المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفكر الاقتصادي في التراث الإسلامي: - بناء المجتمع الإسلامي

[نبيل السمالوطي]

فهرس الكتاب

- ‌ال‌‌مقدمة

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌فهرس

- ‌الفصل الأول: الأسس البنائية للمجتمع الإسلامي

- ‌مقدمة

- ‌العقيدة بين المفهوم الإسلامي والمفاهيم المعارضة:

- ‌المفهوم القرآني للعقيدة:

- ‌الفكر الاجتماعي الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ نفي الحرج

- ‌ قلة التكاليف

- ‌ التدرج في الأحكام

- ‌ مسايرة مصالح الناس

- ‌ تحقيق العدالة بين الناس

- ‌أهداف الشريعة الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ تهذيب الإنسان بالعبادات

- ‌ إقامة العدل في الجماعة الإسلامية

- ‌المصلحة

- ‌مدخل

- ‌ مرتبة الضروريات:

- ‌ مرتبة الحاجيات:

- ‌ مرتبة التحسينات:

- ‌أسس العلاقات الاجتماعية الصالحة

- ‌العدل واجتناب الظلم

- ‌ طاعة أولياء الأمور في غير معصية:

- ‌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌ التخلق بالأخلاق الإسلامية:

- ‌التربية الإسلامية الصحيحة

- ‌مدخل

- ‌ التربية الإسلامية تربية تكاملية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية متوازية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية سلوكية وعملية:

- ‌ التربية الإسلامية تجمع بين الفردية والجماعية:

- ‌ التربية الإسلامية تركز على تقوية جانب المراقبة لله:

- ‌ التربية الإسلامية تربية لفطرة الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية توجه الإنسان نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تتسم بالعالمية والشمول:

- ‌ التربية الإسلامية محافظة ومجددة:

- ‌العلاقة بين العقيدة والشريعة

- ‌مدخل

- ‌ الجوانب السلوكية التي تحدد العلاقة بين الإنسان وربه

- ‌ الجوانب السلوكية الذاتية والاجتماعية

- ‌مصادر الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني: الدراسة السوسيولوجية للنظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌تعريف النظام الاجتماعي:

- ‌خصائص النظم الاجتماعية

- ‌لكل نظام وظيفة أو مجموعة من الوظائف يؤديها داخل المجتمع

- ‌ يرتبط النظام بفكرة المعايير أو القواعد الضابطة للسلوك

- ‌التزام الناس بهذه القواعد يرتبط بفكرة الجزاءات الاجتماعية

- ‌ النظام هو السلوك الاجتماعي الذي يعترف به أبناء المجتمع

- ‌ أغلب النظم تتسم بدرجة عالية من التعقيد

- ‌ الترابط الوظيفي

- ‌ لكل نظام اجتماعي مجموعة من العناصر

- ‌أنواع النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ من حيث العمومية والخصوصية:

- ‌ من حيث الاستمرار والعرضية أو الوقتية في الحدوث:

- ‌ من حيث التلقائية والتقنين:

- ‌ من حيث المشروعية وعدم المشروعية:

- ‌ من حيث الهدف:

- ‌من حيث ما إذا كان النظام أساسي أو فرعى

- ‌ النظم الاختيارية والنظم الإجبارية

- ‌ يضيف بعض العلماء

- ‌أهداف النظم الاجتماعية:

- ‌تصنيف النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ النظم الاقتصادية والحكومية:

- ‌ النظام العائلي:

- ‌ نظام الدين:

- ‌ نظام التعبيرات الجمالية والعقلية والترويح:

- ‌أهمية دراسة النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ تدخل النظم الأساسية في تكوين البناء الاجتماعي

- ‌ تكشف النظم الاجتماعية للمجتمع عن أساليبَ لمواجهة حاجاته الجماعية

- ‌ تعد دراسة النظم الاجتماعية هي الأساس الأول للدراسة المقارنة بين المجتمعات

- ‌ تعد الدراسة العلمية للنظم الاجتماعية هي الأساس الأول لمواجهة المشكلات الاجتماعية

- ‌النظم وأوزانها داخل البناء الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ التيار الماركسي الملحد

- ‌ التيار الديني أو القيمي

- ‌مصادر الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث: النظام العائلي

- ‌الأسرة

- ‌الأسرة أهميتها ووظائفها

- ‌أسس بناء الأسرة في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ التعرف:

- ‌ الرضا الكامل الذاتي من الطرفين

- ‌ الكفاءة:

- ‌ المهر:

- ‌الحقوق والواجبات الزوجية

- ‌نظام الأدوار والمراكز الاجتماعية داخل إطار العلاقات الأسرية

- ‌مدخل

- ‌ حقوق الزوجة على الزوج:

- ‌ حقوق الزوج على زوجته:

- ‌ حقوق الأولاد:

- ‌نظام المحرمات من النساء في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ المحرمات بسبب القرابة

- ‌ المحرمات بسبب المصاهرة

- ‌ المحرمات بسبب الرضاعة:

- ‌نظام التحريم على سبيل التأقيت:

- ‌النظام الإسلامي في مواجهة الخلافات والمشكلات الأسرية:

- ‌النظام الإسلامي لإنهاء العلاقات الزوجية مع محاولات العلاج:

- ‌الإسلام وقضية تعدد الزوجات:

- ‌مصادر الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع: النظام التربوي

- ‌مقدمة

- ‌نماذج قرآنية للتربية:

- ‌نماذج من أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام:

- ‌أهداف التربية الإسلامية:

- ‌ميادين التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌الميدان الأول تلاوة الآيات

- ‌الميدان الثاني التزكية

- ‌الميدان الثالث تعليم الكتاب

- ‌الميدان الرابع تعليم الحكمة

- ‌أهم الأسس العامة التي تقوم عليها التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ التربية الإسلامية تحقق النمو المتكامل المتوازن لشخصية الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية تحقق للإنسان التوازن:

- ‌ التربية الإسلامية تربية فكرية وسلوكية وعملية معا:

- ‌تجمع التربية الإسلامية بين الطابع الفردى والاجتماعي معا

- ‌التربية الإسلامية تنشيء الفرد على مراقبة الله سبحانه

- ‌ التربية الإسلامية تحافظ على فطرة الإنسان النقية وتعلي غرائزه الفطرية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية موجهة نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية عالمية منفتحة:

- ‌التربية الإسلامية تجمع بين المحافظة والتجديد

- ‌أساليب التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ أسلوب القدوة الصالحة:

- ‌ أسلوب الترغيب والترهيب:

- ‌ أسلوب التوجيه والموعظة الحسنة:

- ‌ أسلوب العقاب الفعلي:

- ‌ أسلوب القصة:

- ‌أسلوب التربية السلوكية باقتلاع العادات السيئة

- ‌ استخدام الأساليب الحسية:

- ‌ أسلوب النقاش والحوار

- ‌ أسلوب المحاولة والخطأ:

- ‌ أسلوب استخدام الأحداث والظروف والمواقف في مجال التعليم:

- ‌ توجيه طاقات الإنسان في مساراتها الصحيحة:

- ‌ أسلوب استثمار وقت الفراغ:

- ‌التربية الإسلامية وقضية الصحة النفسية

- ‌مدخل

- ‌ المعيار المثالي:

- ‌ المعيار الإحصائي:

- ‌ المعيار الحضاري:

- ‌ المعيار السيكولوجي أو الطبي النفسي:

- ‌ المعيار الإسلامي الصحيح:

- ‌مؤشرات الصحة النفسية بالمفهوم الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ الإيمان الكامل اليقيني بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره

- ‌ التوافق الاجتماعي مع الغير:

- ‌ التوافق الذاتي:

- ‌ الشعور بالسموِّ والعزة والعلوِّ والقدرة على مواجهة الصعاب والأزمات

- ‌ الشعور بالرضا والسعادة:

- ‌ القدرة على العطاء والإنجاز والعمل:

- ‌مبادئ التعلم في النظرية التربوية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ الربط بين النظرية والتطبيق:

- ‌ مراعاة استعدادات المتعلم وقدرته الاستيعابية والإدراكية:

- ‌ تكوين الاتجاهات قبل الفهم واستيعاب المعلومات:

- ‌ تسهيل العملية التعليمية وتيسير حصولها:

- ‌التعزيز من خلال الاستفسار والمراجعة والمناقشة

- ‌مدخل

- ‌ التطور، سنة من سنن الحياة:

- ‌ التبصر في التراث وإعمال العقل وعدم التقليد الأعمي:

- ‌ الانفتاح العقلي على مختلف التجارب والخبرات البشرية

- ‌ التكامل بين العلم والإيمان:

- ‌ التكامل بين العقل والنقل أو الإيمان بالغيب ومنطق العلم:

- ‌ ضرورة أن يكون العلم موجهًا لما يرضي الله سبحانه:

- ‌ ضَرُورة العمل على نشر العلم وتعليم الناس:

- ‌ استمرارية التعلم وعدم تقيده بسن:

- ‌ إيجاد علاقة شخصية وطيدة بين المتعلم والمعلم:

- ‌نماذج من الآراء التربوية عند المسلمين

- ‌مدخل

- ‌ المستوى الفردي

- ‌ المستوى الاجتماعي العام

- ‌ المستوى الإنساني

- ‌مصادر الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس: النظام الاقتصادي

- ‌مقدمة

- ‌المنظور الإسلامي للمال أو الثروة المادية:

- ‌أساليب تحصيل الثروة والأموال

- ‌مدخل

- ‌ التجارة:

- ‌ الزراعة:

- ‌ الصناعة:

- ‌دعوة الإسلام إلي الاستثمار

- ‌مدخل

- ‌ دعوة الإسلام إلى العمل:

- ‌ تحريم الاكتناز والاستغلال:

- ‌ تحريم الاستثمار الاستغلالي:

- ‌الأسس البنائية للاقتصاد الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌الاتفاق مع الطبيعية البشرية

- ‌ تحقيق التوازن بين الفرد والجماعة وبين دوافع الإنسان:

- ‌ الضوابط الاقتصادية:

- ‌ إطلاق الطاقات الاستثمارية وتشجيع النشاط الاقتصادي المنتج:

- ‌ الحيلولة دون التضخم المرضي للثروات الخاصة:

- ‌ المجتمع الإسلامي يقضي على الفقر ويعالج مشكلة الاحتياج:

- ‌نظام الملكية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌واجبات التملك

- ‌مدخل

- ‌ أداء الزكاة التي فرضها الله سبحانه:

- ‌ أداء واجبات التكافل الاجتماعي:

- ‌ضوابط الملكية الخاصة في الإسلام:

- ‌أساليب اكتساب الملكية

- ‌مدخل

- ‌ الكسب بالانتظار:

- ‌ العمل:

- ‌ المخاطرة:

- ‌ الزرع وإحياء الأرض الموات:

- ‌ العقود الناقلة للملكية:

- ‌ الميراث:

- ‌نظام المعاملات المالية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌نظام الزكاة: فلسفتها وأهدافها الاجتماعية:

- ‌علاقات العمل في الإسلام:

- ‌الواقعية الاقتصادية في الإسلام -تكافؤ الفرص وتفاوت الثروات

- ‌العدالة الاقتصادية في الإسلام:

- ‌أسلوب مواجهة الإسلام للمشكلات الاقتصادية

- ‌مدخل

- ‌مواجهة الإسلام لمشكلة الفقر

- ‌مدخل

- ‌ بيت مال المسلمين

- ‌ الزكاة:

- ‌ النفقات الواجبة:

- ‌ مواجهة الإسلام لمشكلة التمايز والصراع الطبقي:

- ‌ مواجهة الإسلام لمشكلة البطالة:

- ‌تحقيق الاستقلال الاقتصادي للمجتمع الإسلامي:

- ‌التوجيه الاقتصادي في الإسلام:

- ‌الوظائف الاقتصادية للدولة طبقا للنظام الاقتصادي الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ حالات الاحتكار والاستغلال والإضرار:

- ‌ في حالة الربح الفاحش:

- ‌ في الحالات التي تستدعيها الضرورة:

- ‌مسئولية الدولة عن الأموال العامة:

- ‌مسئولية الدولة في مجال الضمان الاجتماعي ومعاونة الفئات المحتاجة

- ‌الملكية العامة في الإسلام وضوابطها

- ‌مدخل

- ‌ أرض الحمى:

- ‌ الأراضي الزراعية المفتوحة:

- ‌الفكر الاقتصادي في التراث الإسلامي:

- ‌مصادر الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس: قضايا التحديث والتنمية في علم الاجتماع مع طرح مدخل إسلامي مقترح

- ‌مقدمة

- ‌التحديث وارتباطه بالتصنيع:

- ‌التحديث والتغير الاجتماعي

- ‌التحديث الحضاري: شروطه، نماذجه، معوقاته

- ‌اتجاهات دراسة التحديث في الدول النامية

- ‌تحديث البناء الاجتماعي-التحديث الفردي

- ‌التحديث وقضية الالتزام الجماهيري بقضايا المجتمع والتنمية

- ‌نماذج من المعوقات الاستراتيجية أمام تحديث الدول النامية

- ‌التحديث والتنمية

- ‌العلاقة بينهما ومداخل الدراسة

- ‌مدخل

- ‌البعد العقائدي أو الإيديولوجي

- ‌ بعد النظم الاجتماعية:

- ‌ البعد التنظيمي:

- ‌ البعد الثقافي:

- ‌ البعد النفسي:

- ‌ بُعْد الإمكانات المتاحة:

- ‌ بُعْد المناخ الدولي أو النسق العالمي:

- ‌نحو مدخل إسلامي للتنمية

- ‌مصادر الفصل السادس

الفصل: ‌الفكر الاقتصادي في التراث الإسلامي:

وهناك واجبات تفرضها الشريعة على الدولة الإسلامية تسمى بفروض الكفاية كإنشاء دور العلم والمصانع والمستشفيات

وهو يقع على عاتق الجماعة كلها. ويرى الفقهاء أن الدولة يجب أن تقوم بالأنشطة الاقتصادية التي يعجز عنها الفرد -كالصناعات الثقيلة والسكك الحديدية- أو التي يعزف عنها الأفراد لكثرة التكاليف وقلة الأرباح مثل: استصلاح الأراضي البور. وللدولة أن تتولى الأنشطة الاقتصادية التي يخشى من تركها للأفراد أن ينحرفوا أو يقصروا مع ما لها من أهمية كالتعليم والعلاج. ويجوز لولي الأمر أن يخصص الملكية الجماعية ويقيد الانتفاع بها إذا اقتضى ذلك الصالح العام، وقد فعل ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام عندما خصص جانبا من أرض الكلأ المباحة للجميع -في منطقة النقيع- وجعلها خاصة لخيل الجيش وإبله59.

ص: 275

‌الفكر الاقتصادي في التراث الإسلامي:

سبق علماء المسلمين في بحث القضايا الاقتصادية التي اهتم بها علماء الاقتصاد في العالم الغربي بقرون طويلة، فقد بحث المفكرون المسلمون قضايا العرض والطلب ونظرية القيمة وقضية التبادل الاقتصادي ومسائل الأسعار والارتباط بين القضايا الاقتصادية بقضايا الثقافة والجوانب القيمية والعقدية والنظم الاجتماعية والتفاعل بين الإنسان والبيئة أو الأيكولوجيا لذلك فإنهم بحثوا في قضية مدى وحدود تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وعوامل التنمية الاقتصادية ومواجهة المشكلات الاقتصادية في المجتمع.

وسوف نكتفي هنا بعرض أهم جوانب الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون فقد كتبت عنه عشرات الرسائل العلمية والكتب من بينها رسالة دكتوراه بعنوان: الفكر الاقتصادي في مقدمة ابن

ص: 275

خلدون"* ذكر صاحبها أن كتابة ابن خلدون جديرة بأن تكون نقطة البدء للدراسة العلمية في الاقتصاد، فهي ليست مجرد تجميع للمعارف المنوعة لكنها مجموعة معارف منظمة مرتبة ينطبق عليها مصطلح العلم بمعناه الدقيق. وهذا يعني أن العلماء المسلمين سبقوا علماء الغرب مثل: "آدم سميث" في كتابة "ثروة الأمم سنة 1776" وغير من مؤسسي علم الاقتصاد في الغرب بأكثر من أربعة قرون في دراسة القضايا الكبرى في مجال الاقتصاد. وقد تعرض ابن خلدون لهذه القضايا الاقتصادية في أكثر من فصل من فصول مقدمته** وسوف نعرض لأهم جوانب الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون في نقاط:

أولا: ناقش ابن خلدون قضية الأساس الذي يقوم عليه المجتمع وهو في نظره تقسيم العمل وتلبية حاجات الناس لعجز الفرد عن تلبية جميع حاجاته، وهو يحاول تفسير التطور الاجتماعي على أساس اقتصادي. فهو يحدثنا عن انتقال المجتمع من البساطة إلى التعقيد من ناحية البنية والتركيب. ويقابل هذا التطور مراحل معينة في أسلوب استغلال موراد البيئة الطبيعية. فالمرحلة الأولى للمجتمعات هي رحلة الزراعة البدائية، تليها مرحلة الرعي والزراعة المتقدمة، ثم تليها مرحلة الصناعة والتجارة، وتقترب هذه المراحل التطورية عند ابن خلدون من تلك التي عرضها الاقتصادي الألماني "فردريدك ليست" ويربط ابن خلدون كل مستوى اقتصادي

* تقم بها الدكتور محمد علي نشأت.

** ارجع إلى الفصول الآتية في مقدمة ابن خلدون: "فصل في أن الفلاحة من معاش المستضعفين وأهل العافية من البدو" و"فصل في معنى التجارة ومذاهبها وأصنافها"، و"فصل في أي أصناف الناس يحترف بالتجارة وأيهم ينبغي له اجتناب حرفه" و"فصل في نقل التاجر للسلع" و"فصل في الاحتكار" و"فصل في أن رخص الأسعار مضر بالمحترفين بالرخيص" و"فصل في أن الصنائع لا بد لها من المعلم" و"فصل في أن الصنائع إنما تكتب بكمال العمران الحضري وكثرته" وغير هذه الفصول مما ورد في الفصل الرابع من الكتاب الأول في البلدان والأمصار وسائر العمران وما يعرض في ذلك من الأحوال وفيه سوابق ولواحق -ارجع إلى مقدمة ابن خلدون.

ص: 276

بمستوى أخلاقي معين. فالبدو أقرب إلى الشجاعة والتضامن والعصبية والأخلاق الحميدة بالمقارنة بأهل الحضر. وهو بهذا التحليل سبق "فردناند تونيز" في التفرقة بين خصائص المجتمع المحلي "الجمنشافت" والمجتمع العام "الجزلشفات".

ثانيا: وقد تعرض ابن خلدون لكثير من القضايا الاقتصادية كالعرض والطب وما يطلب عليه الآن نظرية القيمة، فقد أكد أن العمل هو الأساس الأول للقيمة، وقد سبق بهذا الرأي العديد من النظريات الحديثة، يقول ابن خلدون:"لا بد من الأعمال الإنسانية في كل مكسوب وممول لأنه إذا كان عملا بنفسه مثل الصنائع فظاهر، وإن كان يتعلق بالحيوانات والنبات والمعدن ففيه من العمل الإنساني كما نراه وإلا لم يحصل به انتفاع".

ثالثا: بحث ابن خلدون ما يطلق عليه اليوم "المستوى العام للأسعار" فارجع تقدير إلى تفاوت الثروة من بلد لآخر.

رابعا: قسم السلع التجارية إلى ضرورية وكمالية وتوصل إلى نسبية هذا التصنيف وارتباطه بدرجة التقدم والعمران. فالبلاد التي تبلغ درجة أعلى من الحضارة تنقلب الكماليات فيها إلى ضرورات.

خامسا: قدم ابن خلدون تفسيرا اجتماعيا للتقدم الاقتصادي "تقدم الزراعة والتجارة والصناعة وارتفاع الأجور وكثرة عرض السلع" حيث ذهب إلى أن التقدم الاقتصادي يقوم على عاملين: الأول تكاثر السكان، الثاني تقسيم العمل، أي توزيع الاختصاصات وتزايد حجم التخصص والتكامل. وقد سبق بهذا الرأي "آدم سميث" a.smith الذي ينسب إليه تأسيس علم الاقتصاد في العالم الغربي.

سادسا: ناقش ابن خلدون مسألة حرية التداول التجاري وموقف الدولة من النشاط الاقتصادي وحدود تدخلها. فقد كان من أنصار الحرية التجارية -مع الالتزام بالضوابط الإسلامية- وعارض تدخل الدولة بشكل

ص: 277

كبير في النشاط الاقتصادي للأفراد ونادى بعدم الإسراف في فرض ضرائب، ويؤكد ابن خلدون أن من واجب الدولة أن تتأكد أن "الضرائب" لا تثمر إذا هي فرضت فرضا تعسفيا وأن الضرائب المعتدلة أعظم حافظ على العمل الاقتصادي.

سابعا: يؤكد ابن خلدون أن التعاون عملية اجتماعية أساسية في حياة البشر. ويعد هذا المفكر من أنصار نظرية تفسير المجتمع بحاجة الأفراد إلى التعاون لسد احتياجاتهم الاقتصادية والبيولوجية والدفاعية. يقول ابن خلدون في هذا الصدد: إن قدرة الواحد من البشر قاصرة على تحصيل حاجاته من الغذاء غير موفية له عادة حياته منه

فلا بد من اجتماع القدر الكثير من أبناء جنسه كي لا يحصل الموت له ولهم

كذلك فإن الواحد من البشر لا تقاوم قدرته قدرة الواحد من الحيوانات المفترسة فهو عاجز عن مدافعتها وحده بالجملة، ولا تفي قدرته أيضا باستعمال الآلات المعدة للمدافعة لكثرتها وكثرة الصنائع والمواعين المعدة لها، فلا بد في ذلك من التعاون عليه بأبناء جنسه. وما لم يكن هذا التعاون فلا يحصل له قوت ولا غذاء، ولا تتم حياته لما ركبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته، ولا يحصل له دفاع عن نفسه لفقدان السلاح فيكون فريسة للحيوانات ويعاجله الهلاك على مدى حياته ويبطل نوع البشر. ويؤكد ابن خلدون أن ظاهرة السلطة أمر حتمي في شئون البشر. فمتى تحققت الضرورة الاجتماعية عند الناس وتجمعوا من أجل إتمام حكمة الله في خلق الجنس البشري، لا بد من وجود السلطة من أجل تنظيم علاقاتهم تنظيما يكفل استمرار المجتمع والتعاون. ويتجسد قيام السلطة في قيام الملك*.

* ترتبط فكرة ابن خلدون عن السلطة بنظريته في العصبية، حيث قرر ابن خلدون في المقدمة الأولى من الباب الأول ثلاثة مبادئ أساسية وهي:

أولا: ضرورة الاجتماع للبشر واستحالة معيشتهم منفردين.

ثانيا: ضرورة وجود الوازع.

ثالثا: عدم ضرورة وجود الشرع للبشر وإمكان دفع العدوان بالعصبية وسطوة الملك وهو يستدل على هذا المبدأ الثالث بأن أهل الكتاب والمتبعين للأديان السماوية قليلون بالنسبة للمجوس الذين ليس لهم كتاب منزل، ومع هذا فقد كانت لهم الدول والمجتمعات فضلا عن الآثار. وهو يميز بين نوعين من الوازع: الأول هو الوازع الديني، والثاني أطلق عليه الوازع السلطاني. وتعد نظرية ابن خلدون في العصبية أساس ما يطلق عليه اليوم علم الاجتماع السياسي.

ص: 278

لكن ابن خلدون ينبه إلى أن تدخل الدولة بشكل سافر في النشاط الاقتصادي للأفراد وقيامها بمصادرة أموالهم والتعسف في تقييد النشاط الاقتصادي -كما هو حادث الآن في الدول الماركسية- أمر يؤدي إلى خراب الدولة.

ثامنا: لم يغفل ابن خلدون عن العلاقة التفاعلية بين الإنسان والبيئة الطبيعية وهو ما يطلق عليه الآن الأيكولوجيا الإنسانية human ecology. وقد سبق ابن خلدون المفكر الفرنسي "مونتسكيو" في معالجة أثر العوامل الجغرافية على العمران في أكثر من موضع في مقدمته مثل: "المقدمة الثانية في قسط العمران من الأرض والإشارة إلى بعض ما فيه من الأشجار والأنهار والأقاليم، والمقدمة الثالثة في المعتدل من الأقاليم والمنحرف وتأثير في أخلاق البشر"

إلخ. وبهذا يكون ابن خلدون سبق النظريات الأيكولوجية الحديثة في بيان العلاقة التفاعلية بين الإنسان والبيئة وأثر البيئة على لون الناس وأخلاقهم ونظامهم الإنتاجي. وقد عالج بشكل ممتاز العلاقة بين النمو السكاني والنمو العمراني، وبين هذين المتغيرين جملة وبين الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية. يقول في ذلك: ومتى زاد العمران زادت الأعمال ثم زاد الترف تبعا للكسب وزادت عوائده وحاجاته واستنبطت الصنائع لتحصيلها فزادت قيمتها وتضاعف الكسب في المدينة. وقد سبق ابن خلدون بهذا بعض آراء "أميل دوركيم" في رسالته للدكتوراه عن "تقسيم العمل الاجتماعي" هذه هي بعض إسهامات أحد علماء المسلمين يتضح منها إمكانية اعتباره مؤسس علمي الاجتماع والاقتصاد معًا، خاصة وأنه أشار إلى أهمية الدراسة الموضوعية للمجتمع استنادا إلى الملاحظة والمقارنة من

ص: 279

أجل الكشف عن القوانين التي تحكم الحياة الاجتماعية أو السنن الاجتماعية، خاصة وأنه كان يؤمن أن الظواهر الاجتماعية لا تخضع في نشأتها وتطورها لعامل الصدفة، وإنما تخضع لقوانين وسنن محددة يكن اكتشافها، وقد كان هدفه من كل هذا التوصل إلى التاريخ الصحيح الخالي من الأخطاء والأغلاط التي حفلت بها الروايات التاريخية في عصره.

ص: 280