الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة القارعة
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة (القارعة)، وهي مكية باتفاق، وهي إحدى عشرة آية، وست وثلاثون كلمة، ومئة واثنان وخمسون حرفا. ومناسبتها لما قبلها: أنه لما ذكر وقت بعثرة القبور؛ أتبعه بأهوال يوم القيامة، وبيان وقتها. وقال الرازي-رحمه الله تعالى-: لما ختم السورة المتقدمة بقوله: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} فكأنه قيل: وما ذلك اليوم؟ فقيل: هو القارعة. انتهى. جمل.
بسم الله الرحمن الرحيم
{الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3)}
الشرح: {الْقارِعَةُ:} أصل القرع: الصوت الشديد، ومنه: قوارع الدهر؛ أي: شدائده، والقرع أيضا: الضرب بشدة، ومنه: المقرعة. واتفقوا على أن القارعة اسم من أسماء القيامة، مثل: الحاقة، والطامة، والصاخة، سميت بذلك؛ لأنها تقرع القلوب بالفزع، والشدائد، وسبب ذلك: أن القارعة هي الصيحة التي يموت منها الخلائق سوى إسرافيل، ثم يميته، ثم يحييه، فينفخ في الصور النفخة الثانية، فيقوم الناس من قبورهم للحساب، والجزاء، وأهل اللغة يقولون: تقول العرب: قرعتهم القارعة، وفقرتهم الفاقرة: إذا وقع بهم أمر فظيع. قال ابن أحمر: [الوافر]
وقارعة من الأيّام لولا
…
سبيلهم لزاحت عنك حينا
وقال تعالى في سورة (الرعد) رقم [31]: {وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ} .
{مَا الْقارِعَةُ} أي: أي شيء هي القارعة، فهو تهويل، وتعظيم. والمعنى: أنها فاقت القوارع في الهول، والشدة. {وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ:} زيادة في تعظيم القيامة، وتفخيم شأنها. معناه: لا علم لك بكنهها؛ لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها فهم أحد، وكيفما أمرها، فهي أعظم من ذلك، انظر سورة (الحاقة) وسورة (القدر).
هذا؛ وإنما سميت القيامة: القارعة؛ لشدة هولها على النفوس؛ لأنها لا تفزع القلوب فحسب، بل تؤثر في الأجرام العظيمة، فتؤثر في السموات بالانشقاق، وفي الأرض بالزلزلة، وفي الجبال بالدك والنسف، وفي الكواكب بالانتثار، وفي الشمس، والقمر بالتكوير، والانكدار؛ إلى غير ما هنالك مما ذكرته فيما سبق، وفي بقية السورة بيان شيء من ذلك الهول المفزع.
الإعراب: {الْقارِعَةُ:} مبتدأ. {مَا:} اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
{الْقارِعَةُ:} خبره، والجملة الاسمية في محل رفع خبر {الْقارِعَةُ،} والجملة الاسمية مبتدأة، لا محل لها. {وَما:} الواو: حرف استئناف، أو حرف عطف. (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَدْراكَ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف، والفاعل يعود إلى (ما)، والكاف مفعوله الأول، والجملة الاسمية:{مَا الْقارِعَةُ} في محل نصب سدت مسد مفعول {أَدْراكَ} الثاني المعلق عن العمل بسبب الاستفهام. وقال زاده: في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني، والثالث ل:(أدرى)؛ لأنه بمعنى: أعلم، والجملة الفعلية:{أَدْراكَ..} . إلخ في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو (ما)، والجملة الاسمية لا محل لها على الوجهين المعتبرين بالواو.
الشرح: {يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ..} . إلخ أي: ذلك يحدث عند ما يخرج الناس من قبورهم فزعين، كأنهم فراش متفرق منتشر هنا وهناك، يموج بعضهم في بعض من شدة الفزع، والحيرة.
قال الرازي: شبه تعالى الخلق وقت البعث هاهنا بالفراش المبثوث، وفي آية أخرى بالجراد المنتشر، أما وجه التشبيه بالفراش؛ فلأن الفراش إذا ثار لم يتجه إلى جهة واحدة، بل كل واحدة منها تذهب إلى غير جهة الأخرى، فدل على أنهم إذا بعثوا؛ فزعوا. وأما وجه التشبيه بالجراد فهو في الكثرة، يصبحون كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضا، فكذلك الناس إذا بعثوا يموج بعضهم في بعض، كالجراد، والفراش، كقوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [99]:{وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} .
قال قتادة-رحمه الله تعالى-: الفراش: الطير الذي يتساقط في النار، والسراج، الواحدة:
فراشة. وقال الفراء: إنه الهمج الطائر من بعوض، وغيره، ومنه: الجراد. ويقال: هو أطيش من فراشة. قال الشاعر: [الرجز]
طويّش من نفر أطياش
…
أطيش من طائرة الفراش
وقال جرير في هجاء الفرزدق: [الكامل]
إنّ الفرزدق ما علمت وقومه
…
مثل الفراش غشين نار المصطلي
وفي صحيح مسلم: عن جابر-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا، فجعل الجنادب، والفراش يقعن فيها، وهو يذبّهنّ عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النّار، وأنتم تفلّتون من يدي» . وفي الباب عن أبي هريرة-رضي الله عنه. و {الْمَبْثُوثِ:}
المتفرق. وقال في موضع آخر في قوله تعالى في سورة (القمر) رقم [7]: {كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ} فأوّل حالهم كالفراش لا وجه له، يتحير في كل وجه، ثم يكونون كالجراد؛ لأن لها وجها تقصده، وفي أمثالهم: أضعف من فراشة، وأذل وأجهل من جرادة. وسمي فراشا لتفرشه، وانتشاره.
{وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} أي: الصوف الذي ينفش باليد. وأهل اللغة يقولون:
العهن: الصوف المصبوغ. وذلك؛ لأنها تتفرق أجزاؤها في ذلك اليوم حتى تصير كالصوف المتطاير عند الندف، وإنما جمع بين حال الناس وحال الجبال تنبيها على أن تلك القارعة أثرت في الجبال العظيمة الصلدة الصلبة حتى تصير كالصوف المندوف مع كونها غير مكلفة، فكيف حال الإنسان الضعيف المقصود بالتكليف؛ وهو مبعوث من قبره للحساب، والجزاء؟! وانظر ما ذكرته في سورة (النبأ) رقم [20] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
الإعراب: {يَوْمَ:} ظرف زمان متعلق بفعل محذوف، التقدير: تقرع يوم، أو تقديره: اذكر.
وقيل: {يَوْمَ} مبني على الفتح في محل رفع من وجهين: أحدهما: أنه خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هي يوم، كما هو رأي الكوفيين لإضافته إلى الفعل وإن كان مضارعا. وثانيهما: أنه فاعل لفعل محذوف، التقدير: سيأتي يوم يكون. وقيل: {الْقارِعَةُ} رفع بإضمار فعل، وذلك الفعل عامل في {يَوْمَ} تقديره: ستأتي القارعة يوم يكون. انتهى. مكي، والأول هو المعتمد بلا شك، ولا ريب. {يَكُونُ:} مضارع ناقص. {النّاسُ:} اسمها. {كَالْفَراشِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {يَكُونُ} التقدير: يكون الناس مشبهين بالفراش. وإن اعتبرت {يَكُونُ} تاما؛ فالجار، والمجرور متعلقان بمحذوف حال، التقدير: يوجدون ويحشرون حال كونهم مشبهين بالفراش. هذا؛ وإن اعتبرت الكاف اسما بمعنى: مثل؛ فالمحل لها على الاعتبارين، وتكون مضافة، و (الفراش): مضاف إليه. {الْمَبْثُوثِ:} صفة (الفراش) وجملة:
{يَكُونُ..} . إلخ في محل جر بإضافة {يَوْمَ} إليها، والتي بعدها معطوفة عليها، وهي مثلها في إعرابها وفي محلها.
الشرح: {فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ:} هذا تفصيل لأحوال الناس في ذلك اليوم، العظيم شأنه، الطويل زمانه، القريب أوانه، وهذا التفصيل تجده في سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام في قوله تعالى:{فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ..} . إلخ رقم [105] وما بعدها.
{ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ} أي: رجحت حسناته على سيئاته. يعني: رجحت موازين حسناته. قيل:
هو جمع: موزون، وهو العمل الذي له قدر، وخطر عند الله تعالى. وقيل: هو جمع: ميزان، وهو
الذي له لسان، وكفتان، توزن فيه الأعمال، فيؤتى بحسنات المؤمن في أحسن صورة، فتوضع في كفة الميزان، فإن رجحت حسناته؛ فالجنة له. ويؤتى بسيئات الكافر في أقبح صورة، فتخف ميزانه، فيدخل النار. وقيل: إنما توزن أعمال المؤمنين. فمن ثقلت حسناته على سيئاته؛ دخل الجنة، ومن ثقلت سيئاته على حسناته؛ دخل النار، فيقتص منه على قدرها، ثم يخرج منها، فيدخل الجنة، أو يعفو الله عنه بكرمه، فيدخل الجنة بفضل الله، وكرمه، ورحمته، وأما الكفار؛ فلا توزن أعمالهم. قال تعالى في سورة (الكهف) رقم [105]:{فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً} .
روي: أن أبا بكر-رضي الله عنه-حين حضره الموت. قال في وصيته لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا، وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا.
هذا؛ وقد ذكر الله تعالى في هذه الآيات السعداء الذين غلبت حسناتهم على سيئاتهم، والأشقياء الذين غلبت سيئاتهم على حسناتهم، وبقي صنف ثالث، وهم من تساوت حسناتهم وسيئاتهم، وهم أصحاب الأعراف المذكورون في الآية رقم [46] وما بعدها، من سورة (الأعراف) وذلك في قوله تعالى:{وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ..} . إلخ.
هذا؛ والمراد بالوزن: القضاء، أو وزن الأعمال، وهو مقابلتها بالجزاء. والجمهور على أن صحائف الأعمال توزن بميزان، له لسان، وكفتان، ينظر إليه الخلائق، إظهارا للمعدلة، وقطعا للمعذرة، كما يسألهم عن أعمالهم، فتعترف بها ألسنتهم، وتشهد بها جوارحهم.
والحكمة من وزن الأعمال مع علم الله بمقاديرها تتجلى فيما يلي: منها: إظهار العدل الإلهي، وأن الله لا يظلم مثقال ذرة. ومنها: امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا، وإقامة الحجة عليهم في العقبى. ومنها: تعريف العباد ما لهم من خير، وشر، وحسنة، وسيئة. ومنها:
إظهار علامة السعادة، والشقاوة، وخذ ما يلي:
فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ملك موكل بالميزان، فيؤتى بابن آدم، فيوقف بين كفتي الميزان، فإن ثقل ميزانه، نادى ملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا. وإن خفّ ميزانه؛ نادى ملك بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا» . رواه البيهقي، والبزار.
عن سلمان الفارسي-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يوضع الميزان يوم القيامة. فلو وزن فيه السموات، والأرض؛ لوسعهنّ. فنقول الملائكة: يا ربّ لمن يزن هذا؟ فيقول الله: لمن شئت من خلقي، فيقولون: سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك» . رواه الحاكم.
هذا؛ و (موازين) جمع: ميزان، وأصله: موزان، قلبت الواو ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها، ومثله: ميعاد، وميثاق، وميقات، وميراث.
{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ} أي: راض بها صاحبها. ففيه إسناد مجازي عقلي. انظر سورة (الحاقة) رقم [21]. {وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ} أي: رجحت سيئاته على حسناته، كما رأيت فيما تقدم، فعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: ذكرت النار، فبكيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما يبكيك؟» . قلت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال:«أما في ثلاثة مواطن؛ فلا يذكر أحد أحدا، عند الميزان؛ حتى يعلم أيخفّ ميزانه، أم يثقل؟ وعند تطاير الصحف؛ حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه، أم في شماله، أم وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم؛ حتى يجوز» . رواه أبو داود. {فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} يعني: جهنم، وسماها أمّا؛ لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أمّه. قاله ابن زيد. وقيل للمأوى: أمّ على التشبيه؛ لأن الأمّ مأوى الولد، ومفزعه. ومنه قول أمية بن أبي الصلت:[الكامل]
فالأرض معقلنا وكانت أمّنا
…
فيها مقابرنا وفيها نولد
وسميت النار هاوية؛ لأنه يهوي فيها مع بعد قعرها، وليستقر فيها. وقال الشاعر:[السريع]
يا عمرو لو نالتك أرماحنا
…
كنت كمن تهوي به الهاويه
ويقال: هوت أمه فهي هاوية؛ أي: ثاكلة. قال كعب بن سعد الغنوي: [الطويل]
هوت أمّه ما يبعث الصبح غاديا
…
وماذا يردّ الليل حين يؤوب
{وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ} أي: ما الهاوية، الأصل: ما هي، فدخلت الهاء للسكت. {نارٌ حامِيَةٌ} أي: شديدة الحرارة. وفي صحيح مسلم: عن أبي هريرة-رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من حرّ جهنم» . قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله! قال: «فإنّها فضّلت عليها بتسعة وستّين جزءا كلّها مثل حرّها» .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، وضربت بالبحر مرّتين، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد» . وروى الترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضّت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت، فهي سوداء مظلمة» . وانظر الآية رقم [4] من سورة (الغاشية).
وفي الخبر عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الموتى يسألون الرجل يأتيهم عن رجل مات قبله، فيقول: ذلك مات قبلي، أما مرّ بكم؟ فيقولون: لا والله، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية» . انتهى. قرطبي.
وفي الجمل، فإن قلت: كيف قال: {وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} مع أن أكثر المؤمنين سيئاتهم راجحة على حسناتهم؟ قلنا: قوله: {فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} لا يدل على خلوده فيها، فيسكن المؤمن فيها بقدر ذنوبه، ثم يخرج منها إلى الجنة. وقيل: المراد بخفة الموازين:
خلوها من الحسنات بالكلية، وتلك موازين الكفار. انتهى. كرخي. هذا؛ وما يقوله بعض المتمشيخة في هذا الزمن: إن المؤمن لا يعذب، ولا يحرق في نار جهنم؛ فهو كذب على الله صراح. هذا؛ وفي السورة المقابلة بين:{فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ..} . إلخ، وبين:{وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ..} .
إلخ وهو من المحسنات البديعية، وأيضا الاحتباك، وهو أن يحذف من كل نظير ما أثبته في الآخر، فقوله تعالى:{فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (7) وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} حذف من الأول: (فأمه الجنة) وذكر فيها: {فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ} وحذف من الآية الثانية: (فهو في عيشة ساخطة) وذكر: {فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} فحذف من كل ما أثبته في الآخر، وهو من المحسنات البديعية أيضا.
الإعراب: {فَأَمّا:} الفاء: حرف استئناف وتفريع. (أما): انظر الآية رقم [15] من سورة (الفجر). {مَنْ:} اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {ثَقُلَتْ:} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والتاء للتأنيث حرف لا محل له. {مَوازِينُهُ:} فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة. {فَهُوَ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (هو): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {فِي عِيشَةٍ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. {راضِيَةٍ:}
صفة {عِيشَةٍ،} والجملة الاسمية: (هو
…
) إلخ في محل جزم جواب الشرط. والدسوقي يقول: لا محل لها. وخبر المبتدأ الذي هو {مَنْ} مختلف فيه كما رأيت في سورة (الزلزلة)، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ..} . إلخ معطوف على ما قبله، وإعرابه مثله، بلا فارق. هذا؛ وإن اعتبرت {مَنْ} اسما موصولا؛ فهي مبتدأ، والجملة الفعلية بعدها صلتها، والجملة الاسمية: (هو
…
) إلخ في محل رفع خبرها، ودخلت الفاء في الخبر؛ لأن الموصول يشبه الشرط في العموم. وهذا كثير في الآيات القرآنية. {وَما أَدْراكَ..} . إلخ الإعراب مثل {وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ} بلا فارق، والهاء للسكت حرف لا محل له. {نارٌ:} خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هي نار، والجملة الاسمية مفسرة للضمير. {حامِيَةٌ:} صفة {نارٌ} . تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
انتهت سورة (القارعة) شرحا، وإعرابا.
والحمد لله رب العالمين.