المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حرف الياء - تاريخ الإسلام - ت تدمري - جـ ٤٢

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني والأربعون (سنة 591- 600) ]

- ‌[الطبقة الستّون]

- ‌سنة إحدى وتسعين وخمسمائة

- ‌[استيلاء مؤيّد الدين على همذان]

- ‌[عناية الناصر بالحمام]

- ‌[انتهاب الريّ]

- ‌[دخول خوارزم شاه هَمَذَان]

- ‌[تأمير كوكج على البهلوانية]

- ‌[خروج العزيز لأخْذ دمشق]

- ‌[تجديد الهدنة]

- ‌[سوء تدبير الوزير ضياء الدين]

- ‌[إقبال الأفضل على الزهد]

- ‌[قدوم ابن شملة بغداد]

- ‌[وقعة الزّلّاقة بالمغرب]

- ‌سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة

- ‌[نيابة ابن البخاري بالوزارة]

- ‌[ولاية طاشتكين خوزستان]

- ‌[دخول العزيز وعمّه دمشق]

- ‌[هبوب ريح سوداء]

- ‌[طلب خوارزم شاه السلطنة ببغداد]

- ‌[حصار طليطلة]

- ‌سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة

- ‌[إكرام أبي الهيجاء السمين ببغداد]

- ‌[اعتقال أبي الهيجاء]

- ‌[سلطنة العزيز بمصر والشام]

- ‌[قطع بركة المسافة من واسط إلى بغداد]

- ‌[وفاة أبي الهيجاء]

- ‌[توجّه الرسول إلى غزنة]

- ‌[انقضاض كوكب]

- ‌[مقتل ملك اليمن]

- ‌[فتح يافا]

- ‌[كتاب الفاضل يصف البرق والريح]

- ‌[أخْذُ الفرنج بيروت]

- ‌سنة أربع وتسعين وخمسمائة

- ‌[نزول الفرنج على تِبْنين]

- ‌[الحجّ من الشام]

- ‌[مُلْك خوارزم شاه بخارى]

- ‌[موت أمير القدس]

- ‌[ملك أرسلان شاه الموصل]

- ‌[منازلة ماردين]

- ‌سنة خمس وتسعين وخمسمائة

- ‌[عصيان نائب الريّ]

- ‌[لبْس خوارزم شاه خلعة الخليفة]

- ‌[مقتل الوزير نظام الملك]

- ‌[مقتل رئيس الشافعية]

- ‌[عمارة سور ثان ببغداد]

- ‌[سلطنة محمد بن يعقوب المغرب والأندلس]

- ‌[الإفراج عن سبط ابن الجوزي]

- ‌[فتنة الفخر الرازيّ بخراسان]

- ‌[الفتنة بدمشق]

- ‌[موت الملك الْعَزِيز]

- ‌[النزاع بين الأمراء الأيوبيّين]

- ‌[ظهور الدّعيّ بدمشق]

- ‌[قيام العامَّة على الرافضة بدمشق]

- ‌[ولاية ابن الشهرزوريّ القضاء]

- ‌سنة ست وتسعين وخمسمائة

- ‌[وفاة السلطان خوارزم شاه]

- ‌[حصار دمشق]

- ‌[إكرام ابن أخي خوارزم شاه]

- ‌[رفع الحصار عن دمشق]

- ‌[الحرب بين الأفضل والعادل]

- ‌[ملك العادل الديار المصرية]

- ‌[وصول رسول الملثّمين إِلَى بغداد]

- ‌[الحجّ العراقي]

- ‌[حضور الملك الكامل إِلَى مصر]

- ‌[سلطنة الكامل على مصر]

- ‌[نقص النيل واشتداد البلاء بمصر]

- ‌سنة سبع وتسعين وخمسمائة

- ‌[أخبار الغلاء الفاحش فِي مصر وأكل الناس بعضهم بعضا]

- ‌خَبَرُ الزَّلْزَلَة

- ‌[منازلة الأفضل والظاهر دمشق]

- ‌[الاستيلاء على مرو]

- ‌[انتهاب نيسابور]

- ‌[أسر عليّ شاه]

- ‌[فتوحات الغورية فِي بلاد الهند]

- ‌[خبر الزلزلة بالبلاد الشامية]

- ‌[تغلّب ابن سيف الْإِسْلَام على اليمن]

- ‌[عودة القاضي مجد الدين من الرسلية]

- ‌[خروج طاشتكين لمحاربة ابن سيف الْإِسْلَام]

- ‌[الخلعة لطُغرل المستنجدي]

- ‌[الغلاء ببلاد الشّراة]

- ‌سنة ثمان وتسعين وخمسمائة

- ‌[تقليد قضاء القضاة ببغداد]

- ‌[طلب ابن قَتَادَة إمارة مكة]

- ‌[أخْذُ برغش للقَفَل وقتله]

- ‌[إقامة الحجّ]

- ‌[الترسّل إِلَى صاحب غزْنة]

- ‌[تناقص الغلاء وزيادة النيل]

- ‌[لقاء العادل بالأفضل]

- ‌[مصالحة الظاهرة للعادل]

- ‌[الزلزلة فِي الشام وقبرس]

- ‌[بناء الجامع المظفّري]

- ‌[تملُّك الناصر باليمن]

- ‌سنة تسع وتسعين وخمسمائة

- ‌[تموّج النجوم وتطايرها]

- ‌[منازلة ماردين]

- ‌[رواية ابن الجوزي عن النجوم]

- ‌[عمارة أسوار قلعة دمشق]

- ‌[موت غياث الدين الغوري]

- ‌[إلزام المنصور علي بالإقامة فِي الرها]

- ‌[إرسال الخليفة الخِلَع للملك العادل]

- ‌[تملُّك الأشرف حرّان والرُها]

- ‌[محاربة صاحب سيس لصاحب أنطاكية]

- ‌[قدوم الفرنج إِلَى عكا]

- ‌[انتصار صاحب حماه على الفِرنج]

- ‌سنة ستمائة

- ‌[كسرة صاحب الموصل]

- ‌[زواج الأشرف]

- ‌[احتراق خزانة السلاح بدمشق]

- ‌[أَخَذَ العملة من مخزن الأيتام]

- ‌[انتهاب أسطول الفرنج فُوَّه بمصر]

- ‌[محاصرة صاحب سيس لأنطاكية]

- ‌[تجمّع الفرنج بعكا بقصد القدس]

- ‌[أَخَذَ الفرنج القسطنطينية من الروم]

- ‌[استعادة الروم قسطنطينية]

- ‌[الظفر برءوس الباطنية بواسط]

- ‌[تراجم رجال هذه الطبقة]

- ‌سنة إحدى وتسعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الدال

- ‌ حرف الذال

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الغين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف الكاف

- ‌ حرف اللام

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌الكنى

- ‌سنة أربع وتسعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف الجيم

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الزاي

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الغين

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الواو

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة خمس وتسعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الثاء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف الدال

- ‌ حرف الضاد

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف الظاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الواو

- ‌ حرف الياء

- ‌فائدة

- ‌محنة ابن رُشْد

- ‌سنة ست وتسعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف الجيم

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف الدال

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الكاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الواو

- ‌ حرف الياء

- ‌سنة سبع وتسعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف الجيم

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف الزاي

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف الظاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الياء

- ‌الكنى

- ‌سنة ثمان وتسعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الجيم

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف الدال

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف الضاد

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف اللام

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الْيَاءِ

- ‌سنة تسع وتسعين وخمسمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الدال

- ‌ حرف الزاي

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الغين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

- ‌الكنى

- ‌سنة ستمائة

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف الجيم

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الراء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الغين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الكاف

- ‌ حرف اللام

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الواو

- ‌ حرف الياء

- ‌الكنى

- ‌ومن المتوفين تقريبا وتخمينا

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الياء

الفصل: ‌ حرف الياء

-‌

‌ حرف الواو

-

274-

وَهْب بْن لُبّ بْن عَبْد الملك بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن وهب بْن نُذير [1] .

أبو العطاء الفِهْريّ الأندلُسيّ، الشَّنْتَمريّ، نزيل بلنسية.

سمع من: أبيه أبي عيسى. ولزم أبا الوليد بن الدّبّاغ وأكثر عنه.

وتفقّه على أبي الحسن بن النّعمة. وأخذ القراءات عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن سعدون الوَشْقي.

وكان فقيها، حافظا، مشاوَرًا، مُفْتيًا، مدرّسا، من أَهْل العِلم والذّكاء والدّهاء.

أَخَذَ عَنْهُ جماعة، ووُلّي قضاء بَلَنْسِية وخطابتها، ثُمَّ صُرِف عن القضاء وبقي خطيبا.

تُوُفّي فِي ذي الحجّة، وصلّى عليه ولده أبو عَبْد اللَّه، وعاش ثلاثا وثمانين سنة. ذكره الأَبَّار.

-‌

‌ حرف الياء

-

275-

يحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن.

أبو بَكْر الْأَزْدِيّ، الأندلسيّ، النَّحْويّ، المعروف بابن فضالة.

من علماء أوريُولَة. خطب ببلده وناب فِي القضاء، قال التّجيبيّ: كان شيخي فِي اللّغة والعربيّة، وصحِبتُه عدَّة سِنين وعرضتُ عليه كتبا كثيرة. وعُمّر دهرا.

بقي إِلَى سنة خمسٍ هَذِهِ.

276-

يحيى بن علي بن الفضل بن هبة الله بن بركة [2] .

[1] انظر عن (وهب بن لب) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.

[2]

انظر عن (يحيى بن علي بن الفضل) في: الكامل في التاريخ 12/ 154 وفيه: «يحيى بن علي بن فضلان» ، وذيل الروضتين 15، والتقييد لابن نقطة 485، 486 رقم 660، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 330، 331 رقم 491، وتاريخ ابن الدبيثي 15/ 392، والجامع المختصر 19/ 11- 13، والعبر 4/ 289، والإشارة إلى وفيات الأعيان 309، والمختصر المحتاج إليه 3/ 246، رقم 1353، وإنسان العيون، ورقة 179، وطبقات

ص: 211

العلّامة جمال الدّين أبو القاسم الْبَغْدَادِيّ، الشّافعيّ، المعروف بابن فضلان.

وُلِد فِي آخر سنة خمس عشرة وخمسمائة.

وسمع: أَبَا غالب ابن البنّاء، وأبا القاسم بْن السَّمَرْقَنْديّ، وأبا الفضل الأُرْمَويّ، وغيرهم.

وكان اسمه واثق، وكذا هُوَ فِي الطَّباق، ولكنْ غلب عليه يحيى واختاره هُوَ. وكان إماما بارِعًا فِي عِلم الخلاف، مشارا إليه فِي جودة النَّظَر.

تفقَّه على أَبِي مَنْصُور الرّزّاز، وارتحلَ إِلَى صاحب الغزاليّ مُحَمَّد بْن يحيى مرَّتين، وعلَّق عَنْهُ.

وظهر فضله، واشتهر اسمه، وانتفع به خلْق.

وسمع أيضا بنَيْسابور من: أَبِي يحيى، وعمر بْن أَحْمَد الصّفَّار الفقيه، وأبي الأسعد هبة الرَّحْمَن بْن القُشَيْريّ، وإسماعيل بْن عَبْد الرَّحْمَن العصائديّ.

وكان حَسَن الأخلاق، سَهْل القياد، حُلْو العبارة، يَقِظًا، لبيبا، نبيها، وجيها. درَّس ببغداد بمدرسة دار الذَّهَب وغيرها.

وأعاد له الدّرسَ الْإِمَامُ أبو عليّ يحيى بْن الرَّبِيع.

روى عَنْهُ: ابن خليل فِي حروف الواو، وأبو عَبْد اللَّه الدُّبيثيّ، وجماعة.

وتُوُفّي فِي تاسع عشر شعبان.

قال الموفّق عَبْد اللّطيف: ارتحل ابن فضلان إِلَى مُحَمَّد بْن يحيى مرَّتين، وسقط فِي الطّريق فانكسرت ذراعه، وصارت كفخذه، فالتجأ إِلَى قريةٍ، وأدّته الضّرورة إِلَى قطْعها من المِرْفق، وعمل محضرا بأنّها لم تقطع في

[ () ] الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 320 (7/ 322، 323) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 279، 280، وطبقات الشافعية لابن كثير، ورقة 151 ب، 152 أ، والبداية والنهاية 13/ 21، ومرآة الجنان 3/ 479، والعسجد المسبوك 2/ 254، وعقد الجمان 17/ ورقة 239، 240، والعقد المذهب، ورقة 74، والنجوم الزاهرة 6/ 153، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي، ورقة 100، والفلاكة والمفلوكين 20، وشذرات الذهب 4/ 321، والأعلام 9/ 198.

ص: 212

ريبة. فلمّا قدِم بغداد وناظر المجير، وكان كثيرا ما ينقطع فِي يد المُجير، فقال له المجير: يسافر أحدهم فِي قطْع الطّريق، ويدّعي أنّه كان يشتغل.

فأخرج ابن فضلان المحضر ثمّ شنَّع على المجير بالفلسفة.

وكان ابن فضلان ظريف المناظرة، له نغمات موزونة، يشير بيده مع مخارج حروفه بوزنٍ مُطرِبٍ أنيق، يقف على أواخر الكلمات خوفا من اللّحْن. وكان يُداعبني كثيرا.

ورُميَ بالفَالج فِي آخر عمره، رحمه اللَّه تعالى.

277-

يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن بْن عليّ [1] .

الملقَّب بالمنصور، أمير المؤمنين أبو يوسف، سلطان المغرب القَيْسيّ المرّاكُشيّ، وأُمُّه أمّ وَلَد روميَّة اسمها سَحَر [2] .

بويع فِي حَيَاة والده بأمره بِذَلِك عند موته، فملك وعمره يومئذٍ اثنتان وثلاثون سنة. وكان صافي السُّمْرة إِلَى الطّول ما هُوَ، جميل الوجه، أعين، أفوه، أقْنَى، أكْحَل، مستديرَ اللّحية، ضخم الشَّكل، جَهُورِيّ الصّوت، جزل

[1] انظر عن (يعقوب بن يوسف) في: الكامل في التاريخ 12/ 145- 147، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 464- 468، والروضتين 2/ 174، وذيل الروضتين 16، ووفيات الأعيان 7/ 3- 19، والمعجب 336 وما بعدها، والحلل الموشّية 121، وآثار البلاد وأخبار العباد 112، وروض القرطاس 160، وأعمال الأعلام 269، والجامع المختصر 9/ 8، والبيان المغرب 3/ 140- 211، والاستقصاء 2/ 158، وتاريخ الدولتين 10، وجذوة الاقتباس 348، والأنيس المطرب 153، ونفح الطيب (انظر فهرس الأعلام) ، والدر المطلوب 127، وشرح رقم الحلل 191، 200- 202، والإعلام بوفيات الأعلام 245، وسير أعلام النبلاء 21/ 311- 319 رقم 166، والمختار من تاريخ ابن الجزري 64- 71، ودول الإسلام 2/ 77، والإشارة إلى وفيات الأعيان 310، ومآثر الإنافة 2/ 73، والمختصر في أخبار البشر 3/ 97، وتاريخ ابن الوردي 2/ 114، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 166- 168، والروض المعطار 27، 82، 127، 136، 163، 174، 175، 200، 201، 342، 343، 347، 354، 390، 414، 415، 469، 479، 487، 521، 541، 568، 578، 579، والنجوم الزاهرة 6/ 137، ونظم الجمان 96، والحلّة السيراء 2/ 178، 193، والبداية والنهاية 13/ 19، وشذرات الذهب 4/ 421- 423.

[2]

في (المعجب) : «ساحر» .

ص: 213

الألفاظ، صادق اللهْجَة، كثير الإصابة بالظّنّ والفَرَاسة، ذا خبرةٍ بالخيرِ والشّرّ. وُلّي الوزارة لأبيه، فبحث عن الأمور، وكشف أحوال العمّال والوُلاة.

وكان له من الولد: مُحَمَّد وليّ عهده، وإبراهيم، وموسى، وعبد اللَّه، وعبد العزيز، وأبو بَكْر، وزكريّا، وإدريس، وعيسى، وصالح، وعثمان، ويونس، وسعد، وساعد، والحَسَن، والحسين، فهؤلاء الّذين عاشوا بعده. وله عدَّة بنات.

ووزَرَ له عُمَر بن أبي زيد الهنتانيّ إلى أن مات، ثُمَّ أبو بَكْر بْن عَبْد اللَّه بْن الشّيخ عُمَر أيِنْتي، ثُمَّ ابن عمّ هَذَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر. ثُمَّ هرب مُحَمَّد هَذَا وتزهَّد ولبس عباءة، ثُمَّ وَزَرَ له أبو زَيْدٍ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُوسَى الهنْتانيّ، وبقي بعده وزيرا لابنه مُدَيْدَة.

وكتب له أبو الفضل بْن مَحْشُوَّة، ثُمَّ بعده أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عيّاش الكاتب البليغ الَّذِي بقي إلى سنة تسع عشرة وستّمائة.

وكتب أيضا لولده من بعده.

وقضَى له أبو جَعْفَر أَحْمَد بْن مضاء، وبعده أبو عَبْد اللَّه بْن أَبِي مروان الوَهْرَانيّ، ثُمَّ عزله بأبي القاسم أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن بَقِيّ.

ولَمَّا بويع كان له من إخوته وعُمومته منافسون ومزاحمون لا يرونه أهلا للإمارة لِمَا كانوا يعرفون من سوءِ صِباه، فلقيَ منهم شدَّةً، ثُمَّ عبر البحر بعساكره حتّى نزل مدينة سَلا، وبها تمَّت بيعته، لأنّ بعض أعمامه تلكَّأ، فأنعم عليهم، وملأ أيديهم أموالا لها خطر. ثُمَّ شرع فِي بناء المدينة العُظْمى الّتي على البحر والنّهر من العَدْوَة، وهي تلي مَرّاكُش. وكان أَبُوهُ قد اختطّها ورسمها، فشرع هُوَ فِي بنائها إِلَى أن تمّت أسوارها، وبنى فيها جامعا عظيما إلى الغاية، وعمل له منارة في نهاية العُلُوّ على هيئة منارة الإسكندريَّة، لكن لم يتمّ هذا الجامع لأنّ العمل بَطَلَ منه بموته. وأمّا المدينة فتمّت، وطولها نحوٌ من فَرْسَخ، لكنّ عرضها قليل بالنّسبة. ثُمَّ سار بعد أن تهيَّأت فنزل مَرّاكُش.

ص: 214

وَفِي أوّل ملكه، وذلك فِي سنة ثمانين، خرج عليه صاحب ميورقة [1] الملك المعروف بابن غانية، وهو عليّ بْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن غانية، فسار فِي البحر بجيوشه، وقصد مدينة بِجاية، فملكها وأخرج مَن بها من الموحّدين فِي شعبان مِن السّنة. وهذا أوّل اختلالٍ وَقَعَ فِي دولة الموحّدين [2] .

وأقام ابن غانية ببِجاية سبعة أيّام، وصلّى فيها الجمعة، وأقام الخُطبة للإمام النّاصر لدين اللَّه العبّاسيّ، وكان خطيبه يومئذٍ الْإِمَام أبو مُحَمَّد عَبْد الحقّ الأزْديّ مصنِّف الإحكام. فأحنق ذلك المنصورَ أَبَا يوسف، ورام قتْلَ عَبْد الحقّ، فعصمه اللَّه وتوفّاه قريبا.

ثُمَّ سار ابن غانية بعد أن أسّس أموره ببِجاية، ونازل قلعة بني حمّاد فملكها، وملك تلك النّواحي، فتجهَّز المنصور لحربه بجيوشه، فتقهقر ابن غانية، وقصد بلاد الجريد، فلمّا وصل المنصور إِلَى بِجّاية تلقّاه أهلها، فصفح عَنْهُمْ، وجهّز جيشا مع ابن عمّه يعقوب بْن عُمَر، ونزل هُوَ تونس، فالتقى يعقوب وابن غانية، فانهزم الموحّدون انهزاما مُنْكَرًا، وتبِعَهم جيش ابن غانية من العرب والبربر يقتلونهم فِي كلّ وجهٍ، وهلك كثيرٌ منهم عَطَشًا، ورجع من سَلِم إِلَى تونس. فلمَّ المنصور شعْثهم، ثُمَّ سار بنفسه وعمل مع ابن غانية مصافّا، فانكسر أصحاب ابن غانية، وثبت هُوَ، وبيّن إِلَى أن أُثخن جراحا، ففرّ بنفسه متماسكا، ومات فِي خيمة أَعرابيَّة [3] . ثُمَّ إنّ جُنْدَه قدّموا عليهم أخاه يحيى، ولحِقوا بالصّحراء فكانوا بها مع تلك العُربان إِلَى أن رجع المنصور إِلَى مَرّاكُش.

وانتقض أَهْل قَفْصَة فِي هَذِهِ المدَّة، ودعوا لبني غانية، فنزل عليها المنصور، فحاصرها أشدّ الحصار، وافتتحها عَنْوةً، وقتل أهلها قتلا ذريعا.

فَقِيل إنّه ذبح أكثرهم صبرا، وهدم أسوارها، ورجع إلى المغرب [4] .

[1] في الأصل: «ميرقة» .

[2]

الروض المعطار 568.

[3]

المعجب 349.

[4]

الروض المعطار 568، المعجب 349.

ص: 215

وأمّا يحيى بْن غانية فإنّه بعث أخاه أبا محمد عَبْد الله إِلَى مَيُورقة فاستقلّ بها، إِلَى أن دخلها عليه الموحّدون قبل السّتّمائة. وبقي يحيى بإفريقية يظهر مرَّة ويخمد أخرى، وله أخبارٌ يطول شرحها.

وَفِي غيبة المنصور عن مَرّاكُش طمع عمّاه فِي الأمر، وهما سُلَيْمَان وعمر، فأسرع المنصور ولم يتمّ لهما ما راماه، فتلقّياه وترجّلا له، فقبض عليهما، وقيّدهما فِي الحال، فلمّا دخل مَرّاكُش قتلهما صبْرًا، فهابه جميع القرابة وخافوه.

ثمّ أظهر بعد ذلك زُهدًا وتقشُّفًا وخشونةَ عَيْشٍ وملبس، وعظُم صيت العُبَّاد والصّالحين فِي زمانه، وكذلك أَهْل الحديث، وارتفعت منزلتهم عنده فكان يسألهم الدعاء. وانقطع فِي أيّامه عِلم الفروع، وخاف منه الفقهاء، وأمر بإحراق كتب المذهب بعد أن يجرّد ما فيها من الحديث، فأحرق منها جملة فِي سائر بلاده، «كالمدوَّنة» ، و «كتاب ابن يُونُس» ، و «نوادر ابن أَبِي زَيْدٍ» ، و «التّهذيب» للبرادعيّ، و «الواضحة» لابن حبيب.

قال محيي الدّين عَبْد الواحد بْن عليّ المَرّاكُشي فِي كتاب «المعجب» [1] له: ولقد كنت بفاس، فشهدت يؤتى بالأحمال منها فتوضع ويُطلق فيها النّار.

قال: وتقدَّم إلى النّاس بترك الفقه والاشتغال بالرأي والخوض فِيهِ، وتوعّد على ذلك، وأمَر مَن عنده مِن المحدِّثين بجمع أحاديث من المصنَّفات العشرة وهي:«الموطّأ» ، والكتب الخمسة، و «مُسْنَد أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة» ، و «مُسْنَد البزّار» ، و «سنن الدّار الدَّارَقُطْنِيّ» ، «وسُنَن البَيْهقيُّ» فِي الصّلاة وما يتعلّق بها، على نحو الأحاديث الّتي جمعها ابن تومرت فِي الطّهارة.

فجمعوا ذلك، فكان يُمليه بنفسه على النّاس، ويأخذهم بحفظه. وانتشر هَذَا المجموع فِي جميع المغرب وحفظه خلْق. وكان يجعل لمن حفظه عطاء وخِلعة.

وكان قصْده فِي الجملة مَحْو مذهب مالك رضي الله عنه وإزالته من

[1] ص 354.

ص: 216

المغرب. وحَمَلَ النّاسَ على الظّاهر من القرآن والسُّنَّة. وهذا المقصد بعينه كان مقصد أَبِيهِ وجدّه، إلّا أنهما لم يُظهراه، وأظهره هُوَ.

أخبرني غير واحدٍ ممّن لقي الحافظ أَبَا بكر بن الجدّانة أنّه أخبرهم قال:

دخلت على أمير المؤمنين أَبِي يعقوب يوسف أوّل دخلةٍ دخلتُها عليه، فوجدت بين يديه «كتاب ابن يُونُس» ، فقال لي: يا أَبَا بَكْر أَنَا انظر فِي هَذِهِ الآراء المتشعّبة الّتي أُحدِثت فِي دِين اللَّه. أرأيت يا أَبَا بَكْر المسألة فيها أربعة أقوال، وخمسة أقوال، أو أكثر فِي أيّ هَذِهِ الأقوال الحقّ؟ وأيّها يجب أن يأخذ به المقلِّد؟

فافتتحت أبيّن له، فقال لي، وقطع كلامي: يا أَبَا بَكْر ليس إلّا هَذَا، وأشار إِلَى المصحف، أو هَذَا، وأشار إِلَى «سُنَن أَبِي دَاوُد» ، أو السّيف.

قال عَبْد الواحد: وظهر فِي أيّام أَبِي يوسف يعقوب ما خفي فِي أيّام أَبِيهِ وجدّه، ونال عنده طلبة العِلم والحديث ما لم ينالوا فِي أيّام أبويه، وانتهى أمره إِلَى أن قال يوما بحضرة كافَّة الموحّدين: يا معشر الموحّدين، أنتم قبائل، فَمَنْ نابَه منكم أمرٌ فزع إِلَى قبيلته وهؤلاء، يعني الطّلبة، لا قَبِيل لهم إلّا أَنَا، فمهما نابَهم أمرٌ فأنا ملجأهم. فعظموا عند ذلك فِي أعين الموحّدين، وبالغوا فِي احترامهم.

وَفِي سنة خمسٍ وثمانين قصد بَطرو بْن الريق لعنه اللَّه مدينة شَلْب فنالها فأخذها، فتجهّز المنصور أبو يوسف فِي جيوشٍ عظيمة، وعبر البحر، ونزل على شَلْب، فلم يطِق الفرنج دفاعه، وهربوا منها، وتسلَّمها. ولم يكفِه ذلك حتّى أَخَذَ لهم حِصْنًا، ورجع فمرض بمَرّاكُش مرضا عظيما، وتكلَّم أخوه أبو يحيى فِي الملك، ودعا إِلَى نفْسِه، فلمّا عُوفي قتله صبرا، وقال: وإنّما أقتلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الأحدث منهما» . تولّى قتْله أخوه عَبْد الرَّحْمَن بمحضرٍ من النّاس. ثُمَّ تهدَّد القرابة وأهانهم، فلم يزالوا فِي خمولٍ، وقد كانوا قبل ذلك لا فرق بينهم وبين الخليفة سوى نفوذ العلامة [1] .

[1] المعجب 356- 358.

ص: 217

وَفِي سنة تسعين انتقض ما بينه وبين الأذْفُنْش [1] من العهد، وعاثت الفرنج فِي الأندلس، فتجهّز أبو يوسف وأخذ فِي العبور، فعبر فِي جُمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين، ونزل بإشبيليّة، فعرض جيوشه، وقسَمَ الأموال، وقصد العدوّ المخذول، فتجهّز الأذفُنْش فِي جُموعٍ ضخمة، فالتقوا بفحص الحديد، وكان الأذفنْش قد جمع جُموعًا لم يجتمع له مثلها قطّ، فلمّا تراءى الجمعان اشتدّ خوف الموحّدين، وأمير المؤمنين يعقوب فِي ذلك كلّه لا مُستنّد لَهُ إلّا الدّعاء، والاستعانة بكلّ من يظنّ أنّه صالح، فتواقعوا فِي ثالث شعبان، فنصر اللَّه الْإِسْلَام، ومُنِح أكتاف الروم، حتّى لم ينج الفنش، إلّا في نحو من ثلاثين نفْسًا من وجوه أصحابه. واستشهد يومئذٍ جماعة من الأعيان، منهم الوزير أَبِو بكر ابن عبد الله ابن الشَّيْخ عُمَر اينتي، وأتى أبو يوسف قلعة رباح وقد هرب أهلها، فدخلها وجعل كنيستها مسجدا واستولى على ما حول طُلَيطُلة من الحصون، وردّ إِلَى إشبيلية.

ثُمَّ قصد الرومَ من إشبيلية فِي سنة اثنتين وتسعين، فنزل على مدينة طليطلة بجيوشه، فقطع أشجارها، وأنكى فِي الروم نكاية بيّنة ورجع. ثمّ عاد في المرّة الثالثة، وتوغَّل فِي بلاد الروم، ووصل إِلَى مواضع لم يصل إليها ملك من ملوك المسلمين، ورجع، فأرسل الأدفُنْش يطلب المهادنة، فهادنه عشر سنين، وعبر بعد هَذَا إِلَى مَرّاكُش فِي سنة أربعٍ وتسعين.

قال: وبلغني عن غير واحدٍ أنّه صرَّح للموحّدين بالرحلة إِلَى المشرق، وجعل يذكر لهم البلاد المصريَّة وما فيها من المناكير والبِدَع ويقول: نَحْنُ إن شاء اللَّه مُطهِّروها. ولم يزل هَذَا عزْمُه إِلَى أن مات فِي صدر سنة خمس.

وكان فِي جميع أيّامه مؤثرا للعدْل بحسب طاقته، وبما يقتضيه إقليمه والأمَّة الّتي هُوَ فيها.

وكان يتولّى الإمامة بنفسه فِي الصَّلَوات الخمس أشهرا إلى أن أبطأ يوما

[1] يقال: «الأذفنش» و «الأدفنش» ، و «الفنش» . وهو «ألفونس الثامن» ملك قشتالة.

ص: 218

عن العصر حتّى كادت تفوت، فخرج وأوسعهم لَوْمًا وقال: ما أرى صلاتكم إلّا لنا، وإلّا فَمَا منعكم أن تقدّموا رجلا؟ فقد قدّم أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف حين دخل وقت الصّلاة، وهو عليه السلام غائب، أما لكم أُسْوَة؟ فكان ذلك سببا لقطْعه الإمامة [1] .

وكان يقعد للنّاس عامَّةً لا يُحجَب عَنْهُ أحد، حتّى اخْتَصَم إليه رجلان فِي نصف درهم، فقضى بينهما وأمر بضربهما قليلا، وقال: أما كان فِي البلد حُكَّام قد نُصِبوا لهذا.

ثمّ بعد هذا بقي يقعد فِي أيّامٍ مخصوصة. واستعمل على القضاء أَبَا القاسم بْن بَقِيّ، فشرط عليه بأن يكون قعوده بحيث يسمع حُكمه فِي جميع القضايا وهو مِن وراء ستْر.

وكان يدخل إليه أُمناء الأسواق فِي الشّهر مرَّتين، فيسألهم عن أسواقهم، وأسعارهم، وحُكامهم. وكان إذا وفد عليه أهلُ بلدٍ سألهم عن وُلاتهم وقُضاتهم، فإذا أثْنَوا خيرا قال: اعلموا بأنّكم مسئولون عن هذه الشّهادة يوم القيامة. وربّما تلا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ 5: 8 [2] .

قال: وبلغني أنّه تصدَّق سنة إحدى وتسعين قبل خروجه إِلَى الغزوَة بأربعين ألف دينار. وكان كلّما دخلت السّنة أمر أن تُكتَب له الأيتام والمنقطعون، فيُجْمعون إِلَى عند قصره، فيختنون، ويأمر لكلّ صبيّ منهم بمثقال، وثوب، ورغيف، ورُمّانة. هَذَا كلّه شهِدْتُهُ [3] .

وبنى بمَرّاكُش بيمارستانا ما أظنّ فِي الدّنيا مثله، أجرى فِيهِ مياها كثيرة، وغرسَ فِيهِ من جميع الأشجار، وزَخْرَفَه، وأمر له من الفرش بما يزيد على الوَصْف. وأجرى له ثلاثين دينارا كلّ يوم برسم الأدوية. وكان كلّ جمعة يعود فِيهِ المرْضى ويقول: كيف حالكم؟ كيف القومة عليكم؟.

[1] المعجب 361.

[2]

سورة المائدة، الآية 8.

[3]

القول لعبد الواحد المراكشي في (المعجب)364.

ص: 219

وَفِي سنة نيّفٍ وثمانين وردَ عليه من مصر قراغش التَّقَويّ، فتى تقيّ الدّين عُمَر ابن أخي السّلطان الملك النّاصر، والأمير شعبان، والقاضي عماد الدّين فِي جماعة، فأكرمهم وأقطعهم، حتّى أقطع رجلا من أَهْل إربل يُعرف بأحمد الحاجب مواضع، وأقطع شعبان بالأندلس قرى تغلّ فِي السّنة نحوا من تسعة آلاف دينار، سوى ما قرَّر لهم من الجامكيَّة [1] .

وأخبرني أبو العبّاس أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن مطرّف بمكَّة قال: قال لي أمير المؤمنين أبو يوسف: يا أَبَا الْعَبَّاس اشهد لي بين يدي اللَّه أنّي لا أقول بالعصمة، يعني عصمة ابن تومرت.

وقال لي، وقد استأذنته فِي فِعل: مَتَى نفتقر إِلَى وجود الْإِمَام؟ يا أَبَا العبّاس أَيْنَ الْإِمَام، أَيْنَ الْإِمَام؟

أخبرني أبو بَكْر بْن هانئ الجيّانيّ قال: لمّا رجع أمير المؤمنين من غزوته تلقّيناه، فسألني عن أحوال البلد وقُضاته ووُلاته، فلمّا فرغت من جوابه سألني: ما قرأتَ من العِلم؟ فقلت: قرأت تواليف الْإِمَام، أعني ابن تومرت، فنظر إليَّ نظرة المغضِب وقال: ما هكذا يقول الطّالب، إنّما حُكمك أنْ تقول: قرأتُ كتاب اللَّه، وقرأت شيئا من السُّنَّة، ثُمَّ بعد هَذَا قُلْ ما شئت [2] .

وقال تاج الدّين عَبْد السّلام بْن حَمُّوَيْه الصُّوفيّ: دخلت مَرّاكُش فِي أيّام السّيّد الْإِمَام أَبِي يوسف يعقوب، ولقد كَانَت الدّولة بسيادته مجمّلة، والمحاسنُ والفضائل فِي أيّامه مكمّلة، يقصده العُلماء لفضله، والأغنياء لعدله، والفقراء لبذْله، والغُزاة لكثرة جهاده، والصلحاء والعامَّة لتكثير سواده وزيادة إمداده، والزُّهّاد لإرادته وحُسْن اعتقاده. كما قال فِيهِ بعض الشّعراء:

أهْلٌ لأن يُسْعَى إليه ويُرْتجي

ويُزار من أقصى البلاد على الوجا

[1] المعجب 365، 366.

[2]

المعجب 369.

ص: 220

ملكٌ غدا بالمَكْرُمات مقلَّدًا

وموشَّحًا ومختما ومتوّجَا

عمرت مقامات الملوك بذِكرهِ

وتعطّرت منه الرّياح تأرُّجَا

وجد الوجود وقد دجا فأضاءه

ورآه في الكرب العظام ففرَّجا

ولمّا قدِمْتُ عليه أكرم مقدمي، وأعذب فِي مشارعه مَوْردي، وأنجح فِي حُسْن الإقبال والقبول مقصدي، وقرَّر لي الرُّتبة والرَّاتب، وعيَّن أوقات الدّخول إِلَى مجلسه بغير مانع ولا حاجب. وكانت أكثر مجالسة المرتبة بحضور العلماء والفُضَلاء، يفتتح فِي ذلك بقراءة القرآن، ثُمَّ يقرأ بين يديه قدر ورقتين أو ثلاث من الأحاديث النّبويَّة. وربّما وقع البحث فِي معانيها، ثُمَّ يختم المجلس بالدّعاء، فيدعو هُوَ. وكذا كان يدعو عند نزوله من الركوب.

ثُمَّ ينزل فيدخل قصره.

والّذي أعلمه مِن حاله أنّه كان يُجِيد حِفْظ القرآن، وكان يحفظ متون الأحاديث، ويتكلَّم فِي الفقه والأحكام كلاما بليغا، ويُنَاظر ويُباحث. وكان فُقهاء الوقت يرجعون إليه فِي الفتاوى والمُشكلات وله فتاوٍ مجموعة. وكانوا ينسبونه إِلَى مذهب الظّاهر والحُكم بالنّصوص.

وكان فصيح العبارة، مَهِيبًا، ملحوظ الإشارة، مع تمام الخِلْقة وحُسْن الصّورة وطلاقة البِشْر، لا يُرى منه اكفهرار، ولا له عن مجالِسِه إعراض ولا ازوِرار. يدخل عليه الدّاخل فيراه بزِيّ الزّهّاد والعلماء، وعليه جلالة الملوك.

وقد صنَّف كتاب «التّرغيب» فِي الأحاديث الّتي فِي العبادات، فَمَنْ فتاويه: حضانة الولد للأمّ ثُمَّ للأب ثُمَّ للجَّدة.

اليمين على المنكِر ولا ترد على المُدَّعي بحال، مَن نكل عن اليمين حُكِم عليه بما نُكِل عَنْهُ، الشُّفْعه لا تنقطع إلّا بتصريحٍ من الّذي يجب له إسقاطها، مَن ادَّعى العَدم وأشكل أمره، خُيِّر طالبه بين أن يخلى سبيلَه، وبين أن يحبسَه وينفق عليه.

وله شِعْر جيّد، وموشَّحات مشهورة.

ص: 221