الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرح: {قُلْ} أي: قل يا محمد لمشركي مكة الذين يتمنون هلاكك. {أَرَأَيْتُمْ:}
أخبروني، وأعلموني. {إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ:} إن أماتني الله، ومن معي من المؤمنين. {أَوْ رَحِمَنا} أي: فأبقانا، وأخّر آجالنا. {فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ:} يمنع الكافرين، وينجيهم. {مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ:} مؤلم موجع واقع بهم.
كان كفار مكة يدعون على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين بالهلاك، فأمر صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: نحن مؤمنون متربصون لإحدى الحسنيين، إما أن نهلك، كما تتمنون، فننقلب إلى الجنة، أو نرحم بالنصرة عليكم، كما نرجو، فأنتم ما تصنعون إن أراد الله أن يعذبكم؟ ومن يجيركم؛ وأنتم كافرون من عذاب النار الواقع بكم لا محالة؟
وملخص الآية: نحن خائفون وجلون من عذاب الله مع إيماننا بالله، ونرجو منه تعالى أن يرحمنا، ويعفو عنا، فنعتقد: أن حكمه نافذ فينا، فمن يجيركم، ومن يمنعكم من عذاب أليم، وأنتم مصرون على الكفر، ومعاندة الواحد القهار؟! والله أعلم بمراده، وأسراره كتابه.
فائدة:
كان مذهب الإمام مالك-رحمه الله تعالى-هو السائد في مصر، فلما ارتحل الإمام الشافعي إلى مصر، واستقر فيها؛ تحول الناس من مذهب الإمام مالك إلى مذهب الإمام الشافعي-رحمه الله تعالى-فصار ابن عبد الحكم تلميذ الإمام مالك يدعو على الشافعي في صلاته، فيقول: اللهم أمت الشافعي كما أمات مذهب مالك في مصر، فذكر ذلك للإمام الشافعي-رحمه الله تعالى-فقال:[الطويل]
تمنّى رجال أن أموت وإن أمت
…
فتلك طريق لست فيها بأوحد
فقل للّذي يرجو خلاف الذي مضى
…
تزوّد لأخرى مثلها وكأن قد
الإعراب: {قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {أَرَأَيْتُمْ:} (الهمزة): حرف استفهام، وتوبيخ، وتقريع. (رأيتم): فعل، وفاعل، وتقدم معنا في كثير من الآيات: أن هذا الفعل ينصب مفعولين: الأول مفرد. والثاني: جملة استفهامية، ولا شيء منهما هنا، فكأن الجملة الشرطية سدت مسد المفعولين. انتهى. جمل بتصرف. {إِنْ:} حرف شرط جازم. {أَهْلَكَنِيَ:}
فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به.
{اللهُ:} فاعله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي.
{وَمَنْ:} (الواو): حرف عطف. (من): اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف
على ياء المتكلم. {مَعِيَ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، فهو منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء في محل جر بالإضافة. {أَوْ:} حرف عطف. {رَحِمَنا:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {اللهُ،} و (نا): مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها.
{فَمَنْ:} (الفاء): واقعة في جواب الشرط. (من): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يُجِيرُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى (من)، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد. {الْكافِرِينَ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء
…
إلخ، {مِنْ عَذابٍ:} متعلقان بالفعل {يُجِيرُ} . {أَلِيمٍ:} صفة {عَذابٍ،} والجملة الشرطية سدت مسد مفعولي {أَرَأَيْتُمْ،} وجملة: {أَرَأَيْتُمْ..} . إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها. هذا؛ وقال الجمل:{فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ} جواب الشرط. وفي تسببه عن الشرط بعد، ويمكن أن يقال: الجواب محذوف، تقديره: فلا فائدة لكم في ذلك، ولا نفع يعود عليكم؛ لأنكم لا مجير لكم من عذاب الله. تأمل. انتهى. فتكون الجملة تعليل الجواب المحذوف.
الشرح: {قُلْ} أي: قل يا محمد لهؤلاء الكافرين في إنكارك عليهم، وتوبيخك لهم: الذي أدعوكم إليه {هُوَ الرَّحْمنُ:} مولي النعم، وشديد النقم، وراحم المسترحمين، وغافر للمستغفرين. {آمَنّا بِهِ:} أنه واحد أحد فرد صمد، لم يلد، ولم يولد، ولا يشبهه أحد في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله. {وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا} في جميع أمورنا، كما قال تعالى في سورة (هود) على نبينا وعليه ألف صلاة، وألف سلام رقم [123]:{وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ،} وانظر الكلام على {وَكِيلاً} في سورة (المزمل) رقم [9]. {فَسَتَعْلَمُونَ:} عن قريب. {مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ:} ولمن تكون العاقبة المحمودة في الدنيا، والآخرة.
قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: لم أخر مفعول: {آمَنّا} وقدم مفعول:
{تَوَكَّلْنا؟} قلت: لوقوع {آمَنّا} تعريضا بالكافرين، حين ورد عقيب ذكرهم، كأنه قيل: آمنا، ولم نكفر كما كفرتم، ثم قال:{وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا} خصوصا، لم نتوكل على ما أنتم متوكلون عليه من رجالكم، وأموالكم. انتهى. هذا؛ ويعني بمفعول الفعلين: الجار والمجرور بعدهما، فإن الفعلين لازمان، وقد تعديا بالجار والمجرور، ولو قال: معمول بدلا من: مفعول؛ لكان أوضح. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر فيه تقديره:«أنت» . {هُوَ الرَّحْمنُ:} مبتدأ، وخبر، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها. {آمَنّا:} فعل، وفاعل. {بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية في محل نصب حال من {الرَّحْمنُ،} والرابط: الضمير فقط، وهي على تقدير:«قد» قبلها. وقيل:
الجملة في محل رفع خبر ثان للمبتدأ، وجملة:{وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا} معطوفة عليها، فهي في محل نصب حال مثلها. {فَسَتَعْلَمُونَ:} (الفاء): حرف استئناف، وقيل: الفصيحة. ولا وجه له.
(السين): حرف تنفيس، واستقبال. (تعلمون): فعل مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله.
{الرَّحْمنُ:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. {هُوَ:} مبتدأ. {فِي ضَلالٍ:}
متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. {مُبِينٍ:} صفة {ضَلالٍ،} والجملة الاسمية صلة الموصول، لا محل لها. هذا هو الإعراب الظاهر، وفي الحقيقة {الرَّحْمنُ} اسم استفهام مبتدأ، والفعل قبله معلق على العمل لفظا بسببه، و {هُوَ} ضمير فصل لا محل له، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر {الرَّحْمنُ،} والجملة الاسمية في محل نصب سدت مسد مفعول (تعلمون)، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (30)}
الشرح: {قُلْ:} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. {أَرَأَيْتُمْ:} أخبروني يا معشر قريش، فإن الخطاب لهم.
{إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً} . أي: غائرا ذاهبا في الأرض، لا تناله الدلاء، ولا تأتي به الفؤوس الحداد، ولا السواعد الشداد. وكان ماؤهم من بئرين: بئر زمزم، وبئر ميمون. هذا؛ وتأويل المصدر {غَوْراً} ب:«غائرا» لا بد منه؛ لأنه لا يخبر بالمصدر عن الجثة، فلا يقال: ماؤكم غور، ولا أنتم قيام. {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ} أي: جار، فلا بد لهم من أن يقولوا: لا يأتينا به إلا الله تعالى، فقل لهم: لم تشركون به من لا يقدر على أن يأتيكم بماء معين؟! هذا؛ و {مَعِينٍ} جار ظاهر للعيون، يقال: معين، ومعن، كما يقال: رغيف، ورغف، فهو فعيل من: معن الماء: إذا جرى، أو من الماعون، وهو المنفعة؛ لأنه نفّاع، أو هو مفعول من: عانه إذا أدركه بعينه؛ لأنه لظهوره مدرك بالعيون، جار على وجه الأرض. والمعنى: لا يقدر على ذلك إلا الله عز وجل، فمن فضله، وكرمه، وجوده، وإنعامه أنعم عليكم بالمياه، وأجراه في سائر أقطار الأرض، بحسب ما يحتاج العباد إليه من القلة، والكثرة، والله لطيف بعباده، فلله الحمد والمنة على هذه النعمة.
وينبغي لمن يسمع هذه الآية أن يقول: يأتي به الله رب العالمين. ولا تنس قوله تعالى في سورة (المؤمنون) رقم [18]: {وَإِنّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ} . وانظر شرحها هناك؛ فإنه جيد والحمد لله رب العالمين.
الإعراب: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً:} انظر الآية [28] ففيها الكفاية. {فَمَنْ:} (الفاء):
واقعة في جواب الشرط. (من): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
{يَأْتِيكُمْ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى (من)، تقديره:«هو» . و (الكاف): مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط، وانظر تتمة الإعراب في الآية رقم [28].
{بِماءٍ:} متعلقان بما قبلهما. {مَعِينٍ:} صفة (ماء)، والكلام:{أَرَأَيْتُمْ..} . إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله، وصحبه وسلم.
انتهت سورة (الملك) شرحا، وإعرابا بحمد الله، وتوفيقه.
والحمد لله رب العالمين.