المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الفيل بسم الله الرحمن الرحيم سورة (الفيل) مكية بالإجماع، وهي خمس - تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة - جـ ١٠

[محمد علي طه الدرة]

فهرس الكتاب

- ‌سورة التّحريم

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الملك

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القلم

- ‌فائدة:

- ‌سورة الحاقّة

- ‌خاتمة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الجنّ

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المزّمّل

- ‌سورة المدّثر

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الإنسان

- ‌فائدة:

- ‌سورة المرسلات

- ‌سورة النّبإ

- ‌سورة النّازعات

- ‌فائدة:

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التّكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطفّفين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البروج

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة الطّارق

- ‌تنبيه: بل خاتمة:

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌فائدة:

- ‌سورة البلد

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الشمس

- ‌تنبيه، وخاتمة:

- ‌سورة الليل

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الضّحى

- ‌سورة الشرح

- ‌سورة التّين

- ‌فائدة:

- ‌سورة العلق

- ‌الشرح

- ‌خاتمة:

- ‌سورة القدر

- ‌سورة البيّنة

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة الكافرون

- ‌فائدة:

- ‌سورة النّصر

- ‌سورة المسد

- ‌‌‌فائدةبل طرفة:

- ‌فائدة

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة النّاس

- ‌خاتمة

- ‌ترجمة موجزة للشيخ المفسر النحويمحمد علي طه الدرة رحمه الله تعالى1340 -1428 هـ-1923 - 2007 م

- ‌حليته وشمائله:

- ‌مؤلفات الشيخ المطبوعة والمخطوطة:

الفصل: ‌ ‌سورة الفيل بسم الله الرحمن الرحيم سورة (الفيل) مكية بالإجماع، وهي خمس

‌سورة الفيل

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة (الفيل) مكية بالإجماع، وهي خمس آيات، وعشرون كلمة، وستة وتسعون حرفا.

انتهى. خازن.

بسم الله الرحمن الرحيم

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1)}

الشرح: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ..} . إلخ: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو وإن لم يشهد تلك الواقعة، لكن شاهد آثارها، وسمع بالتواتر أخبارها، فكأنه رآها، ولذا قال:{كَيْفَ،} ولم يقل: «ما» ؛ لأن المراد تذكير ما فيها من وجوه الدلالة على كمال علم الله، وقدرته، وعزة نبيه، وشرف رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنها من الإرهاصات. انتهى. بيضاوي. هذا؛ والفيل حيوان معروف، وجمعه:

أفيال، وفيول، والأنثى: فيلة وصاحبها: فيّال، وقصة أصحاب الفيل كانت كما يلي.

روي: أن أبرهة بن الصباح، ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي ملك الحبشة، وهو النجاشي الذي آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم بنى كنيسة بصنعاء، وسماها القلّيس، وأراد أن يصرف إليها الحاج عن مكة، فخرج رجل من كنانة، فقعد فيها، وتغوّط فيها، ولطخ بالعذرة قبلتها، فأغضب أبرهة ذلك. وقيل: أججت رفقة من العرب نارا، فحملتها الريح، فأحرقتها، فحلف: ليهدمن الكعبة! فخرج بجيشه، ومعه فيل عظيم، اسمه محمود، وكان قويا عظيما. واثنا عشر فيلا غيره، فلما جاء المغمّس (موضع قرب مكة في طريق الطائف) خرج إليه عبد المطلب، وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع، فأبى، وعبأ جيشه، وقدم الفيل، وكانوا كلما وجهوه إلى الحرم، برك، ولم يبرح، وإذا وجهوه إلى اليمن، أو إلى الشام؛ هرول.

فأرسل الله عليهم طيرا مع كل طائر حجر بمنقاره، وحجران في رجليه، أكبر من العدسة، وأصغر من الحمصة، فكان الحجر يقع على رأس الرجل، فيخرج من دبره، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه، ففروا، وهلكوا، وهلك أبرهة، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، وانفلت وزيره أبو يكسوم، وطائر يحلق فوقه؛ حتى بلغ النجاشي في الحبشة، فقص عليه القصة، فلما أتمها؛ وقع عليه الحجر، فخر ميتا بين يديه.

ص: 727

وروي: أن أبرهة أخذ لعبد المطلب، مئتي بعير، فخرج إليه يطلبها منه، فلما رآه عظم في عينه، وكان عبد المطلب رجلا جسيما، ووسيما. وقيل لأبرهة: هذا سيد قريش، وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل، والوحوش، والطير في رؤوس الجبال، فلما ذكر حاجته، وهي الإبل. قال له أبرهة: سقطت من عيني! جئت لأهدم البيت؛ الذي هو دينك، ودين آبائك، وشرفكم في قديم الدهر، فألهاك عنه ذود من الإبل أخذ لك، فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل، وللبيت ربّ سيمنعه منك! قال: ما كان ليمنعه مني! فقال: أنت، وذاك! فأمر بإبله، فردت عليه.

فخرج عبد المطلب، فأخبر قريشا، وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب، ويتحرزوا في رؤوس الجبال تخوفا عليهم من معرة الجيش، ففعلوا، وأتى عبد المطلب الكعبة، وأخذ حلقة الباب، وجعل يقول:[الرجز]

يا ربّ لا أرجو لهم سواكا

يا ربّ فامنع منهم حماكا

إن عدوّ البيت من عاداكا

امنعهم أن يخربوا قراكا

وفي رواية أخرى (إنّهم لن يقهروا قواكا) وقال أيضا: [مجزوء الكامل]

لا همّ إن العبد يم

نع رحله فامنع رحالك

وانصر على آل الصّل

يب وعابديه اليوم آلك

لا يغلبنّ صليبهم

ومحالهم أبدا محالك

جرّوا جموع بلادهم

والفيل كي يسبوا عيالك

عمدوا حماك بكيدهم

جهلا وما رقبوا جلالك

إن كنت تاركهم وكع

بتنا فأمر ما بدا لك

تنبيه: لما خرج أبرهة من اليمن قاصدا مكة، فسمعت العرب بذلك، فعظموه، ورأوا جهاده حقا عليهم، فخرج ملك من ملوك اليمن، يقال له: ذو نفر بمن أطاعه من قومه. فقاتلوه، فهزمه أبرهة، وأراد قتله. فقال له: أيها الملك استبقني، فإن بقائي خير لك من قتلي. فاستحياه، وأوثقه، ثم سار حتى إذا دنا من بلاد خثعم، خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي في خثعم، ومن اجتمع إليه من قبائل اليمن، فقاتلوه، فهزمهم، وأخذ نفيلا، فقال نفيل: أيّها الملك إني خبير بأرض العرب، وهاتان يداي على قومي بالسمع، والطاعة. فاستبقاه، وخرج معه يدله، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن مغيث في رجال من ثقيف، فقال: أيها الملك نحن عبيدك، ليس عندنا خلاف لك، إنما تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من يدلك عليه، فبعثوا معه «أبا رغال» مولى لهم، فخرج حتى إذا كان بالمغمّس؛ مات أبو رغال، وهو الذي يرجم قبره، وفيه يقول الشاعر:[الوافر]

ص: 728

وأرجم قبره في كلّ عام

كرجم الناس قبر أبي رغال

فلما أنزل الله بهم بلاءه، ومات منهم من مات بالحجارة؛ التي نزلت عليهم من السماء، ومن بقي منهم؛ خرجوا هاربين مبتدرين الطريق؛ التي جاؤوا منها؛ أخذوا يسألون عن نفيل بن حبيب؛ ليدلهم على الطريق إلى اليمن فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته:[الرجز]

أين المفرّ والإله الطالب

والأشرم المغلوب ليس الغالب

وهذا هو الشاهد رقم [551] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» وقال أيضا: [الوافر]

حمدت الله إذ أبصرت طيرا

وخفت حجارة تلقى علينا

فكلّ القوم يسأل عن نفيل

كأنّ عليّ للحبشان دينا

وقصة أصحاب الفيل كانت عام مولد النبي صلى الله عليه وسلم.

الإعراب: {أَلَمْ:} (الهمزة): حرف استفهام، وتقرير. (لم): حرف نفي، وقلب، وجزم.

{تَرَ:} فعل مضارع مجزوم ب: (لم)، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الألف، والفتحة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» ، وهو معلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام بعده. {كَيْفَ:} اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب مفعول مطلق، عامله ما بعده، أو في محل نصب حال من {رَبُّكَ،} واختار الأول ابن هشام في المغني، والمعنى: أي فعل فعل، وأما نصبه على الحالية من الفاعل؛ فممتنع؛ لأن فيه وصفه تعالى بالكيفية، وهو غير جائز.

انتهى. جمل نقلا من الشهاب. وقال مكي: في محل نصب على الظرفية الزمانية، عامله ما بعده، وهو غير قوي، ولا يؤيده المعنى. تأمل. {فَعَلَ:} فعل ماض. {رَبُّكَ:} فاعله، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الفعلية في محل نصب سدت مسد مفعول (ترى) المعلق عن العمل. {بِأَصْحابِ:} متعلقان بما قبلهما، و (أصحاب):

مضاف، و {الْفِيلِ:} مضاف إليه. وانظر الكلام على {كَيْفَ} في آخر سورة (الغاشية).

{أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)}

الشرح: أي: ألم يجعل كيدهم في إبطال، وتضييع وخسار، ومنه قوله تعالى في سورة (غافر) رقم [25]:{وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ،} وأيضا فيها رقم [37]: {وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاّ فِي تَبابٍ} وذلك؛ لأن أبرهة الكافر، وجيشه أرادوا أن يكيدوا قريشا بالقتل، والسبي، والكعبة بالتخريب، والهدم، فحكي عن عبد المطلب: أنه بعث ابنه عبد الله على فرس له، ينظر ما لقوا من تلك الطير، فإذا القوم مشدخين جميعا، فرجع يركض فرسه كاشفا عن فخذه، فلما رأى ذلك أبوه قال: إن ابني هذا أفرس العرب، وما كشف عن فخذه إلا بشيرا، أو

ص: 729

نذيرا، فلما دنا من ناديهم بحيث يسمعهم الصوت؛ قالوا: ما وراءك؟ قال: هلكوا جميعا! فخرج عبد المطلب، وأصحابه، فأخذوا أموالهم، وكانت أموال بني عبد المطلب منها، وبها تكاملت رياسة عبد المطلب؛ لأنه احتمل ما شاء من صفراء، وبيضاء، ثم خرج أهل مكة بعده، فنهبوا، فقال عبد المطلب عند ذلك:[الرجز]

أنت منعت الحبش والأفيالا

وقد رعوا بمكة الأجبالا

وقد خشينا منهم القتالا

وكان أمر لهم معضالا

شكرا وحمدا لك ذا الجلالا

قال ابن إسحاق: ولما ردّ الله الحبشة عن مكة؛ عظّمت العرب قريشا. وقالوا: هم أهل الله، قاتل الله عنهم، وكفاهم مؤونة عدوهم. وقال عبد الله بن عمرو بن مخزوم في قصة أصحاب الفيل:[الرجز]

أنت الجليل ربّنا لم تدنس

أنت حبست الفيل بالمغمّس

من بعد ما همّ بشرّ مبلس

حبسته في هيئة المكركس

وما لهم من فرج ومنفس

الإعراب: {أَلَمْ:} مثل سابقه في إعرابه ومعناه. {يَجْعَلْ:} فعل مضارع مجزوم ب: (لم).

والفاعل يعود إلى {رَبُّكَ} . {كَيْدَهُمْ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة. {فِي تَضْلِيلٍ:}

متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله الثاني، أو هما في محل نصب حال من {كَيْدَهُمْ،} والجملة الفعلية مستأنفة استئنافا بيانيا، وفيها معنى التفسير، والبيان لما قبلها ما فيها.

{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}

الشرح: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً:} قال سعيد بن جبير-رضي الله عنه: كانت طيرا من السماء لم ير قبلها، ولا بعدها مثلها. وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس-رضي الله عنهم أجمعين-. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنها طير بين السماء والأرض تعشّش، وتفرّخ» .

وعن ابن عباس-رضي الله عنهما: (كانت لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب). وقال عكرمة: كانت طيرا خضرا، خرجت من البحر، لها رؤوس كرؤوس السباع، ولم تر قبل ذلك، ولا بعده. وقالت عائشة-رضي الله عنها: هي أشبه شيء بالخطاطيف.

وقيل: بل كانت أشباه الوطاويط حمراء، وسوداء. انتهى. قرطبي.

ص: 730

قال الخازن-رحمه الله تعالى-: ووجه الجمع بين هذه الأقاويل في اختلاف أجناس هذه الطير: أنها كانت فيها هذه الصفات كلها، فبعضها على ما حكاه ابن عباس، وبعضها على ما حكاه غيره، فأخبر كل واحد بما بلغه من صفاتها. والله أعلم. انتهى.

هذا؛ والطير: اسم جمع مثل: غنم، وخيل. وقيل: بل هو جمع طائر، مثل: صحب، وصاحب. ويصح إطلاقه على المفرد، والمثنى، والجمع، وجمع الطير: طيور، وأطيار، مثل:

فرخ، وفروخ، وأفراخ. وقال قطرب، وأبو عبيدة: الطير قد يقع أيضا على الواحد، كما في قوله تعالى:{فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ} الآية رقم [49] من سورة (آل عمران). وطائر الإنسان: عمله الذي قلده. قال تعالى في سورة (الإسراء): {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} والطير أيضا: الاسم من التطير، ومنه قولهم:(لا طير إلاّ طير الله، كما يقال: لا أمر إلاّ أمر الله). انتهى. مختار بتصرف.

{أَبابِيلَ:} متتابعة بعضها في إثر بعض. قاله ابن عباس، ومجاهد. وقيل: مختلفة متفرقة تجيء من كل ناحية، من هاهنا وهاهنا. قاله ابن مسعود، وابن زيد، والأخفش. واختلف في واحدها، فقيل: إبّول، كعجّول وعجاجيل. وقيل: واحدها: إبّيل كسكّين، وسكاكين. وقيل:

واحدها: إبّال كدينار، ودنانير، وأصل دينار: دنّار، دليله تكرير النون في الجمع، والتصغير.

وقيل: هو جمع لا واحد له. وقيل: هو اسم للجمع. انتهى. مكي. قال المبرد: ولم أجد العرب تعرف له واحدا في غير الصحاح. وقال رؤبة بن العجاج في الجمع: [الرجز]

ولعبت طير بهم أبابيل

فصيّروا مثل كعصف مأكول

وهذا هو الشاهد رقم [325] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» . وقال الأعشى: [الطويل]

طريق وجبّار رواء أصوله

عليه أبابيل من الطّير تنعب

الجبّار من النخل: ما طال، وفات اليد. وقال آخر:[البسيط]

كادت تهدّ من الأصوات راحلتي

إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل

الجرد (بضم الجيم): خيل لا رجالة فيها، وهو أيضا قصر شعر الجلد في الفرس.

{تَرْمِيهِمْ:} ويقرأ: «(يرميهم)» . {بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ:} قالوا: حجارة من طين طبخت بنار جهنم مكتوب فيها أسماء القوم، كقوله تعالى في سورة (الذاريات):{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً} وقيل: {مِنْ سِجِّيلٍ} من السماء، وهي الحجارة التي أنزلت على قوم لوط. وقيل: من الجحيم، وهي سجين، ثم أبدلت اللام نونا، كما قالوا في أصيلان: أصيلال. قال ابن مقبل: [البسيط]

ورجلة يضربون البيض عن عرض

ضربا تواصت به الأبطال سجّينا

هذا؛ وقالت طائفة، منهم: ابن عباس، وسعيد بن جبير، وابن إسحاق: إن سجيلا لفظة غير عربية عربت، أصلها: سنج وجيل، ويقال: سنك وكيل، وهما بالفارسية حجر وطين عربتهما العرب، فجعلتهما اسما واحدا؛ لأن العرب إذا تكلمت بشيء من الفارسي، صار لغة

ص: 731

للعرب، ولا يضاف للفارسية، مثل سندس، وإستبرق، والمشكاة، ونحو ذلك، فكل هذه الألفاظ فارسية، تكلمت بها العرب، واستعملتها، فصارت عربية.

{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} أي: جعل الله أصحاب الفيل كورق الزرع؛ الذي أكلته الدواب، فرمت به إلى أسفل. شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء ورق الزرع، أكلته الدواب وداسته، بل وراثته؛ أي: ألقته روثا ثم يبس، وتفتت، ولم يقل: كروث لما في لفظ الروث من الهجنة، والشناعة وسمي عصفا؛ لأن الريح تعصف به، فتفرقه ذات اليمين وذات الشمال. هذا؛ والتشبيه مرسل مجمل ذكرت الأداة، وحذف وجه الشبه.

هذا؛ وذكرت: أن الله أهلك كل واحد من أصحاب الفيل بحجر مكتوب عليه اسمه. وهو قول أكثر المفسرين. قال الجمل: يتأمل سر هذه الكتابة، وهل كان الطائر الذي يحمله يدرك ويفهم أن هذا الحجر لفلان بخصوصه حتى لا يرميه إلا فوقه؟ وإذا كان كذلك، فهل كان إدراكه لهذا المعنى من الكتابة المذكورة، أو بمجرد إلهام؟ يحرر. والله أعلم بمراده.

الإعراب: {وَأَرْسَلَ:} الواو: حرف عطف. (أرسل): فعل ماض، والفاعل يعود إلى (الله).

{عَلَيْهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {طَيْراً:} مفعول به. {أَبابِيلَ:} صفة {طَيْراً،} ولم ينون؛ لأنه ممنوع من الصرف لصيغة منتهى الجموع، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، وساغ ذلك؛ لأن الاستفهام للتقرير، فكان المعنى: قد جعل ذلك، وأرسل. وانظر ما ذكرته في سورة (الشرح) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

{تَرْمِيهِمْ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل تقديره:

«هي» يعود إلى {طَيْراً أَبابِيلَ} وعلى قراءة الفعل بالياء فالفاعل تقديره: «هو» يعود إلى (الله)؛ أي:

يرميهم الله. ويجوز أن يكون راجعا إلى الطير لخلوها من علامات التأنيث، وهو ضعيف، فالأول أقوى وأولى، والهاء مفعول به، والجملة في محل نصب صفة ثانية ل:{طَيْراً} أو في محل نصب حال منه بعد وصفه بما تقدم، وعلى قراءته بالياء فالحالية تكون من الضمير المجرور ب:(على)، والرابط:

الضمير على الاعتبارين. {بِحِجارَةٍ:} متعلقان بما قبلهما. {مِنْ سِجِّيلٍ:} متعلقان بمحذوف صفة (حجارة). (جعلهم): فعل ماض، والفاعل يعود إلى الله، والهاء مفعول به. {كَعَصْفٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله الثاني. هذا؛ وإن اعتبرت الكاف اسما وهو الأقوى هنا، فالمحل لها، وتكون مضافة، و (عصف): مضاف إليه. {مَأْكُولٍ:} صفة (عصف). تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

انتهت سورة (الفيل) شرحا، وإعرابا.

والحمد لله رب العالمين.

ص: 732