الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإلا حدث التمزق الاجتماعي وهنا نجد الإسلام يستوجب ضرورة استخدام الأساليب المشروعة في تحصيل الثروة ولا يقر الأساليب غير المشروعة، ويستوجب أداء فرض الزكاة للفقراء والمحتاجين بنسبة محددة تتجدد كل عام، إلى جانب واجبات التكافل الاجتماعي. يضاف إلى هذا كله تفتيت الثروة بالميراث.
العدالة الاقتصادية في الإسلام:
يدعي كل مذهب من المذاهب الاقتصادية المعاصرة أنه وحده الذي يحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية تماما كما هو الحال بالنسبة لإشراك الشعب أو الشورى أو ما يطلق عليه بالمصطلح اليوناني الديمقراطية. غير أن مفهوم العدالة والشورى والديمقراطية والحرية مختلف عليه أشد الاختلاف بين هذه المذاهب. فالعدالة في النظام الرأسمالي تتحقق بإتاحة الفرصة أمام الناس للتملك بغير محدود، في حين أن العدالة في ظل النظام الماركسي تتحقق من خلال إلغاء الملكية الفردية، ويسود النظام الرأسمالى حرية السوق أو اقتصاديات السوق في حين أن الاقتصاد الذي يسود في النظم الماركسية هو الاقتصاد المخطط بمفهومه الماركسي
…
والحرية في النظام الرأسمالي تتمثل في ترك الاقتصاد للنشاط الفردي دون تدخل الدولة، كما تتمثل في سيادة حريات العقيدة والاجتماع والعمل والتشغيل وتكوين الأحزاب
…
أما الحرية في ظل النظم الماركسية فإنها تتمثل في تملك الدولة لوسائل الإنتاج وقيام الدولة بكل الوظائف الاقتصادية وتحويل الناس إلى مأجورين عند الدولة، مع عدم إتاحة الفرصة للاختلاف وإلغاء الحريات الفردية كحرية الاعتقاد والاجتماع والمعارضة وإبداء الرأي
…
ولهذا فإن النظم الماركسية والنازية والفاشية تدرج كلها دستوريا ضمن النظم الدكتاتورية التسلطية*.
* ارجع إلى دراسة د. عبد الحميد متولي عن القانون الدستوري والنظم السياسية، دار المعارف، مصر.
وفي مقابل هذا التخبط بين الإفراط والتفريط نجد أن الاقتصاد الإسلامي يحقق التوازن الدقيق بين حاجات الإنسان الفطرية والمكتسبة وبين حاجات الجماعة والمجتمع، بشكل يؤدي إلى التكامل الاجتماعي social intigration. فالفرد في النظام الإسلامي مطالب بالعمل والتكسب طالما أنه قادر على ذلك وهو عندما يعمل ويتكسب من حقه تملك ما يحصل عليه بالطرق الشرعية القانونية الخالية من الاستغلال والإضراب بمصالح الآخرين، وهذا هو ما يبرر الحق في التملك، نتيجة الميراث ونتيجة الجهد والعمل المشروع -وعلى المالك الذي من حقه تنمية ممتلكاته أن يؤدي فريضة الزكاة حيث يخرج من ماله- بالنسب التي حددها الشرع؛ ليعطي الفقراء والمحتاجين، إلى جانب ما يخرجه تطوعا لأداء واجب التكافل الاجتماعي. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسمله، ومن تركه يجوع ويعرى - وهو قادر على إطعامه وكسوته- فقد أسلمه" وصح عنه عليه السلام أنه قال: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له"، ويقول المحدث: ثم ذكر أصناف المال حتى رأينا أنه لا حق لأحد منها في فضله. ويقول عمر بن الخطاب: "لو استقبلت من امرئ ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين".
والدولة الإسلامية لا تكتفي بالإشراف على أداء الأغنياء لفرض الزكاة وواجبات التكافل الاجتماعي وإيجاد فرص العمل للقادرين عليه ومنع الأساليب غير المشروعة -كالربا والغش والاحتكار- في التعاملات الاقتصادية، والقيام بالمشروعات التي يعجز عنها الأفراد أو التي يجب أن تقوم بها الدولة حماية للصالح العام
…
إلخ، ولكنها تراقب ممارسة الفراد لحريتهم المقررة ومن حقها -في بعض الحالات- التدخل للحد من هذه الحريات تحقيقا لصالح المجتمع والجماعة المسلمة. وليس أدل على ذلك مما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في عام المجاعة، فلما وجد أن
القحط قد اشتد وأن الطعام قد ندر وأن الناس متفاوتة الأرزاق بشكل واضح، وأحس أن من بين رعيته من ينام على الطوى جائعا ومنهم من يختزن أكثر من كفايته، صادر الكثير من الطيبات وأودعها بيت المال وقسمها على الناس كل بقدر حاجته -طبقا لإحصاءات دقيقة- ولم يعترض عليه أحد من الصحابة رضوان الله عليهم، بل أقروه فيما عمل.
والحاكم الإسلامي مطالب بتحقيق وتطبيق العدل الاجتماعي والاقتصادي بين الناس، وهو مطالب بالبدء بنفسه أولا كقدوة، فالمال مال الله ليس أحد أحق به من أحد، وقال عليه السلام:"ما أعطيكم ولا أمنعكم إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت" وقال عمر بن الخطاب: "والله ما أحد أحق بهذا المال من أحد، وما أنا أحق به من أحد، والله ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا المال نصيب. ولئن بقيت لكم ليأتي الراعي بجبل صنعاء حظه من هذاالمال وهو يرعى مكانه". وقد فرض عمر في بيت المال فروضا شهرية لكل رجل ولكل امرأة ولكل صغير وكبير، بل أنه فرض لكل طفل يولد بمجرد ولادته. ويشير الكاتب الهندي الدكتور محمد يوسف الدين في بحث له بمجلة البعث الإسلامي إلى أن نظام الحكم في الإسلام يقوم على الأخوة الإنسانية والعدالة الاقتصادية، وأن الدول الحاضرة لو طبقت نظام الاقتصاد الإسلامي لتمتع كل فرد بحقوق اقتصادية متساوية. وأشار إلى أن عمر بن الخطاب عندما نظم للناس مخصصات شهرية عام الرمادة لم يحدد الرواتب بالحدس والتخمين، وإنما قام بتعيين مقادر الطعام لكل فرد استنادا إلى إحصاءات دقيقة. وقد أنشأ عمر بن الخطاب في العام العشرين للهجرة إدارة حكومية أطلق عليه اسم الديوان، كانت مهمتها إحصاء السكان على فترات معينة. وعلى هذا الأساس كانت تحدد أنصب كل فرد من بيت المال.
وتطبيقا لمبدأ المساواة الاقتصادية بين الحاكم والمحكوم أرسل عمر إلى عبد الرحمن بن عوف الصحابي الثري المعروف يقترض منه أربعمائة
درهم. فقال له ابن عوف: أتستسلفني وعندك بيت المال؟ ألا تأخذ منه ثم ترده؟ فقال عمر: إني أتخوف أن يصيبني قدري فتقول أنت وأصحابك اتركوا هذا لأمير المؤمنين
…
حتى يؤخذ من ميزاني يوم القيامة، ولكني أستلفها منك فإذا مت جئت فاستوفيتها من ميراثي" ويذكر ابن سعد في طبقاته أن عمر رؤي أسود اللون في هذه النازلة التي نزلت بالمسلمين عام الرمادة وقد كان أبيضه.. فقيل: مم هذا؟ ويأتي الجواب: إنه رضي الله عنه كان يأكل السمن واللبن فلما أمحل الناس أكل الزيت حتى تغير لونه، وقد حلف ألا يأكل لحما ولا سمنا حتى يحيا الناس. وعمر نفسه هو الذي قال لعقبة بن فرقد -وقد زاره في بيته- كما يروي البلاذري في "فتوح البلدان" فرآه يأكل طعاما خشنا لا يستطاب
…
فقال له ألا تأكل في طعامك سميدا؟ فرد عليه عمر: بئس الخليفة أنا إذا أكلت طعاما جيدا وتركت الناس يأكلون طعاما خشنا.
وقد فعل الصحابة رضوان الله عليهم نفس الشيء ليضربوا المثل ويكونوا قدوة للأمة الإسلامية في كيفية سلوك القائد والبدء بأنفسهم من كل التوجيهات الدينية. فقد جيء لأبي عبيدة عامر بن الجراح -خلال قيادته للجيش الإسلامي في حرب فارس- بطعام شهي خاصا به فرده وقال: بئس الرجل أبو عبيدة إذا خص نفسه بشيء دون من يقاتلون معه ويريقون دماءهم، والله إن أبا عبيدة لا يأكل من الطعام إلا ما أكله المسلمون كلهم. وقد اعترف باحث فرنسي اعتنق الإسلام بعد دراسة واقتناع وهو -ليون رونتي- في كتابه "ثلاثون عاما في الإسلام" بانفراد الدين الإسلامي في تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية بشكل معجز. يقول هذا الكاتب: "إن هذا الدين الذي يعيبه الكثيرون هو أفضل دين عرفته، فهو دين طبيعي واقتصادي وأدبي
…
ولقد وجدت فيه حل المسألتين الاجتماعية والاقتصادية اللتين تشغلان بال العالم طرا: الأولى في قول القرآن الكريم {إنما المؤمنون إخوة} فهذه أجمل مبادئ التعاون الاجتماعي. والثانية