفاع بها على مجهود خاص. واختلاف الحضارات فإنه لا يوجد ما يمنع من أن يقاس على هذه الأشياء الأربعة أشياء أخرى تتوافر فيها صفاتها. وهذا ما فعله المجتهدون من الأئمة
* المراد بالماء ما ليس محرزا، والمراد بالنار مواد الوقود التي لا يتوقف وجودها والانتفاع بها على مجهود خاص كالحطب في الغايات....والمراد بالملح النوع الذي يظهر تلقائيا في الجبال والصحاري ولا يتطلب مشقة أو علاجا خاصا.
عندما قاسوا على هذه الأشياء أمورا أخرى مثل المعادن: الصلبة أو السائلة "كالبترول"56.
ويذهب الفقهاء إلى أن المعادن وما يأخذ حكمها من نفط وخلافه، إن ظهرت في أرض ليست مملوكة لأحد تكون ملكا للدولة أي تكون في إطار الملكية العامة، وهناك خلاف بينهم في حالة ظهور المعادن في أرض مملوكة خاصة. فناك من الفقهاء من يقيسون ما في باطن الأرض على الأمور المنصوص عنها في الحديث السباق -الماء والكلأ والنار- ويذهبون إلى أن كل ما يوجد في باطن الأرض يكون من نصيب بيت مال المسلمين57، حتى ولو وجد في أرض مملوكة ملكيةخاصة -وهذا هو رأي غالبية المالكية. وهناك رأي الشافعية الذين يذهبون إلى أن المعادن تابعة للأرض كالثمر والنبات فإذا وجدت في أرض مملوكة ملكيةخاصة صارت ملكيتها لصاحب الأرض، وهم لا يمانعون من أن يكون للدولة نصيب فيها، والرأي الغالب أن ملكية المعادن وما في حكمها يجب أن تكون للدولة تحقيقا للتكافل الاجتماعي وللمبدأ القائل بأن عائد العمل ينبغي أن يكون متكافئا مع الجهد المبذول فيه ولا يجوز قياس ما في باطن الأرض على النبات لأنهما مختلفان، هذا إلى جانب أن الناس جميعا في حاجة إلى هذه المعادن ولا يجوز تملكها ملكية خاصة وإلا كان هناك احتمال إيقاع الضرر بالمسلمين، وهذا ما يؤكده ابن قدامة وغيره من الفقهاء58.
وإذا كان الإسلام قد أباح الملكية العامة في بعض الحالات فإنه لم يطلقها بدون ضوابط وإنما حدد ضوابطها وقيودها وأهمها: وجوب تخصيص المال العام للإنفاق على أغراض محددة، وهذا يعني أن الحكومة الإسلامية لا تملك إنفاق هذه الأموال في غير وجوهها الموضحة في الشريعة، فحصيلة الزكاة يجب أن توجه إلى مستحقيها الذين حددهم القرآن الكريم في الآية 60 من سورة التوبة. {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60] .