الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم، فإن جاعوا أو عروا وجهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله تعالى أن يحاسبهم يوم القيامة ويعذبهم عليه7.
نظام الملكية في الإسلام
مدخل
…
نظام الملكية في الإسلام:
تختلف المذاهب الاقتصادية القديمة والحديثة والمعاصرة وتتصارع حول قضية الملكية، فهناك من المذاهب من تطلقها فردية دون حدود، وهناك من المذاهب من تمنع الملكية الفردية نهائيا ولا تعترف إلا بالملكية الجماعية أو ملكية الدولة، وهناك من المذاهب من تتيح فرصة الملكية الفردية بحدود معينة يحددها القانون. وتتصارع الأيديولوجيات المبررة للنظم الاقتصادية، فهناك من الفلاسفة -مثل لوك وبعض فلاسفة العقد الاجتماعي- من يرى أن الإنسان عاش في مرحلة طبيعية Natural State وكانت له خلالها حقوق طبيعية Natural Right في مقدمتها حق العمل والتملك والاجتماع وهي حقوق لم تقرر للإنسان نتيجة لدخوله في عقد اجتماعي يقيم من خلاله المجتمع. وبالتالي لا يحق للمجتمع أن يسلب الإنسان حقه في التملك. وقد استند أنصار الاتجاه الرأسمالي إلى هذه الفلسفة في تبرير حق الإنسان في الملكية المطلقة بغير تدخل من السلطات الاجتماعية. وفي مقابل هذه النظرية استند أنصار الاتجاه الماركسي المتطرف إلى بعض النظريات الزائفة حول أصل نظام الملكية وتطوره -مثل نظرية لويس مورجان L. Morgan الأثنولوجي الأمريكي- والذي ذهب إلى أن الإنسان خلال طفولة البشرية لم يكن يعرف الملكية الفردية، ولم تظهر هذه الملكية إلا من خلال القوة، وعلى هذا فإن الوضع الفطري الطبيعي للإنسان أن تكون الملكية جماعية وليست فردية*.
*هذه الفكرة التي تتمثل في القول بداية البشرية قد اقترنت بالملكية الجماعية وأن الإنسان خلال هذه المرحلة لم يعرف الملكية الفردية -فكرة زائفة لأنها اعتمدت على التاريخ الظني أو الفرضي Conjectural History وهو بعيد عن اليقين. وهذه الفترة -طفولة البشرية- لا يوجد لدينا شيء يقيني عنها. وإذا رجعنا إلى التاريخ الاجتماعي للشعوب القديمة التي توجد لدينا بيانات عنها مثل مصر الفرعونية والإغريق والرومان القدماء وبني إسرائيل، نجد أن هذه الشعوب جميعها عرفت أشكال الملكية الخاصة. وفي المصادر الإسلامية اليقينية ما يدل على أن الملكية الفردية ظاهرة ارتبطت بوجود الإنسان. يضاف إلى هذا أن الدراسات النفسية والاجتماعية الصادقة تشير إلى أن النزعة إلى التملك نزعة فطرية، وأن الإنسان البدائي -مهما أوغل في البدائية- يعرف شكلا من الخاصة، على الأقل ملكية ملابسه وأسلحته ومنقولاته
…
إلخ.
وعلى العكس من هذه النظريات الزائفة التي تستند إلى تصورات وهمية لا يوجد ما يؤكدها مثل الحالة الطبيعية التي تحدث عنها لوك Lock وطفولة البشرية التي تحدث عنها مورجان والماركسيين من بعده، فقد قدم لنا الإسلام الحنيف تفسيرا صادقا لطبيعة الملكية وحدودها وضوابطها بشكل معجز -لأنها صادرة عن الخالق سبحانه- يحقق التكامل والتوازن بين مصالح الفرد ومصالح الجماعة، وهو الأمر الذي عجزت المذاهب غير الإسلامية عن تحقيقه. والملكية حسب التصور القرآني هي أساسا لله، فالله هو الخالق وهو المالك الحقيقي للكون وللإنسان نفسه ولما في الأرض من ثروات مختلف أنواعها يقول تعالى:
- {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة: 29] .
- {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15] .
- {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 63] .
- {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} [الواقعة: 68] .
- {أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ، أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ} [الواقعة: 72] .
- {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} [المائدة: 17] .
- {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُم} [النور: 33] .
- {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه} [الحديد: 7] .
ولكن إذا كان القرآن الكريم ينسب الملكية لله أساسا، فقد نسبها في آيات أخرى إلى الإنسان تشجيعًا له وحفزا له على العمل والضرب في الأرض وتعميرها وإشباعًا لغريزة حب التملك في نفسه، واختبارًا له -هل يوظفها في الخير أم في الشر. والإنسان هو خليفة الله في الأرض خلقها له، وخلقه هو لعبادته وتعمير الأرض والتعارف بين الشعوب والقبائل- يقول تعالى في نسبة الملكية للإنسان:
- {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة} [التوبة: 111] .
- {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل} [البقرة: 188] .
- {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّه} [البقرة: 261] .
- {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19]
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُم} [البقرة: 267] .
ويستهدف القرآن الكريم من نسبة الملكية للإنسان إثارة عواطف الكدح والكسب في نفسه وبعث الطموح والتنافس وإشعاره بلذة الحياة وفرحة الدنيا حين يحصل -تملكًا- على ثمرات عمله وجهده المشروع هذا إلى جانب إشعار بالمسئولية عن نتائج أعماله وعن حفظ الثروة وتنميتها وأداء الواجبات الدينية والاجتماعية المفروضة عليه، أما نسبتها إلى الله ففيه تذكير للإنسان بالحقيقة وبضرورة عدم الإسراف في الأنانية وعدم توجيهها فيما يلحق الضرر بالإنسان8.
ولقد بلغ الأرب القرآني مبلغًا رفيعًا أطلق على ما ينفقه الإنسان في سبيل الله وابتغاء مرضاته -قرضًا حسنًا لله، يرده الله سبحانه إليه أضعافًا