الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالباب أبو سفيان وبلال فغضب الإمام التقي لأنه قدم أبا سفيان على بلال في الذكر، وقال له قل بالباب بلال وأبو سفيان، وأذن لبلال ولم يأذن لأبي سفيان. وقد منع عمر كبار قريش من أن يذهبوا إلى الأقاليم حتى لا يشكبوا فيه طبقة من الأشراف يتحكمون في الناس باسم السلطان. وقد عمل الإسلام على إزالة الطبقية الاقتصادية من خلال نظم الزكاة والنفقات وكفالة الدولة للفقراء والمحتاجين من العجزة الذين ليس لم أقارب أغنياء، ومن خلال وضع ضوابط للملكية الخاصة، ومن خلال تفتيت ثروة كل جيل بالميراث، كما عمل على إزالة الطبقية النفسية من خلال العبادات الإسلامية، ففي الصلاة يقف الفقير بجوار الغني يجمعها الخضوع للديان، يقولان معا الله أكبر ليشعروا جميعا بالتضامن وقوة الله وجبروته.
ويمحي الحج كل الفروق الاجتماعية بين الناس بسبب الملكية أو المهنة أو الجنس أو اللون. ذلك لأن جميع الحجاج ضيوف على الرحمن في بيته الحرام بملابس واحدة يؤدون نفس الشعائر بخشوع يشرعون بعضهم أمام خالقهم مالك كل شيء يطلبون رحمته ويخشون عذابه
…
أما الطبقية المعرفية أو العلمية، فالإسلام لا يستخدم مصطلح الطبقة الاجتماعية، إنما يستخدم مفهوم الدرجات، فقد رفع الله العلماء على غيرهم درجات وأوجب عليهم الانتفاع بالعلم في الصالح العام واستعاذ الرسول عليه الصلاة والسلام من شر علم لا ينفع. ويوجب الإسلام على العلماء نشر العلم بين الناس وأفضل الناس من تعلم العلم وعلمه.
ثالثا:
مواجهة الإسلام لمشكلة البطالة:
حارب الإسلام البطالة والتسول وأوجب العمل على كل قادر عليه، لأن العمل هو السبيل الوحيد لتحقيق الآمال وصنع الحضارة الإنسانية وتحقيق التقدم المادي والاجتماعي. وسبق أن أشرنا إلى موقف الإسلام من العمل متمثلا في التوجيهات القرآنية الكريمة والنبوية الشريفة، سواء بالنسبة للعمل الديني أو اليدوي أو العقلي المهني الفني.... وقد لفت القرآن
الكريم أنظار المسلمين إلى مختلف جوانب العمل التي يجب على الإنسان أن يطرقها حيث أبرز للمؤمنين الكنوز التي في الأرض وموارد الرزق في البحار والأسرار التي في الكون، وأشار القرآن الكريم إلى ضرورة إعمال العقل والحواس التي وهبها الله للإنسان -لا ليعبث بها أو يوجهها في الشر- ولكن كي يستخدمها للانتفاع بالكون وما فيه، ذلك أن الكون الذي سخره الله لخدمة الإنسان قال تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]، وقال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} [الحج: 65]، وقال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ} [الجاثية: 12] . فبين بذلك -وغيره- موارد الرزق على كثرتها ومصادر الثروة على اختلافها، وما على الناس بعد ذلك إلا العمل والسعي لاستغلال هذه الموارد الاقتصادية والتمتع بزينة الحياة الدنيا وطيباتها.
وقد أمر الإسلام كل مسلم أن يعمل، قال تعالى:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105]،وقال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15] ، وإذا كان الإسلام قد طالب كل قادر على العمل أن يعمل لما يحقق له الخير ولمجتمعه، فهناك من يقدرون على العمل لكنهم لا يجدونه43. هنا يأتي دور الحاكم أو الدولة ممثلة في جهاز الحكم. وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من أموال الصدقة فنظر إليه الرسول الكريم فوجده إنسانا قويا قادرا على العمل، فقال له:"ألك شيء في بيتك؟ " قال: جلس نجلس عليه وإناء نشرب منه، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم:"ائتني بهما". فأتاه الرجل بهما فقال: من يشتري، فدفع أحدهما درهما، فقال من يزيد فقال آخر: درهمين، فدفعهما إليه وأعطى الدرهمين له فقال:"اشتر بأحدهما قدوما وحبلا وبالآخر طعاما لعيالك" فاشترى بالدرهم الفأس والحبل فشد النبي صلى الله عليه وسلم على الفأس ثم قال: "اذهب فاحتطب وبعه ولا تأتني إلا بعد خمسة عشر يوما". فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم بعد خمسة عشر يوما ومعه عشرة
دراهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا خير". ويستنتج الفقهاء من هذا الحديث أن من واجب الحاكم الإسلامي تأمين العمل للقادر عليه أي تأمين الناس ضد البطالة، وعلى الدولة تأمين وسائل العمل للعمال، بغض النظر عن درجة بساطتها وتعقيدها. وقد ترك الحديث للحاكم طريقة تأمين العمل على حسب الظروف المتغيرة للحياة الاجتماعية.
فالحديث قد وضع القاعدة العامة، وترك أمر التطبيق مرنا. حيث يمكن تشغيل العمال بتأمين المال لهم أو وسيلة العمل أو تشغيلهم في مشروعات الدولة. وقد خول الفقه الإسلامي للحاكم المسلم الحق في إلزام أصحاب الأعمال -إذا امتنعوا عن تشغيل العمال ظلما- بالعمال الذين يجيدون هذه الأعمال وله الحق كذلك في إلزام العمال الراغبين عن العمل -بضرورة ممارسة العمل- إذا اقتضت المصلحة ذلك. فقد ذكر ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه "الطرق الحكيمة" بعض ما بين أن بعض الأعمال قد تكون فرض عين على بعض الأشخاص القادرين عليها في حال عدم وجود غيرهم، وقد تكون فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين فقال: فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صارت هذه الأعمال متحتمة عليهم ويجبرهم ولي الأمر على فعلها بعوض المثل، ولا يمكنهم من مطالبة الناس بزيادة عن عوض المثل، ولا يمكن الناس من ظلمهم بأن يعطوهم دون حقهم، كما إذا احتاج الجند المرصدون للجهاد إلى فلاحة أرضهم ألزم من صناعة الفلاحة أن يقوم بها وألزم الجند ألا يظلموا الفلاح كما يلزم الفلاح أن يفلح، فإن الجند في هذه الحالة إذا احتاجوا إلى فلاحة الأرض فقد يلزم الحاكم من صناعته الفلاحة أن يقوم بها. وهؤلاء العمال ليسوا من الذين أجروا عقد العمل مع صاحب الأراضي الزراعية إنما الحاكم هو الذي يقوم بتوزيع العمال على هذه الأراضي بشرط أن يعطي العمال أجر المثل بلا وكس ولا شطط، حتى لا يهضم حق أحد الطرفين، العامل الزراعي وصاحب الأرض. ويستطيع الحاكم تنظيم مكاتب لتسجيل العمال العاطلين الراغبين في العمل، ويلزم
أصحاب الأعمال في بعض الصناعات أو الأعمال باستخدام العمال وفقا لقرار من الحاكم تحقيقا للمصحلة العامة.
وقد نبه الإسلام إلى خطورة البطالة وإلى ما يمكن أن تؤدي إليه من انحرافات فكرية وسلوكية وإلى الجرائم، فقد قال الإمام أحمد:"إذا جلس الرجل ولم يحترف دعته نفس إلى ما يأخذ ما في أيدي الناس". فالبطالة مدعاة إلى ارتكاب جريمة السرقة كما قال الإمام أحمد، وكثيرا ما تصاحب جرائم السرقة جرائم قتل، حيث يدبر السارقون القتل إخفاء لمعالم الجريمة. وقد سأل بعض الصحابة عروة بن الزبير فقال: ما شر شيء في العالم؟ قال البطالة44.
ويصنف الإسلام البطالة إلى قسمين وهما:
أ- بطالة المضطر: وتتمثل في اضطرار الناس إلى البطالة مع وجود القدرة على العمل والرغبة فيه والحاجة إليه نتيجة لعدم وجود فرص للعمل، أو الرغبة فيه والحاجة إليه نتيجة لعدم وجود فرص للعمل، أو الرغبة في العمل مع وجود مانع في العجز أو المرض يمنع صاحبه من إمكانية ممارسة العمل.
ب- بطالة الكسول: فالكسول هو الشخص القادر الذي يجد أن أبواب العمل مفتوحة أمامه لكنه مع هذا يتوانى عن الالتحاق به كسلا ويعيش عالة على الناس دون استحياء، وقد يلجأ، في سبيل التعيش إلى الأساليب غير المشروعة دون وازع من دين أو خلق.
والإسلام يحارب البطالة بكل أشكالها وأنواعها، فبطالة المضطر تواجهها الدولة فالحاكم مسئول عن تدبير عمل شريف لكل قادر عليه. أما بطاقة الكسول فإن الإسلام ينكرها ويحاسب عليها الدولة والفرد معا، فالإسلام يحارب البطالة ولو كانت بحجة التفرغ للعبادة. وقد قال عمر بن الخطاب إني لأرى الرجل يعجبني فأقول: هل له حرفة؟ فإن قيل لا سقط من عيني.