الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقل والدين أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكانت الحياة متوقفة على عمد الاقتصاد الثلاث: الزراعة والصناعة والتبادل. كانت هذه العمد الثلاثة واجبة وكان تنسيقها على الوجه الذي يحقق خيرها واجبا45.
التوجيه الاقتصادي في الإسلام:
وواجب الحكم المسلم العمل على تنمية اقتصادياتها والتنسيق بين جوانب الثروة في المجتمع بحيث لا يترك الأموال تتكدس وتتركز في ميدان اقتصادي واحد دون سواه، فلا عليه أن يحول بعضا من الاستثمارات الزراعية في اتجاه التجارة أو الصناعة على حسب حاجة المجتمع ومصلحته العليا وما يحقق نموه الاقتصادي، وبالتالي يحقق قوته وعزته، ويجنبه الاعتماد المطلق على المجتمعات الأخرى، ذلك الاعتماد الذي يفتح باب الاستعمار بشتى ألوانه. ولا يعد هذا التنسيق الاقتصادي من جانب الحاكم المسلم تقييدا لحرية الملكية إنما هو توجيه يحقق صالح المجتمع، وإذا أهمله الحاكم كان آثما46.
ونظرا إلى أن فائدة المال واستثماراته وتوجيهاته في مسارات بعينها تعم المجتمع كل في مشكل عماله وأرباح وأجور وتوافر للسلع واستقلال اقتصادي
…
إلخ، أضافه الله سبحانه تارة إلى نفسه، وجعل المالكين له مستخفلين في حفظه وتنميته وإنفاقه أو استهلاكه حسب توجيهاته سبحانه حيث قال تعالى:{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِِ} [الحديد: 8] وأضافه الله تارة إلى الجماعة وجعله كله بتلك الإضافة ملكا لها حيث قال تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وقال تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] وهذا يعني أن الاعتداء عليها أو التصرف السيئ فيها هو اعتداء أو تصرف سيئ واقع على الجمع. ولا شك أن هذا أمر منطقي متفق مع ما قرره الإسلام من أن المال أداة لصالح المجتمع كله به تحيا
الأرض وتقام الصناعات أو التنظيمات الصناعية ويتم التبادل التجاري، وبه يساهم أصحابه في سد حاجة المحتاجين وتأسيس المشروعات العامة النافعة، وإن لم يكن بعاطفة التعاون والتراحم، فبحكم الفرض الذي أوجبه الله في أموال الأغنياء للفقراء وفي سبيل الله، وبحكم الضرائب التي يفرضها ولي الأمر حسب تقدير ما تحتاج إليه البلاد من مشروعات الإصلاح والتنمية وقد حرص القرآن الكريم على حث المؤمنين على البذل للفقراء والمساكين وفي سبيل الله، وهذه الكلمة الأخيرة من الكلمات الفذة التي جاء بها القرآن الكريم حيث تملأ القلب روعة وجلالا ولا يخرج عن معناها نوع ما من أنواع البر والخير العام أو الخاص.
وقد حض الإسلام أتباعه على تملك الأموال وتنميتها بالأساليب المشروعة، وأراد بذلك تحقيق الاكتفاء الذاتي داخل المجتمع من خلال إنتاج الأغذية التي تنبتها الأرض ومختلف الصناعات المدنية والعسكرية والمعمارية.... وقد تحدث فقهاء الإسلام في عصورهم الأولى عن هذه القضية، وجعلوا تعلم هذه الصناعات ووجودها في المجتمع من فروض الكفاية، فإذا لم يتحقق في الأمة أثمت إثما لا يرتفع عنها إلا إذا قامت كل طائفة بواجبها في قطاع معين من قطاعات الاقتصاد.
وقد أوضح ابن تيمية في كتابه "الحسبة" أن واجب الدولة أن تتدخل بالتنظيم والإجبار لإيجاد حاجات الأمة من الصناعات والزراعات والمرافق المعاشية العامة، ولإعداد من يصلحون لها ويقومون بها47. كذلك ذهب إلى أن من واجب الدولة التدخل في تحديد أجور العمال وأسعار اسلع في حالة المغالاة. وهذا الرأي نفسه قد ذكره الشيخ محمود شلتوت في دراسته بعنوان "الإسلام عقيدة وشريعة". وهذا يؤكد أن النظام الاقتصادي الإسلامي يستند إلى الواقعية الأخلاقية ويقوم على فكرة التوازن الدقيق بين الفردية والجماعية على العكس من المذاهب الوضعية -الرأسمالية والشيوعية- التي تطرفت في صالح أحد الجوانب -الفردية أو الجماعية.