الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة المسد
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة (تبت)، وتسمى سورة أبي لهب، وسورة (المسد)، وهي خمس آيات، وعشرون كلمة، وسبعون حرفا.
بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في الصحيحين وغيرهما، واللفظ لمسلم: عن ابن عباس-رضي الله عنهما: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} رقم [214] من سورة (الشعراء) خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف:«يا صباحاه!» . فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد، فاجتمعوا إليه؛ فقال:«أرأيتكم لو أخبرتكم: أن خيلا، تخرج بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم؛ أكنتم مصدقيّ؟» قالوا: ما جربنا عليك كذبا. قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد!» فقال أبو لهب: تبّا لك؛ ألهذا جمعتنا؟! ثم قام، فنزلت السورة الكريمة، فلما سمعت امرأته العوراء ما نزل بزوجها، وفيها من القرآن؛ أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر-رضي الله عنه-وفي يدها فهر (حجر ملء الكف) فلما وقفت عليه؛ أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر! إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته؛ لضربت بهذا الفهر فاه! والله إني لشاعرة، وقائلة:[مجزوء الرجز]
مذمّما عصينا
…
وأمره أبينا ودينه قلينا
ثم انصرفت، فقال الصديق-رضي الله عنه: يا رسول الله! أما تراها رأتك؟ قال:
«ما رأتني! لقد أخذ الله بصرها عني!» وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمما، يسبونه، ويهجونه، وكان صلى الله عليه وسلم يقول:«ألا تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش، يسبون، ويهجون مذمما، وأنا محمد» . هذا؛ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على قبائل العرب في موسم الحج، وأبو لهب يمشي خلفه، ويقول لهم: هذا ابن أخي، وهو كذاب، لا تصدقوه! فكانوا يردون على
النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون: قوم الرجل أعلم به، فكانت السعادة مقدرة للأوس، والخزرج في المدينة المنورة.
هذا؛ ومعنى {تَبَّتْ:} خابت، وخسرت، والتباب: الخسار، والهلاك. قال تعالى في سورة (غافر) رقم [37]:{وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاّ فِي تَبابٍ} . وقال يمان بن رئاب: {تَبَّتْ} صفرت من كل خير، حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء: أنه لما قتل عثمان-رضي الله عنه-سمع الناس هاتفا يقول: [مجزوء الوافر]
لقد خلّوك، وانصرفوا
…
فما آبوا ولا رجعوا
ولم يوفوا بنذرهم
…
فيا تبّا لما صنعوا
وخص اليدين بالتباب؛ لأن العمل أكثر ما يكون بهما؛ أي: خسرتا، وخسر هو. وقيل:
المراد باليدين نفسه، وقد يعبر عن النفس باليد، كما قال تعالى في سورة (الحج) رقم [10]:
{بِما قَدَّمَتْ يَداكَ} . {وَتَبَّ:} قال الفراء: التب الأول دعاء، والثاني خبر، كما يقال:
أهلكه الله؛ وقد هلك.
و (أبو لهب) اسمه عبد العزى، وهو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وامرأته العوراء أم جميل، أخت أبي سفيان بن حرب، واسمها: أروى. وكلاهما كان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم.
وكني بأبي لهب؛ لحسنه، وإشراق وجهه. فإن قلت: لم كناه، وفي الكنية تشريف، وتكرمة؟ قلت: فيه وجوه: أحدها: أنه كان مشتهرا بالكنية دون الاسم، فلو ذكره باسمه؛ لم يعرف.
الثاني: أنه كان اسمه عبد العزى، فعدل عنه إلى الكنية لما فيه من الشرك. الثالث: أنه لما كان من أهل النار، ومآله إلى النار، والنار ذات لهب، وافقت حاله كنيته، وكان جديرا بأن يذكر بها. الرابع: أن الله تعالى أراد أن يحقق نسبته بأن يدخله النار، فيكون أبا لها، تحقيقا للنسب، وإمضاء للفأل، والطيرة؛ التي اختارها لنفسه. الخامس: أن المراد بالكنية التحقير، كما بكنية أبي جهل. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
{ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ:} قال ابن مسعود-رضي الله عنه: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرباءه إلى الله تعالى؛ قال أبو لهب: إن كان ما تقول يا بن أخي حقا، فأنا أفتدي نفسي بمالي، وولدي، فأنزل الله تعالى:{ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ} أي: أي شيء يغني عنه ماله؟! أي:
ما يدفع عنه عذاب الله ماله؛ الذي جمعه، واكتسبه. أو الذي ورثه من أبيه، والذي كسبه بنفسه.
هذا؛ وقيل: وما كسب من الأولاد. فإن ولد الرجل من كسبه، كما جاء في الحديث من قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنّ أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإنّ أولادكم من كسبكم» . أخرجه الترمذي.
قال الآلوسي-رحمه الله تعالى-: كان لأبي لهب ثلاثة أبناء: عتبة، ومعتب، وعتيبة. وقد أسلم