الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بفريضة الزكاة في مال كل ذي مال بحيث يحق للدولة الإسلامية أن تستوفيها غصبا إذا امتنع الأغنياء عن دفعها طوعا36.
أسلوب مواجهة الإسلام للمشكلات الاقتصادية
مدخل
…
أسلوب مواجهة الإسلام للمشكلات الاقتصادية:
يتسم الأسلوب الإسلامي في الحيلولة أصلا دون ظهور المشكلات من خلال تطبيق مقتضيات وتعليمات الشريعة السمحة، فإذا ظهرت مشكلات اتسم أسلوب المواجهة بالجذرية والعمق والرشد. وسوف نركز هنا على بعض المشكلات كالفقر والبطالة والطبقية.
مواجهة الإسلام لمشكلة الفقر
مدخل
…
أولا: مواجهة الإسلام لمشكلة الفقر:
يقر الإسلام مبدأ الفروق الفردية بين الناس في قدراتهم وظروفهم واستعداداتهم وثرواتهم، واعتبر الإسلام أن الفقر والغنى حقيقتان ثابتتان من طبيعة الوجود الإنساني والاجتماعي، قال تعالى:{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32] . غير أن الإسلام لا يسمح أن يذل الفقير ولا أن يتغطرس الغني فيكون الحقد الطبقي والصراع الاجتماعي المدمر واستغلال بعض الناس موقفهم على السلم الاقتصادي لنيل امتيازات غير مشروعة. وقدم الإسلام نظاما متكاملا لمواجهة الفقر أوجز أهمها فيما يلي:
أ- تمكين كل قادر على العمل أن يعمل كواجب من واجبات الدولة سواء أكان عملا ذهنيا أو يدويا، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على العمل اليدوي حيث قال عليه السلام:"ما أكل ابن آدم طعاما خيرا من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يديه" وقد ذكر نبي الله داود بالذات لأنه كان قائدا عظيما وملكا ذا سلطان، وتحت يده خزائن الدولة لو أخذ منها ما يكفيه وأهله بالمعروف ما كان عليه غضاضة فيا يأخذ لكنه آثر أن يأكل من عمل يديه لينال ذلك الكسب
الطيب الذي هو خير كسب. وقد جاء رجل إلى النبي يطلب منه صدقة من بيت المال فوجده النبي صلى الله عليه وسلم قويا قادرا فلم يعطه مالا ينفق منه، لكنه اشترى له فأسا وأعطاه إياه ليحتطب بها ويأكل من عمل يده. وقال عليه السلام:"لأن يحتطب أحدكم بفأسه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه". وتكريم الإسلام للعمل اليدوي يؤدي إلى أداء الأعمال اليدوية التي تحتاجها الأمة من جهة، ويمنع الناس من أن يحتقروا بعضهم بعضا، فلا تكون هناك طبقة عاملة تنال الاحتقار، وأخرى -لا يعمل بيدها- تنال التقدير والاعتبار37.
ب- تمكين كل ذي موهبة وقدرة من الانتفاع بموهبته وقدرته، فقد قرر فقهاء الإسلام أن كل ما يقوم عليه العمران من هندسة وطب وفرحة للأرض وإقامة المصانع والجهاد في سبيل الله تعالى دفعا للأذى وحماية للحوزة
…
واجب على الأمة، وهو واجب على وجه الخصوص على من كان قادرا بالفعل على واحد من هذه الأمور، وواجب على العموم على الأمة ممثلة إرادتها في ولي أمرها والقائمين على شئونها. ومعنى هذا أنه يجب على الدولة الإسلامية تشجيع الكفايات وتنمية قدرات أبنائها ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
وقد قدرر بعض فقهاء المسلمين أن إتاحة الفرصة أمام الجميع ليظهروا مواهبهم وقدراتهم إنما يتحقق من خلال نظام تربوي تعليمي متدرج فالمرحلة التعليمية الأولى تكون عامة للأمة كلها، لا يتخلف عنها أحد. ومن كان لديه القدرة على متابعة الدراسة في المرحلة الثانية دخل المرحلة الثانية، أما من وقفت به مواهبه عند المرحلة الأولى، وقف عند أمر يحتاج إليه العمران، حيث يكون من بينهم العاملين بأيديهم في الأرض وفي المتاجر وفي الصناعات اليدوية
…
وغير ذلك مما لا يحتاج إلى تخصيص فني مهني رفيع.
ومن ينهي المرحلة الثانية من التعليم أو التأهيل واحد من اثنين، إما أن يكون لديه قدرة على متابعة التعليم في المرحلة الثالثة، حيث يتم التخصص الفني والعلمي والمهني التقدم -طب- قيادة عسكرية، قضاء
…
وإما أن يقف عند نهاية المرحلة الثانية بسبب طبيعة قدراته وميوله
…
هؤلاء الذين يقفون عند نهاية المرحلة الثانية تحتاج إليهم الأمة ليمارسوا بعض الأعمال التي لا تحتاج إلى تخصص فني متقدم مثل العمالة الفنية في مجال الصناعة وأعمال الحسابات البسيطة
…
تلك الأعمال التي لا يكفي لممارستها اجتياز المرحلة التعليمية الأولى فقط38، ولا يدخل المرحلة الثالثة إلا من تؤهله قدراته لهذه المرحلة المتخصصة المتعمقة من الدراسة والتي تخرج المؤهلين تأهيلا رفيعا لتولي مناصب الدولة الحساسة.
وهذا يعني أن أبناء كل مرحلة يجب عليهم أداء الأدوار والواجبات كل فيما يخصه ويستطيعه، وعمل الأمة ممثلة في ولي أمرها أن تسهل لهم التعليم والقيام بهذه الواجبات، وأن تؤهلهم التأهيل الذي يمكنهم من أداء دورهم حسب قدرتهم واستعداداتهم الفطرية وميولهم المكتسبة. وهنا تبرز وظيفة الدولة في تأهيل أبناء المجتمع تأهيلا حرفيا ومهنيا، وإذا تركت الأمة هذا الواجب تكون قد باءت بالإثم وتحملت الوزر ولم ينج منه حاكم ولا رعية لأن الفرض الكفائي مطلوب من الأمة بجميع أفرادها القيام به. وقد ذكر الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في كتابه الموافقات أن القيام بذلك الفرض قيام بمصلحة عامة فهم مطالبون بسدها على الجملة فبعضهم هو قادر عليها مباشرة وذلك من كان أهل لها، والباقون وإن لم يقدروا عليها قادرون على إقامة ذلك القادر وإجباره على القيام بها. فالقادر إذن مطالب بإقامة الفرض، وغير القادر مطالب بتقديم ذلك القادر. وهذا يعني أن الإسلام أوجب على الحاكم القيام بتلك المهمة الشاقة متمثلة في تأهيل جميع الأفراد لما يناسبهم ويستطيعون القيام به39.