المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة القدر بسم الله الرحمن الرحيم سورة (القدر) قيل: إنها مكية، وقيل: - تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة - جـ ١٠

[محمد علي طه الدرة]

فهرس الكتاب

- ‌سورة التّحريم

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الملك

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القلم

- ‌فائدة:

- ‌سورة الحاقّة

- ‌خاتمة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الجنّ

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المزّمّل

- ‌سورة المدّثر

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الإنسان

- ‌فائدة:

- ‌سورة المرسلات

- ‌سورة النّبإ

- ‌سورة النّازعات

- ‌فائدة:

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التّكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطفّفين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البروج

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة الطّارق

- ‌تنبيه: بل خاتمة:

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌فائدة:

- ‌سورة البلد

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الشمس

- ‌تنبيه، وخاتمة:

- ‌سورة الليل

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الضّحى

- ‌سورة الشرح

- ‌سورة التّين

- ‌فائدة:

- ‌سورة العلق

- ‌الشرح

- ‌خاتمة:

- ‌سورة القدر

- ‌سورة البيّنة

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة الكافرون

- ‌فائدة:

- ‌سورة النّصر

- ‌سورة المسد

- ‌‌‌فائدةبل طرفة:

- ‌فائدة

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة النّاس

- ‌خاتمة

- ‌ترجمة موجزة للشيخ المفسر النحويمحمد علي طه الدرة رحمه الله تعالى1340 -1428 هـ-1923 - 2007 م

- ‌حليته وشمائله:

- ‌مؤلفات الشيخ المطبوعة والمخطوطة:

الفصل: ‌ ‌سورة القدر بسم الله الرحمن الرحيم سورة (القدر) قيل: إنها مكية، وقيل:

‌سورة القدر

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة (القدر) قيل: إنها مكية، وقيل: مدنية، وهو الأصح، وعليه الأكثرون. وقيل: إنها أول ما نزل بالمدينة. وهي خمس آيات، وثلاثون كلمة، ومئة واثنا عشر حرفا.

بسم الله الرحمن الرحيم

{إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)}

الشرح: {إِنّا أَنْزَلْناهُ:} يعني القرآن، وإن لم يجر له ذكر في هذه السورة؛ لأن المعنى معلوم. والقرآن كله كالسورة الواحدة، وقد قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [185]:{شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وقال تعالى في سورة (الدخان): {حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ} يريد: في ليلة القدر، وذلك: أن الله تعالى أنزل القرآن العظيم جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر. فوضعه في بيت العزة، ثم نزل به جبريل-عليه السلام-على النبي صلى الله عليه وسلم نجوما متفرقة في ثلاث وعشرين سنة، فكان ينزل بحسب الوقائع، ومقتضيات الأحوال. وقيل: إنما أنزله إلى السماء الدنيا لشرف الملائكة بذلك؛ ولأنها كالمشترك بيننا، وبين الملائكة، فهي لهم سكن، ولنا سقف، وزينة.

هذا؛ ومعلوم: أن الإنزال مستعار للمعاني من الأجرام، شبه نقل القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وثبوته فيها بنزول جسم من علو إلى أسفل، فعلى هذا هو مجاز مرسل.

انتهى. نقلا عن كرخي.

هذا؛ وذكر أبو بكر بن الأنباري في كتاب الرد: أن الله تعالى أنزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا، ثم فرقه على النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة، فكانت السورة تنزل في أمر يحدث، والآية تنزل جوابا لمستخبر يسأل، ويوقف جبريل النبي صلى الله عليه وسلم على موضع السورة، والآية، فانتظام السّور كانتظام الآيات، والحروف، فكله عن رسول الله خاتم النبيين-عليهم الصلاة والسّلام- عن رب العالمين، فمن أخر سورة مقدمة، أو قدّم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الآيات، وغير الحروف، والكلمات، ولا حجة على أهل الحق في تقديم سورة (البقرة) على (الأنعام)، و (الأنعام) نزلت قبل سورة (البقرة)؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ عنه هذا الترتيب، وهو كان يقول:

«ضعوا هذه السورة موضع كذا، وكذا من القرآن» . وكان جبريل عليه السلام يوقفه على مكان الآيات. انتهى. جمل. أقول: وتسمية السورة أيضا توقيفي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 669

وسميت ليلة القدر؛ لأن فيها تقدير الأمور، والأحكام، والأرزاق، والآجال، وما يكون في تلك السنة إلى مثل هذه الليلة من السنة المقبلة، يقدر الله ذلك في بلاده، وعباده. ومعنى هذا:

أن الله يظهر ذلك لملائكته، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم بأن يكتب لهم ما قدره في تلك الليلة ويعرفهم إياه، وليس المراد منه: أنه يحدثه في تلك الليلة؛ لأن الله قدر المقادير قبل أن يخلق السموات، والأرض في الأزل.

قيل للحسين بن الفضل: أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات، والأرض؟ قال: نعم. قيل له: فما معنى ليلة القدر؟ قال: سوق المقادير إلى المواقيت، وتنفيذ القضاء المقدر. وقيل: سميت ليلة القدر لعظم قدرها، وشرفها على الليالي، من قولهم: لفلان قدر عند الأمير؛ أي: منزلة، وجاه. وقيل: سميت بذلك؛ لأن العمل الصالح يكون فيها ذا قدر عند الله؛ لكونه مقبولا. وقيل: سميت بذلك؛ لأن الأرض تضيق بالملائكة فيها. انتهى. خازن. أخذا من قوله تعالى في سورة الطلاق رقم [7]: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ..} . إلخ. هذا؛ وانظر ما ذكرته في آخر سورة (الجمعة) من مناقشة قول من يقول بتفضيل ليلة المولد النبوي الشريف على ليلة القدر، وليلة الجمعة وليلة عرفة

إلخ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

{وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ} أي: أيّ شيء يبلغ درايتك قدرها ومبلغ فضلها؟ وهذا على سبيل التعظيم لها، والتشويق إلى خيرها، وبركتها، ثم بين الله فضلها من ثلاثة أوجه، وهو ما ذكره في الآيات الثلاث الآتية. هذا؛ وقال يحيى بن سلام-رحمه الله تعالى-: بلغني: أن كل شيء في القرآن: {وَما أَدْراكَ} فقد أدراه إياه، وعلمه، وكل شيء قال:{وَما يُدْرِيكَ} فهو مما لم يعلمه.

وانظر شرح درى، يدري في آخر سورة (الانفطار)؛ تجد ما يسرك.

الإعراب: {إِنّا:} (إنّ): حرف مشبه بالفعل. و (نا): اسمها حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {أَنْزَلْناهُ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية مبتدأة لا محل لها. {فِي لَيْلَةِ:} متعلقان بما قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من الضمير المنصوب؛ أي: حالة كونه منزلا في ليلة، و {لَيْلَةِ:} مضاف، و {الْقَدْرِ:}

مضاف إليه. {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَدْراكَ:} فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى (ما)، تقديره:«هو» ، والكاف مفعول به أول. {ما لَيْلَةُ:} مبتدأ، وخبر، والجملة الاسمية في محل نصب سدت مسد مفعول (أدراك) الثاني المعلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام. وقال زاده: في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني، والثالث ل:(أدرى)؛ لأنه بمعنى (أعلم) و {لَيْلَةِ:} مضاف، و {الْقَدْرِ:} مضاف إليه، وجملة:{أَدْراكَ..} . إلخ في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: (ما أدراك

) إلخ مستأنفة.

ص: 670

{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)}

الشرح: هذا الوجه الأول من الأوجه الثلاثة التي ذكرها الله في بيان فضل ليلة القدر. قال ابن عباس-رضي الله عنهما: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر، فعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، وتمنى ذلك لأمته، فقال:«يا رب جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا، وأقلها أعمالا» . فأعطاه الله تبارك وتعالى ليلة القدر، فقال:

{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} التي حمل فيها الإسرائيلي السلاح في سبيل الله، لك ولأمتك إلى يوم القيامة.

وعن مالك: أنه سمع ممّن يثق به من أهل العلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل مثل الذي يبلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر. أخرجه مالك في الموطأ.

ومعناه: العمل الصالح في ليلة القدر خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وإنما ذلك لما يريد الله تعالى فيها من المنافع، والأرزاق، وأنواع الخير، والبركة. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

هذا؛ وذكر السيوطي في أسباب النزول، وكذا القرطبي ما يلي: أخرج الترمذي، والحاكم، وابن جرير عن الحسن بن علي-رضي الله عنهما-قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أري بني أمية على منبره، فساءه ذلك، فنزلت:{إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ} ونزلت: {إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} تملكها بعدك بنو أمية. قال القاسم بن الفضل الحرّاني: فعددناها، فإذا هي ألف شهر لا تزيد ولا تنقص. قال الترمذي: غريب: وقال المزني وابن كثير: منكر جدا.

هذا؛ وأقول: ألف منكر، فكيف يسوء النبي صلى الله عليه وسلم ما قدر الله، وقضاه، وهو الذي قال في حق الحسن-رضي الله عنهما:«إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين طائفتين متنازعتين» .

وقد اعتبر بعض العلماء هذا الحديث مصححا لخلافة معاوية، ومن بعده، وإن كان في بعضها بعض الظلم.

الإعراب: {لَيْلَةُ:} مبتدأ، وهو مضاف، و {الْقَدْرِ:} مضاف إليه. {خَيْرٌ:} خبر المبتدأ، {مِنْ أَلْفِ:} متعلقان ب: {خَيْرٌ،} و {أَلْفِ:} مضاف، و {شَهْرٍ:} مضاف إليه، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، كأنها جواب لسؤال نشأ عن تعظيم ليلة القدر، تقديره: وما فضلها؟

ص: 671

{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)}

الشرح: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ} أي: تهبط من كل سماء، ومن سدرة المنتهى، ومسكن جبريل على وسطها، فينزلون إلى الأرض، ويؤمنون على دعاء المؤمنين إلى وقت طلوع الفجر. وانظر شرح الملائكة في سورة (الجن) آخرها، فإنه جيد بحمد الله، وتوفيقه، {وَالرُّوحُ} يعني: جبريل عليه السلام. قاله أكثر المفسرين، وفي حديث أنس-رضي الله عنه-عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«إذا كانت ليلة القدر؛ نزل جبريل في كبكبة من الملائكة، يصلّون، ويسلّمون على كل عبد قائم، أو قاعد يذكر الله عز وجل» . ذكره ابن الجوزي. وقيل: إن الروح طائفة من الملائكة، لا تراهم الملائكة إلاّ في تلك الليلة، ينزلون من لدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وقيل: إن (الروح) ملك عظيم ينزل مع الملائكة في تلك الليلة. انتهى. خازن. وقيل: (الروح) الرحمة ينزل بها جبريل عليه السلام مع الملائكة في ليلة القدر على أهلها، دليله قوله تعالى في سورة (النحل) رقم [2]:{يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} وانظر ما ذكرته في سورة (النبأ) رقم [38] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك؛ حيث تجده من ذكره الخاص بعد العام. وفي سورة (النبأ) من ذكر العام بعد الخاص، هذا؛ و {تَنَزَّلُ} أصله: تتنزل حذفت منه تاء المضارعة، وهذا الحذف كثير في الآيات القرآنية وفي الكلام العربي. {فِيها} أي: في ليلة القدر. {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} أي: بأمر ربهم. {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} أي: بكل أمر من الخير، والبركة، وبكل أمر قدره الله، وقضاه في تلك السنة إلى قابل. قاله ابن عباس-رضي الله عنهما، وليس المراد: أن تقدير الله لا يحدث إلا في تلك الليلة؛ لأنه تعالى قدر المقادير في الأزل قبل خلق السموات، والأرض، بل المراد إظهار تلك المقادير للملائكة. وهذا تقدم من قول الحسين بن الفضل (سوق المقادير إلى المواقيت).

هذا؛ وروي: أنه إذا كانت ليلة القدر تنزل الملائكة، وهم سكان سدرة المنتهى، وجبريل عليه السلام ومعه أربعة ألوية، فينصب لواء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولواء على ظهر بيت المقدس، ولواء على ظهر المسجد الحرام، ولواء على ظهر طور سيناء، ولا يدع بيتا فيه مؤمن ولا مؤمنة إلا دخله وسلم عليه، يقول: يا مؤمن! أو يا مؤمنة! السّلام يقرئكم السّلام؛ إلا على مدمن خمر، وقاطع رحم، وآكل لحم خنزير. انتهى. جمل.

الإعراب: {تَنَزَّلُ:} فعل مضارع. {الْمَلائِكَةُ:} فاعل. والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {وَالرُّوحُ:} الواو: حرف عطف. (الروح): معطوف على (الملائكة). {فِيها:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وقيل: متعلقان بمحذوف حال من (الملائكة) ولا وجه.

ويجوز اعتبار (الروح) مبتدأ، والجار، والمجرور متعلقين بمحذوف خبره، والجملة الاسمية

ص: 672

معطوفة على ما قبلها. {بِإِذْنِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو بمحذوف حال من {الْمَلائِكَةُ،} التقدير: متلبسين بإذن ربهم، و (إذن) مضاف، و {رَبِّهِمْ:} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه.

{مِنْ كُلِّ:} متعلقان بالفعل {تَنَزَّلُ،} و {مِنْ} تحتمل أن تكون بمعنى اللام؛ أي: تنزل لأجل كل أمر قضي إلى العام القابل. وتحتمل أن تكون بمعنى الباء؛ أي: تنزل بكل أمر، و (كل) مضاف، و (أمر) مضاف إليه.

{سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}

الشرح: {سَلامٌ هِيَ:} هذا الوجه الثالث من الأوجه الثلاثة التي ذكرها الله تعالى في بيان فضل ليلة القدر، والمعنى: ليلة القدر سلامة، وخير كلّها لا شرّ فيها. وقال الشعبي: قيل: هو تسليم الملائكة في ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر.

وقيل: الملائكة ينزلون فيها كلما لقوا مؤمنا، أو مؤمنة يسلمون عليه من ربه عز وجل. وهذا معنى من قال: سلام من الله على أوليائه، وأهل طاعته. وقال الضحاك: لا يقدر الله في تلك الليلة إلا السلامة، وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا، والسلامة.

هذا؛ وقرئ {مَطْلَعِ} بفتح اللام وكسرها لغتان، والأصل الفتح، وقد قرئ بسورة (الكهف):

{مَطْلَعِ} أيضا بفتح اللام وكسرها، والكسر على أنه مما شذ عن قياسه، نحو: المشرق، والمغرب، والمنبت، والمسكن، والمنسك، والمحشر، والمسقط، والمرفق، والمنخر، والمجزر. وإنما شذ قياس ما ذكر؛ لأن المصدر الميمي، واسمي الزمان، والمكان إذا أخذ أحدها من فعل ثلاثي مفتوح العين، أو مضمومها في المضارع أن يكون بفتح العين قياسا، ولكن التلاوة جاءت بكسرها في بعض الكلمات وهو مذكور في كتب النحو، واللغة. والتحقيق: أن الأسماء المذكورة نوعية غير جارية على فعلها، وإلا فلا مانع من الفتح.

الإعراب: {سَلامٌ:} خبر مقدم. {هِيَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ مؤخر، ويجوز عند الأخفش، والكوفيين الذين لا يشترطون الاعتماد على نفي، وشبهه أن يكون {سَلامٌ} مبتدأ، و {هِيَ:} فاعل به، والمعتمد الأول. {حَتّى مَطْلَعِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل {تَنَزَّلُ} أو ب: {سَلامٌ،} وجاز الفصل بين المصدر ومعموله بالضمير؛ لأنه يتوسع في الظرف، والجار ما لا يتوسع في غيرهما. وقيل: متعلقان بمحذوف، التقدير: ويستمرون على التسليم من غروب الشمس؛ حتى مطلع الفجر، و {مَطْلَعِ} مضاف، و {الْفَجْرِ} مضاف إليه.

تأمل، وتدبر، وربّك أعلم.

تنبيه: لقد ذكر في فضل ليلة القدر أحاديث كثيرة، أكتفي منها بما يلي:

ص: 673

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» . متفق عليه، وقد ذكرت لك في الشرح الأوجه الثلاثة التي ذكرها الله في بيان فضلها.

تنبيه: لقد اختلف في تحديد ليلتها، والمعتمد: أنها في العشر الأواخر من رمضان، في ليالي الوتر على المعتمد أيضا، والراجح عند الشافعي: أنها في ليلة الواحد والعشرين، ثم في ليلة الثالث والعشرين. ومال إليه مالك، وأحمد، والأوزاعي، وأبو ثور-رحمهم الله تعالى- وأبو حنيفة-رحمه الله تعالى-ثبتها ليلة السابع والعشرين من رمضان، وقد استدل بما يلي:

فقد روى ابن عمر-رضي الله عنهما-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان متحرّيا ليلة القدر فليتحرّها ليلة سبع وعشرين» . وقال أبي بن كعب-رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«ليلة القدر ليلة سبع وعشرين» . وقال أبو بكر الوراق: إن الله تعالى قسم ليالي هذا الشهر على كلمات هذه السورة، فلما بلغ السابعة والعشرين أشار إليها، فقال: هي، وأيضا، فإن (ليلة القدر) كرر ذكرها ثلاث مرات، وهي تسعة أحرف، فتجيء سبعا وعشرين.

هذا؛ وقد ذكرت في سورة (المؤمنون) رقم [14]: أن ابن عباس-رضي الله عنهما-ثبتها في الليلة السابعة والعشرين، واستدل بأشياء على ذلك انظرها هناك تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

وبالجملة فقد أخفى الله ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وجعلها أرجى ما تكون في ليالي الوتر منه، ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتهد في العبادة في العشر الأخير ما لا يجتهده في غيره، فعن عائشة-رضي الله عنها؛ قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره» . أخرجه مسلم. وعنها أيضا قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر. متفق عليه.

وعن عائشة-رضي الله عنها-أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده. متفق عليه. وعن ابن عمر-رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، متفق عليه، وعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: قلت: يا رسول الله! إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها. قال: «قولي: اللهمّ إنك عفوّ كريم تحبّ العفو فاعف عني» . أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

هذا؛ وقال البغوي: وبالجملة أبهم الله تعالى هذه الليلة على الأمة ليجتهدوا في العبادة ليالي شهر رمضان كلها، طمعا في إدراكها، كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة، وأخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس، واسمه الأعظم في القرآن في أسمائه الحسنى، ورضاه في الطاعات ليرغبوا في جميعها، وسخطه في المعاصي لينتهوا عن جميعها، وأخفى قيام الساعة ليجتهدوا في الطاعات حذرا من قيامها، وأخفى العبد الصالح بين العباد رحمة منه وحكمة.

ص: 674

هذا؛ ومن علامات ليلة القدر ما روي عن الحسن رفعه «أنها ليلة بلجة سمحة، لا حارة ولا باردة، تطلع الشمس صبيحتها بيضاء لا شعاع لها» انتهى. ومعنى بلجة: مشرقة مضيئة، لا حارة أي: في الصيف كثيرا. ولا باردة أي: في الشتاء كثيرا فهي معتدلة الحرارة والبرودة في أي فصل كانت فيه لا شعاع للشمس صبيحتها من كثرة الأنوار. وقيل: من كثرة هبوط الملائكة وصعودها، فهم أنوار، ويؤثر ذلك على ضوء الشمس. انتهى. من الخازن والقرطبي وغيرهما، تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

انتهت سورة (القدر) شرحا، وإعرابا.

والحمد لله رب العالمين.

ص: 675