المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الفلق بسم الله الرحمن الرحيم سورة (الفلق) مدنية. وقيل: مكية. وهو - تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة - جـ ١٠

[محمد علي طه الدرة]

فهرس الكتاب

- ‌سورة التّحريم

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الملك

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القلم

- ‌فائدة:

- ‌سورة الحاقّة

- ‌خاتمة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الجنّ

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المزّمّل

- ‌سورة المدّثر

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الإنسان

- ‌فائدة:

- ‌سورة المرسلات

- ‌سورة النّبإ

- ‌سورة النّازعات

- ‌فائدة:

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التّكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطفّفين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البروج

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة الطّارق

- ‌تنبيه: بل خاتمة:

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌فائدة:

- ‌سورة البلد

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الشمس

- ‌تنبيه، وخاتمة:

- ‌سورة الليل

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الضّحى

- ‌سورة الشرح

- ‌سورة التّين

- ‌فائدة:

- ‌سورة العلق

- ‌الشرح

- ‌خاتمة:

- ‌سورة القدر

- ‌سورة البيّنة

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة الكافرون

- ‌فائدة:

- ‌سورة النّصر

- ‌سورة المسد

- ‌‌‌فائدةبل طرفة:

- ‌فائدة

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة النّاس

- ‌خاتمة

- ‌ترجمة موجزة للشيخ المفسر النحويمحمد علي طه الدرة رحمه الله تعالى1340 -1428 هـ-1923 - 2007 م

- ‌حليته وشمائله:

- ‌مؤلفات الشيخ المطبوعة والمخطوطة:

الفصل: ‌ ‌سورة الفلق بسم الله الرحمن الرحيم سورة (الفلق) مدنية. وقيل: مكية. وهو

‌سورة الفلق

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة (الفلق) مدنية. وقيل: مكية. وهو ضعيف. وهي خمس آيات، وثلاث وعشرون كلمة، وأربعة وسبعون حرفا، انتهى. خازن. وخذ ما يلي:

قال ابن عباس، وعائشة-رضي الله عنهما: كان غلام من اليهود يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فدبت إليه اليهود، فلم يزالوا به؛ حتى أخذ من مشاطة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدة من أسنان مشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه بها. وتولى ذلك لبيد بن الأعصم، رجل من اليهود. انتهى.

وعن عائشة-رضي الله عنها: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سحر؛ حتى كان يخيل إليه: أنه فعل الشيء، وما فعله؛ حتى إذا كان ذات يوم؛ وهو عندي؛ دعا الله، ودعاه، ثم قال:«أشعرت يا عائشة! أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟» . قلت: وما ذاك يا رسول الله؟! قال: «جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق. قال: فبماذا؟ قال: في مشط، ومشاطة، وجف طلعة ذكر (وعاء طلع النخل). قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان (ومن الرواة من قال: في بئر بني زريق» . فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر، فنظر إليها، وعليها نخل، ثم رجع إلى عائشة-رضي الله عنها-فقال:«والله لكأنّ ماءها نقاعة حناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين!» . قلت: يا رسول الله! فأخرجه! قال: «أما أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخفت أن أثير على الناس منه شرا» . متفق عليه.

وفي رواية للبخاري: أنه كان يرى: أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن. قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذلك. وعن زيد بن أرقم-رضي الله عنه-قال: سحر رجل من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتكى ذلك أياما، فأتاه جبريل عليه السلام، فقال: إن رجلا من اليهود سحرك، وعقد لك عقدا في بئر كذا، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا-رضي الله عنه-ومعه الزبير، وعمار بن ياسر-رضي الله عنهم-فاستخرجها، فجاء بها، فحلّها، فجعل كلّما حلّ عقدة؛ وجد لذلك خفة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي، ولا رآه في وجه قط. أخرجه النسائي.

فأنزل الله هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية، سورة (الفلق) خمس آيات، وسورة (الناس) ست آيات، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة، حتى انحلت العقد كلها. فقام النبي صلى الله عليه وسلم،

ص: 768

كأنما نشط من عقال. انتهى. خازن. وفي فتح الباري: وكان من جملة السحر صورة من شمع على صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعلوا في تلك الصورة إبرا مغروزة ووترا فيه إحدى عشرة عقدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما قرأ آية انحلت عقدة، وكلما نزع إبرة، وجد لها ألما في بدنه، ثم يجد بعدها راحة. انتهى. جمل.

هذا؛ وقال الراغب: تأثير السحر في النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من حيث إنه نبي، وإنما كان في بدنه من حيث إنه إنسان، أو بشر، كما كان يأكل، ويتغوط، ويغضب، ويشتهي، ويمرض فتأثيره فيه من حيث هو بشر، لا من حيث هو نبي، وإنما يكون ذلك قادحا في النبوة لو وجد للسحر تأثير في أمر يرجع للنبوة، كما أنّ جرحه، وكسر ثنيته يوم أحد لم يقدح فيما ضمن الله له من عصمته في قوله تعالى في سورة (المائدة) رقم [67]:{وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ} وكما لا اعتداد بما يقع في الإسلام من غلبة بعض المشركين على بعض النواحي فيما ذكر من كمال الإسلام في قوله تعالى في سورة (المائدة) رقم [4]: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} . انتهى. جمل.

أقول: والمحفوظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لبيدا، وسأله عن فعله السحر، فاعترف، واعتذر بأن اليهود رشوه بأموال كثيرة، فعفا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا كله يؤيد: أن السورتين الكريمتين نزلتا في المدينة المنورة. وخذ ما يلي:

فقد أخرج النسائي عن عقبة بن عامر-رضي الله عنه-أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا عقبة تعوّذ بهما، فما تعوذ متعوذ بمثلهما!» وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ ب {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ} . وفي صحيح البخاري، ومسلم عن عائشة-رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا اشتكى؛ قرأ على نفسه بالمعوذتين، وينفث، فلما اشتد وجعه؛ كنت أقرأ عليه، وأمسح عنه بيده رجاء بركتها.

وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه: أن جبريل-عليه السلام-أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:

«يا محمد! اشتكيت؟ قال: نعم. قال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس، أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك» . أخرجه مسلم.

تنبيه: قال الإمام المازري: مذهب أهل السنة، وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقة، كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة خلافا لمن أنكر ذلك، ونفى حقيقته، وأضاف: ما يقع منه إلا خيالات باطلة، لا حقائق لها. وقد ذكره الله في كتابه، وذكر أنه مما يتعلم، وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر به، وأنه يفرق بين المرء، وزوجه. قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [102]:{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} . وهذا كله لا يمكن أن يكون مما لا حقيقة له. والحديث

ص: 769

الصحيح المتقدم مصرح بإثباته، ولا يستنكر في العقل: أن الله تعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق، أو تركيب أجسام، أو المزج بين قوى؛ لا يعرفها إلا الساحر، وأنه لا فاعل إلا الله تعالى، وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى على يد من يشاء من عباده. انتهى. خازن.

فإن قلت: المستعاذ منه هل هو بقضاء الله وقدره، أم لا؟ فإن كان بقضاء الله، وقدره؛ فكيف يأمر بالاستعاذة، مع أن ما قدر لا بد واقع؟ وإن لم يكن بقضاء الله، وقدره، فذلك قدح في القدرة.

قلت: كل ما وقع في الوجود، هو بقضاء الله، وقدره، والاستشفاء بالتعوذ، والرقى من قضاء الله وقدره، يدل على صحة ذلك ما روى الترمذي عن ابن خزامة، عن أبيه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! أرأيت رقى نسترقي بها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا. قال:«هي من قدر الله تعالى» . قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وروي عن عمر-رضي الله عنه-قوله: «نفرّ من قدر الله إلى قدر الله تعالى» . انتهى. خازن.

يتلخص مما تقدم: أن السحر له حقيقة، ولا يلتفت لما قاله بعض المبتدعة من أنه لا حقيقة له.

هذا؛ وأما الرقى، والتعاويذ؛ فقد اتفق الإجماع على جواز ذلك إذا كان بآيات القرآن، أو إذا كانت وردت في الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، منها حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-المتقدم، وأن جبريل عليه السلام رقى النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها ما روي عن عبيد بن رفاعة الزرقي أن أسماء بنت عميس-رضي الله عنها. قالت: يا رسول الله! إن ولد جعفر تسرع إليهم العين، فأسترقي لهم؟ قال:«نعم، فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» . أخرجه الترمذي. وقال: حديث صحيح. وعن أبي سعيد-رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ، ويقول:«أعوذ بالله من الجان، وعين الإنسان» . فلمّا نزلت المعوذتان؛ أخذ بهما وترك ما سواهما. أخرجه الترمذي. وقال: حديث حسن غريب. ومنها رقية أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-رئيس الحي الذي لدغ، وحديثه صحيح مشهور. فهذه الأحاديث تدلّ جواز الرقية، وإنما المنهي عنه منها ما كان فيه كفر، أو شرك، أو ما لا يعرف معناه مما ليس بعربي، لجواز أن يكون فيه كفر، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه. انتهى. خازن بتصرف.

تنبيه: وقد بين الواقدي السنة التي وقع فيها السحر، كما أخرجه عنه ابن سعد بسند له إلى عمر بن الحكم مرسل. قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة، ودخل المحرم سنة سبع، وفرغ من وقعة خيبر؛ جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم، وكان حليفا في بني زريق، وكان ساحرا، فقالوا: أنت أسحرنا؛ أي: أعلمنا بالسحر، وقد سحرنا محمدا، فلم يؤثر فيه سحرنا، ونحن نجعل لك جعلا على أن تسحره لنا سحرا يؤثر فيه، فجعلوا له ثلاثة دنانير. انتهى. جمل نقلا من المواهب. واختلف في مدة سحره صلى الله عليه وسلم، وأعتمد: أنها كانت أربعين يوما فقط.

ص: 770

بسم الله الرحمن الرحيم

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (5)}

الشرح: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ:} أراد بالفلق: الصبح، وهو قول الأكثرين، ورواية عن ابن عباس-رضي الله عنهما؛ لأن الليل ينفلق عنه الصبح. وسبب تخصيصه في التعوذ: أن القادر على إزالة هذه الظلمة عن العالم، قادر على أن يدفع عن المستعيذ ما يخافه، ويخشاه، والعرب تقول: هو أبين من فلق الصبح، وفرق الصبح. قال الشاعر:[البسيط]

يا ليلة لم أنمها بتّ مرتفقا

أرعى النجوم إلى أن نوّر الفلق

هذا، وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: إن الفلق سجن في جهنم. وقال الكلبي: هو واد في جهنم، إذا فتح؛ استعاذ منه أهل النار من حره. ووجهه: أن المستعيذ قال: أعوذ برب هذا العذاب القادر عليه من شر عذابه، وغيره، وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: الفلق:

الخلق كله. قال رؤبة بن العجاج: [الرجز]

وسوس يدعو مخلصا ربّ الفلق

سرّا وقد أوّن تأوين العقق

قال القرطبي: وهذا القول يشهد له الاشتقاق، فإن الفلق: الشق، يقال: فلقت الشيء فلقا أي: شققته، والتفليق مثله، يقال: فلقته، فانفلق، وتفلّق. فكل ما انفلق عن شيء من حيوان، وصبح، وحب، ونوى، وماء فهو فلق. قال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [96]:{فالِقُ الْإِصْباحِ} وقال في الآية قبلها: {فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى} وقال ذو الرمة يصف الثور الوحشي: [البسيط]

حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق

هاديه في أخريات الليل منتصب

فهو يعني بالفلق هنا: الصبح بعينه. والفلق: المطمئن من الأرض بين الربوتين، وجمعه:

فلقان، مثل خلق، وخلقان. وربما قالوا: كان ذلك بفالق كذا وكذا، يريدون المكان المنحدر بين الربوتين. والفلق أيضا: مقطرة السجان، وقد كان، ولا يزال يستعمل في بعض الأحيان لزجر، وتأديب التلاميذ في المدارس، وكلمة:(تحتاج إلى فلقة) مثل من الأمثال الشعبية السائرة. والفلق بكسر الفاء الداهية والأمر العجيب، وشاعر مفلق، وقد جاء بالفلق؛ أي:

بالداهية، والفلق أيضا القضيب يشق باثنين، فيعمل منه قوسان، يقال لكل واحدة منهما: فلق.

انتهى. قرطبي بتصرف.

وقال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: الفلق ما يفلق عنه؛ أي: يفرق عنه، كالفرق، فعل بمعنى مفعول، وهو يعم جميع الممكنات، فإنه تعالى فلق ظلمة العدم بنور الإيجاد عنها، سيما ما يخرج من أصل، كالعيون، والأمطار، والنبات، والأولاد، ويخص عرفا بالصبح، ولذلك فسر به، وتخصيصه

ص: 771

لما فيه من تغير الحال، وتبدل وحشة الليل بسرور النهار، ومحاكاة فاتحة يوم القيامة، والإشعار بأن من قدر أن يزيل ظلمة الليل عن هذا العالم؛ قدر أن يزيل عن العائذ ما يخافه. انتهى.

{مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ:} قيل: يريد به إبليس خاصة؛ لأنه لم يخلق خلقا هو شر منه؛ لأن السحر لا يتم إلا به، وبأعوانه، وجنوده. وقيل: من شر كل ذي شر. وقيل: من شر ما خلق من الجن، والإنس، وقال النسفي: وقرأ أبو حنيفة بتنوين «(شرّ)» ، فقال مكي: ومن قرأ بالتنوين؛ فقد ألحد وغيّر اللفظ، والمعنى. انظر الإعراب.

{وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ:} الغاسق: الليل إذا اعتكر ظلامه. ووقوبه: دخول ظلامه في كل شيء. قال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [78]: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ} .

يقال: غسق الليل، يغسق؛ أي: أظلم. قال عبد الله بن قيس الرقيات: [المديد]

إن هذا الليل قد غسقا

واشتكيت الهمّ والأرقا

وقال آخر: [البسيط]

يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقا

إذ جئتنا طارقا والليل قد غسقا

هذا قول ابن عباس-رضي الله عنهما-وغيره، وعلى هذا التفسير، فيكون معنى {وَقَبَ:}

نزل، يقال: وقب العذاب على الكافرين: نزل. قال الشاعر: [الكامل]

وقب العذاب عليهم فكأنهم

لحقتهم نار السموم فأحصدوا

وقيل: الغاسق: القمر، فعن عائشة-رضي الله عنها. قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر، فقال:«يا عائشة! استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب» . أخرجه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح، فعلى هذا الحديث المراد به: القمر إذا خسف، واسود، ومعنى {وَقَبَ:} دخل في الخسوف، أو أخذ في الغيبوبة. وقيل: سمي به؛ لأنه إذا خسف؛ اسود، وذهب ضوءه. قال الزجاج: قيل الليل غاسق؛ لأنه أبرد من النهار، والغاسق البارد، والغسق: البرد، ولأن السباع تخرج في الليل من آجامها، والهوام من أماكنها، وينبعث أهل الشر على العبث، والفساد. وقيل: الغاسق الثريا. وقيل: الحيّة. وقيل: الشمس إذا غربت.

وقيل الغاسق: كل هاجم يضر، كائنا ما كان، من قولهم: غسقت القرحة: إذا جرى صديدها.

والمعتمد الأول، ثم الثاني. هذا؛ ويقال: غسق الجرح، يغسق غسقا: إذا خرج منه ماء أصفر.

قال الشاعر: [الطويل]

إذا ما تذكّرت الحياة وطيبها

إليّ جرى دمع من الليل غاسق

{وَمِنْ شَرِّ النَّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ:} يعني الساحرات اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها. قال الشاعر: [المتقارب]

ص: 772

أعوذ بربّي من النّافثا

ت في عضه العاضه المعضه

العضه كعنب: الكذب، والسحر، والبهتان، والعاضه: الساحر. وقال متمم بن نويرة: [السريع]

نفثت في الخيط شبيه الرّقى

من خشية الجنّة والحاسد

وقيل: المراد ب: {النَّفّاثاتِ:} بنات لبيد بن الأعصم، اللاتي سحرن النبي صلى الله عليه وسلم. والنفث:

النفخ مع ريق قليل. وقيل: إنه النفخ فقط. واختلفوا في جواز النفث في الرّقى، والتعاويذ الشرعية المستحبة. فجوزه الجمهور من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم. ويدل عليه حديث عائشة-رضي الله عنها-قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا مرض أحد من أهله، نفث عليه بالمعوذات

الحديث. وأنكر جماعة التفل، والنفخ في الرقى، وأجازوا النفخ بلا ريق. قال عكرمة: لا ينبغي للراقي أن ينفث، ولا يمسح، ولا يعقد. وقيل: النفث في العقد إنما يكون مذموما إذا كان سحرا مضرا بالأرواح، والأبدان، وإذا كان النفث لإصلاح الأرواح، والأبدان وجب أن لا يكون مذموما، ولا مكروها، بل هو مندوب إليه، وعلى الأول يحمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«من عقد عقدة، ثمّ نفث فيها؛ فقد سحر، ومن سحر؛ فقد أشرك، ومن علّق شيئا؛ وكل إليه» . أخرجه النسائي عن أبي هريرة-رضي الله عنه.

أي: من علق شيئا من التعاويذ، والتمائم، واعتقد: أنها تجلب نفعا، أو تدفع عنه ضررا.

وقيل: المراد تمائم الجاهلية، مثل الخرزات، وأظفار السباع، أما ما يكون من القرآن، والأسماء الإلهية؛ فهو خارج عن هذا الحكم. انتهى. خازن، وقرطبي. بتصرف.

{وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ:} إذا ظهر حسده، وعمل بمقتضاه من بغي الغوائل للمحسود؛ لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره؛ فلا ضرر يعود منه على من حسده، بل هو الضار لنفسه، لاغتمامه بسرور غيره. وعن عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه. قال: لم أر ظالما أشبه بالمظلوم من حاسد! هذا؛ والحسد نوعان: ممدوح ومذموم، فالأول يسمى: حسد الغبطة، والمنافسة، وهي مطلوبة، ومرغب فيها، والرسول ندب إليها وقال:«المؤمن يغبط، والمنافق يحسد» . وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلاّ في اثنتين، رجل آتاه الله مالا، فسلطه على هلكته بالحقّ، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها، ويعلّمها الناس» . فهذا هو الحسد الممدوح، ومنه أن يتمنى مثل ما عند غيره من النعمة مع تمنيه بقاء نعمة الله عليه من صحة، ومال، وولد، ومنصب، وجاه.

وأما الحسد المذموم؛ فهو أن يتمنى الحاسد زوال نعمة الله عن المحسود؛ وإن لم يصبه منها شيء. قال العلماء: الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر حسده بفعل، أو بقول، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود، فيتبع مساوئه، ويطلب عثراته. هذا؛ والحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض، فحسد إبليس آدم، وحسد قابيل هابيل. انظر

ص: 773

سورة (المائدة) رقم [27] وما بعدها. ولا تنس حسد أولاد يعقوب لأخيهم يوسف، على نبينا، وعليهم ألف صلاة، وألف سلام. هذا؛ والحاسد ممقوت، مبغوض، مطرود، ملعون. ولقد أحسن من قال:[الكامل]

قل للحسود إذا تنفّس طعنة

يا ظالما وكأنه مظلوم

والحسد نار تضطرم في صدر الحسود، وسعير يتلظى في حشاه، ورحم الله القائل، وهو أبو الحسن التهامي:[الكامل]

إني لأرحم حاسديّ لفرط ما

ضمّت صدورهم من الأوغار

نظروا صنيع الله بي فعيونهم

في جنة وقلوبهم في نار

والحسود غضبان على الأقدار، قد عادى حكمة القهار. قال تعالى في سورة (النساء) رقم [54]:{أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ..} . إلخ.

ورحم الله القائل: [المتقارب]

أيا حاسدا لي على نعمتي

أتدري على من أسأت الأدب؟

أسأت على الله في حكمه

لأنّك لم ترض لي ما وهب

فأخزاك ربّي بأن زادني

وسدّ عليك وجوه الطّلب

هذا؛ وإن كل عداوة ترجى إزالتها، ويمكن علاجها إلا عداوة الحاسد، فإنه لا يرضيه إلا زوال النعمة، وكيف يرضى الحاسد عن أخيه، ويصفو لأحد؛ وهو غير راض عن ربه، متبرم لقضاء الله وقدره، منكر لقسمة الباري وعدله، يا سبحان الله! قال تعالى في سورة (الزخرف) [32]:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ..} . إلخ. هذا؛ والأحاديث المنفرة من الحسد، والمتوعدة الحسود بالويل، والثبور، وعظائم الأمور كثيرة، ومشهورة، ومسطورة، أكتفي منها بما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إيّاكم والحسد، فإنّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، أو قال: العشب» . رواه أبو داود، وابن ماجه، والبيهقي.

وعن عبد الله بن بسر-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منّي ذو حسد، ولا نميمة، ولا كهانة، ولا أنا منه» . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً} من سورة (الأحزاب) وإني أتمثل بقول القائل: [البسيط]

إن يحسدوني فإني غير لائمهم

كذا ذوو الفضل من قبلي قد حسدوا

فدام لي ما بي ودام الذي لهم

ومات أكثرنا غيظا لما يجد

ص: 774

الإعراب: {قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» ، {أَعُوذُ:} فعل مضارع، والفاعل تقديره:«أنا» . {بِرَبِّ:} متعلقان بما قبلهما، و (رب): مضاف، و {الْفَلَقِ:} مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الفعلية:{أَعُوذُ..} . إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ مبتدأة، لا محل لها. {مِنْ شَرِّ:} جار ومجرور متعلقان ب: {أَعُوذُ،} و {شَرِّ:} مضاف، و {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل جر بالإضافة. {خَلَقَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (رب الفلق)، والجملة الفعلية صلة {ما،} أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: شر الذي، أو شيء خلقه. هذا؛ وأجيز اعتبار {ما} مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر بالإضافة، التقدير: من شر خلقه. هذا؛ وعلى قراءة: «(شرّ)» بالتنوين (وقال عنها ابن هشام في المغني:

قراءة عمرو بن فائد) فقال: ف: {ما} بدل من (شرّ)، بتقدير مضاف؛ أي: من شرّ شرّ ما خلق، وحذف الثاني لدلالة الأول. انتهى. وقال أبو البقاء: و {ما} على هذا بدل من شر، أو زائدة، ولا يجوز أن تكون {ما} نافية؛ لأن النافية لا يتقدم عليها ما في حيّزها، فلذلك لم يجز أن يكون التقدير: ما خلق من شر، ثم هو فاسد في المعنى. انتهى.

هذا؛ وانظر ما ذكرته في سورة (الصافات) رقم [96] نقلا عن مكي تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. {وَمِنْ:} الواو: حرف عطف. (من شر): معطوفان على ما قبلهما، و {شَرِّ:}

مضاف، و {غاسِقٍ:} مضاف إليه. {إِذا:} ظرف مجرد عن الشرطية مبني على السكون في محل نصب متعلق ب: {شَرِّ؛} أي: أعوذ بالله من الشر في وقت كذا، {وَقَبَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {غاسِقٍ،} والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها. {وَمِنْ شَرِّ النَّفّاثاتِ:} معطوف على ما قبله، وإعرابه ظاهر، إن شاء الله تعالى. {فِي الْعُقَدِ:} متعلقان ب: {النَّفّاثاتِ} . والجملة التالية لا خفاء في إعرابها إن شاء الله تعالى. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

انتهت سورة (الفلق) شرحا، وإعرابا، بحمد الله وتوفيقه.

والحمد لله رب العالمين.

ص: 775