المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ويروى بيد كل ملك منهم مرزبة: لها شعبتان، فيضرب الضربة، - تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة - جـ ١٠

[محمد علي طه الدرة]

فهرس الكتاب

- ‌سورة التّحريم

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الملك

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القلم

- ‌فائدة:

- ‌سورة الحاقّة

- ‌خاتمة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الجنّ

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المزّمّل

- ‌سورة المدّثر

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الإنسان

- ‌فائدة:

- ‌سورة المرسلات

- ‌سورة النّبإ

- ‌سورة النّازعات

- ‌فائدة:

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التّكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطفّفين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البروج

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة الطّارق

- ‌تنبيه: بل خاتمة:

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌فائدة:

- ‌سورة البلد

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الشمس

- ‌تنبيه، وخاتمة:

- ‌سورة الليل

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الضّحى

- ‌سورة الشرح

- ‌سورة التّين

- ‌فائدة:

- ‌سورة العلق

- ‌الشرح

- ‌خاتمة:

- ‌سورة القدر

- ‌سورة البيّنة

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة الكافرون

- ‌فائدة:

- ‌سورة النّصر

- ‌سورة المسد

- ‌‌‌فائدةبل طرفة:

- ‌فائدة

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة النّاس

- ‌خاتمة

- ‌ترجمة موجزة للشيخ المفسر النحويمحمد علي طه الدرة رحمه الله تعالى1340 -1428 هـ-1923 - 2007 م

- ‌حليته وشمائله:

- ‌مؤلفات الشيخ المطبوعة والمخطوطة:

الفصل: ويروى بيد كل ملك منهم مرزبة: لها شعبتان، فيضرب الضربة،

ويروى بيد كل ملك منهم مرزبة: لها شعبتان، فيضرب الضربة، فيهوي بها في النار سبعين ألفا. وعن عمرو بن دينار-رحمه الله تعالى-: كل واحد منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة، ومضر. وذكر ابن وهب قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خزنة جهنم: «ما بين منكبي أحدهم كما بين المشرق والمغرب» .

هذا؛ وقال ابن عباس، وقتادة، والضحاك-رضي الله عنهم: لما نزل: {عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ} قال أبو جهل الخبيث لقريش: ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم: أن خزنة جهنم تسعة عشر، وأنتم الدّهم (العدد الكثير) والشجعان، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم؟! فقال أبو الأشد بن كلدة الجمحي، وكان شديد البطش: أنا أكفيكم سبعة عشر، فاكفوني أنتم اثنين، فأنزل الله الآية التالية.

‌فائدة:

البسملة تسعة عشر حرفا بعدد خزنة جهنم فليكثر المسلم من ذكرها في جميع تصرفاته، فهي حرز، وحصن من خزنة جهنم إن شاء الله تعالى.

الإعراب: {سَأُصْلِيهِ:} السين: حرف استقبال، وهي تفيد تحقيق الوعيد، والتهديد. (أصليه):

فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر تقديره:«أنا» .

والهاء مفعول به. {سَقَرَ:} مفعول به ثان، أو هو ظرف مكان متعلق بما قبله، والجملة الفعلية بدل من قوله تعالى:{سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} قاله الزمخشري، وتبعه البيضاوي، والنسفي. أو هي مستأنفة. {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَدْراكَ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى (ما)، تقديره:«هو» ، والكاف مفعول به أول. {ما سَقَرُ:} مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية في محل نصب سدت مسد مفعول {أَدْراكَ} الثاني المعلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام، وقال زاده: في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني والثالث ل: (أدرى) بمعنى أعلم، والجملة الفعلية {أَدْراكَ ما سَقَرُ} في محل رفع خبر المبتدأ، الذي هو (ما)، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها.

{لا:} نافية. {تُبْقِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى {سَقَرَ،} والجملة الفعلية في محل نصب حال من {سَقَرَ،} والرابط الضمير فقط، وهي حال مقدرة، وجملة:{وَلا تَذَرُ} معطوفة عليها، فهي في محل نصب حال مثلها، وأجيز فيهما الاستئناف، ومفعول الفعلين محذوف، التقدير: لا تبقي ما ألقي فيها، ولا تذره.

{لَوّاحَةٌ:} خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هي لواحة، والجملة الاسمية في محل نصب حال أخرى، أو هي مستأنفة، لا محل لها. هذا؛ وقرئ بنصبها على الحال، وفيها ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها حال من {سَقَرَ} والعامل فيها معنى التعظيم، والتهويل. والثاني: أنها حال من فاعل {لا تُبْقِي} . والثالث: أنها حال من فاعل (لا تذر)، واعتبرها الزمخشري وتبعه البيضاوي منصوبة

ص: 289

على الاختصاص للتهويل. وبه قال القرطبي. {لِلْبَشَرِ:} متعلقان ب: {لَوّاحَةٌ} . {عَلَيْها:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {تِسْعَةَ عَشَرَ:} جزءان عدديان مبنيان على الفتح في محل رفع مبتدأ مؤخر. هذا؛ وقد حذف تمييز العدد، كما حذف تمييز العدد في الآيتين رقم [65] و [66] من سورة (الأنفال)، والجملة الاسمية يجوز فيها ما جاز بالجملتين الفعليتين:{لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} .

{وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النّارِ إِلاّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ وَما هِيَ إِلاّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31)}

الشرح: {وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النّارِ:} خزنتها. {إِلاّ مَلائِكَةً} أي: لم نجعلهم رجالا من جنسكم تقدرون على مقاومتهم كما تدعون. وقيل: جعلهم الله ملائكة؛ لأنهم خلاف جنس المعذبين من الجن، والإنس، فلا يأخذهم ما يأخذ المجانس من الرأفة، والرقة، ولا يستروحون إليهم، ولأنهم أقوم خلق الله بحق الله، وبالغضب له، فتؤمن هوادتهم مع الكافرين، ولأنهم أشد خلق الله بأسا وأقواهم بطشا، فقوتهم أعظم من قوة الإنس، والجن، ولذلك جعل رسول البشر من جنسهم ليكون له رأفة ورحمة بهم. وهنا يرد سؤال، وهو: أنّه ثبت في الأخبار: أنّ الملائكة مخلوقون من النور؛ فكيف تطيق المكث في النار؟! أجيب بأن الله تعالى قادر على كل الممكنات، فكما لا استبعاد في أنه يبقى أهل النار في مثل ذلك العذاب الشديد أبد الآباد، ولا يموتون، فكذا لا استبعاد في إبقاء الملائكة هناك من غير ألم.

{وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ} أي: تسعة عشر. {إِلاّ فِتْنَةً:} اختبارا، وامتحانا للناس، ولا سيما الكفار منهم؛ لأن حال هذه العدة الناقصة واحدا من عقد العشرين أن يفتتن بها من لا يؤمن بالله، وبحكمته، ويعترض، ويستهزئ، ولا يذعن إذعان المؤمن، وإن خفي عليه وجه الحكمة. وفي البيضاوي: وما جعلنا عددهم إلا العدد الذي اقتضى فتنتهم، وهو التسعة عشر، فعبر بالأثر، وهو الفتنة عن المؤثر، وهو خصوص التسعة عشر، تنبيها على أنه لا ينفك عنه، وافتتانهم به، استقلالهم له، واستهزاؤهم، واستبعادهم أن يتولى هذا العدد القليل أكثر الثقلين. انتهى.

{لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ} أي: ليوقن، ويتأكد الذين أعطوا التوراة، والإنجيل: أن عدة خزنة جهنم موافقة لما عندهم. {وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً} يعني: من آمن من أهل الكتاب يزدادون تصديقا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك العدد كان موجودا في كتابهم، وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم على وفق ما عندهم من غير سابقة دراسة، وتعلم علم، إنما حصل له ذلك بالوحي السماوي، فازدادوا بذلك إيمانا، وتصديقا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبرسالته.

ص: 290

{وَلا يَرْتابَ} أي: ولا يشك. {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ} أي: في عددهم. وإنما قال: {وَلا يَرْتابَ،} وإن كان الاستيقان يدل على نفي الارتياب، ليجمع لهم بين إثبات اليقين، ونفي الشك، وذلك أبلغ، وآكد؛ لأن فيه تعريضا بحال غيرهم، كأنه قال: وليخالف حالهم حال الناس المرتابين من أهل الكفر والنفاق.

{وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ:} المراد بمرض شك ونفاق، و {وَالْكافِرُونَ} أهل مكة، والمرض حقيقة فيما يعرض للبدن، فيخرجه عن الاعتدال اللائق به، ويوجب الخلل في أفعاله، وقد يؤدي إلى الموت، واستعير هنا لما في قلوب المنافقين من الجهل، وفساد العقيدة.

قال الخازن-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: لم يكن بمكة نفاق، فكيف قال: وليقول الذين في قلوبهم مرض، وهم المنافقون؛ وهذه السورة مكية؟! قلت: لأنه كان في علم الله تعالى أن النفاق سيحدث، فأخبره الله عما سيكون، وهو كسائر الإخبار بالغيوب، فعلى هذا تصير الآية معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إخبار عن غيب سيقع، وقد وقع على وفق الخبر. وقيل: يحتمل أن يراد بالذين في قلوبهم مرض أهل مكة؛ لأن فيهم من هو شاك، وفيهم من هو قاطع بالكذب. انتهى.

{ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً:} يعني أي شيء أراد الله بهذا المثل العجيب، وإنما سمّوه مثلا؛ لأنه استعارة من المثل المضروب؛ لأنه مما غرب من الكلام، وبدع استغرابا منهم لهذا العدد، واستبعادا له، والمعنى: أي غرض قصد في جعل الملائكة تسعة عشر، لا عشرين، ومرادهم بذلك إنكار هذا من أصله، وإنه ليس من عند الله، فلهذا سمّوه مثلا.

{كَذلِكَ} أي: مثل إضلال منكر هذا العدد، وهدي مصدقه والمؤمن به. {يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ:} إضلاله، وخزيه. {وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ:} هدايته، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، والبراهين الساطعة {لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ}. ولا تنس الالتفات من الغيبة إلى الخطاب. وانظر الالتفات في سورة (الملك) رقم [20]. {وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ} أي: ما يعلم عدد الملائكة وكثرتهم إلا هو جل شأنه، وتعالت حكمته، لئلا يتوهم متوهم: أنهم تسعة عشر فقط، وقد ثبت في حديث الإسراء، والمعراج في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة:

«فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يطوفون به إذا خرجوا لم يعودوا إليه، آخر ما عليهم» .

هذا معنى حديث صحيح مخرج في الصحيحين.

وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي ذر-رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء، وحقّ لها أن تئطّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد، لو علمتم ما أعلم؛ لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ولا تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله تعالى» . فقال أبو ذر-رضي الله عنه: والله لوددت أني شجرة تعضد! أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب.

ص: 291

وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما في السموات السبع موضع قدم، ولا شبر، ولا كفّ؛ إلا وفيه ملك قائم، أو ملك ساجد، أو ملك راكع، فإذا كان يوم القيامة؛ قالوا جميعا: سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك؛ إلا أنا لم نشرك بك شيئا» .

أخرجه الطبراني. وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال: إن من السموات سماء ما فيها موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك، أو قدماه قائم، ثم قرأ:{وَإِنّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} سورة (الصافات).

{وَما هِيَ} أي: وما هذه النار التي هي سقر {إِلاّ ذِكْرى:} عظة، وتذكير. {لِلْبَشَرِ:} للخلق أجمعين. هذا؛ وقيل: نار الدنيا تذكرة لنار الآخرة، وهذا إذا عرف ابن آدم أن نار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار الآخرة، وخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ناركم هذه ما يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءا من نار جهنّم» . قالوا: والله إن كانت لكافية. قال: «إنها فضّلت عليها بتسعة وستين جزءا، كلّهنّ مثل حرّها» . رواه البخاري، ومسلم، ومالك، والترمذي. وعن أبي هريرة رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثمّ أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضّت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت، فهي سوداء مظلمة، كالليل المظلم» . رواه الترمذي، وابن ماجه، والبيهقي. هذا؛ و «ألف» بالرفع نائب فاعل، وإن نصب؛ فهو ظرف، ونائب الفاعل: الجار والمجرور عليها.

بعد هذا فمصدر الفعل {يُضِلُّ} الإضلال، وهو خلق فعل الضلال في العبد، والهداية: خلق فعل الاهتداء في العبد. هذا هو الحقيقة عند أهل السنة، وقد يعترض بعض الناس على خلق فعل الضلال في العبد، فيقول: إذا لا مؤاخذة على العبد، فكيف يعذبه الله؟! والجواب أن معنى خلق الضلال

إلخ. تقدير ضلاله، وهذا التقدير مبني على علم الله الأزلي بأن هذا العبد لو ترك وشأنه، لم يختر سوى الكفر والضلال، وفعل المعاصي والسيئات، ولذا قدره الله عليه، بدليل قوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [28]:{وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} وهذا بعد أن تمنوا الرجوع إلى الدنيا ليكونوا مؤمنين، فأكذبهم الله بأنهم لو قدّر ردهم، ورجوعهم إلى الدنيا؛ لا يختارون إلا الكفر، والأعمال الفاسدة. هذا؛ وبالإضافة إلى اختيار الضلال بعد أن بين الله لكل واحد الخير والشر، والحسن والقبيح، كما قال الله عز وجل:{وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} أي: بينا له طريق الخير والشر، وحذر من اتباع الطرق المعوجة. قال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [153]:{وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

هذا؛ وقال علماء التوحيد: ليس معنى إضلال الله لفريق، وهدايته لفريق: أنه تعالى يجبر كلاّ منهما على الضلالة، والهدى، ولا أنه تعالى يكرههم على سلوك سبيلي الخير، والشر،

ص: 292

كلاّ؛ فإن هذا الإكراه مناف للعدل الإلهي، بل مناف لحكمة التشريع السماوي، ولا يتفق مع نصوص الشريعة المتواترة القاطعة، الدالة على أن العبد له إرادة، واختيار، هما مناط التكليف والمؤاخذة، وكذلك فهم الصحابة والسلف الصالح، فقد سأل رجل عليا-رضي الله عنه-فقال:

أكان مسيرك إلى الشام (يعني: لقتال أهلها) بقضاء الله، وقدره؟ فقال له: ويحك! لعلك ظننت قضاء لازما، وقدرا حاتما، ولو كان كذلك لبطل الثواب، والعقاب، وسقط الوعد، والوعيد، إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا، وكلف يسيرا، ولم يكلف عسيرا، ولم ينزل الكتب للعباد عبثا، ولا خلق السموات والأرض وما بينهما باطلا:{ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ} . انتهى. وعلى ضوء هذا يفهم معنى الهداية، والإضلال. انتهى. صابوني.

ولا تنس المقابلة بين {يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ} و {وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ} .

الإعراب: {وَما:} الواو: واو الحال. (ما): نافية. {جَعَلْنا:} فعل، وفاعل. {أَصْحابَ:}

مفعول به أول، وهو مضاف، و {النّارِ} مضاف إليه. {إِلاّ:} حرف حصر. {مَلائِكَةً:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية في محل نصب حال من مضمون الجملة الاسمية السابقة، والرابط:

الواو فقط، أو هي مستأنفة، لا محل لها، والجملة التي بعدها معطوفة عليها، و {فِتْنَةً} مفعول به ثان على حذف مضاف، التقدير: إلا سبب فتنة. {لِلَّذِينَ:} جار ومجرور متعلقان ب: {فِتْنَةً،} أو بمحذوف صفة له. {كَفَرُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها.

{لِيَسْتَيْقِنَ:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل {جَعَلْنا} الثانية.

{الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. {أُوتُوا:} فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم، والواو نائب فاعله، وهو المفعول الأول، والألف للتفريق. {الْكِتابَ:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {وَيَزْدادَ:} فعل مضارع معطوف على ما قبله منصوب مثله. {الَّذِينَ:} فاعله، وجملة:{آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {إِيماناً:} مفعول ثان. {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): نافية. {يَرْتابَ:} معطوف على ما قبله منصوب أيضا. {الَّذِينَ:} فاعله، والجملة الفعلية بعده صلته لا محل لها. {وَالْمُؤْمِنُونَ:}

معطوف على الموصول مرفوع مثله، وعلامة رفعه الواو

إلخ.

(ليقول): فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور معطوفان على:{لِيَسْتَيْقِنَ..} .

إلخ {الَّذِينَ:} فاعل (يقول). {فِي قُلُوبِهِمْ:} متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {مَرَضٌ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية صلة الموصول، لا محل لها. هذا؛ وإن اعتبرت الجار والمجرور متعلقين

ص: 293

بمحذوف صلة الموصول؛ ف: مرض يكون فاعلا بمتعلقه، أي: بالصلة المحذوفة، وهي لا تكون إلا فعلا. {وَالْكافِرُونَ:} معطوف على الاسم الموصول مرفوع مثله

إلخ.

{ماذا:} اسم استفهام مركب مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. {أَرادَ اللهُ:} فعل، وفاعل، وإن اعتبرت (ما) اسم استفهام مفردا مبنيا على السكون في محل رفع مبتدأ، و (ذا) اسما موصولا مبنيا على السكون في محل رفع خبره، فالجملة الفعلية:{أَرادَ اللهُ} صلة الموصول لا محل لها، والعائد محذوف، التقدير: ما الذي أراده الله. والجملة سواء أكانت فعلية، أم اسمية في محل نصب مقول القول. {بِهذا:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والهاء حرف تنبيه مقحم بين الجار والمجرور، لا محل له. {مَثَلاً:} حال، مثل قوله تعالى:

{هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً،} أو هو تمييز لاسم الإشارة.

{كَذلِكَ:} الكاف: حرف تشبيه وجر، و (ذا): اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالكاف، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، عامله ما بعده، التقدير: يضل الله من يشاء إضلاله إضلالا مثل إضلال الكافرين، والمنافقين. {يُضِلُّ اللهُ:} مضارع، وفاعله. {مَنْ:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. {يَشاءُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {اللهُ،} والجملة صلة الموصول لا محل لها، والعائد محذوف، التقدير: يشاء إضلاله، وجملة:{كَذلِكَ يُضِلُّ..} .

إلخ مستأنفة، لا محل لها، وجملة:{وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ} معطوفة عليها، لا محل لها مثلها.

{وَما:} الواو: واو الحال. (ما): نافية. {يَعْلَمُ:} فعل مضارع. {جُنُودَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {رَبِّكَ} مضاف إليه، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {إِلاّ:} حرف حصر. {هُوَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل {يَعْلَمُ،} والجملة الفعلية في محل نصب حال من لفظ الجلالة، والرابط: الواو فقط، وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها. {وَما:} الواو: حرف عطف، أو حرف استئناف. (ما): نافية.

{هِيَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {إِلاّ:} حرف حصر. {ذِكْرى:}

خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر. {لِلْبَشَرِ:} متعلقان ب: {ذِكْرى،} أو بمحذوف صلة لها، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، أو هي مستأنفة.

{كَلاّ وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (34) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)}

الشرح: {كَلاّ} أي: لا يتعظون، ولا يتذكرون. وقيل: معناه: ليس الأمر كما يقول من زعم: أنه يكفي أصحابه خزنة جهنم. {وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ..} . إلخ: أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لشرف ذواتها، ولما فيها من الدلالة على عجيب صنعته، وقدرته. والمعنى: أقسم بالقمر، وبهذه

ص: 294

الأشياء. ومثل هذا كثير في أوائل السور، وأثنائها. قال الشعبي-رحمه الله تعالى-: الخالق يقسم بما شاء من خلقه، والمخلوق لا ينبغي أن يقسم إلا بالخالق. وقال أبو حيان-رحمه الله تعالى-: أقسم الله بهذه الأشياء تشريفا لها، وتنبيها على ما ظهر فيها من عجائب الله، وقدرته، وقوام الوجود بإيجادها. وقيل: فيه مضمر، تقديره: ورب القمر، أي: المقسم به محذوف، وقد ورد التصريح به في قوله تعالى:{فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ} رقم [23] من سورة (الذاريات).

هذا؛ وفي هذه الآيات أقسام ثلاثة جوابها قوله تعالى: {إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ} الواو الأولى للقسم، والواوات بعدها للعطف، كما قال الخطيب، أو كل واحد منها للقسم، كما قاله السمين. أقول: والأول أقوى؛ لأن قول السمين يحوج إلى تقدير جواب لكل قسم. وقد بينت ذلك في الشاهد رقم [80] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» وخذه، وهو قول أبي صخر الهذلي:[الطويل]

أما والّذي أبكى وأضحك والّذي

أمات وأحيا والّذي أمره أمر

لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى

أليفين منها لا يروعهما الذّعر

{وَالْقَمَرِ:} أقسم الله به لكثرة منافعه، وتنويها بشأنه. {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} أي: ولى ذاهبا، وقرئ:«(دبر)» وهما لغتان، يقال: دبر، وأدبر، وكذلك: قبل الليل، وأقبل، وقد قالوا: أمس الدابر والمدبر. قال صخر بن عمرو بن الشريد السلمي أخو الخنساء-رضي الله عنها: [الكامل]

ولقد قتلناكم ثناء ومواحدا

وتركت مرّة مثل أمس الدّابر

وقيل: دبر بمعنى: أقبل. تقول العرب: دبرني فلان، أي: جاء خلفي، فالليل يأتي خلف النهار، وأقسم الله بالليل؛ لأنه وقت نزول الرحمات، ولا سيما الثلث الأخير منه، ففي الحديث الشريف:«إذا كان الثلث الأخير من الليل؛ فإن الله ينزل فيه إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر، فأغفر له؟ هل من مسترحم، فأرحمه؟ هل من مبتلى فأعافيه؟ هل من كذا؟ هل من كذا؟ حتى يطلع الفجر» . أخرجه البخاري، وغيره. وهذا الحديث من المتشابهات، فالخلف يقولون: ينزل رحمته، وجوده، وكرمه، وأهل السلف يقولون: نزول لا نعلمه. وقيل: إن ابن تيمية كان يخطب على منبر دمشق، وقد قرأ الحديث، وقال: ينزل ربنا هكذا، ونزل درجات، فإن صحت الرواية عنه؛ فيكون من التجسيم.

{وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ:} أضاء، وقرئ:«(سفر)» ، وهما لغتان، يقال: سفر وجه فلان، وأسفر: إذا أضاء. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أسفروا بالفجر، فإنّه أعظم للأجر» . أي: صلوا صلاة الفجر مسفرين. وقيل: طولوها إلى الإسفار، والإسفار: الإنارة، والإضاءة، والإشراق. وهو مصدر الفعل:«أسفر» وهو بكسر الهمزة هنا، وهو بفتح الهمزة جمع: سفر، وهو الكتاب الكبير، كما

ص: 295