الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«(لولديّ)» يريد ساما، وحاما. {وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ:} منزلي، أو مسجدي، أو سفينتي. {مُؤْمِناً:}
لأنه علم: أنه من دخل بيته مؤمنا، لا يعود إلى الكفر. {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ:} دعاء لجميع المؤمنين، والمؤمنات، وذلك يعم الأحياء منهم، والأموات، إن شاء الله تعالى، ولهذا يستحب مثل هذا الدعاء اقتداء بنوح عليه السلام، وبما جاء في الآثار، والأدعية المشهورة المشروعة.
وفي هذه ذكر العام بعد الخاص عكس ما رأيته في الآية رقم [23]. {وَلا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَباراً} أي: هلاكا، ودمارا. قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [139] حكاية عن موسى لبني إسرائيل الذين طلبوا منه إلها غير الله:{إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ} وتبر يتبر من بابي قتل وتعب إذا هلك، يتعدى بالتضعيف، فيقال: تبره، والاسم: التبار، قال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [7]:
{وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً} .
فهلكوا جميعا. وقيل: غرق معهم صبيانهم، لكن لا على وجه العقاب لهم، بل لتشديد عذاب آبائهم، وأمهاتهم بإرادة هلاك أطفالهم، الذين كانوا أعز عليهم من أنفسهم، قال عليه الصلاة والسلام:«يهلكون مهلكا واحدا، ويصدرون مصادر شتّى» . وعن الحسن: أنه سئل عن ذلك، فقال: علم الله براءتهم، فأهلكهم بغير عذاب. وقيل: أعقم الله أرحام نسائهم، وأيبس الله أصلاب الآباء قبل الطوفان، فلم يكن معهم صبي حين غرقوا، كما رأيته سابقا، والله أعلم.
الإعراب: {رَبِّ:} منادى حذف منه أداة النداء منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم
…
إلخ، وانظر إعراب:{يا قَوْمِ} في الآية رقم [2]. {اِغْفِرْ:} فعل دعاء، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {لِي:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. (لوالدي): جار ومجرور معطوفان على ما قبلهما، وعلامة الجر الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنى، وحذفت النون للإضافة، وياء المتكلم في محل جر بالإضافة. {وَلِمَنْ:} الواو: حرف عطف. (لمن): جار ومجرور معطوفان على ما قبلهما. {دَخَلَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (من) وهو العائد، والجملة الفعلية صلة (من) لا محل لها. {بَيْتِيَ:} ظرف مكان متعلق بما قبله، فهو منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء في محل جر بالإضافة. {مُؤْمِناً:} حال من فاعل {دَخَلَ} . {وَلِلْمُؤْمِنِينَ:} الواو: حرف عطف. (للمؤمنين):
جار ومجرور معطوفان على ما قبلهما. {وَالْمُؤْمِناتِ:} معطوف على ما قبله. {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): دعائية. {تَزِدِ:} فعل مضارع مجزوم ب: (لا)، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» .
{الظّالِمِينَ:} مفعول به أول. {إِلاّ:} حرف حصر. {تَباراً:} مفعول به ثان، والآية بكاملها في محل نصب مقول القول؛ لأنها من قول نوح على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.
خاتمة:
جاء في قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار ما يلي: ذكر الكتاب الكريم: أن نوحا عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وذكرت التوراة: أن آدم عمّر ثلاثين
وتسعمائة سنة، وذكرت أيضا: أن الطوفان ابتدأ في السنة الأولى بعد ستمئة سنة من ولادة نوح عليه السلام، وذكرت كثيرا من الأنبياء، وغيرهم، وأنهم عمروا عمرا طويلا، ونحن لا نجد معمرا يعمر مثل هذا العمر، أو نصفه، أو ربعه من زمن طويل، وهؤلاء الفراعنة في مصر نجد أجسامهم كأجسام أهل هذه الأيام، وأعمارهم لا تختلف عن أعمارنا، وقد مر لهم أربعون قرنا، أو أكثر، فكيف يكون ذلك؟.
والذي أراه: أنه لا مانع من أن يعمر آدم، ومن قرب منه أعمارا طويلة؛ لأن النوع الإنساني كان في بدء نشأته لم يحمل هموما، ولم تعتوره الأمراض المختلفة، ولم تنهك قوته الأطعمة، التي لا يقدر على هضمها، فكان من المعقول أن يعيش طويلا، وأما نحن، وأمثالنا ممن كانوا قبل أربعين قرنا، فقد جئنا بعد أن أنهكت النوع الإنساني الأمراض، وطحنته الأدواء، فالواحد منا عصارة لآلاف الأمراض، التي انتابت آباءه، وأمهاته، فلم تعد قوانا تتحمل العمر الطويل.
وعند العلماء بالطب، والأحوال الاجتماعية: أن الإنسان قواه محدودة، والحياة العريضة تستنفذها بسرعة بخلاف الحياة الضيقة، فإنها تكون طويلة لقلة ما يستنفذ من قوى الأجسام بتلك الحياة، فنحن الآن لا نعيش عيشة البساطة، التي كان يعيشها آدم، ومن قرب منه، بل نتفنن في أنواع الطعام، ولذائذ المعيشة بما ينهك قوانا، فلا غرابة أن تكون أعمارنا قصيرة، وقد اجتمعت عليها الأمراض المتوارثة، والتبسط في العيش. ويقول بعض الأطباء الألمان: إن إنسان هذا الزمان يمكن أن يعيش ثلاثمائة سنة إذا اتبع نظاما خاصا.
وهناك رأي آخر، وهو أن الأقوام الأولين كانوا يعدون كل شهر عاما، فإذا قالوا ألفا ومئتي سنة، فإنما يعنون مئة عام من أعوامنا، وقد أشار إلى ذلك المعري بقوله:[الخفيف]
ورووا للمعمّرين أمورا
…
لست أدري ما هنّ في المشهور؟
أتراهم فيما تقضّى من الأيا
…
م عدّوا سنيهم بالشهور
كلما لاح للعيون هلال
…
كان عاما لديهم في الدّهور
هكذا ينبغي وإلاّ فإنّ ال
…
عقل ينثني في حالة المبهور
ولكني متمسك برأيي، وهو الأول، وإن كان بعض الأطباء يرى الإصابة بالأمراض تورث نسلهم مناعة. انتهى بحروفه.
أقول وبالله التوفيق: كل ما ذكره مردود عليه، أولا ما قاله المعري باطل لا أساس له بشيء من الصحة، فما يقول المعري وغيره في قوله تعالى في حق أصحاب الكهف في سورة (الكهف) رقم [25]:{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً} لا تحتمل الآية الكريمة ما ادعاه المعري، وكذلك قوله تعالى الصريح:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً} والسنة، والعام،
والحول ألفاظ مترادفة في اللغة العربية. وماذا يقول النجار، والمعري في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«خلق الله آدم وطوله ستّون ذراعا» .
ثم تناقصت الأعمار، والطول؛ حتى وصلنا إلى ما نراه فينا اليوم من قصر الأجسام، وقلة الأعمار، وقصرها. ثم ما ذكره عن التوراة هل يجوز لمسلم أن يحتج وأن يستشهد بالكتب التي ذكر الله أنها محرفة ومزيفة، ثم قال: وهؤلاء الفراعنة في مصر
…
إلخ، وهذا غير صحيح قطعا، فقد ثبت: أن فرعون موسى عاش أربعمئة سنة لم يشك فيها جوعا، ولا ألما في جمسه، ولو شكا شيئا لما ادعى الألوهية. وما قاله بعض الأطباء الألمان مضروب به عرض الحائط.
ثم ما احتج به هو من أن تنوع الأغذية، والهموم الكثيرة هي التي أضعفت أجسام إنسان اليوم، وغاب عنه ما ذكر في الأحاديث من تقاصر الأعمار، وتصاغر الأجسام، فهل يوجد في هذه الأيام إنسان طوله كطول آدم، أو أحد بنيه، لماذا لم يذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«يا ربّ جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا، وأقلّها أعمالا» . ولماذا لم يذكر قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [34]: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ،} ومثلها في سورة (يونس) رقم [49] وفي سورة (النحل) رقم [61].
ولماذا لم يذكر النجار حياة البساطة التي كان يحياها الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وهل عمّر أحد منهم أكثر من تسعين سنة إلا في النادر القليل جدا؛ لذا فالقول الحق: أن الله قدر الأعمار، والآجال، والأرزاق، وهو الخبير العليم الحكيم بما قدر، وقضى. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
انتهت سورة (نوح) بعون الله وتوفيقه شرحا وإعرابا.
والحمد لله رب العالمين.