المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة المطفّفين بسم الله الرحمن الرحيم سورة (المطففين) مكية في قول ابن - تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة - جـ ١٠

[محمد علي طه الدرة]

فهرس الكتاب

- ‌سورة التّحريم

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الملك

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القلم

- ‌فائدة:

- ‌سورة الحاقّة

- ‌خاتمة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الجنّ

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المزّمّل

- ‌سورة المدّثر

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الإنسان

- ‌فائدة:

- ‌سورة المرسلات

- ‌سورة النّبإ

- ‌سورة النّازعات

- ‌فائدة:

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التّكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطفّفين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البروج

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة الطّارق

- ‌تنبيه: بل خاتمة:

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌فائدة:

- ‌سورة البلد

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الشمس

- ‌تنبيه، وخاتمة:

- ‌سورة الليل

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الضّحى

- ‌سورة الشرح

- ‌سورة التّين

- ‌فائدة:

- ‌سورة العلق

- ‌الشرح

- ‌خاتمة:

- ‌سورة القدر

- ‌سورة البيّنة

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة الكافرون

- ‌فائدة:

- ‌سورة النّصر

- ‌سورة المسد

- ‌‌‌فائدةبل طرفة:

- ‌فائدة

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة النّاس

- ‌خاتمة

- ‌ترجمة موجزة للشيخ المفسر النحويمحمد علي طه الدرة رحمه الله تعالى1340 -1428 هـ-1923 - 2007 م

- ‌حليته وشمائله:

- ‌مؤلفات الشيخ المطبوعة والمخطوطة:

الفصل: ‌ ‌سورة المطفّفين بسم الله الرحمن الرحيم سورة (المطففين) مكية في قول ابن

‌سورة المطفّفين

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة (المطففين) مكية في قول ابن مسعود، والضحاك، ومقاتل، ومدنية في قول الحسن، وعكرمة. وقال مقاتل: وهي أول سورة نزلت في المدينة. وقال ابن عباس، وقتادة-رضي الله عنهما: مدنية إلا ثمان آيات من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} إلى آخرها مكي. وقال الكلبي، وجابر بن زيد: نزلت بين مكة والمدينة. وهي ست وثلاثون آية، ومئة وتسع وستون كلمة، وسبعمئة وثلاثون حرفا.

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اِكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)}

الشرح: قال الجمل: ومناسبة هذه السورة لما قبلها: أنه تعالى لما ذكر حال السعداء والأشقياء، ويوم الجزاء وعظم ذكر ما أعد لبعض العصاة، ذكرهم بأخسّ ما يقع من المعصية، وهي التطفيف؛ الذي لا يكاد يجدي شيئا من تكثير المال، وتنميته. انتهى. نقلا من البحر.

هذا؛ وروى النسائي، وابن ماجه عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة؛ كانوا من أخبث الناس كيلا، فأنزل الله تعالى:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} فأحسنوا الكيل بعد ذلك. قال الفراء: فهم أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما أيضا؛ قال: هي أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة نزل المدينة، وكان هذا فيهم، كانوا إذا اشتروا؛ استوفوا بكيل راجح، فإذا باعوا؛ بخسوا المكيال، والميزان، فلما نزلت هذه السورة؛ انتهوا، فهم أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا.

وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل، والوزن:«إنّكم قد ولّيتم أمرا فيه هلكت الأمم السّالفة قبلكم» . رواه الترمذي، والحاكم. هذا؛ وقد كان قوم شعيب-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-يبخسون الكيل، والميزان، فأخذهم الله بذلك، وقد ذكرت قصتهم في سورة (الأعراف) و (الشعراء)، و (هود) وغير ذلك مفصلة تفصيلا وافيا.

ص: 488

وعنه أيضا؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خمس بخمس، ما نقض قوم العهد؛ إلا سلّط الله عليهم عدوّهم. ولا حكموا بغير ما أنزل الله؛ إلاّ فشا فيهم الفقر. وما ظهرت الفاحشة فيهم؛ إلاّ ظهر فيهم الطّاعون. وما طفّفوا الكيل؛ إلا منعوا النبات، وأخذوا بالسّنين. ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم المطر» . أخرجه أبو بكر البزار.

وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«يا معشر المهاجرين! خمس خصال إذا ابتليتم بهنّ-وأعوذ بالله أن تدركوهنّ-لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ؛ حتّى يعلنوا بها؛ إلاّ فشا فيهم الطاعون، والأوجاع؛ التي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا. ولم ينقصوا المكيال، والميزان؛ إلا أخذوا بالسّنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم؛ إلا منعوا القطر من السّماء، ولولا البهائم؛ لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله؛ إلاّ سلّط الله عليهم عدوّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم. وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله، ويتخيّروا فيما أنزل الله؛ إلا جعل الله بأسهم بينهم» .

رواه ابن ماجه، والبيهقي، والبزار.

هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [35]: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ،} وقال جل ذكره في سورة (الرحمن) رقم [9]: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ} بعد هذا انظر شرح {وَيْلٌ} في الآية رقم [15] من سورة (المرسلات).

أما (المطففين) فهو جمع: مطفف مأخوذ من التطفيف، وهو القليل، والمطفف هو المقل حق صاحبه بنقصانه حقه في كيل، أو وزن. وقال الزجاج: إنما قيل للفاعل من هذا: مطفف؛ لأنه لا يكاد يسرق من المكيال، والميزان إلا الشيء الطفيف الخفيف. هذا؛ وقال بعض العلماء:

التطفيف في الكيل والوزن والوضوء والصلاة، وفي الموطأ: قال الإمام مالك-رحمه الله تعالى-:

ويقال: لكل شيء وفاء، وتطفيف. وروي عن سالم بن أبي الجعد؛ قال: الصلاة بمكيال، فمن أوفى؛ أوفى الله له، ومن طفف؛ فقد علمتم ما قال الله عز وجل في ذلك:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} .

{الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ} أي: إذا اكتالوا من الناس؛ استوفوا؛ لأنفسهم الكيل، والوزن، فيأخذون حقهم بالوافي، والزائد، فوقعت {عَلَى} موقع:«من» على التقارض بين الحرفين. والتقارض باب من أبواب النحو. انظره في كتابنا: «فتح القريب المجيب» .

{وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} أي: كالوا لهم بالمكيال، أو وزنوا لهم بالميزان، فحذف حرف الجر من الكلمتين، مثل: نصحتك، ونصحت لك، وشكرتك، وشكرت لك. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [23] من سورة (عبس) وهو من كلام أهل الحجاز، ومن جاورهم من قيس. قال الزجاج: لا يجوز الوقف على (كالوا) و (وزنوا) حتى تصل به (هم). قال: ومن الناس من يجعلها توكيدا، ويجيز الوقف على (كالوا) و (وزنوا). والأول الاختيار؛ لأنها حرف واحد. وهو

ص: 489

قول الكسائي. قال أبو عبيد: وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين؛ أي: كلمتين، ويقف على (كالوا) و (وزنوا) ويبتدئ:(هم يخسرون). قال أبو عبيد: والاختيار أن يكونا كلمة واحدة من جهتين: إحداهما الخط، وذلك أنهم كتبوهما بغير ألف، ولو كانتا مقطوعتين؛ لكانتا (كالوا) و (وزنوا) بالألف. والأخرى: أنه يقال: كلتك، ووزنتك، بمعنى: كلت لك، ووزنت لك، وهو كلام عربي. كما يقال: صدتك، وصدت لك، وكسبتك، وكسبت لك. وكذلك: شكرتك، ونصحتك. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (يس) رقم [39]:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} وقال في سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ} رقم [5] إذ التقدير: قدرنا له، وقدر له، ومثل الآيات قول الشاعر-وهو الشاهد رقم [76] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» والشاهد رقم [101] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [الكامل]

ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا

ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

{يُخْسِرُونَ:} ينقصون الكيل، والميزان. وهذا الوعيد يلحق من يأخذ لنفسه زائدا، ويدفع إلى غيره ناقصا. ويتناول الوعيد القليل، والكثير، لكن إذا لم يتب منه، فإن تاب منه، ورد الحقوق إلى أصحابها؛ قبلت توبته، ومن فعل ذلك، وأصر عليه؛ كان مصرا على كبيرة من الكبائر.

وذلك؛ لأن عامة الخلق محتاجون إلى المعاملات، وهي مبنية على أمر الكيل، والوزن، والذرع، فلهذا السبب عظم أمر الكيل، والوزن، وأمر الله بالوفاء فيهما في كثير من الآيات.

هذا؛ وقال نافع مولى ابن عمر: كان ابن عمر-رضي الله عنهما-يمر بالبائع، فيقول:(اتق الله، وأوف الكيل، والوزن بالقسط، فإنّ المطففين يوقفون يوم القيامة؛ حتى يلجمهم العرق) أي: فيكون عرقهم على قدر تفاوتهم في التطفيف، فمنهم من يكون عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَيْلٌ:} مبتدأ سوغ الابتداء به-وهو نكرة-؛ لأنه بمعنى العذاب، وهو دعاء عليهم، والدعاء من المسوغات، سواء كان دعاء له، نحو:{سَلامٌ عَلَيْكَ} أو عليه، كهذه الآية. {لِلْمُطَفِّفِينَ} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مبتدأة لا محل لها. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بدلا من المطففين، أو هو صفة له، أو هو في محلّ نصب مفعولا به لفعل محذوف، التقدير: أذمّ الذين. أو هو في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هم الذين. والوجه الأول على الإتباع، والثاني، والثالث على القطع. {إِذَا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {اِكْتالُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذَا} إليها على المشهور

ص: 490

المرجوح. {عَلَى النّاسِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو بالفعل بعدهما. {يَسْتَوْفُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والجملة الفعلية جواب {إِذَا} لا محل لها. وقيل جواب (إذا) محذوف، تقديره: قبضوا منهم. وجملة: {يَسْتَوْفُونَ} في محل نصب حال من فاعل الفعل المحذوف. وهو تكلف لا داعي له. هكذا قيل في جواب (إذا) الثانية. و (إذا) ومدخولها صلة الموصول {الَّذِينَ} لا محل له. (إذا): مثل سابقتها. {كالُوهُمْ:} فعل ماض، وفاعله، ومفعوله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها كما رأيت سابقا. {وَزَنُوهُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. وانظر شرح الجملتين. {يُخْسِرُونَ:} فعل مضارع مرفوع

إلخ، والواو فاعله، والمفعول محذوف يدل عليه المقام، والجملة الفعلية جواب (إذا) لا محل لها، و (إذا) ومدخولها كلام معطوف على ما قبله، فهو من جملة الصلة.

{أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (6)}

الشرح: {أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ:} ألا يعلم، ويوقن، ويستيقن. {أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ:} من قبورهم للحساب والجزاء. {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} يعني: يوم القيامة، ففيه إنكار، وتعجيب عظيم من حالهم في الاجتراء على التطفيف، كأنهم لا يخطر ببالهم، ولا يخمنون تخمينا: أنهم مبعوثون، ومحاسبون على أعمالهم. ولو اعتقدوا: أنهم مبعوثون ومحاسبون، ما نقصوا في الكيل والميزان.

وعن عبد الملك بن مروان: أن أعرابيا قال له: سمعت ما قال الله في المطففين؟! أراد بذلك: أن المطفف قد توجه عليه هذا الوعيد العظيم؛ الذي سمعت به، فما ظنك بنفسك، وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل، ولا وزن؟! {يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ:} يقوم الناس من قبورهم للحساب، والجزاء، ويقفون بين يدي رب العالمين؛ ليحاسبهم على أعمالهم؛ التي عملوها في الدنيا. وهذا اليوم ذكرت أهواله في سورة (التكوير). وانظر طوله، وما قيل فيه في أول سورة (المعارج) وفي سورة (السجدة) وخذ ما يلي هنا:

قال أبو هريرة-رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم لبشير الغفاري-رضي الله عنه: «كيف أنت صانع في يوم يقوم الناس فيه مقدار ثلاثمئة سنة لربّ العالمين، لا يأتيهم فيه خبر، ولا يؤمر فيه بأمر» . قال بشير: المستعان الله! وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ليخفّف عن المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة المكتوبة يصلّيها في الدنيا» . هذا؛ وقد قال الله تعالى في سورة (يونس) وقوله الحق: {أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} ثم وصفهم بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ} جعلنا الله منهم بفضله، وكرمه، ومنّه آمين.

تنبيه: القيام لله رب العالمين سبحانه شيء حقير بالإضافة إلى عظمته، وحقه، فأما قيام الناس بعضهم لبعض، فاختلف فيه الناس، فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه، وقد روي: أن

ص: 491

النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى جعفر ابن عمه حين قدم من الحبشة، واعتنقه، وقام طلحة بن عبيد الله لكعب ابن مالك يوم تيب عليه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار حين طلع عليهم سعد بن معاذ في غزوة بني قريظة:«قوموا لسيّدكم» . وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: «من سرّه أن يتمثّل له الناس قياما؛ فليتبوأ مقعده من النار» . وذلك يرجع إلى حال الرجل، ونيته، فإن انتظر ذلك، واعتقده لنفسه؛ فهو ممنوع. وإن كان على طريق البشاشة، والوصلة؛ فإنه جائز، وخاصة عند الأسباب كالقدوم من السفر، ونحوه. انتهى. قرطبي. أقول: ولا بأس به عند المماثلة، والمكافأة، وأعني بذلك: أن الشخص إن كان يقوم لمن يقوم له، ويحترمه؛ فلا بأس! وأما إن كان لا يقوم للناس، ويريد أن يتمثل له الناس قياما؛ فهذا الحرام، فإنه من الكبر، والغطرسة، والعجرفة بغير حق.

الإعراب: {أَلا:} الهمزة: حرف استفهام دخلت على (لا) النافية للتوبيخ، والتأنيب.

{يَظُنُّ:} فعل مضارع. {أُولئِكَ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع فاعل، والكاف حرف خطاب لا محل له. {أَنَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {مَبْعُوثُونَ:} خبر (أنّ) مرفوع، وعلامة رفعه الواو، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعولي {يَظُنُّ}. {لِيَوْمٍ:} جار ومجرور متعلقان ب: {مَبْعُوثُونَ} . {عَظِيمٍ:} صفة (يوم).

{يَوْمَ:} ظرف زمان متعلق ب: {مَبْعُوثُونَ،} أو هو متعلق بفعل محذوف يدل عليه {مَبْعُوثُونَ} والمعنى: يبعثون يوم. وقيل: بدل من (يوم) وهو مبني على الفتح في محل جر. وقيل: منصوب بفعل محذوف، التقدير: أعني، أو اذكر. وجملة:{يَقُومُ النّاسُ} في محل جر بإضافة {يَوْمَ} إليها. {لِرَبِّ:} متعلقان بالفعل قبلهما، و (رب) مضاف، و {الْعالَمِينَ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والنون عوض من التنوين في الاسم المفرد، والإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه.

{كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8) كِتابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13)}

الشرح: {كَلاّ:} ردع، وتنبيه؛ أي: ردعهم عما كانوا عليه من التطفيف، والغفلة عن البعث، والحساب، والجزاء، ونبههم على أنه مما يجب أن يتاب عنه، ويندم عليه، ثم أتبعه وعيد الفجار على العموم؛ لذا فليرتدعوا عنه! فعلى هذا تم الكلام هنا. وقيل:{كَلاّ} ابتداء يتصل بما بعده على معنى: حقا.

{إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ} أي: الذي كتبت فيه أعمالهم. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما: إن أرواح الفجار وأعمالهم. {لَفِي سِجِّينٍ:} قال ابن عمر-رضي الله عنهما: هي الأرض السابعة

ص: 492

السفلى، وفيها أرواح الكفار. وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن البراء بن عازب-رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سجّين: أسفل سبع أرضين، وعليون: في السماء السابعة تحت العرش» . وقال شمر بن عطية: جاء ابن عباس-رضي الله عنهما-إلى كعب الأحبار، فقال:

أخبرني عن قول الله عز وجل: {إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ} قال كعب: إن روح الفاجر يصعد بها إلى السماء، فتأبى السماء أن تقبلها، ثم يهبط بها إلى الأرض، فتأبى أن تقبلها، فتدخل تحت سبع أرضين حتى ينتهي إلى سجين، وهو موضع خد إبليس، فيخرج لها من سجين رق، فيرقم، ويختم، ويوضع تحت خد إبليس لمعرفتها الهلاك بحساب يوم القيامة. انتهى. خازن.

{وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ} أي: ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت، ولا قومك يا محمد! وروى أبو هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«سجّين جبّ في جهنم، وهو مفتوح» . وقال أبو عبيدة والأخفش، والزجاج:{لَفِي سِجِّينٍ} لفي حبس، وضيق شديد (فعّيل) من السجن، كما يقال:

فسّيق وشرّيب. قال ابن مقبل: [البسيط]

ورفقة يضربون البيض ضاحية

ضربا تواصت به الأبطال سجّينا

والمعنى: كتابهم في حبس. جعل ذلك دليلا على خساسة منزلتهم، أو لأنه يحل من الإعراض عنه، والإبعاد له محل الزجر، والهوان. وهذا دليل على خبث أعمالهم، وتحقير الله إياها.

{كِتابٌ مَرْقُومٌ} أي: مكتوب فيه أعمالهم مثبتة عليهم، كالرقم في الثوب، لا ينسى، ولا يمحى؛ حتى يحاسبوا به، ويجازوا عليه. وقال قتادة: أي: مكتوب، رقم لهم بشر، لا يزاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد. وقال الضحاك:{مَرْقُومٌ:} مختوم بالغة حمير، وأصل الرقم:

الكتابة. قال الشاعر: [الطويل]

سأرقم في الماء القراح إليكم

على بعدكم إن كان للماء راقم

قال النسفي-رحمه الله تعالى-نقلا عن الكشاف: فإن قلت: قد أخبر الله عن كتاب الفجار بأنه في سجين، وفسر سجينا بكتاب مرقوم، فكأنه قيل: إن كتابهم في كتاب مرقوم؛ فما معناه؟!

قلت: سجين كتاب جامع هو ديوان الشر، دوّن الله فيه أعمال الشياطين، والكفرة من الجن، والإنس، وهو كتاب مرقوم مسطور، بيّن الكتابة، أو معلم، يعلم من رآه: أنه لا خير فيه، من: رقم الثياب علامتها. والمعنى: أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان، وسمي سجينا فعيلا من السجن، وهو الحبس، والتضييق؛ لأنه سبب الحبس، والتضييق في جهنم، أو لأنه مطروح تحت الأرض السابعة في مكان موحش مظلم، وهو مسكن إبليس، وذريته، وهو اسم علم منقول من وصف، كحاتم، منصرف لوجود سبب واحد، وهو العلمية

ص: 493

فحسب. هذا؛ و {الفُجّارِ} جمع: فاجر. والمراد بهم: الكفار. وكثيرا ما نجد من أبناء المسلمين من هو أفجر من الكفار: يظلم، ويعتدي على حقوق غيره، لا يخاف ربا، ولا يحترم قانونا، ولا يرعى ذمة، وعهدا، يكذب، ويخون، ويخلف الوعد، ويغش في بيعه، وشرائه، ويلف، ويدور في أخذه، وعطائه.

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ:} هلاك، ووبال، وخزي، ونكال للذين يكذبون بيوم الجزاء، والحساب، والفصل بين العباد، وتمييز الحق من الباطل. و (يوم الدين) هو يوم القيامة الذي يدين الله فيه الناس؛ أي: يحاسبهم. {وَما يُكَذِّبُ بِهِ:} وما يكذب بيوم الدين، والجزاء. {إِلاّ كُلُّ مُعْتَدٍ:} متجاوز الحد الذي حدّه الله له، فيطغى، ويبغي، ويفسد في الأرض، بل ويعيث فيها فسادا. {أَثِيمٍ:} كثير الآثام لكثرة فساده في الأرض، وطغيانه على الناس.

{إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا} أي: تقرأ عليه آيات القرآن. {قالَ:} ذلك المعتدي الأثيم. {أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ:} أكاذيب الأولين وأحاديثهم وأباطيلهم؛ التي كتبوها، وزخرفوها. والقائل هو النضر بن الحارث من بني عبد الدار. قال البيضاوي: وإسناده إلى الجميع إسناد ما فعله رئيس القوم إليهم، فإنه كان قاضيهم، وصاحب مشورتهم، كان قد خرج إلى الحيرة في التجارة، فاشترى أحاديث كليلة، ودمنة، وكسرى، وقيصر، فلما قص رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار من مضى؛ قال النضر:

لو شئت لقلت مثل هذا! وكان يقول: يأتيكم محمد بأخبار عاد، وثمود، وأنا آتيكم بأخبار القياصرة، والأكاسرة! يقصد بذلك أذى النبي صلى الله عليه وسلم. فلما حصلت غزوة بدر الكبرى، وقع أسيرا في أيدي المسلمين، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتله صبرا، فحزنت عليه أخته:«قتيلة» ، وأرسالات أبياتا للنبي صلى الله عليه وسلم مطلعها:[الكامل]

أمحمد ولأنت نجل نجيبة

في قومها والفحل فحل معرق

ما كان ضرّك لو مننت وربّما

منّ الفتى وهو المغيظ المحنق

فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم قصيدتها. قال: «لو سمعتها تقول هذا قبل أن أقتله؛ ما قتلته، ولعفوت عنه» . ثم قال: «لا تقتل قريش أحدا بعد هذا صبرا» . انظر الشاهد رقم [470] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» ، تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

هذا؛ و {أَساطِيرُ} جمع: أسطورة، وإسطارة (بكسر الهمزة)، فالأول مثل: أحدوثة، وأضحوكة، وأعجوبة، وجمعها: أحاديث، وأضاحيك، وأعاجيب. وقيل: واحدها سطر، بفتح السين والطاء. وأسطار: جمع، وأساطير: جمع الجمع، مثل: أقوال، وأقاويل، هذا؛ وسطر الكتابة جمعه في القلة: أسطر، وفي الكثرة: سطور، مثل: فلس، وأفلس، وفلوس. هذا؛ وقد قيل في معنى {أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ:} إنها التّرّهات، وهي عند العرب غامضة، ومسالك وعرة مشكلة، يقول قائلها: أخذنا في التّرّهات، بمعنى عدلنا عن الطريق الواضح إلى الطريق المشكل الذي لا

ص: 494

يعرف، فجعلت الترهات مثلا لما لا يعرف، ولا يتضح من الأمور المشكلة الغامضة؛ التي لا أصل لها.

{الْأَوَّلِينَ:} جمع: أول، وفيه مسائل: الأولى: الصحيح أن أصله: (أوأل) بوزن أفعل، قلبت الهمزة الثانية واوا، ثم أدغمت في الأولى، بدليل قولهم في الجمع: أوائل. وقيل: أصله:

(ووّل) بوزن: فوعل، قلبت الواو الأولى همزة، وإنما لم يجمع على أواول لاستثقالهم اجتماع الواوين بينهما ألف الجمع.

الثانية: الصحيح: أن أول لا يستلزم ثانيا، وإنما معناه: ابتداء الشيء، ثم قد يكون له ثان، وقد لا يكون، تقول: هذا أول مال اكتسبته، وقد لا تكتسب بعده شيئا، وقد تكتسب. وقيل: إنه يستلزم ثانيا، كما أن الآخر يقتضي أولا، فلو قال: إن كان أول ولد تلدينه ذكرا؛ فأنت طالق، فولدت ذكرا، ولم تلد غيره، وقع الطلاق على الأول دون الثاني.

الثالثة: لأول استعمالان: أحدهما: أن يكون صفة؛ أي: أفعل تفضيل بمعنى الأسبق، فيعطى هذا حكم أفعل التفضيل من منع الصرف، وعدم تأنيثه بالتاء، ودخول من عليه، نحو:

هذا أول من هذين، ولقيته عاما أول. والثاني أن يكون اسما مصروفا، نحو لقيته عاما أولا، ومنه قولهم: ما له أول، ولا آخر. قال أبو حيان: في محفوظي: أن هذا يؤنث بالتاء، ويصرف أيضا، فيقال: أولة، وآخرة. انتهى. همع الهوامع شرح جمع الجوامع.

الإعراب: {كَلاّ:} حرف ردع، وزجر، أو حرف تنبيه بمعنى: حقا. انظر الشرح. {إِنَّ:}

حرف مشبّه بالفعل. {كِتابَ} اسم (إنّ)، و {كِتابَ:} مضاف، و {الفُجّارِ} مضاف إليه. {لَفِي:}

اللام: هي المزحلقة. (في سجين): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر (إنّ)، والجملة الاسمية مبتدأة، أو مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين. {وَما:} الواو: حرف استئناف.

(ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَدْراكَ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى (ما) الاستفهامية، والكاف مفعول به أول، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {ما سِجِّينٌ:} مبتدأ، وخبر، والجملة الاسمية في محل نصب سدت مسد مفعول {أَدْراكَ} الثاني المعلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام. وقال زاده: في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني والثالث ل: {أَدْراكَ؛} لأنه بمعنى: أعلم. {كِتابَ:} بدل من {سِجِّينٍ،} أو هو خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو كتاب، وهذا على تفسير النسفي الذي رأيته، وعلى اعتبار {سِجِّينٍ} اسم مكان، أو اسم موضع؛ فكتاب خبر (إنّ)، والجار، والمجرور:(في سجين) متعلقان ب: {مَرْقُومٌ} . وقيل:

{كِتابَ} خبر ثان ل: {إِنَّ} . {مَرْقُومٌ:} صفة {كِتابَ} وعلى هذين الوجهين؛ فالجملة الاسمية:

{وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ} معترضة لا محل لها.

ص: 495

{وَيْلٌ:} مبتدأ. {يَوْمَئِذٍ:} (يوم): ظرف زمان متعلق ب: {وَيْلٌ} لما فيه من معنى الهلاك، و (إذ) ظرف زمان أيضا مبني على السكون في محل جر بالإضافة، والتنوين عوض من جملة محذوفة مضافة (إذ) إليها. {لِلْمُكَذِّبِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. والجملة الاسمية: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} مستأنفة، لا محل لها على المعتمد. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر صفة (المكذبين) أو بدل منه، أو هو في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هم الذين، أو هو في محل نصب مفعول به لفعل محذوف، التقدير: أذم الذين.

{يُكَذِّبُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها.

{بِيَوْمِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، و (يوم) مضاف، و {الدِّينِ:} مضاف إليه. {وَما:}

الواو: واو الحال. (ما): نافية. {يُكَذِّبُ:} فعل مضارع. {بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {إِلاّ:} حرف حصر. {كُلُّ:} فاعل يكذب، وهو مضاف، و {مُعْتَدٍ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، و (معتد) صفة لموصوف محذوف. {أَثِيمٍ:} صفة ثانية للموصوف المحذوف، وجملة: (ما يكذب

) إلخ في محل نصب حال من (يوم الدين) والرابط: الواو، والضمير.

{إِذا:} انظر الآية رقم [1]. {تُتْلى:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر. {عَلَيْهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {آياتُنا:} نائب فاعل {تُتْلى} . و (نا): ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على المشهور المرجوح. {قالَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (كل معتد)، تقديره: هو.

{أَساطِيرُ:} خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: ما يقوله محمد، أو: يأتي به أساطير، وهو مضاف، و {الْأَوَّلِينَ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والجملة الاسمية:«ما يقوله محمد أساطير» في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالَ..} . إلخ جواب {إِذا} لا محل لها، و {إِذا} ومدخولها في محل جر صفة ثالثة للموصوف المحذوف.

{كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14)}

الشرح: {كَلاّ:} حرف ردع وزجر؛ أي: ليس ما يأتي به محمد صلى الله عليه وسلم أساطير الأولين، {بَلْ رانَ:} غطى. {عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ:} من الكفر، والمعاصي، والسيئات. فعن أبي هريرة رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إنّ العبد إذا أخطأ خطيئة؛ نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع، واستغفر الله، وتاب؛ صقل قلبه، فإن عاد؛ زيد فيها؛ حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله في كتابه: {كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» }. رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.

ولذا قال المفسرون: هو الذنب على الذنب؛ حتى يسود القلب. قال مجاهد: هو الرجل يذنب الذنب، فيحيط الذنب بقلبه، ثم يذنب الذنب؛ فيحيط الذنب بقلبه؛ حتى تغشى الذنوب قلبه.

ص: 496

أقول وبالله التوفيق: إن هذا في حق الفسقة الفجرة من المسلمين، أما الكافر؛ فإنه مطبوع على قلبه، ولا حظّ له في هذا الحديث، وأقوال المفسرين بدليل قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [7]:{خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ} . وما أكثر أبناء المسلمين في هذه الأيام الذين غطى الران على قلوبهم بسبب كسبهم المعاصي، والسيئات، وإعراضهم عن ذكر الله، وطاعتهم له! لذا أرشدهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الدواء الذي يزيل هذا الران؛ فعن عبد الله ابن عمرو-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول: «إنّ لكلّ شيء صقالة، وإن صقالة القلوب ذكر الله

». إلخ رواه البيهقي. وعن أنس-رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«إنّ للقلوب صدأ كصدأ النّحاس، وجلاؤها الاستغفار» . رواه البيهقي أيضا.

وقال أبو معاذ: الرين: أن يسود القلب من الذنوب. والطبع: أن يطبع على القلب، وهو أشد من الرين، والإقفال: أشد من الطبع، وهو أن يقفل على القلب. قال تعالى:{أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها} الآية رقم [24] من سورة (محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا؛ وأصل الرين: الغلبة، ومعنى الآية: أن الذنوب، والمعاصي غلبت على قلوبهم، وأحاطت بها. يقال: ران على قلبه ذنبه، يرين رينا، وريونا؛ أي: غلب. وقال أبو عبيدة: كل ما غلبك؛ فقد ران عليك، وران بك، ورانك. وقال الشاعر:[الطويل]

وكم ران من ذنب على قلب فاجر

فتاب من الذّنب الّذي ران وانجلى

ورانت الخمر على عقله: غلبته، وران عليه النعاس: إذا غطاه. ومنه قول أبي زبيد يصف رجلا شرب؛ حتى غلبه الشراب سكرا، فقال:[الخفيف]

ثمّ لمّا رآه رانت به الخم

ر وألاّ ترينه باتّقاء

فقوله: رانت به الخمر؛ أي: غلبت على عقله، وقلبه. هذا؛ وينبغي أن تعلم: أن الرّين في الآية الكريمة، والحديث الشريف إنما هو شيء معنوي، وليس بمادي، وتفسيره: أننا لو أخذنا قلب الكافر، أو قلب الفاجر الفاسق؛ لا نجد غطاء ماديا يحيط بالقلب، ولا نجد قلب أحدهما أسود وقلب المؤمن أبيض، أو أحمر

إلخ فثبت ما قلته-والحمد لله-من أنه معنوي، لا حسيّ ولا مادي. هذا؛ وما تقدم هو من اليائي، أما الواوي، فيقال: ران، يرون رونا: الأمر اشتد، وعظم. ورانت الليلة: اشتد هولها، أو غمها.

هذا؛ والقلب قطعة صغيرة على هيئة الصّنوبرة، خلقها الله في الآدمي، وجعلها محلا للعلم، فيحصي به العبد من العلوم ما لا يسع في أسفار، يكتابه الله بالخط الإلهي، ويضبطه فيه بالحفظ الرباني حتى يحصيه، ولا ينسى منه شيئا، وهو بين لمّتين: لمة من الملك، ولمة من الشيطان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فأمّا لمّة الملك؛ فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، وأما لمة الشيطان؛ فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، فمن وجد الأول؛ فليعلم: أنه من الله، وليحمد الله،

ص: 497

ومن وجد الثاني فليتعوّذ بالله من الشيطان. ثم قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى في سورة (البقرة):

{الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ} . هذا؛ واللّمة بفتح اللام: الخطرة الواحدة من الإلمام، وهو القرب من الشيء والمراد بها في الحديث التي تقع في القلب من فعل خير، أو شرّ، فأما لمة الشيطان؛ فوسوسة. وأما لمة الملك؛ فإلهام من الله تعالى.

الإعراب: {كَلاّ:} حرف ردع، وزجر. {بَلْ:} حرف انتقال، وإضراب. {رانَ:} فعل ماض. {عَلى قُلُوبِهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل رفع فاعل {رانَ،} والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {كانُوا:} فعل ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق. {يَكْسِبُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب خبر (كان)، والجملة الفعلية صلة {ما} أو صفتها. والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: الذي، أو شيء كانوا يكسبونه. هذا؛ وإن اعتبرت (ما) مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر في محل رفع فاعل، والتقدير: ران على قلوبهم كسبهم السيئات، والمعاصي.

{كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)}

الشرح: {كَلاّ:} هنا بمعنى: حقا. {إِنَّهُمْ} يعني: الكفار. {عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ} أي: يوم القيامة. {لَمَحْجُوبُونَ:} قال الزجاج: في هذه الآية دليل على أنّ الله عز وجل يرى في يوم القيامة، ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة، ولا خست منزلة الكفار بأنّهم يحجبون. وقال جل ثناؤه في سورة (القيامة):{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} فأعلم الله جلّ ثناؤه أن المؤمنين ينظرون إليه، وأعلم أنّ الكفار محجوبون عنه. وقال مالك بن أنس-رحمه الله تعالى-في هذه الآية:

لما حجب أعداءه، فلم يروه؛ تجلّى؛ لأوليائه حتى رأوه. وقال الشافعي-رضي الله عنه: لما حجب قوما بالسخط؛ دل على أن قوما يرونه بالرضا. ثم قال: أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس: أنه يرى ربه في المعاد؛ لما عبده في الدنيا. وهذا كلام المدللين. وقال الحسين بن الفضل: لما حجبهم في الدنيا عن نور توحيده؛ حجبهم في الآخرة عن رؤيته. وانظر ما ذكرته في سورة (القيامة) رقم [22 و 23] ففيها الدواء الشافي لقلبك.

{ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ} أي: ملازموها، ومحترقون فيها، غير خارجين منها. قال تعالى في سورة (النساء) رقم [56]:{كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ} . وقال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [97]: {كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً} . {ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ:}

ص: 498

أي: تقول لهم خزنة جهنم على وجه التقريع، والتوبيخ: هذا جزاء الذي كذبتم به رسل الله في الدنيا، وكذبتم وقوعه في الآخرة. والله أعلم.

الإعراب: {كَلاّ:} حرف ابتداء بمعنى: حقا. {إِنَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها.

{عَنْ رَبِّهِمْ:} متعلقان ب: (محجوبون) بعدهما، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {يَوْمَئِذٍ:} ظرف زمان متعلق بما بعده، و (إذ) ظرف زمان أيضا مبني على السكون في محل جر بالإضافة، والتنوين عوض من جملة محذوفة، والتقدير:

يوم إذ يحشر الناس. {لَمَحْجُوبُونَ:} خبر (إنّ) مرفوع، وعلامة رفعه الواو

إلخ، واللام هي المزحلقة، والجملة الاسمية:{إِنَّهُمْ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها. {ثُمَّ:} حرف عطف.

{إِنَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {لَصالُوا:} اللام: هي لام الابتداء زحلقت إلى الخبر. (صالو): خبر (إنّ) مرفوع، وعلامة رفعه الواو، وحذفت النون للإضافة، و (صالو) مضاف، و {الْجَحِيمِ} مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.

{ثُمَّ:} حرف عطف. {يُقالُ:} فعل مضارع مبني للمجهول. {هذَا:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، والهاء حرف تنبيه لا محل له. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ. {كُنْتُمْ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه.

{بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما، وجملة:«تكذبون به» في محل نصب خبر (كان).

وجملة: {كُنْتُمْ..} . إلخ صلة الموصول، لا محل لها، والجملة الاسمية:{هذَا الَّذِي..} . إلخ في محل رفع نائب فاعل {يُقالُ} . أفاده ابن هشام في المغني، وهذا يكون جاريا على القاعدة العامة:«يحذف الفاعل، ويقام المفعول به مقامه» . وهذا لا غبار عليه. وقد ذكرت لك مرارا:

أن بعضهم يعتبر نائب الفاعل ضميرا مستترا تقديره: «هو» يعود إلى المصدر المفهوم من الفعل، أو هو محذوف، يدل عليه المقام؛ أي: ويقال قول، وبعضهم يعتبر الجار، والمجرور:«لهم» المذكور، أو المقدر، كما هنا في محل رفع نائب فاعل، والمعتمد الأول. وأيده ابن هشام في المغني، حيث قال: إن الجملة التي يراد بها لفظها يحكم لها بحكم المفردات، ولهذا تقع مبتدأ، نحو (لا حول ولا قوة إلا بالله: كنز من كنوز الجنّة) ونحو (زعموا: مطية الكذب) وجملة: {يُقالُ..} . إلخ معطوفة على خبر (إنّ)، فهي في محل رفع مثله.

{كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (19) كِتابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)}

الشرح: {كَلاّ:} ردع، وزجر؛ أي: ليس الأمر كما يزعمون من مساواة الفجار بالأبرار في دار القرار، بل كتابهم في سجين، وكتاب الأبرار في عليين. وعن كعب الأحبار؛ قال: إن

ص: 499

روح المؤمن إذا قبضت صعد بها إلى السماء، وفتحت لها أبواب السماء، وتلقتها الملائكة بالبشرى، ثم يخرجون معها؛ حتى ينتهوا معها إلى العرش، فيخرج لهم من تحت العرش رق، فيرقم، ويختم فيه النجاة من الحساب يوم القيامة، ويشهده المقربون.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما: {عِلِّيُّونَ} لوح من زبرجدة خضراء، معلق بالعرش، أعمالهم مكتوبة فيه. وقال الفراء:{عِلِّيُّونَ} ارتفاع بعد ارتفاع. وقال: هو اسم موضوع على صفة الجمع، ولا واحد له من لفظه، كقولك: عشرون، وثلاثون، والعرب إذا جمعت جمعا، ولم يكن له بناء من واحده، ولا تثنية؛ قالوا في المذكر، والمؤنث بالنون. ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل علّيّين لينظرون إلى الجنة من كذا، فإذا أشرف رجل من أهل عليين؛ أشرقت الجنة لضياء وجهه، فيقولون: ما هذا النور؟ فيقال: أشرف رجل من أهل عليين الأبرار أهل الطّاعة، والصّدق» . وفي خبر آخر: «إن أهل الجنة ليرون أهل عليين كما يرى الكوكب الدّرّيّ في أفق السماء» . فهذا يدل على أن عليين اسم الموضع المرتفع.

{وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ} أي: ما الذي أعلمك يا محمد أي شيء عليون؟! على جهة التفخيم، والتعظيم له في المنزلة الرفيعة. {كِتابٌ مَرْقُومٌ} أي: مكتوب فيه: إن فلانا أمن من النار رقما يا له من رقم ما أبهاه، وما أجمله!. {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} أي: يحضرونه، ويحفظونه. أو يشهدون بما فيه يوم القيامة لتعظيمه. والمعنى: يشهد عمل الأبرار مقربو كل سماء من الملائكة. ولا تنس المقابلة بين {كَالْفُجّارِ} وما لهم، وبين {الْأَبْرارِ} ومصيرهم. وتلك سنة الله في كتابه الكريم، فلا يذكر الإيمان؛ إلا ويذكر الكفر، ولا يذكر الجنة؛ إلا ويذكر النار، ولا يذكر الرحمة؛ إلا ويذكر السخط؛ ليكون المؤمن راغبا راهبا.

هذا؛ وروي: أن الملائكة تصعد بعمل العبد، فيستقبلونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله من سلطانه؛ أوحى إليهم: إنكم الحفظة على عبدي، وأنا الرقيب على ما في قلبه، وإنه أخلص لي عمله، فاجعلوه في عليين، فقد غفرت له! وإنها لتصعد بعمل العبد، فيتركونه، فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله؛ أوحى إليهم: أنتم الحفظة على عبدي، وأنا الرقيب على ما في قلبه، وإنه لم يخلص لي عمله، فاجعلوه في سجين! والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {كَلاّ:} حرف ردع وزجر، أو حرف بمعنى: حقا. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل.

{كِتابَ:} اسم {إِنَّ} وهو مضاف، و {الْأَبْرارِ} مضاف إليه. {لَفِي:} اللام: هي لام الابتداء، زحلقت إلى الخبر. (في عليين): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {إِنَّ} وعلامة الجر الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والنون عوض من التنوين في الاسم المفرد، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ} إعراب هذه الآية مثل إعراب {وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ} بلا فارق. {كِتابٌ مَرْقُومٌ:} هو مثل الآية رقم [9] بلا فارق. {يَشْهَدُهُ:} فعل

ص: 500

مضارع، والهاء مفعول به. {الْمُقَرَّبُونَ:} فاعله مرفوع

إلخ، والجملة الفعلية في محل رفع صفة ثانية ل:{كِتابٌ} .

{إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24)}

الشرح: {إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ:} انظر الآية رقم [13] من سورة (الانفطار). {عَلَى الْأَرائِكِ:}

جمع: أريكة. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [13] من سورة (الدهر) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

{يَنْظُرُونَ:} إلى ما أعد الله لهم من الكرامات. وقيل: ينظرون إلى أعدائهم في النار كيف يعذبون.

وقيل: ينظرون إلى ربهم. {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} أي: بهجته، وغضارته، ونوره. يقال:

أنضر النبات: إذا أزهر، ونوّر، والمعنى: إذا رأيتهم تعرف: أنهم من أهل النعمة لما ترى على وجوههم من النور، والحسن، والبياض. هذا؛ والنضرة في الوجه، والسرور في القلب.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الْأَبْرارَ:} اسمها. {لَفِي:} اللام: هي المزحلقة.

(في نعيم): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر (إنّ)، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها.

{عَلَى الْأَرائِكِ:} متعلقان بما بعدهما. {يَنْظُرُونَ:} فعل مضارع مرفوع

إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من الضمير المستقر في الخبر المحذوف، أو هي في محل رفع خبر ثان، أو هي مستأنفة، لا محل لها.

{تَعْرِفُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» . ويقرأ الفعل بالبناء للمجهول، ورفع (نضرة) على أنه نائب فاعله. {فِي وُجُوهِهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {نَضْرَةَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {النَّعِيمِ} مضاف إليه، والجملة الفعلية في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الضمير فقط، وهي حال متداخلة، وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها.

{يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (26) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)}

الشرح: {يُسْقَوْنَ} أي: الأبرار. وانظر الآية رقم [21] من سورة (الدهر) فالبحث فيها جيد.

{مِنْ رَحِيقٍ} أي: من شراب لا غش فيه. قاله الأخفش، والزجاج. وقيل: الرحيق: الخمر الصافية، الطيبة البيضاء، والرحيق اسم من أسماء الخمر. قال حسان بن ثابت-رضي الله عنه:[الكامل]

يسقون من ورد البريص عليهم

بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل

ص: 501

وقال أبو الكبير الهذلي-وهو الشاهد رقم [121] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» ، والشاهد رقم [449] كتابنا «فتح رب البرية» -:[الكامل]

أم لا سبيل إلى الشّباب وذكره

أشهى إليّ من الرّحيق السّلسل

{مَخْتُومٍ:} على إنائها، ومنع من أن تمسه الأيدي إلى أن يفك ختامه الأبرار، فإن قلت:

فقد قال الله تعالى في سورة (محمد صلى الله عليه وسلم الآية رقم [15]: {وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ} والنهر لا يختم عليه، فكيف طريق الجمع بين الآيتين؟! قلت: يحتمل أن يكون المذكور في هذه الآية في أوان مختوم عليها، وهي غير تلك الخمر التي في الأنهار، وإنما ختم عليها لشرفها، ونفاستها. انتهى.

خازن. هذا؛ ولا تنس: أن الله جلت قدرته نفى عنها الغول الذي يسلب العقل؛ الذي يكون في خمر الدنيا. قال تعالى في سورة (الصافات): {لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ} فاسمها في الجنة خمر، لكن طعمها أحلى من العسل، ولونها أبيض من اللبن، وهي أبرد من الثلج! نسأل الله أن يوفقنا إلى العمل الصالح في الدنيا لنفوز بفضل الله علينا في الآخرة!.

{خِتامُهُ مِسْكٌ} أي: طينته التي ختم عليه بها مسك، بخلاف خمر الدنيا، فإن ختامها طين، أمر الله تعالى بالختم عليه إكراما لأصحابها. وقال ابن مسعود-رضي الله عنه: مختوم؛ أي:

ممزوج ختامه؛ أي: آخر طعمه، وعاقبته مسك. وقيل: يخرج لهم بالكافور، ويختم لهم بالمسك، وهو حسن وجيد؛ لأن سبيل الأشربة أن يكون الكدر في آخرها، فوصف شراب أهل الجنة بأن رائحة آخره رائحة المسك. هذا؛ والخاتم، والختام متقاربان في المعنى، إلا أن الخاتم الاسم، والختام المصدر. قاله الفراء. وقال الفرزدق:[الوافر]

خرجن إليّ لم يطمثن قبلي

وهنّ أصحّ من بيض النّعام

فبتن بجانبيّ مصرّعات

وبتّ أفضّ أغلاق الختام

هذا؛ وفي قوله تعالى: {خِتامُهُ مِسْكٌ} تشبيه بليغ؛ إذ الأصل ختامه كالمسك في الطيب، والبهجة. فحذف منه الأداة، ووجه الشبه: فأصبح بليغا.

{وَفِي ذلِكَ} أي: وفي هذا النعيم، والشراب الهنيء. {فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ} أي: فليرغب بالمبادرة إلى طاعة الله الراغبون، وليتسابق المتسابقون. نظيره قوله تعالى في سورة (الصافات):{لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ} . {وَمِزاجُهُ} أي: مزاج ذلك الرحيق، وخلطه. {مِنْ تَسْنِيمٍ} أي: شراب ينصبّ عليهم من غرفهم، ومنازلهم، وهو أشرف شراب أهل الجنة، وهو مأخوذ من العلو، ومنه: سنام البعير؛ لأنه أعلاه، ومنه أيضا: سنام الجبل، وهو قمته العليا، وكذلك {تَسْنِيمٍ}. وروي عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال:{تَسْنِيمٍ} عين في الجنة يشرب بها المقربون صرفا، ويمزج منها كأس أصحاب اليمين، فتطيب. وقال ابن عباس

ص: 502

-رضي الله عنهما: هذا مما قال الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} سورة (السجدة) رقم [17].

{عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ:} فإنهم يشربونها صرفا؛ لأنهم لم يشتغلوا بغير الله، ويمزج لسائر أهل الجنة. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [6] من سورة (الدهر)، تجد ما يسرك ويثلج صدرك.

الإعراب: {يُسْقَوْنَ:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو نائب فاعله، وهو المفعول الأول، والجملة الفعلية محلها مثل جملة:{تَعْرِفُ..} . إلخ {مِنْ رَحِيقٍ:} متعلقان بما قبلهما، وهما في محل نصب المفعول الثاني. {مَخْتُومٍ:} صفة له، والجملة الاسمية:{خِتامُهُ مِسْكٌ} في محل رفع صفة ثانية ل: {رَحِيقٍ،} أو في محل نصب حال منه بعد وصفه بما تقدم. {وَفِي:} الواو: حرف استئناف. (في ذلك): جار ومجرور متعلقان بما بعدهما، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {فَلْيَتَنافَسِ:} الفاء: صلة، أو هي حرف استئناف، والواو صلة. (ليتنافس): فعل مضارع مجزوم بلام الأمر. {الْمُتَنافِسُونَ:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو

إلخ، والجملة الفعلية مستأنفة، ومثل هذه الجملة في إعرابها قوله تعالى في كثير من السور:{وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} . {وَمِزاجُهُ:} الواو: حرف عطف.

(مزاجه): مبتدأ، والهاء في محل جر بالإضافة. {مِنْ تَسْنِيمٍ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة:{خِتامُهُ مِسْكٌ} وما بينهما معترض لا محل له. {عَيْناً:} مفعول به لفعل محذوف، التقدير: أمدح عينا. وقيل: التقدير: يسقون عينا، وهو قول الأخفش. وعند الفراء منصوب ب:{تَسْنِيمٍ} على أنه مصدر من: السنام. وقال الزجاج:

نصب على الحال من: {تَسْنِيمٍ،} ولا أسلمه؛ لأن {عَيْناً} اسم جامد، والحال يجب أن يكون مشتقا. {يَشْرَبُ:} فعل مضارع. {بِهَا:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {الْمُقَرَّبُونَ:} فاعل، والجملة الفعلية في محل نصب صفة {عَيْناً} .

{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (30)}

الشرح: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا:} كفروا. يعني: كفار قريش، كأبي جهل، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وغيرهم من مترفي أهل مكة. {كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} أي: من عمّار، وخباب، وصهيب، وبلال، وأصحابهم من فقراء المؤمنين. {يَضْحَكُونَ} أي: منهم على وجه السخرية، والاستهزاء، ويقولون عنهم: جاء ملوك الأرض! قوموا لملوك الأرض! {وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ} أي: مر المؤمنون الفقراء بالكفار الأغنياء. {يَتَغامَزُونَ} أي: يغمز بعضهم بعضا، ويشيرون بأعينهم إلى الفقراء المؤمنين سخرية، واستهزاء. هذا؛ والغمز: العيب، والطعن. وهو أيضا:

ص: 503

الجس، واللمس باليد. قال زياد الأعجم-وهو الشاهد رقم [104] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» ، والشاهد رقم [146] من كتابنا:«فتح رب البرية» -: [الوافر]

وكنت إذا غمزت قناة قوم

كسرت كعوبها أو تستقيما

وقال جرير مفتريا على أخت الفرزدق: [الكامل]

غمز ابن مرة يا فرزدق كينها

غمز الطبيب نغانغ المعذور

هذا؛ والغمز، واللمز حرام. قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«الهمّازون، واللّمّازون، والمشّاؤون بالنّميمة، الباغون للبراء العيب يحشرهم الله في وجوه الكلاب» . رواه ابن حبان عن العلاء بن الحارث-رضي الله عنه. وينبغي أن تعلم: أن الله سبحانه وتعالى لما وصف كرامة الأبرار في الآخرة؛ ذكر بعد ذلك قبح معاملة الكفار معهم في الدنيا، ثم بين: أن ذلك سينقلب على الكفار في الآخرة. والمقصود منه تسلية المؤمنين، وتقوية قلوبهم، فحكى الله عن الكفار أربعة أشياء من العلامات القبيحة؛ فأولها ضحكهم من الذين آمنوا، وآخرها: قولهم: {إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ} .

هذا؛ وقال مقاتل: نزلت الآية في علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-جاء في نفر من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلمزهم المنافقون، وضحكوا عليهم، وتغامزوا.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم (إنّ). {أَجْرَمُوا:} فعل ماض، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {كانُوا:} فعل ماض ناقص، والواو: اسمه، والألف للتفريق. {مِنَ الَّذِينَ:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما. وجملة: {آمَنُوا:} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول لا محل لها. وجملة: «يضحكون من الذين آمنوا» في محل نصب خبر (كان). وجملة:

{كانُوا..} . إلخ في محل رفع خبر (إنّ). والجملة الاسمية: {إِنَّ الَّذِينَ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها. {وَإِذا:} (الواو): حرف عطف. (إذا): انظر الآية رقم [1]. {مَرُّوا:} فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها. {بِهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {يَتَغامَزُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والجملة الفعلية جواب إذا لا محل لها، و (إذا) ومدخولها معطوف على جملة:{كانُوا..} . إلخ فهو في محل رفع مثله.

{وَإِذَا اِنْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ اِنْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31)}

الشرح: {وَإِذَا انْقَلَبُوا:} رجعوا وانصرفوا {إِلى أَهْلِهِمُ:} أصحابهم، وذويهم، ومنازلهم.

{اِنْقَلَبُوا فَكِهِينَ:} رجعوا متلذذين بذكرهم، والسخرية منهم. أو المعنى: رجعوا معجبين بما هم

ص: 504

فيه من الشرك ومعاندة الحق. ويقرأ: «(فاكهين)» : بالألف. قال الفراء: وهما لغتان مثل: طمع، وطامع، وحذر، وحاذر.

الإعراب: {وَإِذَا:} الواو: حرف عطف. (إذا): انظر الآية رقم [1]. {اِنْقَلَبُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها. {إِلى أَهْلِهِمُ:} متعلقان بما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {اِنْقَلَبُوا:} ماض، وفاعله، والجملة جواب (إذا) لا محل لها. {فَكِهِينَ:} حال من واو الجماعة منصوب، وعلامة نصبه الياء

إلخ، و (إذا) ومدخولها معطوف على جملة {يَضْحَكُونَ} فهو في محل رفع مثلها.

{وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (32) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (33)}

الشرح: {وَإِذا رَأَوْهُمْ} أي: رأى المشركون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم {قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ} أي:

أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. {لَضالُّونَ} أي: هم في ضلال، يأتون محمدا، ويرون: أنهم على شيء يعتد به. {وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ} أي: وما أرسلوا من جهة الله موكلين بهم، يحافظون عليهم أحوالهم، ويشهدون برشدهم، وضلالهم، وهذا تهكم بهم، وإشعار بأن ما اجترؤوا عليه من القول من وظائف الرسل من جهته تعالى.

الإعراب: {وَإِذا:} الواو: حرف عطف. (إذا): انظر الآية رقم [1]{رَأَوْهُمْ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والواو فاعله، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها. {قالُوا:} فعل ماض، والواو فاعله، والألف للتفريق. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {هؤُلاءِ:} الهاء: حرف تنبيه. (أولاء): اسم إشارة مبني على الكسر في محل نصب اسم {إِنَّ} . {لَضالُّونَ:} اللام: هي المزحلقة. (ضالون): خبر {إِنَّ} مرفوع

إلخ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالُوا..} . إلخ جواب (إذا) لا محل لها، و (إذا) ومدخولها كلام معطوف على ما قبله. {وَما:} الواو: واو الحال. (ما): نافية. {أُرْسِلُوا:} فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم، والواو نائب فاعله، والألف للتفريق. {عَلَيْهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {حافِظِينَ:} حال من واو الجماعة، أو هو مفعول به ثان منصوب

إلخ، وجملة:{وَما أُرْسِلُوا..} . إلخ في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو، والضمير.

{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (36)}

الشرح: {فَالْيَوْمَ} يعني: هذا اليوم؛ الذي هو يوم القيامة. {الَّذِينَ آمَنُوا:} بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن كتابا. {مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ:} كما ضحك الكفار منهم في

ص: 505

الدنيا. {عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ:} قال ابن المبارك: ذكر لنا: أن كعبا كان يقول: إن بين الجنة، والنار كوى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوّ له كان في الدنيا اطلع من بعض الكوى. قال الله تعالى في سورة (الصافات) الآية رقم [55]:{فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ} . قال: ذكر لنا: أنه اطلع فرأى جماجم القوم تغلي. وذكر ابن المبارك أيضا؛ قال: أخبرنا الكلبي عن أبي صالح في قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [15]: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} . قال: يقال لأهل النار؛ وهم في النار: اخرجوا! فتفتح لهم أبواب النار، فإذا رأوها قد فتحت؛ أقبلوا إليها يريدون الخروج، والمؤمنون على الأرائك ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى أبوابها؛ غلّقت دونهم، فذلك قوله تعالى:{اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ويضحك المؤمنون منهم حين غلّقت دونهم، فذلك قوله تعالى:{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ..} . إلخ. وفي سبب هذا الضحك وجوه: منها: أن الكفار كانوا يضحكون على المؤمنين في الدنيا بسبب ما هم فيه من الضر، والبؤس، وفي الآخرة يضحك المؤمنون على الكفار بسبب ما هم فيه من الصغار، والهوان بعد العز، والكبر، ومن ألوان العذاب بعد النعيم، والترفه. ومنها: أنهم علموا: أنهم كانوا في الدنيا على غير شيء، وأنهم باعوا الباقي بالفاني. ومنها: أنهم يرون أنفسهم قد فازوا بالنعيم المقيم. ومنها أنه يقال لأهل النار؛ وهم فيها: اخرجوا، وتفتح لهم أبوابها، فإذا رأوها؛ وقد فتحت أبوابها؛ أقبلوا إليها يريدون الخروج، والمؤمنون ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى أبوابها؛ أغلقت دونهم. يفعل ذلك بهم مرارا، فذلك سبب الضحك. ومنها: أنهم إذا دخلوا الجنة، وأجلسوا على الأرائك؛ ينظرون إلى الكفار كيف يعذبون في النار، ويرفعون أصواتهم بالويل، والثبور، ويلعن بعضهم بعضا؟. انتهى. جمل نقلا من الخطيب.

{هَلْ ثُوِّبَ} أي: هل جوزي الكفار، وأثيبوا؟! وهو من: ثاب، يثوب: إذا رجع، وثوب، وأثيب بمعنى واحد. قال أوس بن حجر، يخاطب مؤنثا من: امرأة، أو نفسه، أو ناقته:[الطويل]

سأجزيك أو يجزيك عنّي مثوّب

وحسبك أن يثنى عليك وتحمدي

هذا؛ والتثويب في أذان الفجر أن يقول المؤذن بعد قوله: (حي على الفلاح): (الصلاة خير من النوم). ورجل ثيب، وامرأة ثيب. قال ابن السكيت: وهو الذي دخل بامرأة، وهي التي دخل بها. والثواب، والمثوبة: جزاء الطاعة. قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [103]: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} هذا؛ وينبغي للقارئ، والسامع أن يقول في آخر هذه الآية: نعم.

الإعراب: {فَالْيَوْمَ:} الفاء: حرف استئناف. (اليوم): ظرف زمان متعلق بالفعل {يَضْحَكُونَ} .

{الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، وجملة:{آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {مِنَ الْكُفّارِ:} متعلقان بما بعدهما. {يَضْحَكُونَ:} فعل

ص: 506

مضارع مرفوع

إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {عَلَى الْأَرائِكِ:} متعلقان بما بعدهما. {يَنْظُرُونَ:} فعل مضارع، وفاعله. والجملة الفعلية في محل نصب حال من فاعل {يَضْحَكُونَ}. {هَلْ:} حرف استفهام.

{ثُوِّبَ:} فعل ماض مبني للمجهول. {الْكُفّارِ:} نائب فاعل، وهو المفعول الأول. {ما:}

تحتمل الموصولة، والموصوفة والمصدرية. فعلى الأولين مبنية على السكون في محل نصب مفعول به ثان. {كانُوا:} فعل ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق، وجملة:{يَفْعَلُونَ:} في محل نصب خبر (كان)، وجملة:{كانُوا..} . إلخ صلة {ما،} أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: الذي، أو شيئا كانوا يفعلونه، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل نصب مفعول به ثان، التقدير: هل ثوب الكفار فعلهم؟! وجملة: {هَلْ ثُوِّبَ..} . إلخ في محل نصب مفعول به للفعل {يَنْظُرُونَ} المعلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام، أو هي في محل نصب مقول القول لقول محذوف، التقدير: يقول بعض المؤمنين لبعض: هل ثوب

إلخ، أو هي مستأنفة، لا محل لها. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله، وصحبه، وسلم.

انتهت سورة (المطففين) شرحا وإعرابا بحمد الله وتوفيقه.

والحمد لله رب العالمين.

ص: 507