المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة التكاثر بسم الله الرحمن الرحيم سورة (التكاثر) مكية في قول جميع - تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة - جـ ١٠

[محمد علي طه الدرة]

فهرس الكتاب

- ‌سورة التّحريم

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الملك

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القلم

- ‌فائدة:

- ‌سورة الحاقّة

- ‌خاتمة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الجنّ

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المزّمّل

- ‌سورة المدّثر

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الإنسان

- ‌فائدة:

- ‌سورة المرسلات

- ‌سورة النّبإ

- ‌سورة النّازعات

- ‌فائدة:

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التّكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطفّفين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البروج

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة الطّارق

- ‌تنبيه: بل خاتمة:

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌فائدة:

- ‌سورة البلد

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الشمس

- ‌تنبيه، وخاتمة:

- ‌سورة الليل

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الضّحى

- ‌سورة الشرح

- ‌سورة التّين

- ‌فائدة:

- ‌سورة العلق

- ‌الشرح

- ‌خاتمة:

- ‌سورة القدر

- ‌سورة البيّنة

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة الكافرون

- ‌فائدة:

- ‌سورة النّصر

- ‌سورة المسد

- ‌‌‌فائدةبل طرفة:

- ‌فائدة

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة النّاس

- ‌خاتمة

- ‌ترجمة موجزة للشيخ المفسر النحويمحمد علي طه الدرة رحمه الله تعالى1340 -1428 هـ-1923 - 2007 م

- ‌حليته وشمائله:

- ‌مؤلفات الشيخ المطبوعة والمخطوطة:

الفصل: ‌ ‌سورة التكاثر بسم الله الرحمن الرحيم سورة (التكاثر) مكية في قول جميع

‌سورة التكاثر

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة (التكاثر) مكية في قول جميع المفسرين. وروى البخاري: أنها مدنية، وهي ثمان آيات، وست وثلاثون كلمة، ومئة واثنان وخمسون حرفا. انتهى. خازن.

بسم الله الرحمن الرحيم

{أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2)}

الشرح: مناسبة السورة لما قبلها: أنه لما ذكر أهوال القيامة؛ ذم اللاهين والمشتغلين عنها، فقال:{أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ} . انتهى. جمل، ومعنى {أَلْهاكُمُ} شغلكم أيها الناس التفاخر بالأموال، والأولاد، والرجال عن طاعة الله، وعن الاستعداد للآخرة؛ حتى متم، ودفنتم في المقابر. هذا؛ وقال الزمخشري: وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: «(أألهاكم)» على الاستفهام؛ الذي معناه التقرير.

قال ابن بريدة-رضي الله عنه: نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار: بني حارثة، وبني الحارث، تفاخروا، وتكاثروا، فقالت إحداهما: فيكم مثل فلان بن فلان، وفلان. وقال الآخرون: مثل ذلك. تفاخروا بالأحياء، ثم قالوا: انطلقوا بنا إلى القبور، فجعلت إحدى الطائفتين تقول: فيكم مثل فلان (يشيرون إلى القبور) ومثل فلان. وفعل الآخرون مثل ذلك، فأنزل الله الآية، وما بعدها، وهذا يعني: أن السورة مدنية.

وقال الزمخشري: روي: أن بني عبد مناف، وبني سهم تفاخروا أيهم أكثر عددا، فكثرتهم بنو عبد مناف، فقالت بنو سهم: إن البغي أهلكنا في الجاهلية، فعادونا بالأحياء، والأموات، فكثرهم بنو سهم، وهذا يعني: أن السورة مكية.

والمعنى: ألهاكم التكاثر بالأموال، والأولاد، والتفاخر بالرجال إلى أن متم، وقبرتم منفقين أعماركم في طلب الدنيا، والاستباق إليها، والتهالك عليها، إلى أن أتاكم الموت لا همّ لكم غير ذلك عما هو أولى بكم من السعي لعاقبتكم، والعمل لآخرتكم. وزيارة القبور كناية عن الموت. قال القرطبي-رحمه الله تعالى-الآية تعم جميع ما ذكر، وغيره. وخذ ما يلي:

عن عبد الله بن الشخير-رضي الله عنه-قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: {أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ..} . إلخ فقال: «يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟» . رواه مسلم، والترمذي، والنسائي.

ص: 710

وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتبع الميت ثلاث: أهله، وماله، وعمله، فيرجع اثنان، ويبقى واحد، يرجع أهله، وماله، ويبقى عمله» . رواه الشيخان. والأحاديث في ذلك كثيرة ومسطورة في كتاب: «الترغيب والترهيب» وغيره. وخذ قول الشاعر: [مجزوء الرجز]

الموت يأتي بغتة

والقبر صندوق العمل

المقابر: جمع مقبرة. بفتح الباء، وضمها، والقبور. جمع: القبر. قال الشاعر: [الوافر]

أرى أهل القصور إذا أميتوا

بنوا فوق المقابر بالصّخور

أبوا إلاّ مباهاة وفخرا

على الفقراء حتى في القبور

وقد جاء في الشعر: المقبر، بفتح الباء قال الشاعر:[الطويل]

لكلّ أناس مقبر بفنائهم

فهم ينقصون والقبور تزيد

وانظر ما ذكرته في سورة (عبس) رقم [21].

قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: لم يأت في التنزيل ذكر المقابر إلا في هذه السورة، وزيارتها من أعظم الدواء للقلب القاسي؛ لأنها تذكر الموت، والآخرة، وذلك يحمل على قصر الأمل، والزهد في الدنيا، وترك الرغبة فيها. قال النبي صلى الله عليه وسلم:«كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور فإنها تزهّد في الدنيا، وتذكّر الآخرة» . أخرجه ابن ماجه عن ابن مسعود-رضي الله عنه. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن زوّارات القبور» . أخرجه الترمذي. وقد رأى بعض أهل العلم: أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور، فلما رخص دخل في رخصته الرجال، والنساء. وقال بعضهم: إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهنّ، وكثرة جزعهنّ.

قلت: زيارة القبور للرجال متفق عليها عند العلماء، مختلف فيها للنساء، أما الشواب؛ فحرام عليهن الخروج، وأما القواعد؛ فمباح لهن ذلك، وجائز لجميعهن ذلك إذا انفردن بالخروج عن الرجال، ولا يختلف في هذا؛ إن شاء الله. وعلى هذا المعنى يكون قوله:«زوروا القبور» . عامّا، وأما موضع، أو وقت يخشى فيه الفتنة من اجتماع الرجال، والنساء؛ فلا يحل، ولا يجوز، فبينما الرجل يخرج ليعتبر، فيقع بصره على امرأة، فيفتتن، وبالعكس، فيرجع كل واحد من الرجال والنساء مأزورا غير مأجور. والله أعلم. انتهى.

الإعراب: {أَلْهاكُمُ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والكاف مفعول به، {التَّكاثُرُ:} فاعل، والمتعلق محذوف للتعميم. انظر الشرح. والجملة الفعلية مبتدأة لا محل لها. {حَتّى:} حرف غاية، وجر بعدها «أن» مضمرة. {زُرْتُمُ:} فعل ماض مبني على السكون في محل نصب ب: «أن» المضمرة بعد {حَتّى،} والتاء فاعله. {الْمَقابِرَ:} مفعول به، و «أن»

ص: 711

المضمرة بعد {حَتّى} والفعل (زار) في تأويل مصدر في محل جر ب: {حَتّى،} والجار، والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. هذا؛ وقال الجمل:{حَتّى زُرْتُمُ} عطف على قوله: {أَلْهاكُمُ} وهو غاية في نفسه. أقول: والمعنى لا يؤيده؛ لأن معنى {حَتّى} هنا بمعنى إلى أن زرتم.

{كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)}

الشرح: {كَلاّ:} اعتبر الجلال {كَلاّ} الثالثة بمعنى: حقا والأوليين للردع، والزجر، وجرى غيره على التسوية بين الثلاثة، وفي القرطبي: وقيل: إن {كَلاّ} في المواضع الثلاثة بمعنى: ألا. قاله ابن أبي حاتم. وقال الفراء: هي بمعنى: حقا في المواضع الثلاثة. وقيل: هي للردع، والزجر في المواضع الثلاثة. انتهى. جمل. وانظر ما ذكرته بشأن {كَلاّ} في سورة (المدثر) برقم [16]. وقال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: ردع، وتنبيه على أن العاقل ينبغي له أن لا يكون جميع همه، وعظم سعيه للدنيا، فإن عاقبة ذلك وبال، وحسرة.

{سَوْفَ تَعْلَمُونَ:} خطأ رأيكم، إذا عاينتم ما وراءكم، وهو إنذار ليخافوا، ويتنبهوا من غفلتهم. {ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ:} تكرير للتأكيد، وفي {ثُمَّ} دلالة على أن الثاني أبلغ من الأول. أو الأول عند الموت، أو في القبر، والثاني عند النشور. انتهى. بيضاوي. وانظر مثل هذا التوكيد في سورة (القلم) رقم [5] وفي أول سورة (النبأ).

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما: {كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ما ينزل بكم من العذاب في القبر.

{ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} في الآخرة إذا حل بكم العذاب. فالأول في القبر، والثاني في الآخرة، فالتكرار للحالتين. وروى زرّ بن حبيش عن علي-رضي الله عنه-قال: كنا نشك في عذاب القبر؛ حتى نزلت هذه السورة فأشار إلى أن قوله تعالى: {كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} يعني في القبور. وقيل {كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} إذا نزل بكم الموت، وجاءتكم رسلي لنزع أرواحكم. {ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} إذا دخلتم قبوركم، وجاءكم منكر ونكير، وحاط بكم هول السؤال، وانقطع عنكم الجواب.

قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: فتضمنت السورة القول في عذاب القبر، وأن الإيمان به واجب، والتصديق به لازم، حسب ما أخبر به الصادق، وأن الله يحيي العبد المكلف في قبره، يرد الحياة إليه، ويجعل له من العقل في مثل الوصف؛ الذي عاش عليه، ليعقل ما يسأل عنه، وما يجيب به، ويفهم ما أتاه من ربه، وما أعدّ له في قبره من كرامة، أو هوان. وهذا هو مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أهل الملة. هذا؛ وانظر ما ذكرته في الآية رقم [27] من سورة (إبراهيم) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، تجد ما يسرك. وانظر شرح {ثُمَّ} في الآية رقم [31] من سورة (الحاقة). والفعل {تَعْلَمُونَ} من المعرفة، لا من العلم، انظر الآية رقم [9] من سورة (العاديات) هذا؛ و {سَوْفَ} في حق الله تعالى تفيد التوكيد، والتحقيق.

ص: 712

الإعراب: {كَلاّ:} انظر ما قيل فيها في الشرح. {سَوْفَ:} حرف تسويف، واستقبال. وانظر الشرح أيضا. {تَعْلَمُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، والمفعول محذوف للتعميم، والجملة الفعلية مبتدأة، أو مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين، والتي بعدها معطوفة عليها، وقد جعله ابن مالك من التوكيد اللفظي مع توسط حرف العطف.

وقال الزمخشري: والتكرير تأكيد للردع، والرد عليهم، و {ثُمَّ} دالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول. وانظر الشرح.

تنبيه: قال ابن هشام رحمه الله في المغني: إذا تعلق الإعلام بمجرد إيقاع الفاعل للفعل، فيقتصر عليهما، ولا يذكر المفعول، ولا ينوى؛ إذ المنويّ كالثابت، ولا يسمى محذوفا؛ لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة ما لا مفعول له، ومنه قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [258]:{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ،} وقوله تعالى في سورة (الزمر) رقم [9]: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} وقوله تعالى في سورة (الأعراف)[31]: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا،} وقوله تعالى في سورة (الإنسان) رقم [20]: {وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ} إذا المعنى: ربي الذي يفعل الإحياء، والإماتة. وهل يستوي من يتصف بالعلم، ومن ينتفي عنه العلم؟ وأوقعوا الأكل، والشرب، وذروا الإسراف. وإذا حصلت منك رؤية هنالك. ومنه على الأصح قوله تعالى في سورة (القصص) رقم [23]:{وَلَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ} ألا ترى أنه عليه الصلاة، والسّلام إنما رحمهما؛ إذ كانتا على صفة الذياد، وقومهما على السقي، لا لكون مذودهما غنما ومسقيهم إبلا، وكذلك التصور من قولهما (نسقي) السقي، لا المسقي، ومن لم يتأمل قدر يسقون إبلهم، وتذودان غنمهما، ولا نسقي غنما. انتهى.

{كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)}

الشرح: أي: لو تعلمون اليوم من البعث، والحشر، والمجازاة ما تعلمونه إذا جاءتكم نفخة الصور، وانشقت اللحود عن جثثكم كيف يكون حشركم، وجزاؤكم؛ لشغلكم ذلك عن التكاثر بالدنيا. وقيل: المعنى لو تعلمون كيف تتطاير الصحف؛ فالناس بين شقي، وسعيد في ذلك اليوم العظيم شأنه، الطويل زمانه. {عِلْمَ الْيَقِينِ} أي: علما يقينا. فهو من إضافة الموصوف إلى صفته. وقال القرطبي: وإضافة العلم إلى اليقين، كقوله تعالى في سورة (الواقعة) رقم [95]:

{إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ،} وفي سورة (الحاقة) رقم [51]: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} . وقال النسفي:

التقدير علم الأمر اليقين.

{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ:} فهو كقوله تعالى في سورة (النازعات): {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى} والخطاب للكفار؛ الذين وجبت لهم النار. وقيل: هو عام لجميع الناس، كما قال تعالى في سورة (مريم) رقم [71]:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها..} . إلخ فهي للكفار دار، ومقر، وللمؤمنين على ظهرها ممر.

ص: 713

هذا؛ والقاعدة: أن الفعل المضارع المراد توكيده بنون التوكيد، إذا أسند إلى واو الجماعة، أو ياء المؤنثة المخاطبة. فإن كان صحيح الآخر؛ حذف منه نون الرفع لتوالي الأمثال، وحذف منه واو الجماعة، وتبقى ضمة قبل نون التوكيد دليلا عليها، وحذف منه أيضا ياء المخاطبة، وتبقى كسرة قبل نون التوكيد دليلا عليها. وإن كان معتل الآخر، حذف منه حرف العلة، إن كان واوا، أو ياء، أو ألفا، وحذفت واو الجماعة أيضا؛ إلا مع المعتل بالألف، فتبقى محركة بحركة مجانسة لها مثل:{لَتَرَوُنَّ} ولا يجوز حذف الواو لالتقاء الساكنين؛ لأن قبلها فتحة، والفتحة لا تدل على الواو لو حذفت، كما هو الظاهر.

الإعراب: {كَلاّ:} انظر الكلام عليها فيما سبق. {لَوْ:} حرف لما كان سيقع لوقوع غيره.

{تَعْلَمُونَ:} فعل مضارع مرفوع

إلخ، والواو فاعله، {عِلْمَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {الْيَقِينِ} مضاف إليه، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. وجواب {لَوْ} محذوف، انظر تقديره في الشرح، وقدره ابن هشام في المغني:

لارتدعتم، وما ألهاكم التكاثر. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:«لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا» . و {لَوْ} ومدخولها كلام مستأنف بعد {كَلاّ،} لا محل له.

{لَتَرَوُنَّ:} اللام واقعة في جواب قسم محذوف، التقدير: وعزتي وجلالي. ونحو ذلك.

(ترونّ): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه النون المحذوفة لتوالي الأمثال. والواو فاعله، والنون حرف لا محل له. {الْجَحِيمَ:} مفعول به، والجملة الفعلية جواب القسم المحذوف؛ الذي رأيت تقديره. والقسم وجوابه كلام مستأنف، لا محل له.

{ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}

الشرح: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّها} يعني: الجحيم. {عَيْنَ الْيَقِينِ} أي: عيانا، ومشاهدة بأبصاركم عن بعد، وإذا رأوها؛ فإنها تراهم كذلك. قال تعالى في سورة (الفرقان) رقم [12]:{إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} انظر شرحها هناك، فإنه جيد، والحمد لله. هذا؛ وقيل:

معنى: {لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} أي: لو تعلمون في الدنيا علم اليقين فيما أمامكم مما وصافات {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} بعيون قلوبكم، فإن علم اليقين يريك الجحيم بعين فؤادك، وهو أن تتصور لك تارات القيامة، وقطع مسافاتها. {ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ} أي: عند المعاينة بعين الرأس، فتراها يقينا، لا تغيب عن عينك. هذا؛ و {عَيْنَ الْيَقِينِ} مثل:{حَقُّ الْيَقِينِ} في سورة (الواقعة) وسورة (الحاقة).

{ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} أي: الذي ألهاكم، وشغلكم عن طاعة الله، وطاعة رسوله، والخطاب مخصوص بكل من ألهاه دنياه عن دينه، والنعيم مخصوص بما يشغله للقرينة، والنصوص

ص: 714

الكثيرة، كقوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [32]:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ،} وقال تعالى في سورة (البقرة)[168]: {يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً} وما يشبهها في سورة (المائدة) رقم [88] وسورة (الأنفال) رقم [69] ونعيم الدنيا أهمه الأمن، والصحة، وسائر ما يتلذذ به من مطعم، ومشرب، ومسكن، ومفرش ومركب

إلخ.

والسؤال يوم القيامة عن النعيم يعم الكافر، والمؤمن، وهو الأولى، لكن سؤال الكافر سؤال توبيخ، وتقريع؛ لأنه ترك شكر ما أنعم الله به عليه، والمؤمن يسأل سؤال تشريف، وتكريم؛ لأنه شكر ما أنعم الله به عليه، وأطاع ربه، فيكون السؤال في حقه تذكرة بنعم الله عليه. يدل على ذلك ما روي عن الزبير-رضي الله عنه-قال: لما نزلت: {لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} يا رسول الله! وأي نعيم نسأل عنه، وإنما هما الأسودان: التمر والماء. قال: «أما إنه سيكون» . أخرجه الترمذي. انتهى. خازن. أقول: وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم بشارة، وإخبار بما سيكون من النعيم بعده، وقد كان، وكان، وكان

إلخ.

وقال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: ما النعيم الذي يسأل عنه الإنسان، ويعاتب عليه؟ فما من أحد، إلا وله نعيم، قلت: هو نعيم من عكف همته على استيفاء اللذات، ولم يعش إلا ليأكل الطيب، ويلبس اللين، ويقطع أوقاته باللهو والطرب، لا يعبأ بالعلم، والعمل، ولا يحمل نفسه مشاقهما، فأما من تمتع بنعمة الله، وأرزاقه؛ التي لم يخلقها إلا لعباده، وتقوّى بها على دراسة العلم، والقيام بالعمل الصالح، وكان ناهضا بالشكر؛ فهو من ذاك بمعزل، وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى:«أنه أكل هو وأصحابه تمرا، وشربوا عليه ماء، فقال: الحمد لله الذي أطعمنا، وسقانا، وجعلنا مسلمين» . انتهى. كشاف.

هذا؛ وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر، وعمر-رضي الله عنهما، فقال:«ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟» . قالا: الجوع يا رسول الله! قال: «وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوما!» . فقاما معه، فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة. قالت: مرحبا، وأهلا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أين فلان؟» . قالت: يستعذب لنا من الماء؛ إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله! ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني! قال: فانطلق، فجاءهم بعذق، فيه بسر، وتمر، ورطب، فقال: كلوا من هذه.

وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إيّاك والحلوب!» . فذبح لهم، فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلما أن شبعوا، ورووا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، وعمر-رضي الله عنهما:«والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم» . انتهى. وأخرجه الترمذي، وزاد فيه: «هذا والذي نفسي

ص: 715

بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة: ظلّ بارد، ورطب طيب، وماء بارد». وكنّى الرجل الذي من الأنصار، فقال: أبو الهيثم بن التيهان، وذكر قصته. انتهى. قرطبي.

قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: اسم الرجل الأنصاري مالك بن التيهان، ويكنى: أبا الهيثم. وفي هذه القصة يقول عبد الله بن رواحة-رضي الله عنه-يمدح بها أبا الهيثم بن التيهان: [الطويل]

فلم أر كالإسلام عزّا لأمّة

ولا مثل أضياف الأراشيّ معشرا

نبيّ وصدّيق وفاروق أمّة

وخير بني حوّاء فرعا وعنصرا

فوافوا لميقات وقدر قضيّة

وكان قضاء الله قدرا مقدّرا

إلى رجل نجد يباري بجوده

شموس الضحى جودا ومجدا ومفخرا

وفارس خلق الله في كلّ غارة

إذا لبس القوم الحديد المسمّرا

ففدّى وحيّا، ثمّ أوفى قراهم

فلم يقرهم إلا سمينا متمّرا

انتهى. كله من القرطبي. ومثله في الخازن ما عدا الشعر. وجاء في: «الترغيب والترهيب» للحافظ المنذري الحديث لكنه من رواية ابن عباس-رضي الله عنهما-وتخريج الطبراني، وابن حبان. والمضيف كان أبو أيوب، رضي الله عنه. هكذا ذكر هناك.

الإعراب: {ثُمَّ:} حرف عطف. {لَتَرَوُنَّها:} اللام: واقعة في جواب القسم المحذوف.

(ترونها): فعل مضارع مرفوع مثل سابقه، والواو فاعله، والنون حرف لا محل له، و (ها):

مفعول به، والجملة الفعلية جواب القسم المحذوف، والقسم، وجوابه كلام معطوف على ما قبله. {عَيْنَ:} مفعول مطلق، عامله ما قبله؛ لأن رأى، وعاين بمعنى واحد، و {عَيْنَ} مضاف، و {الْيَقِينِ:} مضاف إليه. {لَتُسْئَلُنَّ:} مثل ما قبلها إعرابا ومحلا. {يَوْمَئِذٍ:} (يوم):

ظرف زمان متعلق بما قبله، و (إذ) في محل جر بالإضافة، والتنوين عوض عن جملة محذوفة، التقدير: يوم إذ ترون الجحيم. {عَنِ النَّعِيمِ:} متعلقان بما قبلهما أيضا. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

انتهت سورة (التكاثر) شرحا، وإعرابا والحمد لله رب العالمين.

ص: 716