الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تجب نفقته ونحو ذلك، وعلى الإمام صرف هذه الحقوق إلى مستحقيها"41.
ثانيا:
مواجهة الإسلام لمشكلة التمايز والصراع الطبقي:
ينظر الإسلام إلى الإنسان على أنه أكرم من في هذا الوجود، وقد اختاره الله تعالى للخلافة عنه في الأرض، وسخر له -الخالق سبحانه- كل ما فيها من جبال وبحار وزرع وضرع، بل سخر له ما في السموات وما في الأرض، وأعطاه من العلم قدرا يستطيع معه تسخير كل ما في الأرض لمصلحته، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] وإذا كان معيار التمايز الطبقي في علم الاجتماع يتضمن عدة مؤشرات كالدخل والملكية والتعليم والمهنة وحق السكن....الخ، فإن الإسلام يرفض كل هذه المعاير للتمايز الطبقي ويستدبلها بمعيار آخر وهو معيار التقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 49] ، ولا يقيم الإسلام وزنا للتمايز اللوني أو في الثروات أو في الحسب والنسب؛ لأن الله هو الذي قسم بين الناس معيشتهم في الحياة الدنيا وقد أمر الرسول المسلمين بضرورة السمع والطاعة ولو أمر عليهم عبد حبشي أسود طالما أنه يحكم بالشرع، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بألا ينادي السيد عبده، يا عبدي، وألا يقول العبد لسيده: يا سيدي، بل يقول المالك: فتاي وفتاتي، ويقول العبد: مولاي، أي صديقي الذي أواليه وأنصره، وأمر أن يأكل العبد مما يأكله مالكه ويكسوه مما يكسو بنفسه وأولاده، وقال عليه الصلاة والسلام:"إخوانكم خولكم ملككم الله إياهم ولو شاء لملكهم إياكم، أطعموهم مما تطعمون، واكسوهم ما تكسون" وقال عليه السلام: "من لطم عبده فكفارته عتقه" وتشير نصوص القرآن الكريم أن نفس العبد كنفس الحر، فالحر يقتل بالعبد إن قتله ولو كان القاتل سيده، وللعبد حق الشكوى من سيده ومخاصمته في القضاء إذا ما كلفه ما لا يطيق. ويوجب الإسلام على
المالك نفقة مملوكة لو كان لا يعمل شيئا، وإذا كان البعض يقول: إنه كان الأولى بالإسلام أن يمنع الرق ما دامت الكرامة الإنسانية حقا ثابتا لكل إنسان بغض النظر عن اللون والجنس والدين.... فالواقع أن القرآن الكريم لم يرد فيه نص يبيح الرق، وإقرار الرق ثبت من كثرة أوامره بالعتق، ولم يثبت أن الني صلى الله عليه وسلم أمر إنشاء رق على حر لا في حرب ولا في سلم، والرق الذي أنشأه الخلفاء في الحروب من بعده كان لعدم وجود نهي صريح عنه، وكان ذلك من قبيل المعاملة بالمثل في الحروب تطبيقا لقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} ، وكان أعداء المسلمين يسترقون الأسرى من المسلمين، فكانت من المعاملة بالمثل قيام المسلمين باسترقاق أسرى الأعداء، فإذا كان الأعداء لا يسترقون المسلمين، فلا يجب على المسلمين أن يسترقوا أعداءهم لأن أمر الله سبحانه {وَلا تَعْتَدُوا} . ثم إن الإسلام فتح باب العتق على مصراعيه. وعلى أولئك الذين يقولون كيف سكت الإسلام على الرق فلم يلغه أن ينظروا إلى أسلوب معاملة أسرى الحروب -حتى في القرن العشرين- والمعاملات السيئة البشعة التي يلقونها من أعدائهم.
ويرفض الإسلام معيار التمايز الاقتصادي كأساس لقيام بناء طبقي، فقد قرر الإسلام أن الفقر والغنى حقيقتان من حقائق الوجود الإنساني قال تعالى:{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32] ويقول الشيخ أو زهرة: إن بعض الناس فهموا من هذا أن الإسلام يقر الفقر والغنى ويقر وجود الطبقات بسبب الغنى لقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} وذلك الفهم خطأ لأن مؤدى هذا أن يكون اعتراض المعترض بأن القرآن الكريم كان يجب أن ينزل على رجل غني -واردا- والمعنى الصحيح أن الله سبحانه وتعالى قسم المعيشة بين الناس، وأن رفع الدرجات قسمة أخرى غير قسمة المعيشة لا يتوقف
على الغنى والفقر. ولذلك قد يكون رفيع الدرجات فقيرا فيرسل رسولا، وإن كان هذا يؤدي إلى أن يتخذ بعضهم بعضا سخريا بأن يسخر الغني الذي لم يؤت درجة رفيعة من الفقير الذي نالها42.
ويعترف الإسلامي بالتمايز بين البشر استنادا إلى معيارين فقط:
أ- معيار التقوى.
ب- معيار العلم والتعلم.
يقول تعالى: {يََرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] ويستوجب الإسلام ألا يستعلي الغني على الفقير لغناه، فالفصل عند الله بالتقوى والعمل الصالح والعلم ونشره بين الناس فخير الناس من تعلم القرآن وعلمه، وينطبق مفهوم العلم في القرن الكريم على كل العلوم النافعة سواء العلوم الدينية أو الدنيوية المطلوبة لاستعمار الأرض وتطبيق التوجيهات القرآنية والنبوية في صدد طلب العلم. يقول عليه السلام:"إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". وقد حرص الرسول عليه الصلاة والسلام إلى تحطيم الحواجز الطبقية وتحطيم المعاملات المتميزة لكل طبقة، حيث منع عليه السلام التعالي بالنسب، ويروى أن أحد الصحابة عير آخر بأمه، فقال له النبي عليه السلام:"أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية". ويروى أنه قال له: "أجاهلي أنت؟ " وقال عليه السلام: "ليس منا من دعا إلى عصبية" كل ذلك من أجل وقاية المجتمع من الطبقية المتحجرة مع ما تومي إليه من صراع اجتماعي مدمر.
وقد حرص الخلفاء الراشدين إلى محو الطبقات القائمة على معايير اقتصادية وأسرية حسب ونسب وقبلية
…
من خلال تقريب الضعفاء الفضلاء إليهم. وروي أنه استأذن على عمر بن الخطاب بلال الحبشي وأبو سفيان من نفر من كبار قريش، فدخل إلى عمر الواقف على بابه يقول