المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الحاقّة بسم الله الرحمن الرحيم مكية في قول الجميع، وهي اثنتان - تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة - جـ ١٠

[محمد علي طه الدرة]

فهرس الكتاب

- ‌سورة التّحريم

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الملك

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القلم

- ‌فائدة:

- ‌سورة الحاقّة

- ‌خاتمة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الجنّ

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المزّمّل

- ‌سورة المدّثر

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الإنسان

- ‌فائدة:

- ‌سورة المرسلات

- ‌سورة النّبإ

- ‌سورة النّازعات

- ‌فائدة:

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التّكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطفّفين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البروج

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة الطّارق

- ‌تنبيه: بل خاتمة:

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌فائدة:

- ‌سورة البلد

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الشمس

- ‌تنبيه، وخاتمة:

- ‌سورة الليل

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الضّحى

- ‌سورة الشرح

- ‌سورة التّين

- ‌فائدة:

- ‌سورة العلق

- ‌الشرح

- ‌خاتمة:

- ‌سورة القدر

- ‌سورة البيّنة

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة الكافرون

- ‌فائدة:

- ‌سورة النّصر

- ‌سورة المسد

- ‌‌‌فائدةبل طرفة:

- ‌فائدة

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة النّاس

- ‌خاتمة

- ‌ترجمة موجزة للشيخ المفسر النحويمحمد علي طه الدرة رحمه الله تعالى1340 -1428 هـ-1923 - 2007 م

- ‌حليته وشمائله:

- ‌مؤلفات الشيخ المطبوعة والمخطوطة:

الفصل: ‌ ‌سورة الحاقّة بسم الله الرحمن الرحيم مكية في قول الجميع، وهي اثنتان

‌سورة الحاقّة

بسم الله الرحمن الرحيم

مكية في قول الجميع، وهي اثنتان وخمسون آية، ومئتان وست وخمسون كلمة، وألف وأربعة وثلاثون حرفا. انتهى. خازن، وروى أبو الزاهرية عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ إحدى عشرة آية من سورة الحاقة؛ أجير من فتنة الدجّال، ومن قرأها كانت له نورا يوم القيامة من فوق رأسه إلى قدمه» . انتهى. قرطبي.

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)}

الشرح: {الْحَاقَّةُ} يعني: القيامة، سميت حاقة من الحق الثابت؛ يعني: أنها ثابتة الوقوع، لا ريب فيها. انتهى. خازن. وفي النسفي: الحاقة: الساعة الواجبة الوقوع، الثابتة المجيء، التي هي آتية، لا ريب فيها، من: حقّ، يحق بالكسر، أي: وجب. انتهى. وقيل: سميت بذلك؛ لأن فيها تحقق الأمور، فتعرف على الحقيقة، وفيها يحق الجزاء على الأعمال، أي:

يجب، وقال الأزهري: يقال: حاققته، فحققته، أحقه، أي: غالبته فغلبته، فالقيامة حاقة؛ لأنها تحق كل محاق في دين الله بالباطل.

{مَا الْحَاقَّةُ} أي: أي شيء هي؟ تفخيما لشأنها، وتعظيما لهولها، أي: حقها أن يستفهم عنها لعظمها. فوضع الظاهر موضع الضمير لزيادة التهويل. {وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ} المعنى: وأي شيء علمته عن الحاقة؟ أي: إنك، لا علم لك بكنهها، ومدى عظمها؛ لأنها من العزم، والشدة بحيث لا تبلغ حقيقتها دراية المخلوقين، ومعرفتهم. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ويعم كل عاقل فاهم يهمه شأن القيامة، ومعرفة حقيقتها.

والنبي صلى الله عليه وسلم كان عالما بالقيامة، ولكن بالصفة، فقيل تفخيما لشأنها: وما أدراك ما هي؟ كأنك لست تعلمها؛ إذ لم تعاينها، وقال يحيى بن سلام-رحمه الله تعالى-: بلغني: أن كل شيء في القرآن {وَما أَدْراكَ} فقد أدراه إياه، وعلمه، وكل شيء قال:{وَما يُدْرِيكَ} . فهو مما لم يعلمه. وقال سفيان بن عيينة: كل شيء قال فيه: {وَما أَدْراكَ} فإنه أخبر به، وكل شيء قال فيه:

{وَما يُدْرِيكَ} . فإنه لم يخبر به.

ص: 110

الإعراب: {الْحَاقَّةُ:} مبتدأ أول. {مَا الْحَاقَّةُ:} اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ثان. {الْحَاقَّةُ:} خبره، والجملة الاسمية:{مَا الْحَاقَّةُ} في محل رفع خبر المبتدأ الأول، والجملة الاسمية:{الْحَاقَّةُ..} . إلخ لا محل لها من الإعراب؛ لأنها ابتدائية. {وَما:} (الواو):

حرف عطف، أو استئناف. (ما): مبتدأ. {أَدْراكَ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى (ما) تقديره: هو، والكاف مفعول به أول. {مَا الْحَاقَّةُ:} مبتدأ، وخبر، والجملة الاسمية في محل نصب سدت مسد مفعول {أَدْراكَ} الثاني المعلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام. وقال زاده: في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني، والثالث ل:(أدرى)؛ لأنه بمعنى: أعلم، والجملة الفعلية:{أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ} في محل رفع خبر المبتدأ، الذي هو (ما)، والجملة الاسمية لا محل لها على الوجهين المعتبرين بالواو.

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (4)}

الشرح: {ثَمُودُ} قبيلة عربية سموا باسم أبيهم الأكبر، ثمود بن غابر، بن سام، بن نوح، وهو أخو جديس بن غابر، وكانت مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله. قال أبو عمرو بن العلاء: سميت ثمود لقلة مائها، والثمد: الماء القليل. والأول هو المعتمد. هذا؛ ويقرأ بالصرف، وعدمه، وهو الأكثر، والأرجح، وصرفه على إرادة الأب الأول، ومنعه على إرادة القبيلة، ورسول ثمود هو صالح، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، وهو ابن عبيد، بن آسف، بن ماسح، بن عبيد، بن حاذر، بن ثمود، وليس هو من أنبياء بني إسرائيل، ك: هود؛ لأنهما قبل إبراهيم عليه السلام، وكان بين هود، وصالح مئة سنة، وعاش صالح مئتين وثمانين سنة كما في الحبير للسيوطي.

(عاد) مثل {ثَمُودُ} قبيلة عربية أيضا، وهو في الأصل اسم الأب الكبير، وهو عاد بن عوص، ابن إرم، بن سام، بن نوح، عليه الصلاة والسلام، فسميت به القبيلة، أو الحي، و (عاد) مثل {ثَمُودُ} في الصرف، وعدمه. والكثير، والأقوى الصرف لخفته؛ لأنه على ثلاثة أحرف، أوسطها ساكن، مثل: هند، ودعد، ولوط، ونوح

، وأما هود فقد اشتهر في ألسنة النحاة: أنه عربي، وهو ابن عبد الله، بن رباح بن الخلود، بن عاد، بن عوص، بن إرم، بن نوح. وقال ابن إسحاق:

هو هود بن شالخ، بن أرفخشذ، بن سام، بن نوح، وهود قبل صالح، كان بينه وبين نوح ثمانمئة سنة وعاش أربعمائة وأربعا وستين سنة، وكانت قبيلة عاد تسكن الأحقاف من بلاد اليمن.

(القارعة): هي يوم القيامة، سميت بذلك؛ لأنها تقرع الناس بأهوالها، يقال: أصابتهم قوارع الدهر، أي: أهواله، وشدائده، ونعوذ بالله من قوارع فلان، ولواذعه، وقوارص لسانه (جمع قارصة، وهي الكلمة المؤذية). هذا؛ وقد قال تعالى في بيان أهوالها، وشدائدها:

{الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ..} . إلخ.

ص: 111

الإعراب: {كَذَّبَتْ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث حرف لا محل له، {ثَمُودُ:} فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {وَعادٌ:} (الواو): حرف عطف. (عاد): معطوف على {ثَمُودُ} . {بِالْقارِعَةِ:} متعلقان بالفعل: {كَذَّبَتْ} .

{فَأَمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطّاغِيَةِ (5)}

الشرح: {بِالطّاغِيَةِ} أي: بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة، واختلف فيها، فقيل: الرجفة، أو الصيحة قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [77]:{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} وقال في سورة (هود) رقم [67]: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ} .

انظر شرح الآيتين في محلهما. هذا؛ والطاغية من: الطغيان، وهو محاوزة الحد، قال تعالى في سورة (العلق):{كَلاّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى} ويقال: طغا يطغى ويطغو طغيانا وطغوانا جاوز الحد، وكل مجاوز حده في العصيان طاغ، وطغى البحر هاجت أمواجه، وطغى السيل جاء بماء كثير، قال تعالى:{إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ} رقم [11] الآتية.

الإعراب: {فَأَمّا:} (الفاء): حرف تفريع، واستئناف. (أما): أداة شرط، وتفصيل، وتوكيد، أما كونها أداة شرط؛ لأنها قائمة مقام أداة الشرط وفعله بدليل لزوم الفاء بعدها؛ إذ الأصل:

مهما يك من شيء؛ فثمود أهلكوا

إلخ، فأنيبت (أما) مناب: مهما، ويك من شيء، فصار:

(أما ثمود فأهلكوا

) إلخ، وأما كونها أداة تفصيل؛ لأنها في الغالب تكون مسبوقة بكلام مجمل، وهي تفصله، ويعلم ذلك من تتبع مواقعها. وأما كونها أداة توكيد؛ لأنها تحقق الجواب، وتفيد: أنه واقع لا محالة لكونها علقته على أمر متيقن. {ثَمُودُ:} مبتدأ.

{فَأُهْلِكُوا:} (الفاء): واقعة في جواب (أما). (أهلكوا): فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم، والواو نائب فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {بِالطّاغِيَةِ:} متعلقان بما قبلهما.

{وَأَمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (6)}

الشرح: {فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ} أي: شديدة الصوت في الهبوب، لها صرصرة. وقيل:

هي الباردة، من الصر، كأنها التي كرر فيها البرد، وكثر، فهي تحرق بشدة بردها، كإحراق النار، {عاتِيَةٍ:} شديدة العصف، والعتو، فهي استعارة، أو عتت على قوم عاد، فلم يقدروا على ردها بحيلة من استتار ببناء، أو لياذ بجبل، أو اختفاء في حفرة، فإنها كانت تنزعهم من مكانهم، وتهلكهم. وقيل: عتت على خزانها، فخرجت بلا كيل، ولا وزن. روى سفيان الثوري عن موسى بن المسيب، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال

ص: 112

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أرسل الله من نسمة من ريح إلا بمكيال، ولا قطرة من ماء إلا بمكيال، إلا يوم عاد، ويوم نوح، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزّان، فلم يكن لهم عليه سبيل» . ثم قرأ قوله تعالى: {إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ} والريح لما كان يوم عاد عتت على الخزان، فلم يكن لهم عليها سبيل». ثم قرأ قوله تعالى:{بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ} . انتهى. كشاف، وقرطبي.

وفي الكشاف بدل (من نسمة): (من سفينة) وانظر شرح الريح في سورة (القمر) رقم [19].

الإعراب: {وَأَمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا:} الإعراب مثل الآية السابقة بلا فارق. {بِرِيحٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ:} صفتان ل: (ريح).

{سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (8)}

الشرح: {سَخَّرَها عَلَيْهِمْ} أي: أرسل الريح وسلّطها على قوم عاد. والتسخير: استعمال الشيء بالاقتدار. والتسخير التذليل. {سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً} قال الزمخشري في الكشاف: الحسوم لا يخلو من أن يكون جمع: حاسم، كشهود، وقهود، أو مصدرا كالشكور، والكفور، فإن كان جمعا؛ فمعنى قوله: حسوما نحسات، حسمت كل خير، واستأصلت كل بركة، حيث قيل: الحسم: الاستئصال، ويقال للسيف: حسام؛ لأنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته، قال طرفة من معلقته رقم [92]:[الطويل]

حسام إذا ما قمت معتضدا به

كفى العود منه البدء ليس بمعضد

والمعنى: أن الريح حسمتهم؛ أي: قطعتهم، وأذهبتهم، فهي قاطعة بعذاب الاستئصال.

وقيل: معنى حسوما: متتابعة هبوب الرياح، ما خفتت ساعة حتى أتت عليهم، تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء كرة بعد أخرى؛ حتى يحسم، لذا قيل: هو استعارة تصريحية تبعية. قال عبد العزيز بن زرارة الكلابي: [الوافر]

ففرّق بين بينهم زمان

تتابع فيه أعوام حسوم

وهذه الأيام هي التي قال الله عنها في سورة (فصلت) رقم [16]: {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيّامٍ نَحِساتٍ} . هذا؛ واختلف في أولها، فالمعتمد: أنها ابتدأت صباح يوم الأربعاء، وانتهت غروب الشمس من اليوم الثامن من يوم الأربعاء أيضا، وهذه الأيام هي التي تسميها العرب أيام العجوز؛ لأن عجوزا من (عاد) دخلت سربا هربا من الريح، فتبعتها، فقتلتها في اليوم الثامن.

وقيل: سميت أيام العجوز؛ لأنها وقعت في عجز الشتاء، وهي من آخر شباط، وأول آذار من الأشهر الميلادية، وما يوافقها من الأشهر القمرية الهجرية، ولها أسام مشهورة عند العرب، وفيها يقول الشاعر، وهو ابن أحمر:[الكامل]

ص: 113

كسع الشّتاء بسبعة غبر

أيّام شهلتنا من الشّهر

فإذا انقضت أيامها ومضت

صنّ وصنّبر مع الوبر

وبآمر وأخيه مؤتمر

ومعلّل، وبمطفئ الجمر

ذهب الشّتاء مولّيا عجلا

وأتتك واقدة من النّجر

فتسميتها على هذا النحو على ترتيبها في الوقوع من غير تعيين مصادفة الأول منها مثلا في يوم الأربعاء، أو غيره. وأما تسمية أيام الأسبوع، فقد جاءت في قول شاعر جاهلي لم يسم، وهي مايلي، وهو الشاهد رقم [40] من كتابنا:«فتح الكريم الواسع» إعراب شواهد همع الهوامع: [الوافر]

أؤمّل أن أعيش وإنّ يومي

بأوّل أو بأهون أو جبار

أو التّالي دبار فإن أفته

فمونس أو عروبة أو شيار

فأوّل اسم يوم الأحد في تسميتهم القديمة. أهون: اسم يوم الاثنين. جبار: بضم الجيم وتخفيف الباء اسم يوم الثلاثاء. دبار: بضم الدال وتخفيف الباء اسم يوم الأربعاء. مونس: اسم يوم الخميس. عروبة: اسم يوم الجمعة. شيار: اسم يوم السبت.

{فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها} أي: في تلك الليالي، والأيام، والخطاب يعم كل عاقل لو نظر، ورأى ما حل فيهم من الهلاك، والوبال. وقيل الخطاب للنبي، والمعنى: تبصر أنت يا محمد لو كنت حاضرا هذه الواقعة. فالكلام على سبيل الفرض، والتقدير. انتهى. جمل. {صَرْعى:} موتى، هلكى، جمع: صريع. {كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ} أي: ساقطة. وقيل: خالية الأجواف، لا شيء فيها، شبههم بجذوع نخل ساقطة، ليس لها رؤوس فهو تشبيه مرسل. قال تعالى في سورة (القمر)، رقم [20]:{تَنْزِعُ النّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} والنخل من الجمع الذي يذكر، ويؤنث، فقد أنث هنا، وذكّر في سورة (القمر) وانظر ما ذكرته في سورة (القمر)؛ فإنه جيد.

{فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ} أي: من نفس باقية. قيل: إنهم لما أصبحوا موتى في اليوم الثامن حملتهم الريح فألقتهم في البحر، فلم يبق منهم أحد على وجه الأرض، فذلك قوله تعالى في سورة (الأحقاف) رقم [25]:{فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ} وانظر ما ذكرته بشأن قوله تعالى في سورة (القمر): {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} رقم [19] ففيها ما يسرك، ويثلج صدرك، وانظر إعلال {تَرى} في الآية رقم [3] من سورة (الملك).

الإعراب: {سَخَّرَها:} (سخّر): فعل ماض. (ها): مفعول به، والفاعل محذوف يدل عليه المقام، ويقال: الفاعل ضمير مستتر تقديره: «هو» ، يعود إلى (الله) المفهوم من المقام، مثل قوله

ص: 114

تعالى في سورة (الواقعة): {فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} وانظر ما أذكره في سورة (القيامة) إن شاء الله تعالى. والجملة الفعلية في محل جر صفة ثالثة لريح، أو في محل نصب حال منها بعد وصفها بما تقدم، وأجاز أبو البقاء الاستئناف. {عَلَيْهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {سَبْعَ:}

ظرف زمان متعلق بالفعل قبله، و {سَبْعَ} مضاف، و {لَيالٍ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، والتنوين عوض من الياء. {وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ:}

معطوف على ما قبله. {حُسُوماً:} فيه أوجه: أحدها: أن يكون نعتا لسبع ليال، وثمانية أيام.

والثاني: أن يكون مفعولا مطلقا، لفعل محذوف، التقدير: تحسمهم حسوما. الثالث: أن يكون حالا من مفعول {سَخَّرَها} . الرابع: أن يكون مفعولا لأجله. انتهى. جمل نقلا عن السمين بتصرف مني. والزمخشري، والقرطبي ذكرا الحالية، والمصدرية فقط. {فَتَرَى:} (الفاء):

حرف عطف. (ترى): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل مستتر، تقديره:«أنت» . {الْقَوْمَ:} مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:

{سَخَّرَها..} . إلخ على الوجهين المعتبرين فيها. {فِيها:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما.

{صَرْعى:} حال من {الْقَوْمَ} منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر. {كَأَنَّهُمْ:}

حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {أَعْجازُ:} خبرها، وهو مصاف، و {نَخْلٍ} مضاف إليه.

{خاوِيَةٍ:} صفة {أَعْجازُ} وجر على الجوار ل: {نَخْلٍ} فهو مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الجوار، والجملة الاسمية:{كَأَنَّهُمْ..} . إلخ في محل نصب حال ثانية من {الْقَوْمَ،} أو من الضمير في {صَرْعى،} فتكون حالا متداخلة.

{فَهَلْ:} (الفاء): حرف استئناف. (هل): حرف استفهام معناه النفي. {تَرى:} فعل مضارع مرفوع

إلخ، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» . {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما.

{مِنْ:} حرف جر صلة. {باقِيَةٍ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، والجملة الفعلية مستأنفة.

{وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (9)}

الشرح: {وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ} أي: ومن تقدمه من القرون الخالية. ويقرأ: «(ومن قبله)» بكسر القاف، وفتح الباء، أي: ومن معه وتبعه من جنوده. {وَالْمُؤْتَفِكاتُ} أي: المنقلبات، وهي قرى قوم لوط، التي اقتلعها جبريل عليه السلام، ورفعها على جناحه قرب السماء، ثم قلبها.

قال تعالى في سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها..} . إلخ رقم [82] وكانت خمس قرى، وهي: صبعة، وصعرة، وعمرة، ودوما، وسدوم، وهي القرية العظمى. هذا؛ وجاء هذا اللفظ في سورة (التوبة) رقم [70] وجاء بالإفراد

ص: 115

في سورة (النجم) قوله تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى} رقم [53]. {بِالْخاطِئَةِ} أي: بالخطيئة، والمعصية، وهي الشرك، فالخاطئة مصدر، مثل: الواقعة، والعاقبة. وقال الجلال: أي:

بالفعلات ذات الخطأ، فهو يشير إلى أن الخاطئة صيغة نسب، كلابن، وتامر، وباقل على حد قول ابن مالك في ألفيته:[الرجز]

ومع فاعل وفعّال فعل

في نسب أغنى عن اليا فقبل

الإعراب: {وَجاءَ:} (الواو): حرف عطف، (جاء): فعل ماض. {فِرْعَوْنُ:} فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {وَمَنْ:} (الواو): حرف عطف. (من): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع معطوف على {فِرْعَوْنُ} . {قَبْلَهُ:} ظرف زمان متعلق بمحذوف صلة الموصول. {وَالْمُؤْتَفِكاتُ:} الواو: حرف عطف. (المؤتفكات): معطوف على ما قبله. {بِالْخاطِئَةِ:} متعلقان بالفعل جاء، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {فِرْعَوْنُ} وما عطف عليه، التقدير: جاؤوا متلبسين بالخاطئة.

{فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (10)}

الشرح: {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ:} قال الكلبي: هو موسى بن عمران. وقيل: هو لوط؛ لأنه أقرب. والأولى أن يقال: المراد بالرسول كلاهما؛ لتقدم ذكر الأمتين جميعا، كما قال تعالى في سورة (الشعراء) رقم [16] مخاطبا موسى، وهارون-على نبينا، وعليهما ألف صلاة، وألف سلام-:{فَقُولا إِنّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ} وقيل: رسول بمعنى: رسالة، وقد يعبر عن الرسالة بالرسول، قال كثيّر عزّة، (وهو بصيغة المصغر):[الطويل]

لقد كذب الواشون ما بحت عندهم

بسرّ ولا أرسلتهم برسول

{فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً} أي: عالية زائدة على الأخذات، وعلى عذاب الأمم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: شديدة؛ أي: كأنها زائدة في الشدة، وفتح همزة {أَخْذَةً} لأنها مصدر مرة، وليست مصدر هيئة: وإنما معنى الهيئة مستفاد من النعت.

الإعراب: {فَعَصَوْا:} (الفاء): حرف عطف، (عصوا): فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة، التي هي فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {رَسُولَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {رَبِّهِمْ} مضاف إليه، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه.

{فَأَخَذَهُمْ:} الفاء: حرف عطف. (أخذهم): فعل ماض، والهاء مفعول به، والفاعل يعود إلى {رَبِّهِمْ}. {أَخْذَةً:} مفعول مطلق. {رابِيَةً:} صفة {أَخْذَةً،} والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا.

ص: 116

{إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (12)}

الشرح: {إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ} أي: عتا، وجاوز حده؛ حتى علا على كل شيء، وارتفع فوقه، وذلك في زمن نوح على حبيبنا، وشفيعنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، وانظر الطغيان في الآية رقم [5] وفي ذلك استعارة لطيفة؛ لأن الطغيان، وتجاوز الحد من صفات الإنسان، فشبه ارتفاع الماء، وكثرته بطغيان الإنسان على الإنسان بطريق الاستعارة التصريحية بالفعل. {حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ:} في السفينة التي صنعها نوح. والمعنى: حملنا آباءكم، وأنتم في أصلابهم، فهو من مخاطبة الأبناء، بما حصل للآباء، وهذا كثير في القرآن، ولا سيما مع اليهود الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [55]:{وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً..} . إلخ، ورقم [61]:{وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ..} . إلخ. ورقم [72] منها أيضا: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً..} . إلخ. {لِنَجْعَلَها لَكُمْ} أي: نجعل تلك الفعلة التي فعلناها من إغراق قوم نوح، ونجاة من حملنا معه. {لَكُمْ تَذْكِرَةً} أي: جعل الله سفينة نوح تذكرة، وعظة لهذه الأمة؛ حتى أدركها أوائلهم. قال ابن جريج: كانت ألواحها على الجودي في الموصل من أرض العراق، وذكر: أن ناسا وقفوا على جبل الجودي، فشاهدوا بقايا خشبات من تلك السفينة.

فيكون المعنى: أبقيت لكم تلك الخشبات؛ حتى تذكروا ما حل بقوم نوح، وإنجاء الله آباءكم، وكم من سفينة هلكت، وصارت ترابا، ولم يبق منها شيء. وقيل: المعنى لنجعل تلك الفعلة من إغراق قوم نوح، وإنجاء من آمن معه موعظة لكم، ولهذا قال تعالى:{وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ} أي:

تحفظها، وتسمعها أذن حافظة لما جاء من عند الله، والسفينة لا توصف بهذا. روى مكحول:

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند نزول هذه الآية: «سألت ربي أن يجعلها أذن علي» . قال مكحول: فكان علي-رضي الله عنه-يقول: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط، فنسيته؛ إلا وحفظته. ذكره الماوردي. انتهى. قرطبي.

الإعراب: {إِنّا:} (إنّ): حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها، حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {لَمّا:} حرف وجود لوجود عند سيبويه. وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب.

وهي عند ابن السراج، والفارسي، وابن جني، وجماعة: ظرف زمان بمعنى: «حين» تتطلب جملتين مرتبطتين ببعضهما ارتباط فعل الشرط بجوابه، وصوب ابن هشام الأول، والمشهور الثاني. {طَغَى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {الْماءُ:} فاعله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية على اعتبار {لَمّا} حرفا، وفي محل جر بإضافة {لَمّا} إليها على اعتبارها ظرفا. {حَمَلْناكُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية جواب {لَمّا،} لا محل لها. {فِي الْجارِيَةِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، و {لَمّا} ومدخولها في محل رفع خبر

ص: 117