المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العدالة الاقتصادية في الإسلام: - بناء المجتمع الإسلامي

[نبيل السمالوطي]

فهرس الكتاب

- ‌ال‌‌مقدمة

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌فهرس

- ‌الفصل الأول: الأسس البنائية للمجتمع الإسلامي

- ‌مقدمة

- ‌العقيدة بين المفهوم الإسلامي والمفاهيم المعارضة:

- ‌المفهوم القرآني للعقيدة:

- ‌الفكر الاجتماعي الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ نفي الحرج

- ‌ قلة التكاليف

- ‌ التدرج في الأحكام

- ‌ مسايرة مصالح الناس

- ‌ تحقيق العدالة بين الناس

- ‌أهداف الشريعة الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ تهذيب الإنسان بالعبادات

- ‌ إقامة العدل في الجماعة الإسلامية

- ‌المصلحة

- ‌مدخل

- ‌ مرتبة الضروريات:

- ‌ مرتبة الحاجيات:

- ‌ مرتبة التحسينات:

- ‌أسس العلاقات الاجتماعية الصالحة

- ‌العدل واجتناب الظلم

- ‌ طاعة أولياء الأمور في غير معصية:

- ‌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌ التخلق بالأخلاق الإسلامية:

- ‌التربية الإسلامية الصحيحة

- ‌مدخل

- ‌ التربية الإسلامية تربية تكاملية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية متوازية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية سلوكية وعملية:

- ‌ التربية الإسلامية تجمع بين الفردية والجماعية:

- ‌ التربية الإسلامية تركز على تقوية جانب المراقبة لله:

- ‌ التربية الإسلامية تربية لفطرة الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية توجه الإنسان نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تتسم بالعالمية والشمول:

- ‌ التربية الإسلامية محافظة ومجددة:

- ‌العلاقة بين العقيدة والشريعة

- ‌مدخل

- ‌ الجوانب السلوكية التي تحدد العلاقة بين الإنسان وربه

- ‌ الجوانب السلوكية الذاتية والاجتماعية

- ‌مصادر الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني: الدراسة السوسيولوجية للنظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌تعريف النظام الاجتماعي:

- ‌خصائص النظم الاجتماعية

- ‌لكل نظام وظيفة أو مجموعة من الوظائف يؤديها داخل المجتمع

- ‌ يرتبط النظام بفكرة المعايير أو القواعد الضابطة للسلوك

- ‌التزام الناس بهذه القواعد يرتبط بفكرة الجزاءات الاجتماعية

- ‌ النظام هو السلوك الاجتماعي الذي يعترف به أبناء المجتمع

- ‌ أغلب النظم تتسم بدرجة عالية من التعقيد

- ‌ الترابط الوظيفي

- ‌ لكل نظام اجتماعي مجموعة من العناصر

- ‌أنواع النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ من حيث العمومية والخصوصية:

- ‌ من حيث الاستمرار والعرضية أو الوقتية في الحدوث:

- ‌ من حيث التلقائية والتقنين:

- ‌ من حيث المشروعية وعدم المشروعية:

- ‌ من حيث الهدف:

- ‌من حيث ما إذا كان النظام أساسي أو فرعى

- ‌ النظم الاختيارية والنظم الإجبارية

- ‌ يضيف بعض العلماء

- ‌أهداف النظم الاجتماعية:

- ‌تصنيف النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ النظم الاقتصادية والحكومية:

- ‌ النظام العائلي:

- ‌ نظام الدين:

- ‌ نظام التعبيرات الجمالية والعقلية والترويح:

- ‌أهمية دراسة النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ تدخل النظم الأساسية في تكوين البناء الاجتماعي

- ‌ تكشف النظم الاجتماعية للمجتمع عن أساليبَ لمواجهة حاجاته الجماعية

- ‌ تعد دراسة النظم الاجتماعية هي الأساس الأول للدراسة المقارنة بين المجتمعات

- ‌ تعد الدراسة العلمية للنظم الاجتماعية هي الأساس الأول لمواجهة المشكلات الاجتماعية

- ‌النظم وأوزانها داخل البناء الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ التيار الماركسي الملحد

- ‌ التيار الديني أو القيمي

- ‌مصادر الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث: النظام العائلي

- ‌الأسرة

- ‌الأسرة أهميتها ووظائفها

- ‌أسس بناء الأسرة في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ التعرف:

- ‌ الرضا الكامل الذاتي من الطرفين

- ‌ الكفاءة:

- ‌ المهر:

- ‌الحقوق والواجبات الزوجية

- ‌نظام الأدوار والمراكز الاجتماعية داخل إطار العلاقات الأسرية

- ‌مدخل

- ‌ حقوق الزوجة على الزوج:

- ‌ حقوق الزوج على زوجته:

- ‌ حقوق الأولاد:

- ‌نظام المحرمات من النساء في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ المحرمات بسبب القرابة

- ‌ المحرمات بسبب المصاهرة

- ‌ المحرمات بسبب الرضاعة:

- ‌نظام التحريم على سبيل التأقيت:

- ‌النظام الإسلامي في مواجهة الخلافات والمشكلات الأسرية:

- ‌النظام الإسلامي لإنهاء العلاقات الزوجية مع محاولات العلاج:

- ‌الإسلام وقضية تعدد الزوجات:

- ‌مصادر الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع: النظام التربوي

- ‌مقدمة

- ‌نماذج قرآنية للتربية:

- ‌نماذج من أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام:

- ‌أهداف التربية الإسلامية:

- ‌ميادين التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌الميدان الأول تلاوة الآيات

- ‌الميدان الثاني التزكية

- ‌الميدان الثالث تعليم الكتاب

- ‌الميدان الرابع تعليم الحكمة

- ‌أهم الأسس العامة التي تقوم عليها التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ التربية الإسلامية تحقق النمو المتكامل المتوازن لشخصية الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية تحقق للإنسان التوازن:

- ‌ التربية الإسلامية تربية فكرية وسلوكية وعملية معا:

- ‌تجمع التربية الإسلامية بين الطابع الفردى والاجتماعي معا

- ‌التربية الإسلامية تنشيء الفرد على مراقبة الله سبحانه

- ‌ التربية الإسلامية تحافظ على فطرة الإنسان النقية وتعلي غرائزه الفطرية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية موجهة نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية عالمية منفتحة:

- ‌التربية الإسلامية تجمع بين المحافظة والتجديد

- ‌أساليب التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ أسلوب القدوة الصالحة:

- ‌ أسلوب الترغيب والترهيب:

- ‌ أسلوب التوجيه والموعظة الحسنة:

- ‌ أسلوب العقاب الفعلي:

- ‌ أسلوب القصة:

- ‌أسلوب التربية السلوكية باقتلاع العادات السيئة

- ‌ استخدام الأساليب الحسية:

- ‌ أسلوب النقاش والحوار

- ‌ أسلوب المحاولة والخطأ:

- ‌ أسلوب استخدام الأحداث والظروف والمواقف في مجال التعليم:

- ‌ توجيه طاقات الإنسان في مساراتها الصحيحة:

- ‌ أسلوب استثمار وقت الفراغ:

- ‌التربية الإسلامية وقضية الصحة النفسية

- ‌مدخل

- ‌ المعيار المثالي:

- ‌ المعيار الإحصائي:

- ‌ المعيار الحضاري:

- ‌ المعيار السيكولوجي أو الطبي النفسي:

- ‌ المعيار الإسلامي الصحيح:

- ‌مؤشرات الصحة النفسية بالمفهوم الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ الإيمان الكامل اليقيني بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره

- ‌ التوافق الاجتماعي مع الغير:

- ‌ التوافق الذاتي:

- ‌ الشعور بالسموِّ والعزة والعلوِّ والقدرة على مواجهة الصعاب والأزمات

- ‌ الشعور بالرضا والسعادة:

- ‌ القدرة على العطاء والإنجاز والعمل:

- ‌مبادئ التعلم في النظرية التربوية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ الربط بين النظرية والتطبيق:

- ‌ مراعاة استعدادات المتعلم وقدرته الاستيعابية والإدراكية:

- ‌ تكوين الاتجاهات قبل الفهم واستيعاب المعلومات:

- ‌ تسهيل العملية التعليمية وتيسير حصولها:

- ‌التعزيز من خلال الاستفسار والمراجعة والمناقشة

- ‌مدخل

- ‌ التطور، سنة من سنن الحياة:

- ‌ التبصر في التراث وإعمال العقل وعدم التقليد الأعمي:

- ‌ الانفتاح العقلي على مختلف التجارب والخبرات البشرية

- ‌ التكامل بين العلم والإيمان:

- ‌ التكامل بين العقل والنقل أو الإيمان بالغيب ومنطق العلم:

- ‌ ضرورة أن يكون العلم موجهًا لما يرضي الله سبحانه:

- ‌ ضَرُورة العمل على نشر العلم وتعليم الناس:

- ‌ استمرارية التعلم وعدم تقيده بسن:

- ‌ إيجاد علاقة شخصية وطيدة بين المتعلم والمعلم:

- ‌نماذج من الآراء التربوية عند المسلمين

- ‌مدخل

- ‌ المستوى الفردي

- ‌ المستوى الاجتماعي العام

- ‌ المستوى الإنساني

- ‌مصادر الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس: النظام الاقتصادي

- ‌مقدمة

- ‌المنظور الإسلامي للمال أو الثروة المادية:

- ‌أساليب تحصيل الثروة والأموال

- ‌مدخل

- ‌ التجارة:

- ‌ الزراعة:

- ‌ الصناعة:

- ‌دعوة الإسلام إلي الاستثمار

- ‌مدخل

- ‌ دعوة الإسلام إلى العمل:

- ‌ تحريم الاكتناز والاستغلال:

- ‌ تحريم الاستثمار الاستغلالي:

- ‌الأسس البنائية للاقتصاد الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌الاتفاق مع الطبيعية البشرية

- ‌ تحقيق التوازن بين الفرد والجماعة وبين دوافع الإنسان:

- ‌ الضوابط الاقتصادية:

- ‌ إطلاق الطاقات الاستثمارية وتشجيع النشاط الاقتصادي المنتج:

- ‌ الحيلولة دون التضخم المرضي للثروات الخاصة:

- ‌ المجتمع الإسلامي يقضي على الفقر ويعالج مشكلة الاحتياج:

- ‌نظام الملكية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌واجبات التملك

- ‌مدخل

- ‌ أداء الزكاة التي فرضها الله سبحانه:

- ‌ أداء واجبات التكافل الاجتماعي:

- ‌ضوابط الملكية الخاصة في الإسلام:

- ‌أساليب اكتساب الملكية

- ‌مدخل

- ‌ الكسب بالانتظار:

- ‌ العمل:

- ‌ المخاطرة:

- ‌ الزرع وإحياء الأرض الموات:

- ‌ العقود الناقلة للملكية:

- ‌ الميراث:

- ‌نظام المعاملات المالية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌نظام الزكاة: فلسفتها وأهدافها الاجتماعية:

- ‌علاقات العمل في الإسلام:

- ‌الواقعية الاقتصادية في الإسلام -تكافؤ الفرص وتفاوت الثروات

- ‌العدالة الاقتصادية في الإسلام:

- ‌أسلوب مواجهة الإسلام للمشكلات الاقتصادية

- ‌مدخل

- ‌مواجهة الإسلام لمشكلة الفقر

- ‌مدخل

- ‌ بيت مال المسلمين

- ‌ الزكاة:

- ‌ النفقات الواجبة:

- ‌ مواجهة الإسلام لمشكلة التمايز والصراع الطبقي:

- ‌ مواجهة الإسلام لمشكلة البطالة:

- ‌تحقيق الاستقلال الاقتصادي للمجتمع الإسلامي:

- ‌التوجيه الاقتصادي في الإسلام:

- ‌الوظائف الاقتصادية للدولة طبقا للنظام الاقتصادي الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ حالات الاحتكار والاستغلال والإضرار:

- ‌ في حالة الربح الفاحش:

- ‌ في الحالات التي تستدعيها الضرورة:

- ‌مسئولية الدولة عن الأموال العامة:

- ‌مسئولية الدولة في مجال الضمان الاجتماعي ومعاونة الفئات المحتاجة

- ‌الملكية العامة في الإسلام وضوابطها

- ‌مدخل

- ‌ أرض الحمى:

- ‌ الأراضي الزراعية المفتوحة:

- ‌الفكر الاقتصادي في التراث الإسلامي:

- ‌مصادر الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس: قضايا التحديث والتنمية في علم الاجتماع مع طرح مدخل إسلامي مقترح

- ‌مقدمة

- ‌التحديث وارتباطه بالتصنيع:

- ‌التحديث والتغير الاجتماعي

- ‌التحديث الحضاري: شروطه، نماذجه، معوقاته

- ‌اتجاهات دراسة التحديث في الدول النامية

- ‌تحديث البناء الاجتماعي-التحديث الفردي

- ‌التحديث وقضية الالتزام الجماهيري بقضايا المجتمع والتنمية

- ‌نماذج من المعوقات الاستراتيجية أمام تحديث الدول النامية

- ‌التحديث والتنمية

- ‌العلاقة بينهما ومداخل الدراسة

- ‌مدخل

- ‌البعد العقائدي أو الإيديولوجي

- ‌ بعد النظم الاجتماعية:

- ‌ البعد التنظيمي:

- ‌ البعد الثقافي:

- ‌ البعد النفسي:

- ‌ بُعْد الإمكانات المتاحة:

- ‌ بُعْد المناخ الدولي أو النسق العالمي:

- ‌نحو مدخل إسلامي للتنمية

- ‌مصادر الفصل السادس

الفصل: ‌العدالة الاقتصادية في الإسلام:

وإلا حدث التمزق الاجتماعي وهنا نجد الإسلام يستوجب ضرورة استخدام الأساليب المشروعة في تحصيل الثروة ولا يقر الأساليب غير المشروعة، ويستوجب أداء فرض الزكاة للفقراء والمحتاجين بنسبة محددة تتجدد كل عام، إلى جانب واجبات التكافل الاجتماعي. يضاف إلى هذا كله تفتيت الثروة بالميراث.

ص: 245

‌العدالة الاقتصادية في الإسلام:

يدعي كل مذهب من المذاهب الاقتصادية المعاصرة أنه وحده الذي يحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية تماما كما هو الحال بالنسبة لإشراك الشعب أو الشورى أو ما يطلق عليه بالمصطلح اليوناني الديمقراطية. غير أن مفهوم العدالة والشورى والديمقراطية والحرية مختلف عليه أشد الاختلاف بين هذه المذاهب. فالعدالة في النظام الرأسمالي تتحقق بإتاحة الفرصة أمام الناس للتملك بغير محدود، في حين أن العدالة في ظل النظام الماركسي تتحقق من خلال إلغاء الملكية الفردية، ويسود النظام الرأسمالى حرية السوق أو اقتصاديات السوق في حين أن الاقتصاد الذي يسود في النظم الماركسية هو الاقتصاد المخطط بمفهومه الماركسي

والحرية في النظام الرأسمالي تتمثل في ترك الاقتصاد للنشاط الفردي دون تدخل الدولة، كما تتمثل في سيادة حريات العقيدة والاجتماع والعمل والتشغيل وتكوين الأحزاب

أما الحرية في ظل النظم الماركسية فإنها تتمثل في تملك الدولة لوسائل الإنتاج وقيام الدولة بكل الوظائف الاقتصادية وتحويل الناس إلى مأجورين عند الدولة، مع عدم إتاحة الفرصة للاختلاف وإلغاء الحريات الفردية كحرية الاعتقاد والاجتماع والمعارضة وإبداء الرأي

ولهذا فإن النظم الماركسية والنازية والفاشية تدرج كلها دستوريا ضمن النظم الدكتاتورية التسلطية*.

* ارجع إلى دراسة د. عبد الحميد متولي عن القانون الدستوري والنظم السياسية، دار المعارف، مصر.

ص: 245

وفي مقابل هذا التخبط بين الإفراط والتفريط نجد أن الاقتصاد الإسلامي يحقق التوازن الدقيق بين حاجات الإنسان الفطرية والمكتسبة وبين حاجات الجماعة والمجتمع، بشكل يؤدي إلى التكامل الاجتماعي social intigration. فالفرد في النظام الإسلامي مطالب بالعمل والتكسب طالما أنه قادر على ذلك وهو عندما يعمل ويتكسب من حقه تملك ما يحصل عليه بالطرق الشرعية القانونية الخالية من الاستغلال والإضراب بمصالح الآخرين، وهذا هو ما يبرر الحق في التملك، نتيجة الميراث ونتيجة الجهد والعمل المشروع -وعلى المالك الذي من حقه تنمية ممتلكاته أن يؤدي فريضة الزكاة حيث يخرج من ماله- بالنسب التي حددها الشرع؛ ليعطي الفقراء والمحتاجين، إلى جانب ما يخرجه تطوعا لأداء واجب التكافل الاجتماعي. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسمله، ومن تركه يجوع ويعرى - وهو قادر على إطعامه وكسوته- فقد أسلمه" وصح عنه عليه السلام أنه قال: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له"، ويقول المحدث: ثم ذكر أصناف المال حتى رأينا أنه لا حق لأحد منها في فضله. ويقول عمر بن الخطاب: "لو استقبلت من امرئ ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين".

والدولة الإسلامية لا تكتفي بالإشراف على أداء الأغنياء لفرض الزكاة وواجبات التكافل الاجتماعي وإيجاد فرص العمل للقادرين عليه ومنع الأساليب غير المشروعة -كالربا والغش والاحتكار- في التعاملات الاقتصادية، والقيام بالمشروعات التي يعجز عنها الأفراد أو التي يجب أن تقوم بها الدولة حماية للصالح العام

إلخ، ولكنها تراقب ممارسة الفراد لحريتهم المقررة ومن حقها -في بعض الحالات- التدخل للحد من هذه الحريات تحقيقا لصالح المجتمع والجماعة المسلمة. وليس أدل على ذلك مما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في عام المجاعة، فلما وجد أن

ص: 246

القحط قد اشتد وأن الطعام قد ندر وأن الناس متفاوتة الأرزاق بشكل واضح، وأحس أن من بين رعيته من ينام على الطوى جائعا ومنهم من يختزن أكثر من كفايته، صادر الكثير من الطيبات وأودعها بيت المال وقسمها على الناس كل بقدر حاجته -طبقا لإحصاءات دقيقة- ولم يعترض عليه أحد من الصحابة رضوان الله عليهم، بل أقروه فيما عمل.

والحاكم الإسلامي مطالب بتحقيق وتطبيق العدل الاجتماعي والاقتصادي بين الناس، وهو مطالب بالبدء بنفسه أولا كقدوة، فالمال مال الله ليس أحد أحق به من أحد، وقال عليه السلام:"ما أعطيكم ولا أمنعكم إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت" وقال عمر بن الخطاب: "والله ما أحد أحق بهذا المال من أحد، وما أنا أحق به من أحد، والله ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا المال نصيب. ولئن بقيت لكم ليأتي الراعي بجبل صنعاء حظه من هذاالمال وهو يرعى مكانه". وقد فرض عمر في بيت المال فروضا شهرية لكل رجل ولكل امرأة ولكل صغير وكبير، بل أنه فرض لكل طفل يولد بمجرد ولادته. ويشير الكاتب الهندي الدكتور محمد يوسف الدين في بحث له بمجلة البعث الإسلامي إلى أن نظام الحكم في الإسلام يقوم على الأخوة الإنسانية والعدالة الاقتصادية، وأن الدول الحاضرة لو طبقت نظام الاقتصاد الإسلامي لتمتع كل فرد بحقوق اقتصادية متساوية. وأشار إلى أن عمر بن الخطاب عندما نظم للناس مخصصات شهرية عام الرمادة لم يحدد الرواتب بالحدس والتخمين، وإنما قام بتعيين مقادر الطعام لكل فرد استنادا إلى إحصاءات دقيقة. وقد أنشأ عمر بن الخطاب في العام العشرين للهجرة إدارة حكومية أطلق عليه اسم الديوان، كانت مهمتها إحصاء السكان على فترات معينة. وعلى هذا الأساس كانت تحدد أنصب كل فرد من بيت المال.

وتطبيقا لمبدأ المساواة الاقتصادية بين الحاكم والمحكوم أرسل عمر إلى عبد الرحمن بن عوف الصحابي الثري المعروف يقترض منه أربعمائة

ص: 247

درهم. فقال له ابن عوف: أتستسلفني وعندك بيت المال؟ ألا تأخذ منه ثم ترده؟ فقال عمر: إني أتخوف أن يصيبني قدري فتقول أنت وأصحابك اتركوا هذا لأمير المؤمنين

حتى يؤخذ من ميزاني يوم القيامة، ولكني أستلفها منك فإذا مت جئت فاستوفيتها من ميراثي" ويذكر ابن سعد في طبقاته أن عمر رؤي أسود اللون في هذه النازلة التي نزلت بالمسلمين عام الرمادة وقد كان أبيضه.. فقيل: مم هذا؟ ويأتي الجواب: إنه رضي الله عنه كان يأكل السمن واللبن فلما أمحل الناس أكل الزيت حتى تغير لونه، وقد حلف ألا يأكل لحما ولا سمنا حتى يحيا الناس. وعمر نفسه هو الذي قال لعقبة بن فرقد -وقد زاره في بيته- كما يروي البلاذري في "فتوح البلدان" فرآه يأكل طعاما خشنا لا يستطاب

فقال له ألا تأكل في طعامك سميدا؟ فرد عليه عمر: بئس الخليفة أنا إذا أكلت طعاما جيدا وتركت الناس يأكلون طعاما خشنا.

وقد فعل الصحابة رضوان الله عليهم نفس الشيء ليضربوا المثل ويكونوا قدوة للأمة الإسلامية في كيفية سلوك القائد والبدء بأنفسهم من كل التوجيهات الدينية. فقد جيء لأبي عبيدة عامر بن الجراح -خلال قيادته للجيش الإسلامي في حرب فارس- بطعام شهي خاصا به فرده وقال: بئس الرجل أبو عبيدة إذا خص نفسه بشيء دون من يقاتلون معه ويريقون دماءهم، والله إن أبا عبيدة لا يأكل من الطعام إلا ما أكله المسلمون كلهم. وقد اعترف باحث فرنسي اعتنق الإسلام بعد دراسة واقتناع وهو -ليون رونتي- في كتابه "ثلاثون عاما في الإسلام" بانفراد الدين الإسلامي في تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية بشكل معجز. يقول هذا الكاتب: "إن هذا الدين الذي يعيبه الكثيرون هو أفضل دين عرفته، فهو دين طبيعي واقتصادي وأدبي

ولقد وجدت فيه حل المسألتين الاجتماعية والاقتصادية اللتين تشغلان بال العالم طرا: الأولى في قول القرآن الكريم {إنما المؤمنون إخوة} فهذه أجمل مبادئ التعاون الاجتماعي. والثانية

ص: 248