المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة القيامة بسم الله الرحمن الرحيم سورة (القيامة) مكية، وهي أربعون آية، - تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة - جـ ١٠

[محمد علي طه الدرة]

فهرس الكتاب

- ‌سورة التّحريم

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الملك

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القلم

- ‌فائدة:

- ‌سورة الحاقّة

- ‌خاتمة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الجنّ

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المزّمّل

- ‌سورة المدّثر

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الإنسان

- ‌فائدة:

- ‌سورة المرسلات

- ‌سورة النّبإ

- ‌سورة النّازعات

- ‌فائدة:

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التّكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطفّفين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البروج

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة الطّارق

- ‌تنبيه: بل خاتمة:

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌فائدة:

- ‌سورة البلد

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الشمس

- ‌تنبيه، وخاتمة:

- ‌سورة الليل

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الضّحى

- ‌سورة الشرح

- ‌سورة التّين

- ‌فائدة:

- ‌سورة العلق

- ‌الشرح

- ‌خاتمة:

- ‌سورة القدر

- ‌سورة البيّنة

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة الكافرون

- ‌فائدة:

- ‌سورة النّصر

- ‌سورة المسد

- ‌‌‌فائدةبل طرفة:

- ‌فائدة

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة النّاس

- ‌خاتمة

- ‌ترجمة موجزة للشيخ المفسر النحويمحمد علي طه الدرة رحمه الله تعالى1340 -1428 هـ-1923 - 2007 م

- ‌حليته وشمائله:

- ‌مؤلفات الشيخ المطبوعة والمخطوطة:

الفصل: ‌ ‌سورة القيامة بسم الله الرحمن الرحيم سورة (القيامة) مكية، وهي أربعون آية،

‌سورة القيامة

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة (القيامة) مكية، وهي أربعون آية، ومئة وتسع وتسعون كلمة، وستمئة واثنان وخمسون حرفا.

بسم الله الرحمن الرحيم

{لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ (2)}

الشرح: {لا أُقْسِمُ..} . إلخ: اختلف في {لا} على أوجه: أحدها: قيل: إنها صلة، أي:

زائدة، وجاز وقوعها في أول السورة؛ لأن القرآن متصل بعضه ببعض، فهو في حكم كلام واحد، ولهذا قد يذكر الشيء في سورة، ويجيء جوابه في سورة أخرى، كقوله تعالى في سورة (الحجر) رقم [6]:{وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ،} وجوابه: قوله تعالى في سورة (القلم): {ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} ومعنى الكلام: أقسم بيوم القيامة. قاله ابن عباس، وابن جبير، وأبو عبيدة-رضي الله عنهم. ومثله قول الشاعر:[الطويل]

تذكّرت ليلى فاعترتني صبابة

فكاد صميم القلب لا يتقطّع

أراد: فكان صميم القلب يتقطع. وحكى أبو الليث السمرقندي: أجمع المفسرون: أن المعنى: أقسم، وقال الخازن: وفيه ضعف؛ لأن القرآن في حكم السورة الواحدة في عدم التناقض، لا أن تقرن سورة بما بعدها، فذلك غير جائز. انتهى. وهو الحق الذي لا محيص عنه. وقال بعضهم:{لا} رد لكلامهم؛ حيث أنكروا الحشر، والنشر. فقال: ليس الأمر كما تزعمون، وهذا قول الفراء، فقد قال: وكثير من النحويين يقولون (لا) صلة، ولا يجوز أن يبدأ بجحد (نفي) ثم يجعل صلة؛ لأن هذا لو كان كذلك؛ لم يعرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه (لا نفي فيه) ولكن القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا البعث، والجنة، والنار، فجاء الإقسام بالرد عليهم، وإدخال (لا) النافية على فعل القسم مستفيض في كلام العرب، وأشعارهم. قال امرؤ القيس-وهو الشاهد رقم [456] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» -: [المتقارب]

فلا وأبيك ابنة العامريّ

لا يدّعي القوم أنّي أفر

وأيضا قول المتنخل الهذلي-وهو الشاهد رقم [1086] من كتابنا المذكور-: [الوافر]

ص: 306

فلا والله نادى الحيّ قومي

هدوّا بالمساءة والعلاط

قالوا: وفائدتها: تأكيد القسم في الرد كقولك: لا والله ما ذاك! تريد والله! فيجوز حذفها، لكنه أبلغ في الرد مع إثباتها. هذا؛ وقيل: اللام لام الابتداء، فأشبعت بالمد. فتولدت الألف، ويؤيده قراءة ابن كثير:«(لأقسم)» بغير ألف المد، ويعبر عن قراءة ابن كثير بالقصر، وعلى هذه القراءة فاللام لام الابتداء، وجملة:(أقسم بيوم القيامة) في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: لأنا أقسم بيوم القيامة، ولو أريد به الاستقبال؛ للزمت النون، وقد جاء حذف النون مع الفعل الذي يراد به الاستقبال، وهو شاذ، وعن قراءة الباقين بالمد، ولا خلاف في قوله تعالى:

{وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ} في المد؛ لأنه يختل المعنى بالقصر. وانظر ما ذكرته عن ابن هشام في الآية رقم [75] من سورة (الواقعة)، وفي سورة (الحاقة) رقم [38].

هذا؛ و {أُقْسِمُ} في هذه الآية وغيرها بمعنى: أحلف، وأصله من: القسامة، وهي الأيمان تقسم على الأولياء في دم القتيل الملوث به شخص، وسمي الحلف قسما؛ لأنه يكون عند انقسام الناس إلى مصدق، ومكذب. وماضيه رباعي، فهمزته تثبت في الماضي، والأمر، وهي همزة قطع، وتحذف في المضارع مع ضم حرف المضارعة، كما رأيته في الآية رقم [55] من سورة (الروم) والحمد لله. هذا؛ وأما قسم الثلاثي، فإنه بمعنى: جزأ، وفرق. قال تعالى في سورة (الزخرف) رقم [32]:{نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} ومضارعه بفتح حرف المضارعة، وهمزته في الأمر همزة وصل، وهو متعدّ إذا كان ثلاثيا من القسمة كما في آية (الزخرف)، ولازم إذا كان رباعيا بمعنى الحلف كما في هذه السورة، وغيرها، لكنه يتعدى بحرف الجر.

وأخيرا: فالقسم بيوم القيامة، وأشباهه برب هذه الأشياء على الحقيقة، فكأنه قال: برب القيامة

إلخ. وقيل: لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، ووجه المناسبة بالجمع بين (يوم القيامة) و (النفس اللوامة) بالقسم أن في يوم القيامة تظهر أحوال النفوس اللوامة من الشقاوة، أو السعادة، فلهذا حسن الجمع بينهما في القسم. وقيل: إنما وقع القسم بالنفس اللوامة، على معنى التعظيم لها، من حيث أنها أبدا تستحق فعلها، واجتهادها في طاعة الله تعالى. وقيل: إنه أقسم بيوم القيامة، ولم يقسم بالنفس اللوامة، فكأنه قال: أقسم بيوم القيامة تعظيما لها، ولا أقسم بالنفس اللوامة تحقيرا لها؛ لأن النفس الكافرة، أو الفاجرة، لا يقسم بها. انتهى. خازن بتصرف.

أما يوم القيامة؛ فهو اليوم الذي يقوم فيه الناس من قبورهم للحساب، والجزاء، وأصل القيامة: القوامة؛ لأنها من: قام يقوم، قلبت الواو ياء لمناسبة الكسرة. هذا؛ وروى البغوي في تفسير القيامة عن المغيرة بن شعبة. قال: يقولون: القيامة، وقيامة أحدهم موته، وشهد علقمة جنازة، فلما دفنت؛ قال: أما هذا فقد قامت قيامته. وفيه ضعف لاتفاق المفسرين على أن المراد

ص: 307

به: القيامة الكبرى لسياق الآيات في ذلك. انتهى. خازن. وأقول: القيامة: كبرى، وصغرى، فالكبرى: هي خروج الناس من قبورهم للحساب، والجزاء، والصغرى: هي موت كل إنسان.

هذا؛ وأما النفس؛ فإنها تجمع في القلة: أنفس، وفي الكثرة: نفوس، والنفس: تؤنث باعتبار الروح، وتذكر باعتبار الشخص؛ أي: فإنها تطلق على الذات أيضا، سواء أكان ذكرا أم أنثى؟ فعلى الأول قيل: جسم لطيف مشتبك بالجسم اشتباك الماء بالعود الأخضر الرطب، فتكون سارية في جميع البدن.

قال الجنيد-رحمه الله تعالى-: الروح شيء استأثر الله بعلمه، ولم يطلع عليه أحدا من خلقه، فلا يجوز البحث عنه بأكثر من أنه موجود. قال تعالى في سورة (الإسراء):{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً} وقال بعضهم: إن هناك لطيفة ربانية لا يعلمها إلا الله تعالى، فمن حيث تفكرها تسمى: عقلا، ومن حيث حياة الجسد بها تسمى:

روحا، ومن حيث شهوتها تسمى: نفسا، فالثلاثة متحدة بالذات، مختلفة بالاعتبار. وهذا ما تدل عليه الآثار الصحاح.

هذا؛ وقد ذكر القرآن الكريم: أن النفس خمس مراتب: الأمارة بالسوء، واللوامة، والمطمئنة، والراضية، والمرضية، ويزاد: الملهمة، والكاملة. فالأمارة بالسوء هي التي تأمر صاحبها بالسوء، ولا تأمر بالخير إلا نادرا، وهي مقهورة، ومحكومة للشهوات، وإن سكنت لأداء الواجبات الإلهية، وأذعنت لاتباع الحق، لكن بقي فيها ميل للشهوات؛ سميت: لوامة. وإن زال هذا الميل، وقويت على معارضة الشهوات، وزاد ميلها إلى عالم القدس، وتلقت الإلهامات؛ سميت: ملهمة، فإن سكن اضطرابها، ولم يبق للنفس الشهوانية حكم أصلا؛ سميت مطمئنة. فإن ترقت من هذا، وأسقطت المقامات من عينها، وفنيت عن جميع مراداتها؛ سميت راضية. فإن زاد هذا الحال عليها؛ صارت مرضية عند الحق، وعند الخلق، فإن أمرت بالرجوع إلى العباد لإرشادهم، وتكميلهم؛ سميت كاملة، فالنفس سبع طبقات، ولها سبع درجات، كما ذكرت، وقدمت.

وأخيرا خذ ما ذكره القرطبي-رحمه الله تعالى-وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «ما تقولون في صاحب لكم، إن أكرمتموه، وأطعمتموه، وكسوتموه؛ أفضى بكم إلى شر غاية، وإن أهنتموه، وأعريتموه، وأجمعتموه أفضى بكم إلى خير غاية؟» . قالوا: يا رسول الله! هذا شرّ صاحب! قال: «فو الّذي نفسي بيده إنها لنفوسكم التي بين جنوبكم» . انتهى. هذا؛ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس من نفس برة، ولا فاجرة إلا وتلوم نفسها يوم القيامة، إن عملت خيرا؛ قالت: كيف لم أزدد، وإن عملت شرا؛ قالت: يا ليتني أقصرت عن الشر!» .

الإعراب: {لا:} انظر ما قيل فيها من أوجه الإعراب في الشرح. {أُقْسِمُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«أنا» . {بِيَوْمِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، و (يوم) مضاف، و {الْقِيامَةِ} مضاف

ص: 308

إليه، والجملة الفعلية مبتدأة لا محل لها من الإعراب، والتي بعدها معطوفة عليها، وإعرابها مثلها مع ملاحظة: أنه لا يجوز اعتبار (لا) صلة؛ لأنه يختل المعنى عن ذلك. {اللَّوّامَةِ:} صفة النفس.

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (3) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4)}

الشرح: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ} أيظن الإنسان. وحسب، يحسب من باب: تعب في لغة جميع العرب إلا بني كنانة، فإنهم يكسرون المضارع مع كسر الماضي أيضا على غير قياس. وقد قرئ المضارع بفتح السين، وكسرها. والمصدر: الحسبان بكسر الحاء، وحسبت المال حسبا من باب: قتل بمعنى: أحصيته عددا. هذا؛ والحسبان: قوة أحد النقيضين على الآخر، كالظن بخلاف الشك، فهو الوقوف بينهما. أما العلم؛ فهو القطع على أحدهما. والحسبان، والظن يتعلقان بمضامين الجمل، للدلالة على جهة ثبوتها، ولذلك اقتضى كل واحد منهما مفعولين متلازمين، أصلهما مبتدأ وخبر، أو ما يسد مسدهما. وانظر شرح {الْإِنْسانُ} في الآية رقم [19] من سورة (المعارج). {أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ} أي: نعيدها خلقا جديدا بعد أن صارت رفاتا، ورميما مختلطة التراب، وبعدما نسفتها الرياح، فطيرتها في أباعد.

نزلت هذه الآية في عدي بن ربيعة حليف بني زهرة، وهو ختن الأخنس بن شريق الثقفي، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«اللهم اكفني جاري السوء: عدي بن ربيعة، والأخنس بن شريق» .

وذلك أن عديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! حدثني متى تكون القيامة؟ وكيف أمرها، وحالها؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عدي: لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك، ولم أؤمن بك، أو يجمع الله العظام؟! فأنزل الله عز وجل:{أَيَحْسَبُ..} . إلخ. بعد هذا أقول: إن ما تعنت به عدي شبيه بما تعنت به أبيّ بن خلف الجمحي، كما رأيت في الآية رقم [77] من سورة (يس).

{بَلى:} انظر الآية رقم [9] من سورة (الملك). {بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ:} يعني: أنامله، فنجعل أصابع يديه، ورجليه شيئا واحدا كخف البعير، أو كحافر الحمار، فلا يقدر أن يرتفق بها بالقبض، والبسط، والأعمال اللطيفة، كالكتابة، والخياطة، وغيرهما. وقيل: المعنى أيظن الكافر أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفريقها، وتفتتها بعد الموت؟ بلى نقدر على جمع عظامه؛ حتى نعيد السلاميات على صغرها إلى أماكنها، ونؤلف بينها حتى تستوي البنان، فمن يقدر على جمع العظام الصغار؛ فهو على جمع كبارها أقدر، وهذا القول أقرب إلى الصواب.

هذا؛ والبنان جمع، أو اسم جمع ل: بنانة؟ قولان، والبنان عند العرب: الأصابع واحدها:

بنانة. قال النابغة الذبياني: [الكامل]

بمخضّب رخص كأنّ بنانه

عنم يكاد من اللطافة يعقد

وقال عنترة: [الوافر]

ص: 309

وأنّ الموت طوع يدي إذا ما

وصلت بنانها بالهندواني

هذا؛ وقال الأستاذ محمد علي الصابوني في كتابه «التبيان في علوم القرآن» : في القرن الماضي سنة [1884] استعملت في انكلترا رسميا طريقة للتعرف على الشخص بواسطة بصمات الأصابع، وأصبحت هذه الطريقة متبعة في جميع البلاد، وذلك؛ لأن بشرة الأصابع مغطاة بخطوط دقيقة، وعلى عدة أنواع (أقواس، عراو، دوّامات) وهذه الخطوط لا تتغير مدى الحياة، وجميع أعضاء الجسم تتشابه أحيانا، ولكن الأصابع لها مميزات خاصة؛ إذ إنها لا تتشابه، ولا تتقارب، وهنا المعجزة الإلهية، فلماذا اختار الله سبحانه بنان الإنسان في إقامة الدليل على البعث؟ {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ..}. إلخ. انتهى. وانظر قوله تعالى في سورة (الأنفال) رقم [12]:

{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ} . والله أعلم بمراده.

الإعراب: {أَيَحْسَبُ:} الهمزة: حرف استفهام. (يحسب): فعل مضارع. {الْإِنْسانُ:} فاعله.

{أَلَّنْ:} (أن): حرف مشبه بالفعل مخفف من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، التقدير: أنه.

(لن): حرف نفي، ونصب، واستقبال. {نَجْمَعَ:} فعل مضارع منصوب ب: (لن)، والفاعل مستتر تقديره:«نحن» . {عِظامَهُ:} مفعول به، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، وجملة: (لن نجمع

) إلخ في محل رفع خبر (أن)، و (أن) واسمها المحذوف، وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعولي (يحسب)، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {بَلى:} حرف جواب. {قادِرِينَ:} حال من فاعل فعل محذوف، التقدير: بلى نجمعها قادرين، ونقل عن سيبويه:

أنه يعتبره مفعولا ثانيا. والنقل غير صحيح. وقيل: خبر ل: «كان» محذوفة، التقدير: بلى كنا قادرين.

وفيه ضعف؛ لأنه ليس من المواضع التي تحذف فيها (كان). وقرئ شاذا برفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: بلى نحن قادرون. {عَلى:} حرف جر. {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب.

{نُسَوِّيَ:} فعل مضارع منصوب ب: (أن)، والفاعل مستتر تقديره:«نحن» . {بَنانَهُ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة، و {أَنْ نُسَوِّيَ} في تأويل مصدر في محل جر ب:{عَلى،} والجار والمجرور متعلقان ب: {قادِرِينَ؛} لأنه جمع اسم فاعل، لذا ففيه ضمير مستتر تقديره:«نحن» .

{بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (5) يَسْئَلُ أَيّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (6)}

الشرح: {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ} أي: الكافر. {لِيَفْجُرَ أَمامَهُ} أي: ليدوم على فجوره، وعصيانه فيما يستقبله من الزمان ما عاش، لا ينزع عن المعاصي، ولا يتوب. وقال سعيد بن جبير-رضي الله عنه: يقدم الذنب، ويؤخر التوبة، ويقول: سوف أتوب، سوف أعمل؛ حتى يأتيه الموت على سوء حاله، وشر أعماله. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما: يكذب بما أمامه من البعث، والحساب. انتهى. وسمي الكافر، والفاسق فاجرا؛ لميله عن الحق. هذا؛ ومما يدل على أن

ص: 310

الفجور التكذيب ما ذكره القتبي، وغيره: أن أعرابيا قصد عمر بن الخطاب-رضي الله عنه، وشكا إليه نقب إبله، ودبرها، وسأله أن يحمله على غيرها، فلم يحمله، فقال الأعرابي-وهذا هو الشاهد رقم [512] من كتابنا:«فتح رب البرية» -: [الرجز]

أقسم بالله أبو حفص عمر

ما مسّها من نقب ولا دبر

فاغفر له اللهمّ إن كان فجر

يعني: إن كان كذبني فيما ذكرت. {يَسْئَلُ أَيّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ} أي: متى يكون يوم القيامة؟! والمعنى: أن الكافر يسأل سؤال متعنت مستبعد لقيام الساعة، وهو كقوله تعالى في كثير من الآيات:{وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ،} وقد رد الله عليهم بقوله في سورة (سبأ): {قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ} .

الإعراب: {بَلْ:} حرف إضراب انتقالي، ويصح أن تكون عاطفة. قال الزمخشري، وتبعه البيضاوي، والنسفي:{بَلْ يُرِيدُ} عطف على (يحسب) فيجوز أن يكون مثله استفهاما، وأن يكون إيجابا. {يُرِيدُ الْإِنْسانُ:} فعل مضارع وفاعله، والجملة الفعلية لا محل لها على جميع الوجوه المعتبرة ب:{بَلْ} . {لِيَفْجُرَ:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل يعود إلى {الْإِنْسانُ} تقديره:«هو» ، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر بلام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وعليه فالمفعول محذوف، التقدير:

يريد الإنسان الثبات، والدوام على ما هو عليه من الفجور، والتكذيب بيوم القيامة. هذا؛ ويجوز اعتبار اللام صلة، والمصدر المؤول في محل نصب مفعول به محلا، وفي محل جر باللام لفظا، فيكون التقدير: بل يريد الإنسان الفجور، وقد ورد التصريح بذلك في قوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [32]:{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ..} . إلخ، وكأن هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة توكيدا له؛ لما فيها من معنى التقوية. وهناك قول ثالث: أن اللام بمعنى «أن» الناصبة، وأنها ناصبة للفعل بنفسها. قال الفراء: العرب تجعل لام كي في موضع «أن» في: (أراد، وأمر) وإليه ذهب الكسائي أيضا. انتهى. سمين في غير هذا الموضع. هذا؛ ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة (النساء) رقم [26]: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ،} والآية رقم [71] من سورة (الأنعام): {وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ،} والآية رقم [33] من سورة (الأحزاب)، والآية رقم [8] من سورة (الصف)، ومثل ذلك كله قول كثير عزة-وهو الشاهد رقم [394] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» -: [الطويل]

أريد لأنسى ذكرها فكأنّما

تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل

{أَمامَهُ:} ظرف مكان استعير للزمان هنا متعلق بالفعل قبله، والهاء في محل جر بالإضافة.

{يَسْئَلُ:} فعل مضارع، وفاعله يعود إلى {الْإِنْسانُ} تقديره:«هو» ، وهو معلق عن العمل لفظا

ص: 311

بسبب الاستفهام بعده. {أَيّانَ:} اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بمحذوف خبر مقدم. {يَوْمُ:} مبتدأ مؤخر، وهو مضاف، و {الْقِيامَةِ} مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل نصب سدت مسد مفعولي {يَسْئَلُ،} والجملة الفعلية مستأنفة، وقال أبو البقاء: تفسير ل: (يفجر) فتكون مفسرة، مستأنفة، أو بدلا من الجملة قبلها؛ لأن التفسير يكون بالاستئناف، وبالبدل. انتهى. نقلا عن السمين.

{فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)}

الشرح: {فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ:} يقرأ الفعل بفتح الراء من باب: دخل، فيكون المعنى: لمع بصر الكافر من شدة شخوصه، فتراه لا يطرف. قال مجاهد، وغيره: هذا عند الموت. وقال الحسن:

هذا يوم القيامة. أقول: فيكون كقوله تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ} رقم [42]، وقوله تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [97]:{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . هذا؛ وقرأ الكثيرون:

{بَرِقَ} بكسر الراء من باب: تعب، ومعناه: تحيّر، فلم يطرف. قاله أبو عمرو، والزجاج، وغيرهما. قال ذو الرمة:[الطويل]

ولو أنّ لقمان الحكيم تعرّضت

لعينيه ميّ سافرا كاد يبرق

وقال الفراء، والخليل: برق بالكسر: فزع، وبهت، والعرب تقول للإنسان المتحير المبهوت: قد برق فهو برق، وأنشد الفراء قول طرفة بن العبد:[المتقارب]

فنفسك فانع ولا تنعني

وداو الكلوم ولا تبرق

أي: لا تفزع من كثرة الكلوم التي بك. وقيل: إن كسر الراء وفتحها لغتان بمعنى واحد.

انتهى. قرطبي بتصرف. وأجمل القول الجلال-رحمه الله تعالى-، فقال: بكسر الراء، وفتحها:

دهش وتحيّر؛ لما رأى ممّا كان يكذب به.

{وَخَسَفَ الْقَمَرُ} أي: ذهب ضوءه. والخسوف في الدنيا ينجلي، بخلاف الآخرة، فإنه لا يعود ضوءه. هذا؛ وانظر الخسف في الآية رقم [16] من سورة (الملك). وقد قرئ (خسف) بالبناء للمعلوم، والمجهول. {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} أي: جمع بينهما في ذهاب ضوئهما، وقال النسفي -رحمه الله تعالى-: أي: جمع بينهما في الطلوع من المغرب، أو جمعا في ذهاب الضوء، أو يجمعان، فيقذفان في البحر فيكون نار الله الكبرى. وقال ابن عباس، وابن مسعود-رضي الله عنهما: جمع بينهما، أي: قرن بينهما في طلوعهما من المغرب أسودين مكورين مظلمين مقرنين،

ص: 312

كأنهما ثوران عقيران. وقال عطاء بن يسار-رحمه الله تعالى-: يجمع بينهما يوم القيامة، ثم يقذفان في البحر، فيكونان نار الله الكبرى. وقال علي وابن عباس-رضي الله عنهما: يجعلان في الحجب، وقد يجمعان في نار جهنم؛ لأنهما قد عبدا من دون الله، ولا تكون النار عذابا لهما؛ لأنهما جماد، وإنما يفعل ذلك بهما زيادة في تبكيت الكافرين، وحسرتهم.

{يَقُولُ الْإِنْسانُ:} الكافر، والظالم، والفاسد، والمفسد. {يَوْمَئِذٍ} أي: يوم إذ برق البصر، وخسف القمر، وجمع

إلخ. {أَيْنَ الْمَفَرُّ} أي: المهرب، والملجأ، والملاذ. قال نفيل بن حبيب الحميري-وهو ممن كان في جند أبرهة الذي قصد هدم الكعبة المعظمة، فقصمه الله، وهو الشاهد رقم [551] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» ، والشاهد رقم [423] من كتابنا:«فتح رب البرية» -: [الرجز]

أين المفرّ والإله الطّالب

والأشرم المغلوب ليس الغالب؟

ويحتمل في الآية المفر من الله استحياء منه، أو من نار جهنم حذرا منها. هذا؛ ويقرأ بفتح الميم، والفاء، على أنه مصدر، ويقرأ بفتح الميم، وكسر الفاء على أنه اسم مكان. ويقرأ بكسر الميم وفتح الفاء على أنه الإنسان الجيد الفرار. وعليه فالمعنى: أين الإنسان الجيد الفرار، فهل ينجو من عذاب الله، وانتقامه؟! قال امرؤ القيس في معلقته رقم [64] في وصف حصانه:[الطويل]

مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا

كجلمود صخر حطّه السيل من عل

الإعراب: {فَإِذا:} الفاء: حرف استئناف، وتفريع. (إذا): ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {بَرِقَ الْبَصَرُ:} ماض، وفاعله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها على المشهور المرجوح، وجملة:{وَخَسَفَ الْقَمَرُ} معطوفة عليها، فهي في محل جر مثلها. {وَجُمِعَ:} الواو: حرف عطف.

(جمع): فعل ماض مبني للمجهول، ولم يؤنث لأمرين: أولهما: لأن الشمس مؤنث مجازي، والثاني: لعله من باب تغليب القمر على الشمس. {الشَّمْسُ:} نائب فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل جر مثلها. {وَالْقَمَرُ:} معطوف على {الشَّمْسُ} .

{يَقُولُ:} فعل مضارع. {الْإِنْسانُ:} فاعله، والجملة الفعلية مع مقولها جواب (إذا) لا محل لها، و (إذا) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له. {يَوْمَئِذٍ:} (يوم): ظرف زمان متعلق بالفعل {يَقُولُ} . و (إذ) ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل جر بالإضافة، والتنوين عوض من جملة محذوفة، انظر تقديرها في الشرح. {أَيْنَ:} اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بمحذوف خبر مقدم. {الْمَفَرُّ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول.

ص: 313

{كَلاّ لا وَزَرَ (11) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)}

الشرح: {كَلاّ:} انظر الآية رقم [16] من سورة (المدثر). {لا وَزَرَ} أي: لا ملجأ من النار يتحصن به من استحق دخولها من الكافرين، والظالمين، والفاسقين، والفاجرين. وهذه الآية كقوله تعالى في سورة (الشورى) رقم [47]:{ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} .

هذا؛ والوزر في اللغة: ما يلجأ إليه من حصن، أو جبل، أو غيرهما. قال الشاعر:[المتقارب]

لعمري ما للفتى من وزر

من الموت يدركه والكبر

قال السدي: كانوا في الدنيا إذا فزعوا؛ تحصنوا في الجبال، فقال الله لهم: لا وزر يعصمكم يومئذ مني. قال طرفة: [الرمل]

ولقد تعلم بكر أنّنا

فاضلو الرّأي وفي الرّوع وزر

وقال الخازن: وأصل الوزر: الجبل المنيع. وكل ما التجأت إليه، وتحصنت به فهو وزر، ومنه قول كعب بن مالك:[البسيط]

الناس آلت علينا فيك ليس لنا

إلاّ السّيوف وأطراف القنا وزر

هذا؛ و {وَزَرَ} مصدر، وهو بفتح الواو، والزاي، ويأتي المصدر أيضا بفتح الواو، وكسرها مع سكون الزاي، لكنه بمعنى: الإثم، والثقل. قال تعالى في سورة (فاطر) رقم [18]:{وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى،} ومن المعنيين يؤخذ اسم وزير السلطان، فإنه يحمل ثقل دولته، ويلجأ إليه السلطان في المهمات، فيستشيره بذلك. {إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ:} يوم يبرق البصر، ويخسف القمر، ويجمع الشمس، والقمر. {الْمُسْتَقَرُّ:} المرجع، والمصير، وهو كقوله تعالى في سورة (النجم) رقم [42]:{وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى} . قال الصابوني: والمقصود من الآيات: بيان أهوال الآخرة، فالأبصار تنبهر يوم القيامة، وتخشع، وتحار من شدة الأهوال، ومن عظم ما تشاهده من الأمور العظيمة، والإنسان يطيش عقله، ويذهب رشده، ويبحث عن النجاة، والمخلص، ولكن هيهات! فقد جاءت القيامة، وانتهت الحياة. انتهى.

{يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ} أي: يخبر الإنسان في ذلك اليوم بجميع أعماله، صغيرها، وكبيرها، وعظيمها، وحقيرها، ما قدمه منها في حياته، وما أخره بعد مماته، من سنة حسنة، أو سيئة، وسنّها في حياته، سواء كان برا، أو فاجرا، صالحا، أو طالحا. ونحو الآية قوله تعالى في سورة (المجادلة) رقم [6]:{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ} .

وخذ ما يلي: ومعنى الآية الكريمة ما تقدم، وهو جيد، وخذ قول أبي العتاهية الصوفي-رحمه الله تعالى-:[الوافر]

ص: 314

فلو أنّا إذا متنا تركنا

لكان الموت راحة كلّ حيّ

ولكنّا إذا متنا بعثنا

ونسأل بعد ذا عن كلّ شيّ

خرج ابن ماجه في سننه من حديث الزهري: حدثني أبو عبد الله الأغر عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ ممّا يلحق المؤمن من عمله، وحسناته بعد موته علما علّمه، ونشره، وولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورّثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته، وحياته، تلحقه من بعد موته» . وخرجه أبو نعيم الحافظ بمعناه من حديث قتادة عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبع يجري أجرهنّ للعبد بعد موته؛ وهو في قبره، من علّم علما، أو أجرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورّث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته» .

انتهى. قرطبي.

وعن حذيفة-رضي الله عنه-قال: سأل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك القوم، ثم إن رجلا أعطاه، فأعطى القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من سنّ خيرا فاستنّ به؛ كان له أجره، ومثل أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا، ومن سنّ شرّا، فاستنّ به كان عليه وزره، ومثل أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا» . رواه الإمام أحمد، ورواه الإمام مسلم بأطول من هذا عن جرير بن عبد الله البجلي. هذا؛ وانظر شرح «نبأ، ينبئ» في الآية رقم [3] من سورة (التحريم) فإنه جيد جدا، ولا تنس الطباق بين {قَدَّمَ} و (أخر).

الإعراب: {كَلاّ:} حرف ردع، وزجر هنا. {كَلاّ:} نافية للجنس تعمل عمل «إنّ» . {وَزَرَ:}

اسم {كَلاّ} مبني على الفتح في محل نصب، والخبر محذوف، تقديره: لا وزر له، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {إِلى رَبِّكَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والكاف ضمير في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل المستقر، ولا يتعلق به؛ لأنه مصدر، ولا يتقدم معمول المصدر عليه، وإن كان اسم مكان؛ فلا عمل له ألبتة. انتهى. جمل نقلا عن السمين. أقول: ومن المعلوم أنه يتوسع في الظرف والجار والمجرور ما لا يتوسع بغيرهما، {الْمُسْتَقَرُّ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة، أو تعليلية، لا محل لها على الاعتبارين.

{يُنَبَّؤُا:} فعل مضارع مبني للمجهول. {الْإِنْسانُ:} نائب فاعله، وهو المفعول الأول، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {يَوْمَئِذٍ:} (يوم): ظرف زمان متعلق بما قبله، و (إذ) في محل جر بالإضافة، وانظر في الشرح تقدير الجملة المضاف إليها. {بِما:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر بالباء.

{قَدَّمَ:} ماض، والفاعل يعود إلى الإنسان، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: بالذي، أو بشيء قدمه، وأخره. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.

ص: 315

{بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (15)}

الشرح: {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ:} قال الأخفش: جعل الله الإنسان هو البصيرة، كما تقول للرجل: أنت حجة على نفسك، والبصيرة: الحجة. قال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [104]: {قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} . وقال الزمخشري: بصيرة: حجة بينة، وصافات بالبصارة على المجاز، كما وصافات الآيات بالإبصار في قوله تعالى في سورة (النمل) رقم [13]:{فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً} .

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما: أي: شاهد، وهو شهود جوارحه عليه، يداه بما بطش بهما، ورجلاه بما مشى عليهما، وعيناه بما أبصر بهما. والبصيرة: الشاهد، ودليل هذا التأويل قوله تعالى في سورة (النور) رقم [24]:{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} وجاز تأنيث (البصيرة) لأن المراد بالإنسان هنا: جوارحه؛ لأنها شاهدة على نفس الإنسان، فكأنه قال: بل الجوارح على نفس الإنسان بصيرة. انتهى. قرطبي. وعلى قول ابن عباس-رضي الله عنهما-تكون التاء للمبالغة، كعلامة. وقيل: المراد بالبصيرة: الكاتبان اللذان يكتبان ما يكون منه من خير، أو شر.

{وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ:} ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن نفسه، ويجادل عنها، فإنه لا ينفعه؛ لأنه قد شهد عليه شاهد من نفسه. وقال الضحاك: ولو أرخى ستوره، وقال المعاذير الستور، واحدها: معذار، والستر بالغة أهل اليمن معذار. قال الشاعر:[الطويل]

ولكنّها ضنّت بمنزل ساعة

علينا وأطّت فوقها بالمعاذر

والأول أولى بالاعتبار. قال تعالى في سورة (غافر) رقم [52]: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ،} وقوله تعالى في سورة (المرسلات) رقم [36]: {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} فالمعاذير على هذا مأخوذ من العذر. قال الشاعر: [الطويل]

وإيّاك والأمر الّذي إن توسّعت

موارده ضاقت عليك المصادر

فما حسن أن يعذر المرء نفسه

وليس له من سائر النّاس عاذر

والدليل على هذا قوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [23]: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ،} وقوله تعالى في سورة (المجادلة) رقم [18]: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ..} . إلخ، وقد قال تعالى في سورة (فصلت) رقم [24]:{وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} .

هذا؛ ولا تنس التشبيه البليغ، حيث شبه المجيء بالعذر بإلقاء الدلو في البئر للاستسقاء به، فيكون فيه تشبيه لذلك بالماء المزيل للعطش. وانظر شرح الإنسان في سورة (المعارج) رقم [19].

ص: 316

الإعراب: {بَلِ:} حرف إضراب، وانتقال. {الْإِنْسانُ:} مبتدأ. {عَلى نَفْسِهِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والهاء في محل جر بالإضافة. {بَصِيرَةٌ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ. هذا؛ وأجيز اعتبار {بَصِيرَةٌ} خبر عن {الْإِنْسانُ،} والجار والمجرور متعلقان به. كما أجيز اعتبار الجار والمجرور متعلقين بمحذوف خبر المبتدأ، و {بَصِيرَةٌ} فاعلا بمتعلق الجار والمجرور. وهذا أقوى من الثاني. والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها.

{وَلَوْ:} الواو: واو الحال. (لو): وصلية. {أَلْقى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى {الْإِنْسانُ} تقديره:«هو» . {مَعاذِيرَهُ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من الضمير في {بَصِيرَةٌ} . هذا؛ واعتبر الجلال (لو) شرطية، وقدر جوابها بقوله: ولو جاء بكل معذرة؛ ما قبلت منه. وعليه ف: (لو) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له، ولا يصح اعتباره حالا؛ لأن (لو) لتعليق الشرط في المستقبل، وهو يتنافى مع الحال، خلافا لما قاله سليمان الجمل-رحمه الله تعالى-.

{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19)}

الشرح: عن سعيد بن جبير-رحمه الله تعالى-عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن؛ يحرك به لسانه، يريد أن يحفظه، فأنزل الله تبارك وتعالى:

{لا تُحَرِّكْ..} . إلخ قال: فكان يحرك به شفتيه. وحرّك سفيان شفتيه. قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ولفظ مسلم: عن ابن جبير عن ابن عباس؛ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، كان يحرك شفتيه، فقال لي ابن عباس: أنا أحركهما، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، فقال سعيد: أنا أحركهما، كما كان ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه. انتهى.

قرطبي. والمعنى: لا تحرك لسانك بقراءة الوحي ما دام جبريل-صلوات الله وسلامه عليه- يقرأ. {لِتَعْجَلَ بِهِ:} لتأخذه على عجلة، ولئلا ينفلت منك.

{إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أي: جمعه في صدرك، ثم تقرأه. {فَإِذا قَرَأْناهُ} أي: قرأه عليك جبريل نيابة عنا. {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أي: اقرأ بعد انتهاء قراءة جبريل. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع، وإذا انطلق جبريل، قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه، كما وعد الله تعالى، ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة (طه) رقم [114]:{وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} . انظر شرحها هناك؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

وقال عامر الشعبي-رحمه الله تعالى-: إنما كان يعجل بذكره إذا نزل عليه من حبّه له، وحلاوته في لسانه، فنهي عن ذلك؛ حتى يجتمع؛ لأن بعضه مرتبط ببعض. وقيل: كان صلى الله عليه وسلم إذا

ص: 317

نزل عليه؛ حرك لسانه مع الوحي مخافة أن ينساه، فنزلت الآيات المذكورة هنا، ونزلت آية (طه)، ونزل قوله تعالى في سورة (الأعلى):{سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى} . {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ} أي: تفسير ما فيه من الحدود، والحلال، والحرام، والوعد، والوعيد.

هذا؛ و (قرآن) مشتق من قريت الماء في الحوض: إذا جمعته، فكأنه قد جمع فيه الحكم، والمواعظ، والآداب، والقصص، والفروض، وجميع الأحكام، وكملت فيه جميع الفوائد الهادية إلى طريق الرشاد. وخذ قول عمرو بن كلثوم في معلقته رقم [17]:[الوافر]

ذراعي عيطل أدماء بكر

هجان اللّون لم تقرأ جنينا

«لم تقرأ جنينا» : لم تضم، ولم تجمع في رحمها ولدا قط. وهو في اللغة مصدر بمعنى الجمع، يقال: قرأت الشيء قرآنا إذا جمعته، وبمعنى القراءة، يقال: قرأت الكتاب قراءة، وقرآنا، ثم نقل إلى هذا المجموع المقروء المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، المنقول عنه بالتواتر فيما بين الدفتين، المتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة (الفاتحة)، المختتم بسورة (الناس). وهذا التعريف متفق عليه بين العلماء، والأصوليين. أنزله الله؛ ليكون دستورا للأمة، وهداية للخلق أجمعين، وليكون آية على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وبرهانا ساطعا على نبوته، ورسالته، وحجة قائمة إلى يوم الدين، تشهد بأنه تنزيل الحكيم الحميد، بل هو المعجزة الخالدة، التي تتحدى الأجيال، والأمم على كر الأزمان، ومر الدهور، ورحم الله شوقي؛ إذ يقول:[البسيط]

جاء النّبيّون بالآيات فانصرمت

وجئتنا بكتاب غير منصرم

آياته كلما طال المدى جدد

يزينهنّ جمال العتق والقدم

وللقرآن أسماء عديدة، كلها تدل على رفعة شأنه، وعلو مكانته، وعلى أنه أشرف كتاب سماوي على الإطلاق، فيسمى: القرآن، والفرقان، والتنزيل، والذكر، والكتاب، والنور، والهدى

إلخ، كما وصفه الله بأوصاف عديدة، منها: نور، وهدى، ورحمة، وشفاء، وموعظة، وعزيز، ومبارك، وبشير، ونذير

إلى غير ذلك من الأوصاف التي تشعر بعظمته، وقدسيته. ويحرم على المحدث حدثا أكبر: قراءته، ومسه، وحمله. وعلى المحدث حدثا أصغر حمله ومسه، ولا يمنع من قراءته عن ظهر قلب. قال تعالى:{لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} .

والمناسبة بين هذه الآيات، والتي قبلها واضحة؛ لأن تلك تضمنت الإعراض عن آيات الله، وهذه تضمنت المبادرة إليها بحفظها ورعايتها.

هذا؛ ويكثر النهي في القرآن الكريم عن العجلة، واستعجال الشيء قبل أوانه، وهذا النهي أكثر ما يوجه للكافرين؛ الذين طلبوا استعجال العذاب، وقد يوجه إلى بني آدم جميعا، وقد توجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الآيات التي رأيتها هنا، بينما حث الله تعالى على المسارعة إلى فعل الطاعات،

ص: 318

فقال في سورة (آل عمران) رقم [133]: {وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ،} وقال في سورة (الحديد) رقم [21]: {سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ..} . إلخ، كما وصف أنبياءه، ورسله بأنهم كانوا يساراعون في الخيرات، وهذا لا يناقض:«العجلة من الشّيطان، والتّأنّي من الرحمن» ؛ لأن المسارعة إلى الطاعات مستثناة من ذلك، كما أن هناك أمورا تسن المبادرة إلى فعلها، كأداء الصلاة المكتوبة؛ إذا دخل وقتها، وقضاء الدين بحق الموسر، وتزويج البكر البالغ؛ إذا أتى الكفء، ودفن الميت، وإكرام الضيف؛ إذا نزل. وخذ ما يلي: فعن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: «يا عليّ! ثلاث لا تؤخّرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيّم إذا وجدت كفؤا» . أخرجه الترمذي، وجاء في الشعر العربي الحث على العجلة. قال بشار بن برد الأعمى:[البسيط]

من راقب الناس لم يظفر بحاجته

وفاز بالطّيّبات الفاتك اللهج

واختصره سلم الخاسر، فقال:[مخلع البسيط]

من راقب الناس مات همّا

وفاز باللذة الجسور

ونسب للأعشى ولغيره ما يلي: [البسيط]

وربّما ضرّ بعض الناس بطؤهم

وكان خيرا لهم لو أنّهم عجلوا

الإعراب: {لا تُحَرِّكْ:} فعل مضارع مجزوم ب: {لا} الناهية، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» .

{بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {لِسانَكَ:} مفعول به، والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {لِتَعْجَلَ:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة جوازا بعد لام التعليل، والفاعل تقديره:«أنت» ، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر بلام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {إِنَّ:}

حرف مشبه بالفعل. {عَلَيْنا:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {إِنَّ} تقدم على اسمها.

{جَمْعَهُ:} اسم {إِنَّ} مؤخر. {وَقُرْآنَهُ:} معطوف على ما قبله، والهاء فيهما في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعلهما محذوف، والجملة الاسمية:{إِنَّ عَلَيْنا..} . إلخ تعليل للنهي، لا محل لها، وجملة:{لا تُحَرِّكْ..} . إلخ لا محل لها ابتدائية.

{فَإِذا:} الفاء: حرف استئناف، وتفريع. (إذا): ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {قَرَأْناهُ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها على المشهور المرجوح؛ لاقتران الجواب هنا بالفاء، ولا يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها. {فَاتَّبِعْ:} الفاء: واقعة في جواب (إذا). (اتبع): فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» ، والجملة الفعلية جواب (إذا) لا محل

ص: 319

لها، و (إذا) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له. {قُرْآنَهُ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة. {ثُمَّ:} حرف عطف. {إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ} إعراب هذه الجملة مثل إعراب: {فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} بلا فارق بينهما، وهي معطوفة عليها، وعليه ف:(إذا) ومدخولها كلام معترض بينهما.

{كَلاّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)}

الشرح: {كَلاّ:} ردع للكافرين، ومن على شاكلتهم من الفاسقين، وخطاب لهم فيه: أنهم منهمكون في جميع الدنيا، معرضوان عن الآخرة، والعمل لها. ومثل هاتين الآيتين قوله تعالى في سورة الدهر رقم [27]:{إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً} . وقال الزمخشري، وتبعه البيضاوي، والنسفي: ردع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن عادة العجلة، وإنكار لها، وحث على الأناة والتؤدة. ولا أسلمه أبدا. ولا تنس قوله تعالى في سورة (الروم) رقم [7]:

{يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ} . وفي الآيتين التفات من الغيبة إلى الخطاب، وقرئ الفعلان بالياء على الغيبة.

الإعراب: {كَلاّ:} حرف ردع، وزجر. {بَلْ:} حرف إضراب. {تُحِبُّونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله. {الْعاجِلَةَ:} مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، والتي بعدها معطوفة عليها، وإعرابها مثلها.

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (25)}

الشرح: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ:} الأول من النضرة التي هي الحسن، والنعمة.

والثاني من النظر، أي: وجوه المؤمنين مشرقة حسنة ناعمة، يقال: نضرهم الله، ينضرهم نضرة، ونضارة، وهو الإشراق، والعيش، والغنى، ومنه الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري، وجمع من الصحابة-رضي الله عنهم-عن النبي صلى الله عليه وسلم: «نضّر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها

» إلخ.

رواه البزار، وابن حبان. {إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ:} إلى خالقها، ومالكها ناظرة نظرا لا ريب فيه، ولا شك. {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ} أي: وجوه الكفار يوم القيامة كالحة كاسفة عابسة.

وفي المختار: بسر الرجل وجهه: كلح، وبابه دخل، يقال: عبس وبسر، وانظر سورة (المدثر) رقم [22]. {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ:} توقن وتعلم، والفاقرة: الداهية والأمر العظيم، يقال: فقرته الفاقرة؛ أي: كسرت فقار ظهره. وقال الأصمعي: أصلها: الوسم على أنف البعير بحديدة، أو نار حتى يخلص إلى العظم، يقال: فقرت أنف البعير: إذا حززته بحديدة، ثم جعلت على موضع الحزّ الجرير-أي: الحبل-وعليه وتر ملويّ لتذلّله وتروّضه. قال النابغة: [الطويل]

ص: 320

أبى لي قبر لا يزال مقابلي

وضربة فأس فوق رأسي فاقره

تنبيه: الآيتان الأوليان تصرحان برؤية الله يوم القيامة، وهذا ما يراه علماء السنة من أن رؤية الله سبحانه وتعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا، وأجمعوا على وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون الله سبحانه وتعالى دون الكافرين بدليل قوله تعالى في سورة (المطففين):{كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} . قال الإمام مالك-رحمه الله تعالى-: لما حجب أعداءه، فلم يروه؛ تجلى لأوليائه؛ حتى رأوه، ولو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعير الكافرون بالحجاب. وقال الإمام الشافعي-رحمه الله تعالى-: لما حجب قوما بالسخط؛ دل على أن قوما يرونه بالرضا، ثم قال: أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس بأنه يرى ربه في الميعاد؛ لما عبده في الدنيا.

وهذا كلام المدللين. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ..} . إلخ، رقم [26]، وقال تعالى في سورة (ق) رقم [35]:{لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ} وأخيرا لا تنس المقابلة اللطيفة بين نضارة وجوه المؤمنين، وكلاحة وجوه المجرمين.

هذا؛ وزعمت طوائف أهل البدع كالمعتزلة، والخوارج، وبعض المرجئة: أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلا في الدنيا، وفي الآخرة، واستدلوا بقوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [103]:{لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} وهذا الذي قالوه خطأ صريح، وجهل قبيح، وقد تظاهرت أدلة الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة، فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى، وقد رواها نحو من عشرين صحابيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآيات القرآن فيها مشهورة، واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مسطورة في كتب أهل الكلام من أهل السنة.

ثم مذهب أهل الحق: أن الرؤية قوة يجعلها الله في خلقه، ولا يشترط فيها اتصال الأشعة، ولا مقابلة المرئي، ولا غير ذلك، وأما الأحاديث الواردة في إثبات الرؤية، فمنها ما روي عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنّ أدنى أهل الجنّة منزلة لمن ينظر إلى جنانه، وأزواجه، ونعيمه، وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشيّة» . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} أخرجه الترمذي.

وعن جرير بن عبد الله-رضي الله عنه-قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة البدر، وقال:«إنكم سترون ربّكم عيانا، كما ترون القمر، لا تضامّون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها؛ فافعلوا» . ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها» متفق عليه.

وعن صهيب-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أهل الجنة الجنّة؛ يقول الله عز وجل: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجّينا من

ص: 321

النّار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحبّ إليهم من النّظر إلى ربّهم». ثم تلا هذه الآية:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ} . رواه مسلم، وغيره.

وعن أبي رزين العقيلي-رضي الله عنه-قال: يا رسول الله! أكلنا يرى ربه مخليا به يوم القيامة؟ قال: «نعم» . قلت: وما آية ذلك في خلقه؟ قال: «يا أبا رزين! أليس كلّكم يرى القمر ليلة البدر مخليا به؟» . قلت: بلى! قال: «فالله أعظم، إنما هو خلق من خلق الله، فالله أجلّ، وأعظم» . أخرجه أبو داود.

تنبيه: رؤية الله تعالى جائزة عقلا، دنيا، وأخرى؛ لأنه موجود، وكل موجود يصح أن يرى، فربنا جل علاه يصح أن يرى، لكن لم تقع دنيا لغير نبينا صلى الله عليه وسلم، وواجبة شرعا للمؤمنين في الآخرة كما أطبق عليه أهل السنة للكتاب، والسنة، والإجماع، وحسبك ما ذكرته فيما تقدم.

قال إبراهيم اللقاني-رحمه الله تعالى-في جوهرته: [الرجز]

ومنه أن ينظر بالأبصار

لكن بلا كيف ولا انحصار

للمؤمنين إذ بجائز علّقت

هذا وللمختار دنيا ثبتت

وأنكر المعتزلة رؤية الله تعالى في الآخرة مستدلين بقوله تعالى لموسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام لما سأل الله الرؤية-:{قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي} رقم [143] من سورة (الأعراف) فقالوا: النفي ب: {لَنْ} للتأبيد، وليس صحيحا! انظر شرحها هناك تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

هذا؛ ورؤية الله يوم القيامة تكون من غير تكيف بكيفية من كيفيات الحوادث، من مقابلة، وجهة وتحيز. وأنكر المعتزلة رؤية الله في الآخرة، وشنوا حربا شعواء على أهل السنة، وانتحتوا من قول أهل السنة بلا كيف البلكفة. قال الزمخشري يهجو أهل السنة:[الكامل]

لجماعة سمّوا هواهم سنّة

وجماعة حمر لعمري موكفه

قد شبّهوه بخلقه فتخوّفوا

شنع الورى فتستّروا بالبلكفه

ورد عليه السيد البليدي بقوله: [الكامل]

هل نحن من أهل الهوى أو أنتم؟

ومن الّذي منّا حمير موكفه؟

اعكس تصب فالوصف فيكم ظاهر

كالشّمس فارجع عن مقال الزّخرفه

يكفيك في ردّي عليك بأننا

نحتجّ بالآيات لا بالسّفسفه

وبنفي رؤيته فأنت حرمتها

إن لم تقل بكلام أهل المعرفه

فنراه في الأخرى بلا كيفيّة

وكذاك من غير ارتسام للصّفه

ص: 322

وقال بعضهم في الرد عليه أيضا هو أبو حيان النحوي المشهور: [الكامل]

شبّهت جهلا صدر أمّة أحمد

وذوي البصائر بالحمير الموكفه

وجب الخسار عليك فانظر منصفا

في آية الأعراف فهي المنصفه

أترى الكليم أتى بجهل ما أتى؟

وأتى شيوخك ما أتوا عن معرفه

إن الوجوه إليه ناظرة بذا

جاء الكتاب فقلتم: هذا سفه

نطق الكتاب وأنت تنطق بالهوى

فهوى الهوى بك في المهاوي المتلفه

انتهى.. من حاشية الباجوري على جوهرة التوحيد للمرحوم إبراهيم اللقاني.

بعد هذا فالمعتزلة طائفة من المسلمين يرون: أن أفعال الخير من الله، وأن أفعال الشر من فعل الإنسان، وأن الله تعالى يجب عليه رعاية الأصلح للعباد. قال اللقاني في الرد عليهم:[الرجز]

وقولهم: إنّ الصلاح واجب

عليه زور ما عليه واجب

ألم يروا إيلامه الأطفالا

وشبهها فحاذر المحالا

وجائز عليه خلق الشّرّ

والخير كالإسلام وجهل الكفر

وأن القرآن محدث مخلوق، ليس بقديم، وأن الله تعالى ليس بمرئي يوم القيامة. قال اللقاني في الرد عليهم:[الرجز]

ونزّه القرآن أي كلامه

عن الحدوث واحذر انتقامه

وكلّ نصّ للحدوث دلاّ

احمل على اللفظ الّذي قد دلاّ

وأن المؤمن إذا ارتكب الكبيرة كان في منزلة بين المنزلتين. يعنون بذلك: أنه ليس بمؤمن، ولا بكافر، وأن من دخل النار لم يخرج منها. قال اللقاني في الرد عليهم:[الرجز]

ومن يمت ولم يتب من ذنبه

فأمره مفوّض لربّه

وواجب تعذيب بعض ارتكب

كبيرة ثمّ الخلود مجتنب

وأن المقتول غير ميت بأجله. فقال اللقاني في الرد عليهم: [الرجز]

وميّت بعمره من يقتل

وغير هذا باطل لا يقبل

وأن الإيمان: قول، وعمل، واعتقاد (وهذا لا بأس به) ويرون: أن إعجاز القرآن في الصرف عنه، لا أنه معجز بنفسه، ولو لم يصرف العرب عن معارضته؛ لأتوا بما يعارضه، وأن المعدوم شيء، وأن الحسن، والقبح عقليان، وأن الله تعالى حي بذاته، لا بحياة، وعالم لذاته لا بعلم، وقادر لذاته لا بقدرة، فهم ينفون صفات المعاني.

ص: 323

هذا؛ ومن مشهوري المعتزلة، وأعيانهم الجاحظ، وأبو الهذيل العلاف، وإبراهيم النظام وواصل بن عطاء، وأحمد بن حابط، وبشر بن المعتمر، ومعمر بن عباد السلمي، وأبو موسى عيسى الملقب بالمزداد، ويعرف ب: راهب المعتزلة، وثمامة بن أشرس، وهشام بن عمر الفوطي، وأبو الحسن بن أبي عمر، والخياط، والأستاذ الكعبي، وأبو علي الجبائي أستاذ الشيخ أبي الحسن الأشعري أولا، وابنه أبو هشام عبد السّلام، ولا تنس الزمخشري، وأبا علي الفارسي، وهما إمامان في النحو، ويقال: إن الزمخشري رجع عن اعتزاله قبل وفاته، وسموا معتزلة؛ لأن واصل بن عطاء كان من تلاميذ الحسن البصري، واختلف معه في بعض المسائل التي ذكرتها لك واعتزل حلقته، وتبعه من ذكرت لك، فسموا معتزلة لهذا.

الإعراب: {وُجُوهٌ:} مبتدأ. {يَوْمَئِذٍ:} (يوم): ظرف زمان متعلق بما بعده، و (إذ) ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل جر بالإضافة، والتنوين عوض عن جملة محذوفة، التقدير: يوم إذ تقوم القيامة. {ناضِرَةٌ:} خبر المبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة هنا العطف عليها، وكون الموضع موضع تفصيل، ومثل الآية الكريمة قول امرئ القيس-وهو الشاهد رقم [851] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» -: [المتقارب]

فأقبلت زحفا على الرّكبتين

فثوب نسيت، وثوب أجرّ

{ناضِرَةٌ:} خبر المبتدأ. {إِلى رَبِّها:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما، و (ها): في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {ناظِرَةٌ:} خبر ثان للمبتدأ، أو خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هي ناظرة، وتعود الجملة لتكون في محل رفع خبر ثان ل:{وُجُوهٌ} وسوغ السمين اعتبار ناضرة صفة ل: {وُجُوهٌ،} واعتبار {ناظِرَةٌ} خبرا له، وسوغ اعتبار {ناضِرَةٌ} خبرا ل:{وُجُوهٌ،} وسوغ ب: {ناظِرَةٌ} ثلاثة وجوه: اعتباره نعتا لوجوه، أو خبرا ثانيا، أو خبرا لمبتدأ محذوف. هذا؛ وقال بعض غلاة المعتزلة {إِلى} ههنا اسم بمعنى النعمة، وهي مفعول به مقدم ل:{ناظِرَةٌ،} و {إِلى} مضاف، و {رَبِّها} مضاف إليه، والمعنى عندهم: وجوه يومئذ ناظرة منتظرة نعمة ربها، والمراد أصحاب الوجوه، وقد رأيت في الشرح مذهبهم، وتفنيده. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.

{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ:} إعراب هذه الكلمات مثل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ} بلا فارق. {تَظُنُّ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«هي» يعود إلى {وُجُوهٌ} . {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب.

{يُفْعَلَ:} فعل مضارع مبني للمجهول منصوب ب: {أَنْ} . {بِها:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {فاقِرَةٌ:} نائب فاعل {يُفْعَلَ،} و {أَنْ} والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعولي الفعل {تَظُنُّ،} والجملة الفعلية في محل رفع خبر ثان للمبتدأ {وُجُوهٌ،} أو في محل رفع صفة له، والحالية لا تجوز؛ لأن الفعل مستقبل، والجملة الاسمية:{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ:} معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها، الأولى بالاستئناف، والثانية بالإتباع.

ص: 324

{كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (28) وَاِلْتَفَّتِ السّاقُ بِالسّاقِ (29) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (30)}

الشرح: {كَلاّ:} ردع، وزجر عن إيثار الدنيا على الآخرة، كأنه قيل: ارتدعوا عن ذلك، وتنبهوا على ما بين أيديكم من الموت؛ الذي تنقطع عنده العاجلة عنكم، وتنتقلون إلى الآجلة، التي تبقون فيها مخلدين. {إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ:} الفاعل يراد به الروح، أي: إذا بلغت الروح التراقي. فأخبر عما لم يجر له ذكر لعلم المخاطب به. ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة (الواقعة): {فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ،} وقوله تعالى في سورة (ص) رقم [32]: {حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ،} وقوله تعالى في سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} رقم [44]، وفي سورة (لقمان) رقم [16]، وسورة (النساء) رقم [40]. ومثل هذه الآيات قول حاتم الطائي:[الطويل]

لعمرك ما يغني الثّراء عن امرئ

إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر

وأيضا قول سوار بن المضرب السعدي-وهو الشاهد رقم [191] من كتابنا: «فتح رب البرية» - يخاطب به الحجاج حين فرض البعث مع المهلب بن أبي صفرة لقتال الخوارج: [الطويل]

إذا كان لا يرضيك حتّى تردّني

إلى قطريّ لا إخالك راضيا

{التَّراقِيَ:} جمع: ترقوة، وهي العظام المكتنفة لنقرة النحر، وهو مقدم الحلق من أعلى الصدر، وهو موضع الحشرجة، التي رأيتها في بيت حاتم، ومنه قول دريد بن الصمة:[الوافر]

وربّ عظيمة دافعت عنهم

وقد بلغت نفوسهم التّراقي

وقد يكنى عن الإشفاء على الموت ببلوغ النفس التراقي، والمقصود تذكيرهم شدة الحال عند نزول الموت. {وَقِيلَ مَنْ راقٍ} أي: من راق يرقي، أي: يشفي من الموت. قاله ميمون بن مهران، وأبو قلابة، وقتادة، وابن عباس-رضي الله عنهم أجمعين-. ومنه قول الشاعر:[البسيط]

هل للفتى من بنات الدّهر من واق؟

أم هل له من حمام الموت من راق؟

وقيل: هذا من قول الملائكة، الذين يحضرونه عند الموت، يقول بعضهم لبعض: من يرقى بروحه، إذا خرجت من جسده، فيصعد بها ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب. وعن ابن عباس رضي الله عنه-أنه من: رقي يرقى: إذا صعد. هذا؛ وعلى التفسير الأول ف: {راقٍ} اسم فاعل من: رقى، يرقي بالفتح في الماضي، والكسر في المضارع. وعلى التفسير الثاني فهو من: رقي، يرقى بالكسر في الماضي، والفتح في المضارع.

هذا؛ و {راقٍ} أصله: راقي، أو راقي بضمة على الياء علامة للرفع، أو بكسرة علامة للجر، وبتنوين الصرف، لكن استثقلت الضمة، أو الكسرة على الياء بعد كسرة، فسكنت الياء، فالتقى

ص: 325

ساكنان: الياء والتنوين، فحذفت الياء لعلة الالتقاء، وبقيت القاف على ما كانت عليه قبل الإعلال، فقيل: راق بالكسر، وإنما لم يقل بالرفع؛ لأن الياء محذوفة لعلة الالتقاء، فهي كالثابتة، فتمنع الرفع للقاف، وهكذا قل في إعلال كل اسم منقوص مجرد من «أل» والإضافة، سواء أكان ثلاثيا، أم رباعيا؟.

{وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ} أي: أيقن من بلغت روحه التراقي. ولم يتقدم له ذكر أيضا، وإنما فهم من فحوى الجملة السابقة، والمراد ب:{الْفِراقُ} فراقه الدنيا، والأهل، والمال، والولد، وذلك حين عاين الملائكة. قال الشاعر:[الوافر]

فراق ليس يشبهه فراق

قد انقطع الرّجاء عن التلاق

{وَالْتَفَّتِ السّاقُ بِالسّاقِ} أي: فاتصلت الشدة بالشدة، شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة. قاله ابن عباس، والحسن، وغيرهما. وقال الشعبي، وغيره: المعنى التفت ساقا الإنسان عند الموت من شدة الكرب. وقال قتادة: أما رأيته إذا أشرف على الموت يضرب إحدى رجليه على الأخرى.

وقال الضحاك، وابن زيد: اجتمع عليه أمران شديدان، الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه. والعرب لا تذكر الساق إلا في المحن، والشدائد العظام، ومنه قولهم: قامت الدنيا على ساق، وقامت الحرب على ساق، استعارة لشدتها. قال الشاعر:[الرجز]

صبرا أمام إنه شرّ باق

وقامت الحرب بنا على ساق

وانظر ما ذكرته في سورة (القلم) رقم [42]. وقال قوم: الكافر تعذب روحه عند خروج نفسه، فهذه الساق الأولى، ثم يكون بعدها ساق البعث، وشدائده. {إِلى رَبِّكَ:} إلى خالقك.

{يَوْمَئِذٍ} أي: يوم القيامة. {الْمَساقُ} أي: مرجع العباد إلى الله تعالى، يساقون إليه؛ ليفصل بينهم. وفي بعض التفاسير قال: يسوقه ملكه الذي كان يحفظ عليه السيئات. هذا؛ والمساق:

المصدر من: ساق، يسوق، مثل: المقال من قال، يقول، فهما مصدران ميميّان.

الإعراب: {كَلاّ:} حرف ردع، وزجر. {إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {بَلَغَتِ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل محذوف، يدل عليه المقام، كما رأيت في الشرح. {التَّراقِيَ:}

مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على المشهور المرجوح. {وَقِيلَ:}

الواو: حرف عطف. (قيل): فعل ماض مبني للمجهول. {مَنْ:} اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {راقٍ:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، والجملة الاسمية في محل رفع نائب فاعل (قيل) أفاده ابن هشام في مغنيه، وهذا يكون جاريا على القاعدة العامة:«يحذف الفاعل، ويقام المفعول به مقام الفاعل» وهذا لا غبار عليه، وقد ذكرت لك مرارا: أن بعضهم يعتبر نائب الفاعل ضميرا مستترا تقديره:

ص: 326

«هو» ، يعود إلى المصدر المفهوم من الفعل، أو هو محذوف يدل عليه المقام، التقدير: وقيل قول. وبعضهم يعتبر الجار، والمجرور:(لهم) المذكور، أو المقدر كما هنا في محل رفع نائب فاعل، والمعتمد الأول، وأيده ابن هشام في المغني، حيث قال: إن الجملة التي يراد لفظها، يحكم لها بحكم المفردات، ولهذا تقع مبتدأ، نحو:«لا حول ولا قوة إلاّ بالله كنز من كنوز الجنة» . ونحو (زعموا: مطيّة الكذب) وقول معاوية بن خليل النصري شاعر إسلامي-وهو الشاهد رقم [793] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» إعراب شواهد مغني اللبيب-. [الطويل]

وما راعني إلاّ يسير بشرطة

وعهدي به قينا يسير بكير

والجملة الفعلية: {وَقِيلَ مَنْ راقٍ} معطوفة على ما قبلها، فهي في محل جر مثلها. {وَظَنَّ:}

الواو: حرف عطف. (ظن): فعل ماض، والفاعل يعود إلى ما يفهم من المقام، أي: ظن الذي بلغت روحه التراقي. {أَنَّهُ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء في محل نصب اسمه. {الْفِراقُ:} خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعولي (ظنّ)، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل جر مثلها. (التفت): فعل ماض، والتاء للتأنيث. {السّاقُ:} فاعل. {بِالسّاقِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وتعليقهما بحال من {السّاقُ} الأولى جيد معنى، أي: حالة كون الساق ملتفة بالساق الثانية. {إِلى رَبِّكَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {يَوْمَئِذٍ:} (يوم): ظرف زمان متعلق بالخبر المحذوف، أو بمحذوف خبر ثان، أو بمحذوف حال من الضمير المستتر في الخبر المحذوف، وتعليقه بالمصدر بعده ضعيف؛ لأن المصدر لا يعمل مؤخرا، وقد يجاب بأنه يتوسع في الظرف والجار، والمجرور ما لا يتوسع في غيرهما؛ و (إذ) ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل جر بالإضافة، والتنوين عوض عن جملة محذوفة، التقدير: يوم إذ تلتف الساق بالساق.

{الْمَساقُ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية تدل، أو قائمة مقام جواب {إِذا} التقدير: إذا بلغت الروح الحلقوم تساق إلى حكم ربها، و {إِذا} ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له.

{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى (31) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطّى (33) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (34) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (35)}

الشرح: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى:} يعني أبا جهل الخبيث لم يصدق بالقرآن، ولا بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يصل لله تعالى. وقيل: يرجع هذا إلى الإنسان في أول السورة، وهو اسم جنس. والأولى التعميم لكل من لم يصدق، ولم يصل من الكافرين، والفاجرين، والفاسدين المفسدين؛ لأن خصوص السبب لا يمنع التعميم إلى يوم القيامة. وقيل: صدق من: التصدق، والمعنى: فلا تصدق بشيء يدخره عند الله. هذا؛ وكررت (لا) في الجملة الثانية؛ لأن المقرر في القواعد النحوية: أن (لا) إذا دخلت على جملة اسمية، ولم تعمل فيها، أو دخلت على فعل ماض؛ وجب

ص: 327

تكرارها. ذكر ذلك ابن هشام-رحمه الله-في المغني. وانظر الشاهد رقم [443] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» وما بعده تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. هذا؛ و (لا) هنا بمعنى: لم؛ إذ المعنى لم يصدق، ولم يصل، والعرب تقول: لا ذهب، ولا جاء، أي: لم يذهب، ولم يجئ، فحرف النفي ينفي الماضي، كما ينفي المستقبل، ومنه قول زهير في معلقته رقم [40]:[الطويل]

وكان طوى كشحا على مستكنّة

فلا هو أبداها، ولم يتقدّم

{وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلّى} أي: كذب بالقرآن، وتولى عن الإيمان. هذا؛ والتولي، والإعراض، والإدبار عن الشيء يكون بالجسم، ويستعمل في الإعراض عن الأمور المعنوية، والاعتقادات اتساعا، ومجازا. {ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطّى} أي: يتبختر، ويختال في مشيته افتخارا، وإعجابا بنفسه، من: المطا، وهو الظهر. والمعنى يلوي مطاه تبخترا في مشيته، أصله يتمطّط من تمطّط، أي: تمدد، ومن لازم التبختر ذلك، فهو يقرب من معنى الأول، ويفارقه في مادته؛ إذ مادة الأول (م ط و) ومادة الثاني (م ط ط) وإنما أبدلت الطاء الثالثة ياء كراهة اجتماع الأمثال، ثم قلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. والمطيطاء: التبختر، ومد اليدين في المشي، وفي الخبر:«إذا مشت أمّتي المطيطاء، وخدمتهم فارس، والروم كان بأسهم بينهم» والمطيط، والمطيطة: الماء الخاثر في أسفل الحوض؛ لأنه يتمطط، أي: يتمدد، والمطيطاء من المصغرات، التي لم يستعمل لها مكبر.

{أَوْلى لَكَ فَأَوْلى..} . إلخ: تهديد بعد تهديد، ووعيد بعد وعيد، أي: فهو وعيد أربعة لأربعة، كما روي: أنها نزلت في أبي جهل، الجاهل بربه، فقال تعالى:{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى (31) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلّى} أي: لا صدق رسول الله، ولا وقف بين يدي الله فصلى، ولكن كذب رسول الله، وتولى عن التصلية بين يديه تعالى، فترك التصديق خصلة، والتكذيب خصلة، وترك الصلاة خصلة، والتولي عن الله تعالى خصلة، فجاء الوعيد أربعة مقابلة لترك الخصال الأربعة.

وفي أسباب النزول للسيوطي: وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: لما نزل: {عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ} قال أبو جهل الخبيث: ثكلتكم أمهاتكم يخبركم ابن أبي كبشة: أن خزنة جهنم تسعة عشر، وأنتم الدهم، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟! فأوحى الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأتي أبا جهل، فيقول:{أَوْلى لَكَ..} . إلخ.

وأخرج النسائي عن سعيد بن جبير-رحمه الله تعالى-: أنه سأل ابن عباس-رضي الله عنهما عن قوله: {أَوْلى لَكَ فَأَوْلى} أشيء قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل نفسه، أم أمره الله به؟ قال: بل قاله من قبل نفسه، ثم أنزله الله. انتهى. ولا تنس: أن الله تعالى صرعه شر صرعة، وقتله شر قتلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«إن لكل أمة فرعونا، وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل» .

وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد ذات يوم، فاستقبله أبو جهل على باب المسجد مما يلي باب بني مخزوم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فهزه مرة، أو مرتين، ثم قال له:{أَوْلى لَكَ}

ص: 328

فَأَوْلى فقال أبو جهل الخبيث: أتهددني؟ فو الله إني لأعز أهل الوادي وأكرمه، ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال لأبي جهل. قال الشاعر:[الوافر]

فأولى ثمّ أولى ثمّ أولى

وهل للدرّ يحلب من مردّ

وقيل: معناه: الويل لك، ومنه قول الخنساء-رضي الله عنها:[المتقارب]

هممت بنفسي كلّ الهموم

فأولى لنفسي أولى لها

سأحمل نفسي على آلة

فإمّا عليها وإمّا لها

والمعنى للآية الكريمة: الويل لك حيا، والويل لك ميتا، والويل لك يوم البعث، والويل لك يوم تدخل النار. وقال الأصمعي-رحمه الله تعالى-: أولى في كلام العرب معناه: مقاربة الهلاك، كأنه يقول: قد وليت الهلاك، قد دانيت الهلاك. وأصله من الولي، وهو القرب. قال الله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ} أي: يقربون منكم، وقد استحسن ثعلب، والنحاس ما قاله الأصمعي، وأنشد الأصمعي قول الشاعر:[الوافر]

فعادى بين هاديتين منها

وأولى أن يزيد على الثّلاث

هذا؛ وانظر الشاهد رقم [694] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» وما يتعلق به.

الإعراب: {فَلا:} الفاء: حرف عطف. (لا): نافية. {صَدَّقَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى أبي جهل، أو إلى الإنسان، وهو أولى. انظر الشرح، والمتعلق محذوف. انظر تقديره في الشرح.

والجملة الفعلية معطوفة على قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ..} . إلخ. {وَلا:} الواو:

حرف عطف. (لا): نافية. {صَلّى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل تقديره:«هو» ، والمتعلق محذوف أيضا، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {وَلكِنْ:} الواو:

حرف عطف. (لكن): حرف استدراك مهمل لا عمل له. {كَذَّبَ:} فعل ماض، والفاعل:«هو» .

(تولى): فعل ماض، والفاعل:«هو» ، ومتعلق الفعلين محذوف. {ثُمَّ:} حرف عطف. {ذَهَبَ:}

فعل ماض، والفاعل تقديره:«هو» . {إِلى أَهْلِهِ:} متعلقان بما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {يَتَمَطّى:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل تقديره:«هو» ، والجملة الفعلية في محل نصب حال من فاعل {ذَهَبَ} المستتر، والرابط: الضمير فقط. {أَوْلى:} فعل ماض، أو اسم فعل ماض. قاله الأصمعي، والمبرد، معناه: قربه ما يهلكه، وفاعله مضمر يدل عليه السياق، كأنه قيل: أولى هو، وقد ارتضى هذا الرأي: ثعلب، فقال: لم يقل أحد في {أَوْلى} أحسن مما قاله الأصمعي، والأكثرون: أنه اسم، وعليه في إعرابه أوجه:

أحدها: أنه مبتدأ، خبره الجار، والمجرور، التقدير: فالهلاك لك. والثاني: خبر مبتدأ مضمر، تقديره: العقاب، أو الهلاك أولى لك. والثالث: أنه مبتدأ، و {لَكَ} متعلقان به، والخبر

ص: 329

محذوف، التقدير: أولى بك العقاب، أو الهلاك. انتهى. من سورة (محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر أبو البقاء هنا اعتباره اسما، أو اسم فعل، وذكر الجلال هنا: أنه اسم فعل بمعنى: وليك ما تكره، واللام زائدة، والكاف مفعول به، والفاعل ضمير مستتر يعود على ما تقدم. {أَوْلى:} خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: فهو أولى، أي: فهو أفعل تفضيل، فدلت الأولى على الدعاء عليه بقرب المكروه منه، ودلت الثانية على الدعاء عليه بأن يكون أقرب إليه من غيره، والكلام كله مستأنف، والآية الثانية معطوفة على ما قبلها، وإعرابها مثلها بلا فارق، وهي مفيدة للتوكيد. هذا؛ وقال القرطبي، وغيره: ولم ينصرف {أَوْلى؛} لأنه صار علما للوعيد، فصار كرجل اسمه: أحمد.

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (37)}

الشرح: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ} أي: الكافر، والفاجر، والفاسق. {أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} أي: هملا لا يؤمر، ولا ينهى، ولا يكلف في الدنيا بطاعة، وعبادة، ولا يحاسب في الآخرة، كالبهائم المرسلة. قال تعالى في سورة (المؤمنون) رقم [115]:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ} انظر شرحها هناك؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. هذا؛ و {سُدىً} مهملا، يقال: إبل سدى؛ أي: مهملة؛ أي: ترعى بلا راع، وأسديت حاجتي؛ أي: ضيعتها، ومعنى أسدى إليه معروفا: أنه جعله بمنزلة الضائع عند المسدى إليه، لا يذكره، ولا يمن به عليه، والسّدى أيضا:

ندى الليل، وبه يعيش الزرع، وأسديت إليه معروفا: اتخذته عنده. هذا؛ وسدى أصله: (سديا) بضم السين، وفتح الدال، وتحريك الياء منونة، فقلبت الياء ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، فاجتمع ساكنان: الألف، والتنوين، الذي يرسم ألفا في حالة النصب بحسب الأصل، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصار:(سدى) وإنما أتوا بياء أخرى لتدل على الياء المحذوفة الأصلية، بخلاف ما إذا لم يأتوا بها، وقالوا:(سدا) فلا يوجد ما يدل عليها. هذا؛ وقيل:

«أيحسب أن يترك سدى» أي: في قبره كذلك أبدا، لا يبعث، ولا يحاسب، ولا يجازى. ومنه قول الشاعر:[المتقارب]

فأقسم بالله جهد اليمين

ما ترك الله شيئا سدى

{أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى} أي: يصب في الرحم، ويراق. يقال: منى الرجل، وأمنى من المني، وسميت منى، (المكان قرب مكة) بهذا الاسم لما يمنى فيها من الدماء، أي: يراق.

وقيل: تمنى: تقدر. قاله أبو عبيدة، يقال: منيت الشيء: إذا قدرته، ومني له، أي: قدر له. قال أبو قلابة الهذلي: [البسيط]

ولا تقولن لشيء سوف أفعله

حتّى تلاقي ما يمني لك الماني

وقال آخر: [البسيط]

ص: 330

لا تأمننّ وإن أمسيت في حرم

حتّى تلاقي ما يمني لك الماني

أي: ما يقدر لك القادر، وفي هذا تنبيه على كمال قدرته جل شأنه؛ لأن النطفة شيء واحد، خلق الله منها أعضاء مختلفة، وطباعا متباينة، وخلق منها الذكر، والأنثى، وهذا من عجيب صنعته، وكمال قدرته. هذا؛ ولم تذكر كلمة {سُدىً} في غير هذه السورة، وانظر: إعلال {يَكُ} في سورة (المدثر) رقم [43].

الإعراب: {أَيَحْسَبُ:} الهمزة: حرف استفهام إنكاري توبيخي. (يحسب الإنسان): فعل مضارع، وفاعله. {الْإِنْسانُ:} حرف مصدري، ونصب. {يُتْرَكَ:} فعل مضارع مبني للمجهول منصوب ب: (أن)، ونائب الفاعل مستتر تقديره:«هو» ، يعود إلى الإنسان. {سُدىً:} حال من نائب الفاعل المستتر، أو هو مفعول به ثان ل:{يُتْرَكَ} فهو منصوب على الوجهين، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والثابتة دليل عليها، وليست عينها، و {الْإِنْسانُ} والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعولي (يحسب)، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {أَلَمْ:} الهمزة: حرف استفهام وتقرير. (لم): حرف نفي، وقلب، وجزم. {يَكُ:} فعل مضارع ناقص مجزوم ب: (لم) وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة للتخفيف، واسمه ضمير مستتر تقديره: هو يعود إلى الإنسان. {نُطْفَةً:} خبر {يَكُ} . {مِنْ مَنِيٍّ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة {نُطْفَةً} . {يُمْنى:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، ونائب الفاعل يعود إلى {مَنِيٍّ،} والجملة الفعلية في محل جر صفة {مَنِيٍّ،} والجملة الفعلية: {أَلَمْ يَكُ..} . إلخ قال الجمل فيها: هي استدلال على قوله سابقا: {بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ} وهو يفيد أنها تفسير لتلك الآية. هذا؛ ويقرأ: «(تمنى)» بتاء المضارعة، وعليه فنائب الفاعل يعود إلى {نُطْفَةً،} والجملة الفعلية في محل نصب صفة ثانية ل: {نُطْفَةً،} أو في محل نصب حال منها بعد وصفها بما تقدم.

{ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (39)}

الشرح: {ثُمَّ كانَ عَلَقَةً} أي: صار المني قطعة دم جامد بعد أربعين يوما من استقراره في الرحم، وفي سورة (الكهف) رقم [37] قوله تعالى:{قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً} وسواه تسوية، وعدله تعديلا بجعل الروح، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [5] من سورة (الحج)، وأيضا في سورة (المؤمنون) رقم [14] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. هذا؛ والخلق له معان: منها: الإيجاد، والإبداع، ولا موجد، ولا مبدع إلا الله تعالى.

ومنها التقدير. قال زهير بن أبي سلمى من قصيدة يمدح بها هرم بن سنان المري: [الكامل]

ولأنت تفري ما خلقت وبع

ض القوم يخلق ثمّ لا يفري

ص: 331

معناه: أنت تقدر الأمور، وتقطعها، وغيرك لا يفعل ذلك، وقد قال البيضاوي: المعنى:

فقدّره، فعدّله. {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ:} الصنفين، والضمير يعود إلى الإنسان، أو إلى المني. {الذَّكَرَ وَالْأُنْثى:} يجتمعان في الرحم تارة، وينفرد كل منهما عن الآخر تارة، وهو الغالب كما هو مشاهد، وواقع. وانظر تفصيل ذلك في سورة (الشورى) رقم [50].

هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (الذاريات) رقم [49]: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ} أي: صنفين، ونوعين مختلفين. قال ابن زيد: أي: ذكرا، وأنثى، وحلوا، وحامضا، ونحو ذلك، وقال مجاهد -رحمه الله تعالى-: الذكر، والأنثى من كل شيء، من السماء، والأرض، والشمس، والقمر، والليل، والنهار، والنور، والظلمة، والسهل، والجبل، والإنس، والجن، والخير، والشر، والبكرة، والعشي، وكالأشياء المختلفة الألوان والطعوم، والأراييح، والأصوات. أي: جعلنا هذا كدلالة على قدرتنا، ومن قدر على هذا؛ فهو أقدر على الإعادة. هذا؛ ويضاف زوجية بين الإيمان، والكفر، والجنة، والنار، والسعادة، والشقاوة، والحسن، والقبح، حتى الحيوانات، والنباتات.

هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (يس) رقم [36]: {سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمّا لا يَعْلَمُونَ} . قال محمد علي الصابوني: سبحان الله، ما أعظم قدرة الله! لقد كان السائد: أن الزوجية تكون بين الإنسان، والحيوان فقط، وجاء القرآن بالمعجزة الباهرة، المثبتة لما اكتشفه العلم الحديث منذ زمن قريب، وهي أن الزوجية بين الإنسان، والحيوان، والنبات، والذرة، وسائر الكائنات، فقد ثبت: أن الذرة، وهي أصغر أجزاء المادة، مؤلفة من زوجين مختلفين من الإشعاع الكهربائي: سالب، وموجب، يتزاوجان، فيتحدان، وأن بين النبات أعضاء مذكرة، وأعضاء مؤنثة. فسبحان العلي القدير القائل:{سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ..} . إلخ. هذا؛ وقوله تعالى في سورة (الذاريات): {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ} عمم الزوجية في الإنسان، والحيوان، والنبات، وفي كل شيء مما نعلمه، ومما لا نعلمه. فسبحان الإله العلي القدير العليم، الذي أحاط علمه بكل الألوان، وأحصى كل شيء عددا! انتهى.

الإعراب: {ثُمَّ:} حرف عطف. {كانَ:} فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره:

«هو» . {عَلَقَةً:} خبر {كانَ،} والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {فَخَلَقَ:} الفاء: حرف عطف. (خلق): فعل ماض، والفاعل يعود إلى الله، ولم يتقدم له ذكر، لكنه مفهوم من المقام.

ومفعوله محذوف، التقدير: خلقه، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {فَسَوّى:} الفاء:

حرف عطف. (سوّى): فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى (الله) أيضا، ومفعوله محذوف، التقدير: فسواه، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها أيضا.

{فَجَعَلَ:} الفاء: حرف عطف. (جعل): فعل ماض، والفاعل يعود إلى (الله) أيضا. {مِنْهُ:}

جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {الزَّوْجَيْنِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه مثنى، والنون عوض من التنوين في الاسم المفرد. {الذَّكَرَ:} بدل من الزوجين بدل

ص: 332

بعض من كل. {وَالْأُنْثى:} معطوف على ما قبله منصوب مثله، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها.

{أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (40)}

الشرح: {أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ} أي: أليس الذي قدر على خلق الإنسان من نطفة مذرة، وخلق الموجودات كلها من العدم. {عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى} أي: على أن يعيد هذه الأجسام كهيئتها بعد فنائها للحساب والجزاء، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ منكم {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فانتهى إلى آخرها {أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ} فليقل: بلى! وأنا على ذلك من الشاهدين، ومن قرأ:{لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ} فانتهى إلى {أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى} فليقل:

بلى! ومن قرأ {وَالْمُرْسَلاتِ} فبلغ: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} فليقل: آمنّا بالله». أخرجه أبو داود. وله عن موسى بن أبي عائشة قال: كان رجل يصلي فوق بيته، فكان إذا قرأ:{أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى} قال: سبحانك اللهمّ، بلى! فسألوه عن ذلك، فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {أَلَيْسَ:} الهمزة: حرف استفهام، وتقرير بالنسبة للمؤمنين، واستفهام، وتوبيخ، وتقريع بالنسبة للكافرين، والمنكرين للبعث، والجزاء. (ليس): فعل ماض ناقص. {ذلِكَ:}

(ذا): اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع اسم (ليس)، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محل له. {بِقادِرٍ:} الباء: حرف جر صلة. (قادر): خبر (ليس) منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وفاعله مستتر فيه. {عَلى:} حرف جر، والمصدر المؤول من:{أَنْ يُحْيِيَ} في محل جر ب: {عَلى،} والجار، والمجرور متعلقان ب:(قادر)، وفاعل {يُحْيِيَ} يعود إلى (الله) المفهوم من المقام.

{الْمَوْتى:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر، وجملة:{أَلَيْسَ ذلِكَ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.

انتهت سورة (القيامة) شرحا وإعرابا بفضل الله وتوفيقه.

والحمد لله رب العالمين.

ص: 333