الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شارة وشُهرة، فلمّا صار فِي المنزل أغلق الباب ووثب عليه فجعل فِي عنقه وَهَقًا، ومرت المريض خصيتيه، ولم يكن لهما معرفة بالقتل، فطالت المناوشة، وعلا ضجيجه، فتسامع النّاس، ودخلوا فخلّصوا الشَّيْخ. وبه رَمق، وقد وجبت خِصَاه، وكُسِرَت ثَنِيَّتاه، وحُمِل إِلَى منزله، وأُحضِر ذاك إِلَى الوالي فقال: ما حملك على هذا؟ قال: الجوع. فضربه ونفاه [1] .
خَبَرُ الزَّلْزَلَة
فِي سَحَر يوم الإثنين السّادس والعشرين من شعبان ارتاع النّاس، وهبّوا من مضاجعهم مدهوشين، وضجّوا إِلَى اللَّه تعالى، ولبثت مدَّة. وكانت حركتها كالغَرْبلة، أو كخفْق جناح الطّائر. وانقضت على ثلاث زحفات قويّة، مادت الأبنية، واصطفقت الأبواب، وتداعى من الأبنية الواهي والعالي. ثُمَّ تواترت الأخبار بحدوثها فِي هَذِهِ السّاعة فِي البلاد النّائية، فصحّ عندي أنّها تحرَّكت من قُوص إِلَى دِمياط والإسكندريّة، ثُمَّ بلاد السّاحل بأسرها، والشّام طولا وعرضا، وتعفّت بلادٌ كثيرة، وهلك من النّاس خلْق عظيم وأُمم لا تُحصى، ولا أعرف فِي الشّام أحسن سلامة منها من القدس. وأنكت فِي بلاد الفرنج أكثر. وسمعت أنّها وصلت إِلَى خلاط وإلى فارس. وأنّ البحر ارتطم وتشوّهت مناظرة، وصار قَرْنًا كالأطواد، وعادت المراكب على الأرض. ثُمَّ تراجعت المياه، وطفا سمكٌ كثير على سواحله.
ووردت كتب من الشّام بأمر الزّلزلة، واتّصل بي [2] كتابان أوردتُهما
[1] وانظر (خبر الغلاء بمصر) في: الكامل في التاريخ 12/ 170، وذيل الروضتين 19، وتاريخ الزمان 234، ومفرّج الكروب 3/ 127، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 477، 478، والتاريخ المنصوري 14، والمختصر 3/ 101، والدرّ المطلوب 149، والجامع المختصر 9/ 47، والعسجد المسبوك 265، ودول الإسلام 2/ 106، وتاريخ ابن الوردي 2/ 118، والبداية والنهاية 13/ 22، و 26، وتاريخ ابن الفرات 4 ق 2/ 207- 209، والمختار من تاريخ ابن الجزري 74، 75، والسلوك ج 1 ق 1/ 157، 158، والنجوم الزاهرة 6/ 173، وتاريخ ابن سباط 1/ 234، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 254.
[2]
الضمير هنا يعود إلى الموفّق عبد اللطيف البغدادي، وهو يروي هذا الخبر في كتابه: الإفادة
بلفظهما، يقول فِي أحدهما: زلزلةٌ كادت لها الأرض تسير سيرا، والجبال تَمُور مَوْرًا، وما ظنّ أحدٌ من الخلق إلّا أنّها زلزلة السّاعة، وأتت فِي الوقت على دفعتين، فأمّا الدّفعة الأولى فاستمرّت مقدار ساعةٍ أو تزيد عليها، وأمّا الثّانية فكانت دونها، ولكنْ أشدّ منها. وتأثّر منها بعض القلاع، فأوّلها قلعة حماه.
وَفِي الكتاب الآخر إنّها دامت بمقدار ما قرأ سورة «الكهف» ، وأنّ بانياس سقط بعضها، وصَفَد لم يَسْلَمْ بها إلّا ولد صاحبها لا غير، ونابلس لم يبق بها جدارٌ قائمٌ سوى حارة السّمرة، وكذلك أكثر حَوْران، غارت ولم يُعرف لدارٍ بها موضعٌ يُقَالُ فِيهِ هَذِهِ القرية الفلانية.
قلت: هَذَا كذِب وفُجُور من كاتب هَذِهِ المكاتبة أَمَا استحى من اللَّه تعالى! ثُمَّ قال فِيهِ: ويقال إنّ عِرْقة خُسِف بها، وكذلك صافيتا.
قال الموفّق [1] : وأخبرونا أنّ بالمقْس تلّا عظيما عليه رِمَمٌ كثيرة فأتيناه ورأيناه وحدسناه بعشرة آلاف فصاعدا، وهم على طبقاتٍ فِي قُرْب العهد وبعده، فرأينا من شكل العظام ومفاصلها وكيفيَّة اتّصالها وتناسُبها وأوضاعها ما أفادنا عِلمًا لا نستفيده من الكُتُب. ثُمَّ إنّنا دخلنا مصر، فرأينا فيها دروبا وأسواقا عظيمة كَانَتْ [2] مغتصَّة بالزّحام، والجميع خالٍ ليس فِيهِ إلّا عابر سبيل.
وخرجنا إِلَى سِكرِجَة فِرْعَون، فرأينا الأقطار كلّها مغتصَّة بالْجُثَث والرِّمَم، وقد غلبت على الآكام بحيث جلّلتها. ورأينا في هذه الأسكرجة، وهي عظيمة، الجماجم بيضاء وسوداء ودَكناء. وقد أخفى كثرتها وتراكمها
[ () ] والاعتبار، ونشر باسم «مختصر أخبار مصر» وقد نشره غاستون فييت، لندن، سنة 1800 م، وكتب المؤلّف كتابه في سنة 600 هـ.
[1]
هو عبد اللطيف البغدادي في كتابه: الإفادة والاعتبار.
[2]
في الأصل: «كان» .
سائرٌ العظام، حَتَّى كأنّها رءوس لم يكن معها أبدان، أو كَأنها بيدر بِطِّيخ.
قال أبو شامة [1] : وجاءت فِي شعبان سنة سبْعٍ زلزلة هائلة عمّت الدّنيا فِي ساعةٍ واحدةٍ، هدمت بنيان مصر، فمات تحت الهدْم خلْقٌ كثير، ثمّ امتدّت إِلَى الشّام، فهدمت مدينة نابلس، فلم يبق فيها جدار قائم إلّا حارة السّامرة. ومات تحت الهدم ثلاثون ألفا. وهُدِمت عكّا وصور، وجميع قلاع السّاحل.
قلت: هَذَا نقله الْإِمَام أبو شامة من «مرآة الزّمان» [2] ومصنّفه شمس الدّين يوسف رحمه الله كثير الحشْف والمجازفة، وإلّا مَن عنده ورع لم يُطْلق هَذِهِ العبارات على جميع الممالك. وقوله: فلم يبق منهما جدار قائم، مجازفة أيضا. وقوله: هُدِمت جميع قلاع السّاحل، فِيهِ بعض ما فِيهِ كما ترى، فلا تعتمد على تهويله.
قال أبو شامة [3] : ورّمَت بعضَ المنارة الشّرقيَّة بجامع دمشق، وأكثر الكلّاسة، والمارستان النُّوريّ، وعامَّة دُور دمشق إلّا القليل. وهرب النّاس إِلَى الميادين، وسقط من الجامع ستّ عشرة شُرْفة، وتشقَّقت قبَّة النَّسْر، وتهدّمت بانياس، وهونين، وتِبْنين. وخرج قومٌ من بَعْلَبَكّ يجمعون الرّيباس من جبل لُبنان، فالتقى عليهم الجبلان فماتوا، وتهدّمت قلعة بَعْلَبَكّ مع عِظَم حجارتها، وانفرق البحر، فصار أطوادا. وقذف بالمراكب إِلَى السّاحل فتكسّرت.
وأحصي من هلك فِي هَذِهِ السّنة فكان ألف ألف ومائة ألف إنسان.
ثمّ قال: نقلت ذلك من «تاريخ» أَبِي المظفّر سِبْط ابن الجوزيّ [4] .
[1] في ذيل الروضتين 20.
[2]
ج 8 ق 2/ 477.
[3]
في ذيل الروضتين 20.
[4]
انظر (خبر الزلزلة) في: الإفادة والاعتبار للبغدادي 270، وذيل الروضتين 20، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 477، والكامل في التاريخ 12/ 170، 171، والتاريخ المنصوري (طبعة