الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يطعمه، فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت إفطاره. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«سياحة أمّتي الصّيام» . أخرجه الطبراني عن أبي هريرة-رضي الله عنه-وهذا استدل به ابن عباس-رضي الله عنهما-لما ذكرته. وقال زيد بن أسلم-رحمه الله تعالى-: {سائِحاتٍ} مهاجرات، وتلا قوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [112]:{التّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ..} . إلخ ولعل هذا الرأي:
أرجح؛ لأنه يتفق مع المعنى اللغوي للسياحة، وهي السفر في الأرض للاعتبار.
{ثَيِّباتٍ:} جمع ثيب، وهي التي تزوجت، ثم بانت بوجه من الوجوه، وثابت. أي:
رجعت إلى بيت أبويها. {وَأَبْكاراً} أي: عذارى، جمع: بكر، والمعنى: منهن ثيبات، ومنهن أبكار، قال ابن كثير-رحمه الله تعالى-: قسمهن إلى نوعين، ليكون ذلك أشهى إلى النفس، وإنما دخلت واو العطف بين ثيبات، وأبكارا للتنويع، والتقسيم، ولو سقطت لاختل المعنى؛ لأن الثيوبة والبكارة لا يجتمعان في امرأة أبدا. فتدبر سر القرآن وبلاغته. هذا؛ وقيل: إن الواو واو الثمانية، وقد استوفيت الكلام على هذه الواو في الآية رقم [22] من سورة (الكهف)، فانظره هناك إن شئت تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
خاتمة:
روى البخاري عن أنس-رضي الله عنه-قال: قال عمر-رضي الله عنه: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن:{عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ} فنزلت هذه الآية. ولمسلم عن ابن عباس-رضي الله عنهما-نحوه. وفيه قال: دخلت عليه، فقلت: يا رسول الله! ما يشق عليك من شأن النساء؟ فإن طلقتهن، فإن الله معك، وملائكته، وجبريل، وميكائيل، وأنا، وأبو بكر، والمؤمنون معك، وقلما تكلمت-وأحمد الله-بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول، فنزلت:{وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ} وأيضا قوله تعالى: {عَسى رَبُّهُ..} . إلخ.
هذا؛ وقد ثبت: أن الله صدق قوله، وحقق طلبته في أربعة عشر موضعا في كتاب الله تعالى، منها: قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [125]: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} . ومنها:
الآية رقم [60] من سورة (النساء) حيث قتل المنافق؛ الذي لم يرض بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والآيات رقم [90] والتي بعدها من سورة (المائدة) حيث نزلت بتحريم الخمر موافقة لما كان يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم. والآيات رقم [67] وما بعدها من سورة (الأنفال) التي نزلت في شأن أسرى بدر موافقة لرأيه. والآية رقم [84] من سورة (التوبة) التي نزلت في شأن النهي عن الصلاة على المنافقين إذا ماتوا. والآية رقم [59] من سورة (الأحزاب) التي نزلت في الحجاب موافقة لطلبته. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما سلك عمر فجّا إلا وسلك الشّيطان فجّا غير فجّه» . وقد نزل جبريل عليه السلام بتسميته الفاروق يوم أعلن إسلامه في مكة، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب يوم العرض، والحساب، وخاب الذين يسبونه، ويفترون عليه المفتريات.
الإعراب: {عَسى:} فعل ماض جامد، مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {رَبُّهُ:}
اسم {عَسى} والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه.
{إِنْ:} حرف شرط جازم. {طَلَّقَكُنَّ:} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والفاعل يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والكاف مفعول به، والنون حرف دال على جماعة الإناث، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير جازم، وجواب الشرط محذوف، لدلالة ما قبله عليه، والجملة الشرطية معترضة بين اسم {عَسى} وخبرها، لا محل لها، واعترض بها اهتماما، ومبادرة إلى تخويفهن، والمصدر المؤول من:{أَنْ يُبْدِلَهُ} في محل نصب خبر {عَسى} ويجب تأويله باسم الفاعل؛ لأن المصدر لا يخبر به عن الجثة، {أَزْواجاً:} مفعول به ثان. والمفعول الأول الضمير. {خَيْراً:} صفة {أَزْواجاً،} وجملة: {عَسى..} . إلخ مستأنفة لا محل لها. {مِنْكُنَّ:} جار ومجرور متعلقان ب: {خَيْراً،} والنون حرف دال على جماعة الإناث.
{مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ:} صفات متعددة ل: {أَزْواجاً} . هذا؛ وقال الجمل: إما نعت، وإما حال، أو منصوب على الاختصاص. والمعتمد ما قدمته، وهو النعت.
الشرح: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} هذا نداء من الله تعالى للمؤمنين بأكرم وصف، وألطف عبارة، أي: يا من صدقتم بالله ورسوله، وتحليتم بالإيمان؛ الذي هو زينة الإنسان. {قُوا أَنْفُسَكُمْ:} احفظوها. {وَأَهْلِيكُمْ} أي: مروهم بالخير، وانهوهم عن الشر، وعلموهم، وأدبوهم.
ويدخل تحت الأهل: الزوجة، والأولاد، والإخوة إن كانوا صغارا، وكل من له عليه الإنسان القوامة، وسلطة الأمر والنهي، قال تعالى في سورة (طه) رقم [132]:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها} قال الكيا: فعلينا تعليم أولادنا، وأهلينا الدين، والخير. انتهى.
أقول: كيف لا؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «كلّكم راع، ومسؤول عن رعيّته، الإمام راع، ومسؤول عن رعيّته، والرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيّته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيّتها، والخادم راع في مال سيّده، ومسؤول عن رعيّته. كلكم راع ومسؤول عن رعيّته» . رواه البخاري، ومسلم عن ابن عمر-رضي الله عنهما. وعن الحسن بن علي-رضي الله عنهما-عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنّ الله سائل كلّ راع عمّا استرعاه: حفظ، أم ضيّع؛ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته» . رواه ابن حبان في صحيحه.
وعن جابر بن سمرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يؤدّب الرجل ولده خير له من أن يتصدّق بصاع» رواه الترمذي، وعن أيوب بن موسى عن أبيه، عن جده: أن رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما نحل والد والدا من نحل أفضل من أدب حسن» . رواه الترمذي أيضا، وروى ابن ماجه عن ابن عباس-رضي الله عنهما-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أكرموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم» .
وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده-رضي الله عنه-عن النبي:«مروا أبناءكم بالصّلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع» . خرجه جماعة من أهل الحديث.
وخذ قول الشاعر الحكيم: [البسيط]
عوّد بنيك على الآداب في الصّغر
…
كيما تقرّ بهم عيناك في الكبر
فإنّما مثل الآداب تجمعها
…
في عنفوان الصّبا كالنقش في الحجر
هذا؛ و {قُوا} أمر من الوقاية، فوزنه:«عوا» ؛ لأن الفاء حذفت لوقوعها في المضارع بين ياء وكسرة، وكذلك حذفت لامه لبناء الأمر من المعتل الآخر، فبقي الأمر حرفا واحدا، وهو (ق). وهذا يجري في كل فعل لفيف مفروق، مثل: وعى، يعي، ع، ووفى، يفي، ف، وولي، يلي، ل، ووطي، يطي، ط، لذا فالأحسن إلحاق هاء السكت لفعل الأمر المأخوذ من اللفيف المفروق، حتى لا يبقى الفعل حرفا واحدا، فيقال: قه، وعه، وفه
…
إلخ.
{وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ:} بفتح الواو، أي: ما توقد به النار، وأما بضمها؛ فهو المصدر، وكذلك الاسم منه، وبعضهم قال: كلّ من الفتح والضم يجري في الآلة، والمصدر، وكذا يقال في الوضوء، والسحور، والطهور، ونحو ذلك، ولكن المشهور الأول، والمراد في الآلة: ما توقد به، والمراد بالمصدر: الفعل، والحدث، ويقرأ بفتح الواو، وضمها، والمراد بالحجارة:
الأصنام التي عبدوها في الدنيا، وأملوا نفعها، وشفاعتها. قال تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [98] مخاطبا الكافرين في الدنيا:{إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ} وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنها حجارة الكبريت، فهي أشد توقدا، وأبطأ خمودا، وأنتن ريحا، وألصق بالبدن، والحجارة جمع: حجر، كجمالة جمع: جمل، وهو قليل غير منقاس.
{عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ:} المراد بهم: خزنة جهنم، وهم الزبانية، حبّب إليهم عذاب الخلق، كما حبّب لبني آدم أكل الطعام، والشراب، يدفع الواحد منهم بالدفعة الواحدة سبعين ألفا في النار، لم يخلق الله الرحمة فيهم. {لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ} أي: لا يخالفونه في أمره، ولا في نهيه. {وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ} أي: في وقته، فلا يؤخرونه ولا يقدمونه، فلا تأخذهم رأفة في تنفيذ أوامره، والانتقام من أعدائه. وقيل: لذتهم في امتثال أمر الله، كما أنّ سرور أهل الجنة في أن يكونوا في الجنة. وخذ ما يلي:
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ} فقال: «أوقد عليها ألف عام؛ حتى احمرّت، وألف عام؛ حتّى ابيضّت، وألف عام؛
حتى اسودّت، فهي سوداء مظلمة، لا يضيء لهبها» رواه الترمذي، وابن ماجه، والبيهقي. هذا؛ ورفع:«ألف» على أنه نائب فاعل، وإن نصبته على الظرفية، فالجار والمجرور:«عليها» في محل رفع نائب فاعل: «أوقد» . وعن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي-رضي الله عنه-قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ في النار حيّات كأمثال أعناق البخت، تلسع إحداهنّ اللسعة، فيجد حرّها سبعين خريفا، وإن في النار عقارب كأمثال البغال الموكفة، تلسع إحداهنّ اللسعة، فيجد حموتها أربعين سنة» . رواه أحمد، والطبراني. هذا؛ وانظر (أمر) في الآية رقم [32] من سورة (الطور).
الإعراب: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ:} انظر الآية رقم [1]. {آمَنُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {قُوا:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية كالجملة الندائية قبلها.
{أَنْفُسَكُمْ:} مفعول به، والكاف في محل جر بالإضافة. {وَأَهْلِيكُمْ:} الواو: حرف عطف.
(أهليكم): معطوف على ما قبله منصوب مثله، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وحذفت النون للإضافة، والكاف في محل جر بالإضافة. {ناراً:} مفعول به ثان، أو هو منصوب بنزع الخافض، التقدير: من نار. {وَقُودُهَا:} مبتدأ، و (ها) في محل جر بالإضافة. {النّاسُ:} خبره. والجملة الاسمية في محل نصب صفة {ناراً} . {وَالْحِجارَةُ:}
الواو: حرف عطف. (الحجارة): معطوف على ما قبله.
{عَلَيْها:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {مَلائِكَةٌ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل نصب صفة ثانية ل:{ناراً،} أو هي في محل نصب حال منها بعد وصفها بما تقدم. {غِلاظٌ شِدادٌ:} صفتان ل: {مَلائِكَةٌ،} وجملة: {لا يَعْصُونَ اللهَ} صالحة للوصفية، والحالية من {مَلائِكَةٌ} كالتي قبلها. {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب بدلا من لفظ الجلالة، بدل اشتمال. قاله الجلال، ووافقه الجمل عليه، التقدير:
لا يعصون أمر الله، وأرى صحة اعتبارها في محل نصب بنزع الخافض، التقدير: لا يعصون الله فيما
…
إلخ، وهو ما أفاده تقدير الزمخشري، والنسفي. {أَمَرَهُمْ:} فعل ماض، وفاعله يعود إلى {اللهَ،} والهاء مفعول به، والجملة الفعلية صلة {ما} أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: يفعلون الذي، أو شيئا أمرهم الله به، وإن اعتبرت {ما} مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر، التقدير: أمره، وهو يرجح البدلية؛ فهو جيد، ولا بأس به، بل هو أولى، والمعنى عليه أولى. هذا؛ وقال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: أليست الجملتان في معنى واحد؟ قلت: لا، فإن معنى الأولى: أنهم يتقبلون أوامره، ويلتزمونها، ولا يأبونها، ولا
ينكرونها. ومعنى الثانية: أنهم يؤدون ما يؤمرون به، ولا يتثاقلون عنه، ولا يتوانون فيه، وجملة:
{وَيَفْعَلُونَ..} . إلخ: معطوفة على ما قبلها على الوجهين المعتبرين فيها، و {ما} تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مفعول به، ولا تحتمل المصدرية، والجملة بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: ويفعلون الذي، أو شيئا يؤمرونه، أو يؤمرون به.
تأمل، وتدبر، وربك أعلم.
الشرح: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} أي: يقال لهم: لا تعتذروا اليوم. وذلك حين يعاينون النار، وشدتها؛ لأن الله-عز وجل-قد قدم إليهم الإنذار، والإعذار في الدنيا، فلا ينفعهم الاعتذار في الآخرة؛ لأنه غير مقبول بعد دخول النار، وقد فات زمان الاعتذار، وصار الأمر إلى ما صار، والآية كقوله تعالى في سورة (الروم) رقم [57]:{فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} . وقال تعالى في سورة (المرسلات) رقم [36]: {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} .
{إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: إنما تنالون جزاء أعمالكم القبيحة، ولا تظلمون شيئا، وهذه الجملة مذكورة في كثير من الآيات، ويجمع فحواها كلها قوله تعالى في سورة (غافر) رقم [17]:
{الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ} .
الإعراب: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا:} إعراب هذه الجملة مثل إعراب ما قبلها بلا فارق بينهما.
{لا تَعْتَذِرُوا:} فعل مضارع مجزوم ب: {لا} الناهية، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق. {الْيَوْمَ:} ظرف زمان متعلق بما قبله.
{إِنَّما:} كافة ومكفوفة. {تُجْزَوْنَ:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو نائب فاعله، وهو المفعول الأول. {إِنَّما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة، أو مصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل نصب مفعول به ثان. {كُنْتُمْ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه، وجملة:{تَعْمَلُونَ:} في محل نصب خبر (كان)، والجملة الفعلية صلة (ما)، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: تجزون الذي، أو شيئا كنتم تعملونه، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر في محل نصب مفعول به ثان، التقدير: تجزون عملكم، وفيه ضعف لا يخفى، وعلى جميع الاعتبارات؛ فالكلام على تقدير مضاف محذوف، التقدير: جزاء الذي، أو جزاء عملكم، والجملة الفعلية:{إِنَّما..} . إلخ تعليل للنهي، لا محل لها، والآية بكاملها في محل نصب مقول القول لقول محذوف، التقدير:
يقال لهم عند إدخالهم الملائكة النار: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا..} . إلخ.
الشرح: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} انظر الآية رقم [6]. {تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} أي: ذات نصح، تنصح صاحبها بترك العود إلى الذنب الذي تاب منه. قال عمر بن الخطاب، وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل-رضي الله عنهم: التوبة النصوح: أن يتوب، ثم لا يعود إلى الذنب، كما لا يعود اللبن إلى الضرع. وقال محمد بن كعب القرظي: التوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء:
الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيّئ الإخوان.
وقال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب على الفور، ولا يجوز تأخيرها سواء أكانت المعصية صغيرة، أو كبيرة؟ فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى، لا تتعلق بحق آدمي؛ فلها ثلاثة شروط: أحدها: أن يقلع عن المعصية، والثاني: أن يندم على فعلها، والثالث: أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدا، فإذا اجتمعت هذه الشروط في التوبة؛ كانت نصوحا، وإن فقد شرط منها؛ لم تصح توبته. فإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي؛ فشروطها أربعة، هذه الثلاثة المتقدمة، والرابع: أن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت المعصية مالا، ونحوه؛ ردّه إلى صاحبه، وإن كان حدّ قذف، أو نحوه؛ مكنه من نفسه، أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة؛ استحله منها. ويجب أن يتوب العبد من جميع الذنوب فإن تاب من بعضها صحت توبته من ذلك الذنب، وبقي عليه ما لم يتب منه، هذا مذهب أهل السنة، وقد تظاهرت دلائل الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة على وجوب التوبة. انتهى. خازن. هذا؛ ولم يؤنث (نصوح)؛ لأنه صيغة مبالغة مثل: امرأة صبور، وجارية شكور، والمعنى بالغة في النصح. وخذ ما يلي:
عن الأغر بن يسار-رضي الله عنه-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب إليه في اليوم مئة مرّة» . أخرجه مسلم، وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إنّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة» . أخرجه البخاري، وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم سقط على بعيره، وقد أضلّه بأرض فلاة» . رواه البخاري، ومسلم.
وعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله عز وجل يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل؛ حتى تطلع الشمس من
مغربها». أخرجه مسلم والنسائي. وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» . رواه ابن ماجه، والترمذي. هذا؛ وقد بين الله تبارك وتعالى في سورة (النساء) رقم [17] و [18] أن التوبة المقبولة هي أن المسلم يفعل الذنب بجهالة، ثم يتوب من قريب، وليست التوبة للذين يعملون المعاصي، والسيئات، ثم إذا حضر أحدهم الموت؛ قال: إني تبت الآن، ولا الذين يموتون وهم كفار، انظر شرح الآيتين في محلهما.
{عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ:} {عَسى} في حق الله تفيد تحقيق الوقوع، وتأكيده، وليست على بابها من الرجاء. وتكفير السيئات: محوها. هذا؛ وإذا كانت: لعل، وعسى، وسوف في مواعيد الملوك البشرية كالجزم بها، وإنما يطلقونها إظهارا لوقارهم، وإشعارا بأن الرمز منهم كالتصريح من غيرهم، فوعد الله، ووعيده أولى، وآكد من مواعيد جميع ملوك الأرض. {وَيُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ:} انظر الآية رقم [11] من سورة (الطلاق).
{يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} أي: لا يعذبهم، بل يكرمهم، ويعزهم، ويرفع شأنهم يوم القيامة. وفيه تعريض بأهل الكفر، والنفاق بأن الله يعذبهم، ويخزيهم في ذلك اليوم العظيم.
{نُورُهُمْ يَسْعى:} لا أرى حاجة إلى المزيد عما ذكرته في الآية رقم [12] من سورة (الحديد) ففيها الغذاء الكافي، والدواء الشافي لقلبك. والله الموفق إلى الصواب، وإليه المرجع والمآب.
الإعراب: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ:} انظر الآية رقم [6]. {تَوْبَةً:} مفعول مطلق.
{نَصُوحاً:} صفة {تَوْبَةً} إما على المبالغة على أنها نفس المصدر، أو على حذف مضاف، التقدير: توبة ذات نصح. هذا؛ وأجيز اعتباره مفعولا لأجله، أي: لأجل النصح العائد نفعه عليكم. كما أجيز اعتباره مفعولا مطلقا مؤكدا لفعل محذوف، التقدير: تنصحهم نصحا. وعلى كل فهو من الإسناد المجازي، والكلام مبتدأ، أو مستأنف لا محل له. {عَسى:} فعل ماض جامد مبني على الفتح المقدر على الألف. {رَبُّكُمْ:} اسم {عَسى،} والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والمصدر المؤول من:{أَنْ يُكَفِّرَ} في محل نصب خبر {عَسى،} ويجب تحويله إلى اسم فاعل، فيكون المعنى عسى ربكم مكفرا، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {عَنْكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما.
{سَيِّئاتِكُمْ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، والكاف في محل جر بالإضافة. {وَيُدْخِلَكُمْ:} الواو: حرف عطف. (يدخلكم):
معطوف على ما قبله منصوب مثله، والفاعل يعود إلى {رَبُّكُمْ،} والكاف مفعول به أول.
{جَنّاتٍ:} مفعول به ثان منصوب مثله
…
إلخ. {تَجْرِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل. {مِنْ تَحْتِهَا:} متعلقان بما قبلهما، وها: في محل جر بالإضافة.
{الْأَنْهارُ:} فاعل {تَجْرِي،} والجملة الفعلية في محل نصب صفة {جَنّاتٍ} .
{يَوْمَ:} ظرف زمان متعلق بالفعل (يدخل)، أو هو متعلق بفعل محذوف، أو هو مفعول به لهذا المحذوف، وهو: اذكر. {لا:} نافية. {يُخْزِي:} فعل مضارع. {اللهِ:} فاعله.
{النَّبِيَّ:} مفعوله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {يَوْمَ} إليها. {وَالَّذِينَ:} (الواو):
حرف عطف. (الذين): اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب معطوف على {النَّبِيَّ،} أو هو في محل رفع مبتدأ. وجملة: {آمَنُوا} صلة الموصول، لا محل لها.
{مَعَهُ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، والهاء في محل جر بالإضافة. {نُورُهُمْ:} مبتدأ، والهاء في محل جر بالإضافة. {يَسْعى:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى {نُورُهُمْ،} والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب حال من {وَالَّذِينَ آمَنُوا} والرابط: الضمير فقط، وأجيز اعتبارها مستأنفة. وهذان الوجهان على اعتبار الموصول معطوفا على {النَّبِيَّ،} وأما على اعتباره مبتدأ؛ فالجملة الاسمية في محل رفع خبره، وعليه: فالجملة الاسمية: {وَالَّذِينَ..} . إلخ مستأنفة لا محل لها.
{بَيْنَ:} ظرف مكان متعلق بما قبله، و {بَيْنَ} مضاف، و {أَيْدِيهِمْ:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء. (بأيمانهم): جار ومجرور معطوفان على الظرف، والهاء فيهما في محل جر بالإضافة. {يَقُولُونَ:} فعل مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من الضمائر العائدة على الموصول، والرابط: الضمير فقط، أو هي مستأنفة لا محل لها. {رَبَّنا:} منادى حذف منه أداة النداء، و (نا): في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله. وفاعله مستتر فيه. {أَتْمِمْ:} فعل دعاء، وفاعله مستتر فيه تقديره:«أنت» . {لَنا:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {نُورَنا:} مفعول به، و (نا): في محل جر بالإضافة، والكلام في محل نصب مقول القول. {وَاغْفِرْ لَنا:} معطوف على ما قبله. {إِنَّكَ:} حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمه. {عَلى كُلِّ:} متعلقان ب: {قَدِيرٌ} بعدهما، و (كل) مضاف، و {شَيْءٍ} مضاف إليه. {قَدِيرٌ:} خبر (إنّ)، والجملة الاسمية مفيدة للتعليل لا محل لها.
الشرح: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ:} هذا النداء موجه للنبي صلى الله عليه وسلم، وتدخل فيه أمته من بعده إلى يوم القيامة. {جاهِدِ الْكُفّارَ:} بالسيف، وفي كل زمان، ومكان بما يكون آلة للحرب، والقتال، والطعن، والنزال، حيث لم يبق للسيف في هذه الأيام تأثير، كما هو معروف. {وَالْمُنافِقِينَ} أي:
وجاهد المنافقين بإقامة الحجة عليهم، وزجرهم، وإقامة الحدود عليهم، واكفهرار الوجه لهم.
{وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} أي: شدد عليهم ما ذكر حتى ترهبهم، وتدخل الرعب في قلوبهم. {وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ:} مقرهم، ومآلهم بعد الموت جهنم يصلونها {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} والمقر، والمآل هي.
الإعراب: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ:} انظر الآية رقم [1]. {جاهِدِ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:
«أنت» ، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية كالجملة الندائية قبلها. {الْكُفّارَ:} مفعول به. {وَالْمُنافِقِينَ:} الواو: حرف عطف. (المنافقين): معطوف على ما قبله منصوب مثله.
{وَاغْلُظْ:} فعل أمر، وفاعله تقديره:«أنت» ، والجملة معطوفة على ما قبلها. {عَلَيْهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {وَمَأْواهُمْ:} مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر. {جَهَنَّمُ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب حال من {الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ} والرابط: الواو، والضمير. {وَبِئْسَ:} الواو: حرف استئناف. (بئس المصير): فعل وفاعل، والمخصوص بالذم محذوف، التقدير: المذمومة جهنم، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها من الإعراب. هذا؛ والآية مذكورة بحروفها في سورة (التوبة) رقم [73].
الشرح: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً..} . إلخ: أي: بين الله، وقرر. وضرب المثل في أمثال هذه المواضع عبارة عن إيراد حالة غريبة، ليعرف بها حالة أخرى مشاكلة لها في الغرابة. وما أكثر الأمثال التي ضربها الله في قرآنه؛ ليعتبر الناس فيها، ويتعظوا.
{اِمْرَأَتَ نُوحٍ:} اسمها: والهة، واسم امرأة لوط: والعة؛ قاله مقاتل. وقال الضحاك: عن عائشة-رضي الله عنها: إن جبريل-عليه الصلاة والسلام-نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره أن اسم امرأة نوح: واعلة، واسم امرأة لوط: والهة. وقيل: اسمها واهلة. وقيل: والعة. {كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ} أي: عند نبيين رسولين، لهما عليهما سلطة، وقوامة ليلا، ونهارا، يؤاكلانهما، ويضاجعانهما، ويعاشرانهما أشد العشرة، والاختلاط. والإضافة إضافة تشريف، وتفخيم، وتعظيم. هذا؛ وقد وصف الرسولين ب:{صالِحَيْنِ؛} لأن الصلاح درجة عالية، ومنزلة سامية، ومكانة رفيعة. انظر ما ذكرته في سورة (المنافقون) رقم [10] فإنه جيد.
{فَخانَتاهُما:} لم يرد بالخيانة خيانة العرض، والشرف، فهذا يستحيل في حق الأنبياء، وإنما كانت الخيانة في الدين، أي: كانتا كافرتين؛ لأن الزنى مستقبح عند جميع الناس، ولا
تقره العقول السليمة، وأما الكفر؛ فيستحسنه مئات الملايين من الناس، بل؛ ويدافعون عنه، ويحاجون بأنهم على الحق. قال ابن عباس-رضي الله عنهما: ما بغت امرأة نبي قط، وإنما كانت خيانتهما: أنهما كانتا على غير دينهما، وكانت امرأة نوح تقول للناس: إنه مجنون، وإذا آمن به أحد؛ أخبرت به الجبابرة من قومها، وأما امرأة لوط؛ فإنها كانت تدل قومها على أضيافه؛ إذا نزل به الضيف في الليل أوقدت النار، وإذا نزل به الضيف في النهار؛ دخّنت؛ لتعلم قومها بذلك. وقيل: إنهما أسرتا النفاق، وأظهرتا الإيمان.
{فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً} أي: لم يدفعا عن امرأتيهما مع نبوتهما، ومكانتهما عند الله عذاب الله. {وَقِيلَ ادْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ} التعبير بالماضي عن المستقبل إنما هو لتحقق الوقوع، وقد ذكرته فيما مضى مرارا، وتكرارا. هذا؛ وانظر قصة نوح، ولوط-على نبينا، وحبيبنا، وعليهما ألف صلاة، وألف سلام-في كثير من السور.
قال الخازن-رحمه الله تعالى-: وهذا مثل ضربه الله تعالى للصالحين، والصالحات من النساء، وأنه لا ينفع العاصي طاعة غيره، ولا تضر المطيع معصية غيره، وإن كانت القرابة متصلة بينهم، وأن القريب كالأجانب، بل أبعد؛ وإن كان القريب الذي يتصل به الكافر نبيا، كامرأة نوح، وامرأة لوط لما خانتاهما؛ لم يغن هذان الرسولان عن امرأتيهما شيئا. فقطع بهذه الآية طمع من يرتكب المعصية، ويتكل على صلاح غيره. وفي هذا المثل تعريض بأمّي المؤمنين: عائشة وحفصة، وما فرط منهما، وتحذير لهما على أغلظ وجه، وأشده. ثم ضرب الله مثلا آخر، يتضمن: أن معصية الغير لا تضره إذا كان مطيعا، وإن وصلة المسلم بالكافر لا تضر المؤمن. انتهى.
هذا؛ وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: (ويقال): إن كفار مكة استهزؤوا، وقالوا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم يشفع لنا، فبين الله تعالى: أن شفاعته لا تنفع كفار مكة، وإن كانوا أقرباء، كما لا تنفع شفاعة نوح لامرأته، وشفاعة لوط لامرأته مع قربهما لهما؛ لكفرهما. انتهى. وأرى أنه لا وجه لقوله؛ لأن السورة مدنية.
الإعراب: {ضَرَبَ اللهُ:} ماض، وفاعله. {مَثَلاً:} مفعول به. {لِلَّذِينَ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف صفة {مَثَلاً،} وجملة: {كَفَرُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {اِمْرَأَتَ:} بدل من {مَثَلاً} . وقيل: {مَثَلاً} مفعول ثان تقدم على الأول، وهو {اِمْرَأَتَ} ورجح هذا مكي، وضعف الأول. هذا؛ واعتمدت الأول في سورة (النحل) وغيرها، و {اِمْرَأَتَ} مضاف، و {نُوحٍ:} مضاف إليه. {وَامْرَأَتَ لُوطٍ:}
معطوف على ما قبله. {كانَتا:} فعل ماض ناقص، والتاء للتأنيث، وحركت بالفتح لالتقائها ساكنة مع ألف الاثنين التي هي اسم (كان). {تَحْتَ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر كان، و {تَحْتَ} مضاف، و {عَبْدَيْنِ:} مضاف إليه. {مِنْ عِبادِنا:} متعلقان بمحذوف صفة {عَبْدَيْنِ}
و (نا) في محل جر بالإضافة. {صالِحَيْنِ:} صفة {عَبْدَيْنِ،} مجرور مثله، وعلامة الجر فيها الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنهما مثنى، والنون فيهما عوض من التنوين في الاسم المفرد، وجملة:
{كانَتا..} . إلخ مستأنفة لا محل لها، وإن اعتبرتها في محل نصب حال من:«المرأتين» ؛ فلست مفندا، ويكون الرابط ألف الاثنين، وهي على تقدير:«قد» قبلها.
{فَخانَتاهُما:} (الفاء): حرف عطف. (خانتاهما): فعل، وفاعل، ومفعول به، والتاء للتأنيث، والميم والألف حرفان دالان على التثنية، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها على الوجهين المعتبرين فيها. {فَلَمْ:} (الفاء): حرف عطف. (لم): حرف نفي، وقلب، وجزم.
{يُغْنِيا:} فعل مضارع مجزوم ب: (لم)، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والألف فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {عَنْهُما:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والميم والألف حرفان دالان على التثنية. {مِنَ اللهِ:} متعلقان بما قبلهما، وتعليقهما بمحذوف حال من {شَيْئاً} لا بأس به. {شَيْئاً:} مفعول به، أو هو نائب مفعول مطلق.
{وَقِيلَ:} (الواو): حرف عطف. (قيل): فعل ماض مبني للمجهول. {اُدْخُلا:} فعل أمر مبني على حذف النون، والألف فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع نائب فاعل:{وَقِيلَ،} وانظر ما ذكرته في الآية رقم [5] من سورة (المنافقون) ففيها فضل بيان. {النّارَ:} مفعول به.
{مَعَ:} ظرف مكان متعلق بما قبله، وهو مضاف، و {الدّاخِلِينَ:} مضاف إليه، وجملة:
{وَقِيلَ..} . الخ معطوفة على ما قبلها.
الشرح: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ:} حيث آمنت بالله ربا، وبموسى نبيا، وذلك لمّا غلب السحرة، وتبيّن لها أنها على الحق، ولم تضرها الوصلة بالكافر فرعون، وهي الزوجية، التي هي من أعظم الوصل، ولا نفعه إيمانها:{كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ} وأبدلها الله عن هذه الزوجية أن جعلها في الآخرة زوجة خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا زوّجه الله تعالى في الجنة مريم بنت عمران عليهاالسّلام. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة-رضي الله عنها، وهي في الموت، فقال لها:«يا خديجة إذا لقيت ضرّاتك؛ فأقرئيهنّ مني السّلام» . فقالت:
يا رسول الله! وهل تزوّجت قبلي؟! قال: «لا، ولكنّ الله زوجني مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وكلثوم أخت موسى» . فقالت له: يا رسول الله بالرّفاء والبنين.
وروى الشيخان عن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة
بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون». انتهى جمل نقلا عن الخطيب، والمحفوظ من تتمة الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» .
{إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ:} وذلك لما تبين لفرعون الخبيث إيمانها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد، وألقاها في الشمس، فكانت تعذب في الشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة، فلما سألت بيتا في الجنة كشف الله لها عن بيتها الذي أعده لها. وقيل: إن فرعون الخبيث أمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها. فلما أتوها بالصخرة، {قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} فأبصرت بيتها في الجنة من درة بيضاء، وانتزعت روحها، فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه، ولم تجد ألما.
هذا؛ وقال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: ما معنى الجمع بين {عِنْدَكَ} و {فِي الْجَنَّةِ} قلت: طلبت القرب من رحمة الله، والبعد من عذاب أعدائه، ثم بينت مكان القرب بقولها:{فِي الْجَنَّةِ،} أو أرادت ارتفاع الدرجة في الجنة، وأن تكون جنتها من الجنان التي هي أقرب إلى العرش، وهي جنات المأوى، فعبرت عن القرب إلى العرش بقولها:{عِنْدَكَ} .
انتهى. هذا؛ وقال بعض العلماء: ما أحسن هذا الكلام! فقد اختارت الجار قبل الدار، حيث قالت:{اِبْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} فهي تطمع في جوار الله قبل طمعها في القصور.
{وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ:} من كفره، وظلمه، وعذابه. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما:
يعني: من جماعه. والمشهور: أن الله حماها منه، وحجبها عنه، فلم يستطع الدخول بها لذا بقيت بكرا حتى توفيت مثل مريم، وكلثوم أخت موسى. هذا؛ وآسية عليهاالسّلام من بني إسرائيل، قيل: إنها عمة موسى. وقيل: بنت عمه، أخذها فرعون قهرا من أهلها، فحماها الله منه، ولكنه أمسكها عنده يتصبب بشبابها، وجمالها. ولله في خلقه شؤون خفيت عن أكثر الخلق.
{وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ:} من القبط كلهم، فإنهم ظالمون. وفيه دليل على أن الاستعاذة بالله، والالتجاء إليه، ومسألة الخلاص منه عند المحن والنوازل من سير الصالحين، وسنن الأنبياء والمرسلين، فموسى عليه السلام قد حكى القرآن قوله في سورة (الشعراء) رقم [118]:
{فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ،} وموسى وقومه سألوا الله النجاة من القوم الظالمين الكافرين، وقد حكى القرآن قولهم في سورة (يونس) رقم [85] و [86]:{فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} .
الإعراب: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ:} إعراب هذا الكلام مثل إعراب ما قبله بلا فارق. {إِذْ:} ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بقوله {مَثَلاً} . {قالَتْ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل يعود إلى {اِمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ}. {ضَرَبَ:}
منادى حذف منه أداة النداء منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم
المحذوفة، وانظر:{يا قَوْمِ} في الآية رقم [5] من سورة (الصف). {اِبْنِ:} فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل ضمير مستتر تقديره:«أنت» . {لِي:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {عِنْدَكَ:} ظرف مكان متعلق بما قبله، أو هو متعلق بمحذوف حال من:{بَيْتاً} كان صفة له، والكاف في محل جر بالإضافة.
{بَيْتاً:} مفعول به، {فِي الْجَنَّةِ:} متعلقان بمحذوف صفة {بَيْتاً،} وقيل: عطف بيان، أو بدل من قوله:{عِنْدَكَ} والقولان ضعيفان. والكلام كله في محل نصب مقول القول، وجملة:
{قالَتْ..} . إلخ في محل جر بإضافة (إذ) إليها. {وَنَجِّنِي:} (الواو): حرف عطف. (نجني): فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء
…
إلخ، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» ، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول مثلها. {مِنْ فِرْعَوْنَ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والعجمة. {وَعَمَلِهِ:} معطوف على فرعون، والهاء في محل جر بالإضافة. {وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ} هذه الجملة معطوفة على ما قبلها.
وإعرابها مثلها بلا فارق.
الشرح: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ} أي: ومريم ابنة عمران مثل آخر في الإيمان. {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها} أي: حفظت فرجها، وصانته عن مقارنة الفواحش، بل ولم يقربها رجل لا بنكاح، ولا بسفاح، فهي عفيفة شريفة طاهرة، لا كما يزعم اليهود-عليهم لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين-: أنها زنت، وأن ولدها عيسى ابن زنى. {فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا} أي: فنفخ جبريل عليه السلام في فتحة جيبها، فوصل أثر ذلك إلى فرجها، فحملت بعيسى، على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.
قال ابن كثير: إن الله بعث جبريل، فتمثل لها في صورة بشر، وأمره أن ينفخ بفيه في جيب درعها، فنزلت تلك النفخة، فولجت في فرجها، فكان منه الحمل بعيسى عليه السلام، وانظر ما ذكرته في سورة (الأنبياء) رقم [91] عن السهيلي، وتفصيل ذلك في سورة (مريم) عليهاالسّلام.
{وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها:} يعني الشرائع التي شرعها الله لعباده بكلماته المنزلة على أنبيائه.
{وَكُتُبِهِ} يعني: الكتب المنزلة على إبراهيم، وموسى، وداود، وعيسى، على نبينا، وعليهم جميعا ألف صلاة، وألف سلام {وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ:} قال النسفي: لما كان القنوت صفة تشمل من قنت من القبيلين؛ غلب ذكوره على إناثه، و {مِنْ} للتبعيض، ويجوز أن تكون للابتداء على أنها ولدت من القانتين؛ لأنها من أعقاب هارون أخي موسى، عليهما السلام. انتهى.
فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون» أخرجه الترمذي، وقال: حديث صحيح.
وذكر الحافظ ابن عساكر عن ابن عمر-رضي الله عنهما-قال: جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرت خديجة-رضي الله عنها-فقال جبريل: إنّ الله يقرئها السّلام، ويبشّرها ببيت في الجنة من قصب، بعيد من اللهب، لا نصب فيه، ولا صخب، من لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران، وبيت آسية بنت مزاحم. انتهى. والمحفوظ: أنها قالت حينما أعلمها الرسول بذلك:
هو السّلام، ومنه السّلام وإليه يعود السّلام، فلم تقل: وعليه السّلام؛ لأنه لا يجوز للعبد أن يقول:
وعلى الله السّلام. وهذا من كمال عقلها، وفهمها، وذكائها-رضي الله عنها وأرضاها-.
هذا؛ و «مريم» بالعبرية بمعنى: الخادم، ثم سمي به كثير من النساء، و «مريم» في لسان العرب هي التي تكره مخالطة الرجال. ولم تذكر امرأة باسمها صريحا في القرآن الكريم إلا «مريم» وقد ذكرت فيه في ثلاثين موضعا. هذا؛ وفي القاموس المحيط:«المريم» هي التي تحب مخالطة الرجال، ولا تفجر، وهذا يناقض ما قبله. قال الشاعر:[الطويل]
وزائرة ليلا كما لاح بارق
…
تضوّع منها للكساء عبير
فقلت لها أهلا وسهلا أمريم؟
…
فقالت نعم من أنت؟ قلت لها زير
الإعراب: {وَمَرْيَمَ:} الواو: حرف عطف. (مريم): معطوف على {اِمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} منصوب مثله. {اِبْنَتَ:} صفة (مريم)، أو بدل منها، و {اِبْنَتَ:} مضاف، و {عِمْرانَ:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف لزيادة الألف والنون.
{الَّتِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل صفة (مريم). {أَحْصَنَتْ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل يعود إلى (مريم)، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها.
{فَرْجَها:} مفعول به، و (ها): في محل جر بالإضافة. {فَنَفَخْنا:} فعل، وفاعل. {فِيهِ:}
جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {مِنْ رُوحِنا:} متعلقان بما قبلهما. وقيل: متعلقان بمحذوف صفة لمفعول محذوف، أي: روحا من روحنا، و (نا): في محل جر بالإضافة. {وَصَدَّقَتْ:} الواو: حرف عطف. (صدقت): فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل يعود إلى (مريم)، والجملة معطوفة على ما قبلها. {بِكَلِماتِ:} متعلقان بما قبلهما، و (كلمات) مضاف، و {رَبِّها:} مضاف إليه، و (ها): في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {وَكُتُبِهِ:} معطوف على ما قبله، والهاء في محل جر بالإضافة. (كانت): فعل ماض ناقص، والتاء للتأنيث، واسمها يعود إلى (مريم). {مِنَ}
الْقانِتِينَ: متعلقان بمحذوف خبر (كانت)، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، واعتبارها في محل نصب حال من (مريم) فلا بأس به، وتحتاج إلى تقدير:«قد» قبلها.
خاتمة: قال الصلاح الصفدي-رحمه الله تعالى-: رأيت بخط ابن خلكان: أن مسلما ناظر نصرانيا، فقال له النصراني في خلال كلامه مختفيا في خطابه بقبيح آثامه: يا مسلم! كيف كان وجه عائشة زوجة نبيكم في تخلفها عن الركب عن نبيكم معتذرة بضياع عقدها؟! فقال له المسلم: يا نصراني! كان وجهها كوجه بنت عمران لما أتت بعيسى تحمله من غير زوج؛ فمهما اعتقدت في دينك من براءة مريم؛ اعتقدنا مثله في ديننا من براءة عائشة زوج نبينا! فانقطع النصراني، ولم يحر جوابا.
انتهت سورة (التحريم) بحمد الله، وتوفيقه.
والحمد لله رب العالمين.