الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأيت في سورة (الجمعة) رقم [5]. هذا؛ وسفرت المرأة عن وجهها، فهي سافر، وعلى هذا ففي إسفار استعارة؛ لأن معنى: سفر الثلاثي طرح الظلمة عن وجهه.
فائدة:
إذ، وإذا حرفا توقيت، ف:«إذ» للماضي، و «إذا» للمستقبل، وقد توضع إحداهما موضع الأخرى. وقال المبرد-رحمه الله تعالى-: إذا جاء «إذ» مع المستقبل كان معناه ماضيا، نحو قوله تعالى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ،} {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ} معناه: إذ مكروا، وإذا قلت. وإذا جاء (إذا) مع الماضي كان معناه مستقبلا كقوله تعالى:{فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ،} {فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ،} {إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} معناه: يجيء.
{إِنَّها} أي: سقر المذكورة فيما تقدم. {لَإِحْدَى الْكُبَرِ:} لإحدى البلايا العظام، والدواهي الشداد، والكبر جمع الكبرى، مثل: الصغر جمع الصغرى، والعظم جمع العظمى. والكبر:
العظائم من العقوبات. قال الراجز: [الرجز]
يابن المعلّى نزلت إحدى الكبر
…
داهية الدّهر وصمّاء الغير
{نَذِيراً لِلْبَشَرِ:} قيل: يحتمل أن يكون {نَذِيراً} صفة ل: «النار» ، والمعنى: أن النار نذير للبشر. قال الحسن-رحمه الله تعالى-: والله ما أنذر الخلائق بشيء أدهى من النار! وقيل:
يجوز أن يكون {نَذِيراً} صفة لله تعالى. والمعنى: أنا لكم منها نذير فاتقوها. وقيل: هو صفة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه: يا أيها المدثر قم نذيرا للبشر فأنذر. انتهى. خازن، وانظر الإعراب.
{لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} أي: يتقدم في الخير، والطاعة، أو يتأخر عنهما، فيقع في الشر، والمعصية. والمعنى: أن الإنذار قد حصل لكل واحد ممن آمن، أو كفر. وقد تمسك بهذه الآية من يرى أن العبد غير مجبور على الفعل، وأنه متمكن من فعل نفسه، فيكون مثل قوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [29]:{فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} . وأجيب عنه بأن مشيئته تابعة لمشيئة الله تعالى. وقيل: إضافة المشيئة إلى المخاطبين على سبيل التهديد، كقوله تعالى في سورة (فصلت) رقم [40]:{اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ،} وقيل: هذه المشيئة لله تعالى. والمعنى: لمن شاء الله منكم أن يتقدم، أو يتأخر. وبين {يَتَقَدَّمَ} و {يَتَأَخَّرَ} طباق واضح.
الإعراب: {كَلاّ:} قيل: هي هنا حرف ردع وزجر. وقيل: هي هنا بمعنى «ألا» الاستفتاحية، وعلى الأول يوقف عليها، ويبتدأ بما بعدها، وعلى الثاني يوقف على:(البشر) ويبتدأ بها.
{وَالْقَمَرِ:} جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. {وَاللَّيْلِ:} معطوف على ما قبله.
{إِذْ:} ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بفعل القسم المقدر.
{أَدْبَرَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (الليل)، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها.
{وَالصُّبْحِ:} الواو: حرف عطف. (الصبح): معطوف على ما قبله. {إِذا:} ظرف مجرد عن الشرطية مبني على السكون في محل نصب متعلق بفعل القسم المقدر. {أَسْفَرَ:} فعل ماض،
والفاعل يعود إلى (الصبح)، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها. {إِنَّها:} (إنّ):
حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {لَإِحْدَى:} اللام: هي المزحلقة. (إحدى): خبر (إنّ) مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف، و (إحدى) مضاف، و {الْكُبَرِ} مضاف إليه، والجملة الاسمية:{إِنَّها..} . إلخ جواب القسم: {وَالْقَمَرِ} وما عطف عليه، وإن اعتبرت كلّ لفظ قسما مستقلا، فالجملة الاسمية جواب للأول، وحذف جواب القسمين الآخرين لدلالة الأول عليهما.
{نَذِيراً:} فيها أوجه: أحدها: أنه تمييز عن إحدى لما تضمنته من معنى التعظيم، كأنه قيل:
أعظم الكبر إنذارا. والثاني: أنه مصدر بمعنى الإنذار أيضا، ولكنه نصب بفعل مقدر. قاله الفراء. الثالث: أنه فعيل بمعنى: مفعل، وهو حال من الضمير في {إِنَّها}. قاله الزجاج. الرابع:
أنه حال من الضمير في (إحدى) لما تضمنته من معنى التعظيم، كأنه قيل: أعظم الكبر منذرة.
الخامس: أنه حال من فاعل {قُمْ فَأَنْذِرْ} في أول السورة. السادس: أنه مصدر منصوب ب: (أنذر) أول السورة. السابع: أنه حال من {الْكُبَرِ} . الثامن: أنه حال من ضمير {الْكُبَرِ} . التاسع: هو حال من (إحدى الكبر). قاله ابن عطية. العاشر: أنه منصوب بإضمار: أعني. وقيل غير ذلك.
انتهى. جمل نقلا عن السمين. هذا؛ وذكر أبو البقاء سبعة أوجه، مما تقدم، ثم قال: وفي هذه الأقوال ما لا نرتضيه، ولكن حكيناها، والمختار أن يكون حالا مما دلت عليه الجملة، تقديره:
عظمت عليه نذيرا. انتهى. وقرئ برفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هي نذير.
{لِمَنْ:} جار ومجرور بدل من قوله {لِلْبَشَرِ} بإعادة الجار. هذا؛ وأجاز الزمخشري، وتبعه البيضاوي اعتبار الجار والمجرور خبرا مقدما، والمصدر المؤول مبتدأ مؤخرا. وهو ضعيف معنى، كما هو واضح. {شاءَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (من)، وهو العائد. {مِنْكُمْ:}
جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من فاعل {شاءَ} المستتر، و (من) بيان لما أبهم في:(من).
{أَنْ يَتَقَدَّمَ:} فعل مضارع منصوب ب: {أَنْ،} والفاعل يعود إلى (من)، والمصدر المؤول من:
{أَنْ يَتَقَدَّمَ} في محل نصب مفعول به. {أَوْ:} حرف عطف. {يَتَأَخَّرَ:} معطوف على ما قبله فهو داخل معه في المصدرية، والمفعولية وجملة:{شاءَ..} . إلخ صلة الموصول، لا محل لها.
الشرح: {كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ:} مرتهنة بكسبها، مأخوذة بعملها، إما خلّصها، وإما أوبقها، وليست أي:{رَهِينَةٌ،} تأنيث (رهين) في قوله تعالى في سورة (الطور) رقم [21]: {كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ} لتأنيث النفس، وإنما هو بمعنى الرهن، كالشتيمة بمعنى الشتم، كأنه قيل:
كل نفس بما كسبت رهين، ومنه قول عبد الرحمن بن زيد العذري:[الطويل]
أبعد الّذي بالنّعف نعف كويكب
…
رهينة رمس ذي تراب وجندل؟
ومعنى الآية: كل نفس محبوسة بعملها. ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الغلام مرتهن بعقيقته» .
بمعنى: لا ينفع والديه إذا لم يعق عنه؛ أي: محبوس عن الشفاعة لوالديه عند الله بكسبها، لا تنفك حتى تؤدي ما عليها من الحقوق، والعقوبات. {إِلاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ} أي: الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم، أو الذين يؤخذ بهم ذات اليمين، فإنهم غير مرتهنين بذنوبهم في النار؛ لأنهم فكوا رقاب أنفسهم بأعمالهم الحسنة، كما يفك الراهن رهنه بأداء الحق الذي عليه. وجملة القول فيهم: إنهم الذين آمنوا الإيمان الكامل، واجتنبوا الأعمال الموبقات، وحافظوا على الطاعات بقدر استطاعتهم استجابة لأمر ربهم:{فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} الآية رقم [16] من سورة (التغابن).
{فِي جَنّاتٍ يَتَساءَلُونَ} أي: يسأل بعضهم بعضا. {عَنِ الْمُجْرِمِينَ} أي: الذين استحقوا الخلود في النار. قال الجلال: وهذا التساؤل يكون بعد إخراج الموحدين من النار. والمعنى: أن أصحاب اليمين يسألون من أخرجوا من النار عن المجرمين الذين بقوا فيها مخلدين. {ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ:} في المخاطبين بهذا السؤال وجهان: الأول: هم من أخرجوا من النار من الموحدين.
والثاني: هم الكافرون الذين استحقوا الخلود. والسؤال سؤال توبيخ وتقريع على الوجهين، فعلى الأول يسأل بعضهم بعضا، وعلى الثاني يسألون عن غيرهم.
هذا؛ وقيل: يكون السؤال مشافهة للكافرين المخلدين حينما يراهم المؤمنون في النار. قال الكلبي: فيسأل الرجل من أهل الجنة الرجل من أهل النار باسمه، فيقول له: يا فلان! أقول:
وتقول المرأة من أهل الجنة للمرأة من أهل النار: يا فلانة! ما سلكك في سقر؟ وقيل: إن المؤمنين يسألون الملائكة عن أقربائهم، فتسأل الملائكة المشركين، فيقولون لهم: ما سلككم في سقر؟ والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه. هذا؛ و {سَلَكَكُمْ} أدخلكم، وقوله تعالى في سورة (الشعراء) رقم [200]:{كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} أي: أدخلناه. أما قوله تعالى في سورة (نوح) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً} فهو بمعنى:
لتتخذوا. هذا؛ والسلك: إدخال الشيء، في الشيء كالخيط في المخيط، والرمح في المطعون.
الإعراب: {كُلُّ:} مبتدأ، وهو مضاف، و {نَفْسٍ} مضاف إليه. {بِما:} جار ومجرور متعلقان ب: {رَهِينَةٌ} بعدهما، و (ما): تحتمل الموصولة، والموصوفة. فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والرابط، أو العائد محذوف، التقدير: بالذي، أو بشيء كسبته، وعلى اعتبارها مصدرية تؤول بما بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: بكسبها. {رَهِينَةٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {إِلاّ:} أداة استثناء. {أَصْحابَ:} مستثنى ب: {إِلاّ،} و {أَصْحابَ} مضاف، و {الْيَمِينِ} مضاف إليه. {فِي جَنّاتٍ:} متعلقان بمحذوف حال من {أَصْحابَ الْيَمِينِ،} أو من واو الجماعة في {يَتَساءَلُونَ}
قاله أبو البقاء، وقال الجمل نقلا عن السمين: متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، التقدير:
هم في جنات، والجملة الاسمية هذه مستأنفة؛ لأنها بمنزلة جواب سؤال نشأ من الاستثناء، كأنه قيل: فما شأنهم، وحالهم؟ {يَتَساءَلُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر ثان للمبتدأ الذي رأيت تقديره، أو هي مستأنفة، لا محل لها. هذا؛ وأجاز السمين تعليق الجار والمجرور {فِي جَنّاتٍ} بالفعل {يَتَساءَلُونَ}. {عَنِ الْمُجْرِمِينَ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله، وهناك مضاف محذوف، التقدير: عن حال المجرمين.
{ما:} اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {سَلَكَكُمْ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {ما،} والكاف مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول لقول محذوف، التقدير: يقولون: ما سلككم، وهذه الجملة مفسرة ل:{يَتَساءَلُونَ} . {فِي سَقَرَ:} متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والتأنيث. انظر قول ابن مالك فيما تقدم.
الشرح: {قالُوا} أي: المجرمون الذين أسلكوا في سقر. {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} أي: لم نؤد الصلاة، ولم نعتقد بفرضيتها. وانظر ما أذكره في سورة (الماعون) إن شاء الله تعالى. {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} أي: لم نكن نتصدق، ونحسن إلى الفقراء، والمساكين. قال ابن كثير: مرادهم في الآيتين: ما عبدنا ربنا، ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا. {وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ} أي:
وكنا نتحدث بالباطل مع أهل الغواية، والضلالة، ونقع معهم فيما لا ينبغي من الأباطيل.
والخوض: هو كثرة الكلام بما لا ينبغي من الباطل، وشبهه. هذا؛ والخوض الدخول في الشيء كالماء، ونحوه، وقد استعير هنا للحديث بالباطل، والبهتان، والافتراء. وخذ قوله تعالى:{وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} الآية رقم [68] من سورة (الأنعام)، وانظر سورة (المعارج) رقم [42].
{وَكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} أي: نكذب بيوم القيامة، وبالجزاء، والمعاد. وإنما أخره لتعظيمه، والتنويه بشأنه؛ لأنه أعظم جرائمهم، وأفحشها. وهذا تخصيص بعد تعميم؛ لأن الخوض في الباطل عام شامل لتكذيب يوم الدين، وغيره، أي: وكنا بعد ذلك كله مكذبين بيوم القيامة.
{حَتّى أَتانَا الْيَقِينُ} أي: حتى جاءنا الموت، ومقدماته، ونحن في تلك المنكرات، والضلالات، فإنه متيقن لحاقه كل حي مخلوق. وكان عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه-يقول:
ما رأيت يقينا أشبه بالشّكّ من يقين الناس بالموت، ثمّ لا يستعدّون له. هذا؛ وقال تعالى في الآية رقم [99] من سورة (الحجر):{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} انظرها هناك ففيها بحث قيم.
هذا؛ و {نَكُ} أصله: (نكون) فلما دخل الجازم، صار لم نكون، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، فصار (لم نكن) ثم حذفت النون للتخفيف، ولكثرة الاستعمال. وهذا الحذف جائز، وغير لازم، وله شروط أن يكون مضارعا ناقصا من (كان)، وأن يكون مجزوما بالسكون، وأن لا يكون بعده ساكن، ولا يتصل به ضمير متحرك، كما في الآية الكريمة، وغيرها كثير فقد ذكر هذا اللفظ باختلاف أحرف المضارعة في ثمانية وعشرين موضعا، وهو وارد في الكلام العربي شعرا، ونثرا، ولا تحذف النون عند فقد أحد الشروط إلا في ضرورة الشعر، كما في قول الشاعر، وهو الشاهد رقم [244] من كتابنا:«فتح رب البرية» : [الطويل]
إذا لم تك الحاجات من همّة الفتى
…
فليس بمغن عنك عقد الرّتائم
وقول الخنجر بن صخر الأسدي، وهو الشاهد رقم [243] من كتابنا المذكور:[الطويل]
فإن لم تك المرآة أبدت وسامة
…
فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم
هذا؛ وقرئ شاذا قوله تعالى في أول سورة (البينة): (لم يك الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين
…
) إلخ، ولم تحذف النون في قول أبي الأسود الدؤلي لجريانه على القاعدة:[الطويل]
دع الخمر تشربها الغواة فإنني
…
رأيت أخاها مجزئا بمكانها
فإلاّ يكنها أو تكنه فإنه
…
أخوها غذته أمّه بلبانها
وأخيرا خذ قول ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته: [الرجز]
ومن مضارع لكان منجزم
…
تحذف نون وهو حذف ما التزم
الإعراب: {قالُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {لَمْ:}
حرف نفي، وقلب، وجزم. {نَكُ:} فعل مضارع ناقص مجزوم ب: {لَمْ} وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة للتخفيف، واسمه مستتر فيه وجوبا، تقديره:«نحن» . {مِنَ الْمُصَلِّينَ:} جار مجرور متعلقان بمحذوف خبر {نَكُ،} والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، وجملة:
{قالُوا..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها وهي في المعنى جواب الاستفهام. {وَلَمْ نَكُ:} مثل سابقه.
{نُطْعِمُ:} فعل مضارع، وفاعله مستتر تقديره:«نحن» . {الْمِسْكِينَ:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب خبر:{نَكُ،} والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {وَكُنّا:} الواو: حرف عطف. (كنا): فعل ماض ناقص مبني على السكون، و (نا): اسمه. {نَخُوضُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«نحن» ، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول أيضا.
{مَعَ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، وهو مضاف، و {الْخائِضِينَ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض من التنوين في الاسم المفرد. {وَكُنّا نُكَذِّبُ:} مثل ما قبله في إعرابه، وفي محله. {بِيَوْمِ:} متعلقان بما قبلهما، و (يوم) مضاف، و {الدِّينِ:} مضاف إليه. {حَتّى:} حرف غاية وجر بعدها: «أن» مضمرة. {أَتانَا:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف في محل نصب بأن المضمرة، و (نا): مفعول به.
{الْيَقِينُ:} فاعله، و «أن» المضمرة والفعل (أتى) في تأويل مصدر في محل جر ب:{حَتّى،} والجار والمجرور متعلقان بالفعل {نُكَذِّبُ} .
الشرح: {فَما تَنْفَعُهُمْ..} . إلخ: قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: هذا دليل على صحة الشفاعة للمذنبين، وذلك أن قوما من أهل التوحيد عذّبوا بذنوبهم، ثم شفع فيهم، فرحمهم الله بتوحيدهم، والشفاعة، فأخرجوا من النار، وليس للكفار شفيع يشفع فيهم. فهي نفي للشفاعة فيهم من أصلها، ومثله في سورة (غافر) رقم [18]:{وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ} . هذا؛ وقال عبد الله بن مسعود: يشفع نبيكم صلى الله عليه وسلم رابع أربعة: جبريل، ثم إبراهيم، ثم موسى، أو عيسى، ثم نبيكم صلى الله عليه وسلم، ثم الملائكة، ثم النبيون، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ويبقى قوم في جهنم، فيقال لهم:{ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ..} . إلخ قال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه: فهؤلاء هم الذين يبقون في جهنم. وقال عمران بن حصين رضي الله عنه: الشفاعة نافعة لكل أحد دون هؤلاء الذين تسمعون.
هذا؛ والشفاعة في الأصل التوسل، وابتغاء الخير، والذي يكون منه التوسل يسمى الشفيع.
والشفاعة في الآخرة لا تكون إلا حسنة؛ لأنها لطلب الخير الخالص، وأما في الدنيا فتكون حسنة، وأكثرها سيئة، فالشفاعة الحسنة هي التي روعي فيها حق مسلم، ودفع بها عنه شر، أو جلب إليه خير، وابتغي بها وجه الله، ولم تؤخذ عليها رشوة، وكانت في أمر جائز، لا في حد من حدود الله، ولا في حق من حقوق الناس، والسيئة ما كانت بخلاف ذلك. والدستور في ذلك قوله تعالى في سورة (النساء) رقم [85]:{مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها} . هذا؛ وقيل: الشفاعة الحسنة هي الدعوة للمسلم؛ لأنها في معنى الشفاعة إلى الله. فعن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «من دعا لأخيه بظهر الغيب؛ استجيب له، وقال له الملك: ولك مثل ذلك» . فذلك النصيب.
{فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} أي: فما لهؤلاء المشركين معرضين عن القرآن، وآياته، وما فيه من المواعظ البليغة، والنصائح القيمة، والإرشادات العظيمة؟! قال مقاتل-رحمه الله تعالى-:
الإعراض عن القرآن من وجهين: أحدهما: الجحود، والإنكار، والوجه الآخر: ترك العمل بما فيه. أقول: والأول يشمل الكافرين. والثاني يشمل المسلمين المستهترين بلا ريب، ولا شك.
{كَأَنَّهُمْ} أي: كأن هؤلاء الكفار في فرارهم من محمد صلى الله عليه وسلم. {حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما: أراد الحمر الوحشية. أي: نافرة، وقرئ بفتح الفاء بمعنى: منفّرة مذعورة، يقال: نفرت، واستنفرت، بمعنى واحد. {فَرَّتْ:} نفرت، وهربت. {مِنْ قَسْوَرَةٍ} أي:
أسد، شبههم الله تعالى بالحمر النافرة مذمة لهم، وتهجينا، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما:
الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد؛ هربت، كذلك هؤلاء المشركون إذا رأوا محمدا صلى الله عليه وسلم هربوا منه كما يهرب الحمار من الأسد، ثم قال: والقسورة: الأسد. وفي كتاب الحيوان للدميري للأسد أكثر من مئة اسم. هذا؛ وقال بعض أهل اللغة: إن القسور: الرامي، وجمعه: القسورة. وكذا قال سعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن كيسان: القسورة هم الرماة والصيادون، ورواه عطاء عن ابن عباس-رضي الله عنهما، وأبو ظبيان عن أبي موسى الأشعري. وروى أبو جمرة عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: ما أعلم القسورة الأسد في لغة أحد من العرب، ولكنها عصب الرجال. قال: فالقسورة جمع: الرجال، وأنشد:[الرجز]
يا بنت كوني خيرة لخيّره
…
أخوالها الجنّ وأهل القسورة
وقال زيد بن أسلم: {مِنْ قَسْوَرَةٍ:} من رجال أقوياء، وكل شديد عند العرب فهو: قسورة، وقسور، وقال لبيد بن ربيعة-رضي الله عنه:[الطويل]
إذا ما هتفنا هتفة في نديّنا
…
أتانا الرّجال العائدون القساور
و (حمر) جمع: حمار، وهو معروف، يكون وحشيا، ويكون أهليا، وأنثاه: أتان، ويقال:
حمارة أيضا، ويجمع على: حمير، وحمر، وحمور، وحمرات. وكلها للكثرة، ويجمع جمع قلة على: أحمرة. قال الراعي النميري، أو القتال الكلابي، وهو الشاهد رقم [32] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» : [البسيط]
هنّ الحرائر لا ربّات أحمرة
…
سود المحاجر لا يقرأن بالسّور
والحمار الأهلي يوصف بالهداية إلى سلوك الطرقات؛ التي مشى فيها؛ ولو مرة واحدة، وبحدة السمع، وللناس في مدحه، وذمه أقوال متباينة بحسب الأغراض، وقد أطال الدميري الكلام عليه في كتابه:«حياة الحيوان» . هذا؛ والالتفات من التكلم في الآيات السابقة إلى الغيبة في هذه الآيات ظاهر لا خفاء فيه. انظر الالتفات في الآية رقم [20] من سورة (الملك)، ولا تنس التشبيه التمثيلي بقوله تعالى:{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ..} . إلخ.
الإعراب: {فَما:} الفاء: حرف تفريع، واستئناف. (ما): نافية. {تَنْفَعُهُمْ:} فعل مضارع، والهاء مفعول به. {شَفاعَةُ:} فاعله، وهو مضاف، و {الشّافِعِينَ} مضاف إليه، والجملة الفعلية
مستأنفة، لا محل لها. {فَما:} الفاء: حرف استئناف. (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {عَنِ التَّذْكِرَةِ:} متعلقان بما بعدهما. {مُعْرِضِينَ:} حال من الضمير المجرور باللام منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض من التنوين في الاسم المفرد. {كَأَنَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {حُمُرٌ:}
خبرها. {مُسْتَنْفِرَةٌ:} صفة {حُمُرٌ،} والجملة الاسمية: {كَأَنَّهُمْ..} . إلخ في محل نصب حال ثانية من الضمير المجرور باللام، أو من الضمير المستتر في {مُعْرِضِينَ،} فهي حال متداخلة، وأجاز أبو البقاء اعتبارها بدلا من {مُعْرِضِينَ}. {فَرَّتْ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل يعود إلى {حُمُرٌ،} والجملة الفعلية في محل رفع صفة {حُمُرٌ} ثانية، أو في محل نصب حال منها بعد وصفها بما تقدم و «قد» قبلها مقدرة. {مِنْ قَسْوَرَةٍ:} متعلقان بما قبلهما.
الشرح: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ..} . إلخ: إضراب انتقالي عن محذوف هو جواب الاستفهام السابق، كأنه قيل: فلا جواب لهم عن هذا السؤال، أي: لا سبب لهم في الإعراض، بل يريد
…
إلخ جمل. وفي الخطيب: وذلك: أن أبا جهل، وجماعة من قريش. قالوا: يا محمد! لن نؤمن بك حتى تأتي كل واحد منا بكتاب من السماء، عنوانه: من رب العالمين إلى فلان بن فلان، ونؤمر فيه باتباعك. ونظيره ما حكاه الله من قولهم في سورة (الإسراء) رقم [93]:{وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ} . وقال ابن عباس-رضي الله عنهما: كانوا يقولون: إن كان محمد صادقا؛ فليصبح عند كل رجل منا صحيفة فيها براءته، وأمنه من النار. وقال الكلبي:
إن المشركين قالوا: يا محمد! بلغنا: أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح مكتوبا عند رأسه ذنبه وكفارته، فائتنا بمثل ذلك. والمراد من الآية بيان تفننهم، وإمعانهم في الضلالة.
{كَلاّ} أي: لا يكون ذلك؛ لأن إنزال الصحف، والكتب من السماء خاص بالأنبياء، والمرسلين. {بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ} أي: لا يخافون عذاب الآخرة، ولو خافوا عذاب النار؛ لما اقترحوا هذه الآيات بعد قيام الأدلة؛ لأنه لما حصلت المعجزات الكثيرة، وشاهدوها بأعينهم؛ كفت في الدلالة على صحة النبوة، فطلب الزيادة يكون من باب التعنت. وانظر شرح {اِمْرِئٍ} في الآية رقم [34] من سورة (عبس).
الإعراب: {بَلْ:} حرف إضراب انتقالي. {يُرِيدُ:} فعل مضارع. {كُلُّ:} فاعله، وهو مضاف، و {اِمْرِئٍ} مضاف إليه. {مِنْهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة {اِمْرِئٍ} . {أَنْ يُؤْتى:} فعل
مضارع مبني للمجهول منصوب ب: «أن» ، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر، ونائب الفاعل يعود إلى {اِمْرِئٍ،} تقديره: «هو» ، وهو المفعول الأول. {صُحُفاً:} مفعول به ثان.
{مُنَشَّرَةً:} صفة {صُحُفاً} . و {أَنْ يُؤْتى} في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به، وجملة:{بَلْ يُرِيدُ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها. {كَلاّ:} حرف ردع وزجر. {بَلْ:} حرف إضراب انتقالي مثل سابقه. {كَلاّ:} نافية. {يَخافُونَ:} فعل مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {الْآخِرَةَ:} مفعول به، وهو على حذف مضاف، التقدير: عذاب الآخرة.
الشرح: {كَلاّ إِنَّهُ} أي: القرآن. {تَذْكِرَةٌ:} عظة بالغة. هذا؛ وأنث في سورة (عبس) في قوله: {كَلاّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ} لتأنيث الخبر. {فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ} أي: فمن شاء أن يذكره، ولا ينساه، ويجعله نصب عينيه؛ فليفعل، فإن فائدة ذلك راجعة إليه. وقال الزمخشري: والضمير في {إِنَّهُ} و {ذَكَرَهُ} للتذكرة في قوله: {فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} وإنما ذكر؛ لأنها في معنى الذكر، أو القرآن.
{وَما يَذْكُرُونَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ} أي: إلا أن يشاء الله لهم الهدى، فيتذكروا، ويتعظوا، فهو كقوله تعالى في سورة (الدهر) رقم [30]:{وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ} وهو تصريح بأن فعل العبد بمشيئة الله. وقال الزمخشري ميلا إلى اعتزاله: يعني إلا أن يقسرهم على الذكر، ويلجئهم إليه؛ لأنه مطبوع على قلوبهم معلوم: أنهم لا يؤمنون اختيارا. قال ابن كثير: وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وترويح عن قلبه الشريف مما كان يخامره من إعراضهم عنه، وتكذيبهم له.
{هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} أي: هو جل وعلا أهل لأن يتقى لشدة عقابه، وأهل؛ لأن يغفر الذنوب لكرمه، وسعة رحمته. قال الآلوسي: أي: حقيق بأن يتقى عذابه ويطاع، وحقيق بأن يغفر لمن آمن به، وأطاعه. انتهى. صفوة التفاسير.
هذا؛ وعن أنس-رضي الله عنه-عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال في هذه الآية، «يقول الله تعالى: أنا أهل أن أتّقى، فمن اتّقاني، فلم يجعل معي إلها؛ فأنا أهل أن أغفر له». أخرجه أحمد، والترمذي، والحاكم، وابن ماجه. هذا؛ وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: وفي بعض التفاسير: هو أهل المغفرة لمن تاب إليه من الذنوب الكبار، وأهل المغفرة أيضا للذنوب الصغار باجتناب الذنوب الكبار.
هذا؛ وأهل في هذه الآية بمعنى: مستوجب، ومستحق، ومالك، وصاحب، وفي الدعاء:
اللهم عاملنا بما أنت له أهل، ولا تعاملنا بما نحن له أهل. وهو يصلح للواحد، والجمع،
والتذكير، والتأنيث، ومستأهل لكذا بمعنى ما تقدم، واستأهله: استوجبه لغة جيدة، وإنكار الجوهري باطل. انتهى. قاموس بتصرف كبير مني. و (أهل) اسم جمع لا واحد له من لفظه، مثل: معشر، ورهط. والأهل: العشيرة، وذو القربى. ويطلق على الزوجة، وعلى الأتباع، وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: أزواجه، وبناته، وصهره علي-رضي الله عنه-والرجال من نسله، والجمع: أهلون، وأهال، وآهال، وأهلات، وأهلات. وبالأولين قرئ قوله تعالى في سورة (التحريم) رقم [6]:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ} .
الإعراب: {كَلاّ:} تكرير لما قبلها، وتوكيد لها. وقيل: هي هنا بمعنى «ألا» الاستفتاحية.
{إِنَّهُ:} (إنّ): حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {تَذْكِرَةٌ:} خبرها، والجملة الاسمية مبتدأة، أو مستأنفة، لا محل لها. {فَمَنْ:} الفاء: حرف عطف، وتفريع. (من): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {شاءَ:} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والفاعل يعود إلى (من)، تقديره:«هو» ، ومفعوله محذوف، انظر تقديره في الشرح. {ذَكَرَهُ:}
فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم جواب الشرط، والفاعل يعود إلى (من) أيضا، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب:
«إذا» الفجائية، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه، كما رأيت في الآية رقم [14] من سورة (الجن). هذا؛ وإن اعتبرت (من) اسما موصولا؛ فهي مبتدأ، وجملة {شاءَ} صلتها، وجملة {ذَكَرَهُ} في محل رفع خبرها، والجملة الاسمية على الاعتبارين معطوفة على ما قبلها.
{وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {يَذْكُرُونَ:} فعل مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله، ومفعوله محذوف، وعلى اعتباره بمعنى: يتعظون فهو لازم لا مفعول له، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {إِلاّ:} حرف استثناء. {أَنْ يَشاءَ:} مضارع منصوب ب: {أَنْ} ومفعوله محذوف. {اللهُ:} فاعله، والمصدر المؤول من:{أَنْ يَشاءَ} في محل نصب على الاستثناء، قدره أبو البقاء: إلا وقت مشيئة الله عز وجل. وقال مكي: أو في موضع خفض على إضمار الخافض؛ أي: إلا بمشيئة الله تعالى، وعليه فالجار والمجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب مستثنى من عموم الأحوال. {هُوَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {أَهْلُ:} خبره، وهو مضاف، و {التَّقْوى} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر، والجملة الاسمية مفيدة للتعليل لا محل لها، والتي بعدها معطوفة عليها.
انتهت سورة (المدثر) شرحا، وإعرابا، بحمد الله، وتوفيقه.
والحمد لله رب العالمين.