المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة عبس بسم الله الرحمن الرحيم سورة (عبس) وتسمى سورة السفرة، وسورة - تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة - جـ ١٠

[محمد علي طه الدرة]

فهرس الكتاب

- ‌سورة التّحريم

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الملك

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القلم

- ‌فائدة:

- ‌سورة الحاقّة

- ‌خاتمة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الجنّ

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة المزّمّل

- ‌سورة المدّثر

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الإنسان

- ‌فائدة:

- ‌سورة المرسلات

- ‌سورة النّبإ

- ‌سورة النّازعات

- ‌فائدة:

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التّكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطفّفين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البروج

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌سورة الطّارق

- ‌تنبيه: بل خاتمة:

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌فائدة:

- ‌سورة البلد

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الشمس

- ‌تنبيه، وخاتمة:

- ‌سورة الليل

- ‌تنبيه بل فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الضّحى

- ‌سورة الشرح

- ‌سورة التّين

- ‌فائدة:

- ‌سورة العلق

- ‌الشرح

- ‌خاتمة:

- ‌سورة القدر

- ‌سورة البيّنة

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة:

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة الكافرون

- ‌فائدة:

- ‌سورة النّصر

- ‌سورة المسد

- ‌‌‌فائدةبل طرفة:

- ‌فائدة

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة النّاس

- ‌خاتمة

- ‌ترجمة موجزة للشيخ المفسر النحويمحمد علي طه الدرة رحمه الله تعالى1340 -1428 هـ-1923 - 2007 م

- ‌حليته وشمائله:

- ‌مؤلفات الشيخ المطبوعة والمخطوطة:

الفصل: ‌ ‌سورة عبس بسم الله الرحمن الرحيم سورة (عبس) وتسمى سورة السفرة، وسورة

‌سورة عبس

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة (عبس) وتسمى سورة السفرة، وسورة الأعمى مكية في قول الجميع، وهي إحدى وأربعون آية، ومئة وثلاثون كلمة، وخمسمئة وثلاثة وثلاثون حرفا. انتهى خازن.

بسم الله الرحمن الرحيم

{عَبَسَ وَتَوَلّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4)}

الشرح: {عَبَسَ وَتَوَلّى:} كلح بوجهه، وقطب، وأعرض عنه. وانظر «التولي» في سورة (القيامة) رقم [32]. {أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى:} هو ابن أم مكتوم، واسمه عبد الله. وقيل: عمرو بن شريح بن مالك بن ربيعة القرشي الفهري من بني عامر بن لؤي، وأم مكتوم أم أبيه، واسمها:

عاتكة بنت عامر المخزومي، وهو ابن خالة خديجة بنت خويلد-رضي الله عنها-أسلم قديما بمكة، وذلك: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يحدث صناديد قريش: عتبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأبي بن خلف، وأخاه أمية، والوليد بن المغيرة، يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم أولئك الأشراف الذين كان يخاطبهم، فيتقوى بهم الإسلام، ويسلم بإسلامهم أتباعهم، فتعلو كلمة الله.

فقال: يا رسول الله! أقرئني، وعلمني مما علمك الله! وكرر ذلك، وهو لا يعلم تشاغل النبي صلى الله عليه وسلم بالقوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه، وعبس، وأعرض عنه، وأقبل على القوم الذين يكلمهم. وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد إنما اتبعه الصبيان، والعبيد، والسفلة، والعميان. فأنزل الله هذه الآيات معاتبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه إذا رآه، ويقول:«مرحبا بمن عاتبني فيه ربي!» . ويقول له: «هل لك من حاجة؟» . واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين، وكان من المهاجرين الأولين. وقيل: قتل شهيدا بالقادسية. قال أنس بن مالك-رضي الله عنه: فرأيته يوم القادسية راكبا، وعليه درع، ومعه راية سوداء.

قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: نظير هذه الآية في العتاب قوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [52]: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ،} وكذلك قوله في سورة

ص: 445

(الكهف) رقم [28]: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا}

قال العلماء: ما فعله ابن أم مكتوم كان من سوء الأدب لو كان عالما: أن النبي صلى الله عليه وسلم مشغول بغيره، وأنه يرجو إسلامهم، ولكن الله تعالى عاتبه؛ حتى لا تنكسر قلوب أهل الصفة، أو ليعلم:

أن المؤمن الفقير خير من الغني، وكان النظر إلى المؤمن أولى، وإن كان فقيرا أصلح وأولى من الأمر الآخر، وهو الإقبال على الأغنياء طمعا في إيمانهم، وإن كان ذلك أيضا نوعا من المصلحة.

وقال ابن زيد-رحمه الله تعالى-: إنما عبس النبي صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم، وأعرض عنه؛ لأنه أشار إلى الذي كان يقوده أن يكفه، فدفعه ابن أم مكتوم وأبى إلا أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعلمه، فكان في هذا نوع جفاء منه، ومع هذا أنزل الله في حقه على نبيه صلى الله عليه وسلم:{عَبَسَ وَتَوَلّى} بلفظ الإخبار عن الغائب تعظيما له، ولم يقل: عبست، وتوليت، ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب تأنيسا له، فقال:{وَما يُدْرِيكَ} أي: وما يعلمك يا محمد، ويخبرك لعل هذا الأعمى الذي عبست في وجهه يتطهر من ذنوبه بما يتلقاه عنك من العلم، والمعرفة. {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى} أي: أو يتعظ بما يسمع، فتنفعه موعظتك. هذا؛ وابن أم مكتوم كان مؤمنا قديما، فهو مطهر من الشرك، وإنما المراد تطهيره من الذنوب، والسيئات.

هذا؛ وقد استدل بهذه الآيات من يرى صدور الذنب من الأنبياء؛ إذ قالوا: لمّا عاتبه الله في ذلك الفعل؛ دل على أن ذلك الفعل كان معصية. وهذا بعيد؛ فإنا قد بينا: أن ذلك كان هو الواجب المتعين إلا بحسب هذا الاعتبار الواحد، وهو أنه يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء، وذلك غير لائق بصلابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا كان كذلك؛ كان ذلك جاريا مجرى ترك الاحتياط، وترك الأفضل، فلم يكن ذلك ذنبا ألبتة. انتهى. الفخر الرازي. وقال ابن حزم: وأما قوله: {عَبَسَ وَتَوَلّى} الآيات، فإنه كان صلى الله عليه وسلم قد جلس إليه بعض عظماء قريش، ورجا إسلامهم، وعلم: أنه لو أسلم؛ لأسلم بإسلامه ناس كثيرون، وظهر الدين، وعلم: أن هذا الأعمى الذي يسأله عن أشياء من أمور الدين لا يفوته، وهو حاضر معه، فاشتغل عنه النبي صلى الله عليه وسلم بما خاف فوته من عظيم الخير، مما لا يخاف فوته، وهذا غاية النظر في الدين، والاجتهاد في نصرة القرآن في ظاهر الأمر، ونهاية التقريب إلى الله؛ الذي لو فعله اليوم منا فاعل؛ لأجر، فعاتبه الله تعالى؛ إذ كان الأولى عند الله أن يقبل على ذلك الأعمى الفاضل البر التقي، ويترك أولئك المعاندين. انتهى. النبوة والأنبياء للصابوني. هذا؛ وانظر ما ذكرته في الآية رقم [43] من سورة (التوبة). ففيها بحث جيد.

الإعراب: {عَبَسَ:} فعل ماض، والفاعل محذوف يدل عليه المقام، وسياق الكلام؛ إذ المراد به سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم، والجملة الفعلية ابتدائية لا محل لها من الإعراب.

ص: 446

{وَتَوَلّى:} الواو: حرف عطف. (تولى): فعل ماض، والفاعل كذلك محذوف، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب. {جاءَهُ:} فعل ماض. {الْأَعْمى:} فاعله مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والهاء مفعول به، و {أَنْ} والفعل (جاء) في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به، أو هو في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: عبس، وتولى لمجيء الأعمى وهو الأولى. {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يُدْرِيكَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى (ما)، تقديره:«هو» ، والكاف مفعول به أول. {لَعَلَّهُ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمه. {يَزَّكّى:} أصله: يتزكى، فقلبت التاء زايا، ثم أدغمت بالزاي، فهو مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى {الْأَعْمى،} والجملة الفعلية في محل رفع خبر (لعلّ)، والجملة الاسمية في محل نصب سدت مسد مفعول {يُدْرِيكَ} الثاني. وقيل: في محل نصب مفعوليه: الثاني، والثالث، وهذا على اعتبار الفعل تعدى إلى ثلاثة مفاعيل بهمزة التعدية. وقيل: المفعول الثاني محذوف، التقدير: وما يدريك أمره، وعاقبة حاله، ويطلعك عليه، وقوله:{لَعَلَّهُ يَزَّكّى} جملة مستأنفة، لا محل لها. والمعتمد ما ذكرته أولا. {أَوْ:} حرف عطف. {يَذَّكَّرُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {الْأَعْمى} أيضا، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{يَزَّكّى} . {فَتَنْفَعَهُ:}

الفاء: للسببية. (تنفعه): فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد الفاء، والهاء مفعول به.

{الذِّكْرى:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الفعل السابق، التقدير: لعل تزكية وتذكرة نافعة له. هذا؛ ويقرأ برفع الفعل (تنفع)، وعليه فالجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها.

{أَمّا مَنِ اِسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلاّ يَزَّكّى (7) وَأَمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّى (10)}

الشرح: {أَمّا مَنِ اسْتَغْنى} أي: كان ذا ثروة، وغنى، فاستغنى عن الإيمان، وعمّا عندك من العلوم، والمعارف؛ التي ينطوي عليها القرآن. {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّى} أي: تتعرض له، وتقبل عليه، وتصغي لكلامه. قال الراعي النميري:[الطويل]

تصدّى لوضّاح كأنّ جبينه

سراج الدّجى يحني إليه الأساور

الأساور-جمع: الإسوار بكسر الهمزة، وضمها-: قائد الفرس. وقيل: هو الجيد الرمي بالسهام. وقيل: هو الجيد الثبات على ظهر الفرس، والجمع: أساورة، وأساور.

ص: 447

{وَما عَلَيْكَ أَلاّ يَزَّكّى} أي: لا يؤمن، ولا يهتدي، وإنما عليك البلاغ، {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ} والمعنى لا حرج عليك أن لا يتطهر من دنس الكفر، والفجور، والعصيان، ولست بمطالب بهدايته. قال الآلوسي-رحمه الله: وفيه مزيد تنفير له صلى الله عليه وسلم عن مصاحبتهم، فإن الإقبال على المدبر مخل بالمروءة كما قال الشاعر:[البسيط]

والله لو كرهت كفّي مصاحبتي

يوما لقلت لها عن صحبتي بيني

{وَأَمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى:} يسرع في طلب الخير، والعلم، ويريد الهداية، والمزيد منها. {وَهُوَ يَخْشى:} يخاف الله، ويتقيه، ويعمل صالحا. {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّى} أي: تعرض عنه بوجهك، وتتشاغل عنه بغيره. هذا؛ والتلهي من اللهو، وهو اللعب. قال الحارث بن حلزة في معلقته رقم [15]:

في وصف ناقته التي يقطع بها الصحاري، والقفار:[الخفيف]

أتلهّى بها الهواجر إذ ك

لّ ابن همّ بليّة عمياء

وهذا المعنى غير مراد بالآية قطعا؛ لأنه لا يليق بمقام النبوة. هذا؛ وأصل تلهى: تتلهى، فحذفت منه إحدى التاءين تخفيفا، ومثله:{تَصَدّى} أصله: تتصدى، وهذا الحذف كثير في العربية شعرا، ونثرا.

قال ابن كثير: ومن هاهنا أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ألاّ يخصّ بالإنذار أحدا، بل يساوي فيه بين الشريف، والضعيف، والفقير، والغني، والسادة، والعبيد، والرجال، والنساء، والصغار، والكبار، ثم الله يهدي به من يشاء إلى صراط مستقيم، وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة.

انتهى. ورحم الله الإمام مالكا؛ إذ قال للمنصور: إن هذا العلم لا ينتفع به الخاصة؛ إذا حرمه العامة. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {أَمّا:} أداة شرط، وتوكيد، وتفصيل، انظر الآية رقم [37] من سورة (النازعات). {مَنِ:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {اِسْتَغْنى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى {مَنِ} وهو العائد، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {فَأَنْتَ:} الفاء: واقعة في جواب {أَمّا} . (أنت): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {لَهُ:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما.

{تَصَدّى:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» ، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: (أنت

) إلخ في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو {مَنِ،} والجملة الاسمية هذه مستأنفة، لا محل لها.

{وَما:} الواو: واو الحال. (ما): نافية. {عَلَيْكَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {أَلاّ:} (أن): حرف مصدري، ونصب. (لا): نافية. {يَزَّكّى:} فعل مضارع منصوب ب: (أن)، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى {مَنِ} أيضا، و (أن)

ص: 448

والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر، التقدير: عدم تزكيته ما كائن، أو ما حرج، ولا مؤاخذة عليك بسببها، والجملة الاسمية في محل نصب حال من فاعل {تَصَدّى،} والرابط: الواو، والضمير. هذا؛ وأجيز اعتبار (ما) استفهامية مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ، واعتبار الجار، والمجرور متعلقين بمحذوف في محل رفع خبره، واعتبار المصدر في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: أي شيء عليك في كونه لا يفلح، ولا يتطهر من دنس الكفر؟! وهذا يعني: أن الجار، والمجرور متعلقان ب:(ما) الاستفهامية لما فيها من معنى الفعل، أو هما متعلقان بالخبر المحذوف، وعلى هذا الوجه من الاعتبار لا تكون الجملة في محل نصب حال، بل هي مستأنفة؛ لأن الحال لا تكون جملة إنشائية، والاستفهام إنشاء. ومثل هذه الآية في وجهي الإعراب قول الشاعر-وهو الشاهد رقم [73]: من كتابنا: «فتح رب البرية» والشاهد رقم [813]: من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [البسيط]

وما نبالي إذا ما كنت جارتنا

ألاّ يجاورنا إلاّك ديّار

{وَأَمّا مَنْ جاءَكَ:} هو مثل الآية رقم [5]. {يَسْعى:} فعل مضارع مرفوع، والفاعل يعود إلى (من)، والجملة الفعلية في محل نصب حال من فاعل {جاءَكَ،} والرابط: الضمير فقط.

{وَهُوَ:} الواو: واو الحال. (هو): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، وجملة:

{يَخْشى} في محل رفع خبره، والجملة الاسمية في محل نصب حال من فاعل {يَسْعى} فهي حال متداخلة، أو من فاعل {جاءَكَ} فهي حال متكررة، والرابط: الواو، والضمير. {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّى:}

مثل: {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّى} محلا وإعرابا. والله الموفق، والمعين.

{كَلاّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (16)}

الشرح: {كَلاّ:} ردع؛ أي: لا تعد إلى مثل ذلك يا محمد! وانظر الآية رقم [16]: من سورة (المدثر). {إِنَّها} أي: الآيات، أو السورة، أو القرآن كله. {تَذْكِرَةٌ:} موعظة، وتذكير، وتبصرة لمن يتعظ، ويتذكر. {فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ} أي: اتعظ، وتذكر بالقرآن. قال الجرجاني:{إِنَّها} أي: القرآن، والقرآن مذكر؛ إلا أنه لما جعل القرآن تذكرة؛ أخرجه على لفظ التذكرة، ولو ذكّره لجاز، كما قال في موضع آخر:{كَلاّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} سورة (المدثر) رقم [54]. انظرها هناك فالكلام عليها جيد. قال المفسرون: كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا العتاب لا يعبس في وجه فقير قط، ولا يتصدى لغني أبدا، وكان الفقراء في مجلسه أمراء، وكان إذا دخل ابن أم مكتوم؛ يبسط له رداءه، ويقول:«مرحبا بمن عاتبني فيه ربي» . ثم بعد هذا البيان أخبر عن جلالة قدر القرآن، فقال:{فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} أي: هو في صحف مكرمة عند الله. وقيل: مكرمة؛ لأنها نزل بها كرام

ص: 449

الملائكة: جبريل، وميكائيل، وغيرهما. {مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ:} رفيعة القدر عند الله، ومكانتها عالية، منزهة عن أيدي الشياطين، وعن كل دنس ونقص. {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} أي: بأيدي ملائكة كرام، جعلهم الله سفراء بينه، وبين رسله الذين اصطفاهم للتبليغ، فهم بررة، لم يتدنسوا بمعصية قط.

و {بَرَرَةٍ} جمع: بار، مثله: كافر، وكفرة، وساحر، وسحرة. وفاجر، وفجرة. يقال: بر، وبار:

إذا كان أهلا للصدق، ومنه بر فلان في يمينه؛ أي: صدق، وفلان يبر خالقه، ويتبرره؛ أي:

يطيعه. فمعنى بررة مطيعين لله، صادقين لله في أعمالهم. هذا؛ وفي الصحاح: وجمع البر:

الأبرار، وجمع البار: البررة، انتهى. قال تعالى في سورة (الدهر) رقم [5]:{إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ..} . إلخ. وفي سورة (الانفطار) و (المطففين){إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ} .

وروى أبو صالح عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: {سَفَرَةٍ:} كتبة، وهم الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد في الأسفار؛ التي هي الكتب، واحدهم: سافر، والكتاب: هو السفر، وجمعه: أسفار. قال تعالى في سورة (الجمعة) رقم [5] في حق علماء اليهود اللؤماء:

{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً} .

قال الزجاج: وإنما قيل للكتاب: سفر (بكسر السين) وللكاتب: سافر؛ لأن معناه: أنه يبين الشيء ويوضحه، يقال: أسفر الصبح: إذا أضاء، وسفرت المرأة: إذا كشفت النقاب عن وجهها. قال: ومنه: سفرت بين القوم، أسفر سفارة: أصلحت بينهم. وقاله الفراء، وأنشد قول القائل:[الوافر]

فما أدع السّفارة بين قومي

ولا أمشي بغشّ إن مشيت

والسفير: الرسول، والمصلح بين القوم. والجمع: سفراء، مثل: فقيه، وفقهاء. هذا؛ واليد تستعمل في الأصل للجارحة، وتطلق ويراد بها: القوة، والقدرة. قال تعالى في سورة (الذاريات):{وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ} وخذ قول عروة بن حزام العذري-وهو الشاهد رقم [116] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [الطويل]

وحمّلت زفرات الضّحى فأطقتها

ومالي بزفرات العشيّ يدان

قال تعالى في سورة (يس) رقم [71]: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ} كما تطلق على النعمة، والمعروف، يقال: لفلان يد عندي. أي: نعمة، ومعروف، وإحسان. وتطلق على الحيلة والتدبير، يقال: لا يد لي في هذا الأمر؛ أي: لا حيلة لي فيه، ولا تدبير. وينبغي أن تعلم: أن (الأيد) في آية (الذاريات) مفرد، وليس بجمع، ومثلها قوله تعالى في سورة (ص) رقم [17]:{وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ} . وينبغي أن تعلم: أن تفسير اليد بالقوة في سورة (الذاريات) وغيرها، إنما هو قول الخلف، وأما السلف؛ فإنهم يقولون: لله يد لا نعلمها.

أو يقولون: له يد تليق به. ومذهب الخلف مذهب التأويل، ومذهب السلف مذهب التفويض.

ص: 450

الإعراب: {كَلاّ:} حرف ردع، وزجر. {إِنَّها:} (إنّ): حرف مشبه بالفعل، و (ها): اسمها.

{تَذْكِرَةٌ:} خبر (إنّ)، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {فَمَنْ:} الفاء: حرف استئناف، وتفريع، أو هي الفصيحة. (من): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

{شاءَ:} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والفاعل يعود إلى (من)، تقديره:«هو» . {ذَكَرَهُ:} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم جواب الشرط، والفاعل يعود إلى (من) أيضا، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب:«إذا» الفجائية، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه، فقيل: جملة الشرط. وقيل: جملة الجواب. وقيل: الجملتان، وهو المرجح لدى المعاصرين. هذا؛ وإن اعتبرت (من) اسما موصولا؛ فهو مبتدأ، والجملة بعده صلته، وجملة:{ذَكَرَهُ} في محل رفع خبره، والجملة الاسمية لا محل لها على الوجهين المعتبرين في الفاء؛ لأنها معترضة بين ما قبلها، وما بعدها.

{فِي صُحُفٍ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة {تَذْكِرَةٌ،} أو في محل نصب حال من الهاء، أو هما متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو، أو هي، وتعود الجملة الاسمية لتكون صفة {تَذْكِرَةٌ،} أو في محل نصب حال من الهاء. وقال الجلال: خبر ثان؛ لأنها، وما قبلها اعتراض. {مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ:} صفات {صُحُفٍ} . {بِأَيْدِي:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة رابعة ل: {صُحُفٍ،} أو في محل نصب حال منها بعد وصفها بما تقدم. هذا؛ وتعليق أبي البقاء الجار، والمجرور بما تعلق به {فِي صُحُفٍ} لا وجه له ألبتة؛ لأن المعنى لا يؤيده. و (أيدي) مضاف، و {سَفَرَةٍ} مضاف إليه، وهو صفة لموصوف محذوف، التقدير:(بأيدي ملائكة سفرة). {كِرامٍ بَرَرَةٍ:} صفتان ل: «ملائكة» المقدر.

{قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلاّ لَمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (23)}

الشرح: {قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ} أي: لعن الإنسان الكافر، وطرد من رحمة الله ما أشد كفره بالله مع كثرة إحسانه إليه، وأياديه عنده! قال الآلوسي-رحمه الله تعالى-: والآية دعاء عليه بأشنع الدعوات، وأفظعها، وتعجيب من إفراطه في الكفر، والعصيان، وهذا في غاية الإيجاز، والبيان. وأصل {قُتِلَ} الدعاء بالقتل، والهلاك، ثم جرى مجرى: لعن، وقبح. وهو مع اختصاره يدل على سخط عظيم، وذم بليغ.

هذا؛ وروى الضحاك عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: نزلت الآيات في عتيبة بن أبي لهب، وكان من قصته: أنه كان قد خطب أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدخل بها، وكان نكاح

ص: 451

المشرك للمسلمة غير ممنوع في صدر الإسلام، ثم حرمه الله تعالى بقوله:{وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا} الآية رقم [220]: من سورة (البقرة)، وبقوله تعالى في صلح الحديبية:{فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} الآية رقم [10]: من سورة (الممتحنة)، فلمّا نزلت سورة:(المسد)، قال عتيبة لعنه الله، وقد أراد الذهاب إلى الشام: لآتين محمدا، فلأوذينه في ربه، فأتاه، فقال: يا محمد! هو كافر بالنجم. وفي رواية: برب النجم إذا هوى، وبالذي دنا، فتدلى، ثم بصق في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ورد عليه ابنته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«اللهم ابعث عليه كلبا من كلابك» . وكان أبو طالب حاضرا، فوجم لها أبو طالب. وقال:«ما أغناك يا بن أخي عن هذه الدعوة؟» فرجع عتيبة إلى أبيه، فأخبره بذلك، ثم خرج إلى الشام في جماعة، فنزلوا منزلا، فأشرف عليهم راهب من دير، فقال لهم: إن هذه الأرض مسبعة، فقال أبو لهب لأصحابه: إنكم قد عرفتم نسبي، وحقي، فقالوا: أجل يا أبا لهب! فقال: أعينونا يا معشر قريش هذه الليلة، فإني أخاف على ابني دعوة محمد، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة، ثم افرشوا لابني عليه، ثم افرشوا لكم حوله، ففعلوا، ثم جمعوا جمالهم، وأناخوها، وأحدقوا بعتيبة، فجاء الأسد يتشمم وجوههم حتى ضرب عتيبة، فقتله، وفي رواية فضخ رأسه، فقال وهو بآخر رمق: ألم أقل لكم: إن محمدا أصدق الناس لهجة! ومات؟ فقال أبوه: قد عرفت والله ما كان يتفلت من دعوة محمد صلى الله عليه وسلم. انتهى. زيني دحلان.

{مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} أي: من أي شيء خلق الله هذا الكافر، فهو يتكبر، ويتعاظم بنفسه؟! وهو استفهام معناه التقرير، والتحقير لأصله. ثم بين الله ذلك بقوله:{مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} يعني: خلقه أطوارا، نطفة، ثم علقة، ثم مضغة إلى آخر خلقه. وقيل:(قدره) يعني: خلق رأسه، وعينيه، ويديه، ورجليه على قدر ما أراده، وحسنا، ودميما، وقصيرا، وطويلا، وشقيا، وسعيدا، وسواه إنسانا كاملا، كما قال تعالى في سورة (الكهف) حكاية عن قول الصاحب المؤمن لقول صاحبه الكافر الجاحد نعمة الله عليه:{أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً} رقم [37]: من سورة (الكهف). قال الأحنف بن قيس-رحمه الله تعالى-: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر؟! وينسب هذا القول إلى الحسن البصري أيضا.

ونظر المطرف بن عبد الله إلى المهلب بن أبي صفرة، وعليه حلة يسحبها، ويمشي الخيلاء؛ فقال له: يا أبا عبد الله! ما هذه المشية التي يبغضها الله، ورسوله؟! فقال له: أما تعرف من أنا؟ قال له: بلى أعرفك، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وحشوك فيما بين ذلك بول وعذرة.

{ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما: يسره للخروج من بطن أمه. هذا؛ وثبت: أن رأس المولود في بطن أمه من فوق، ورجليه من تحت. فهو في بطن أمه على الانتصاب فإذا جاء وقت خروجه؛ انقلب بإلهام من الله تعالى. انتهى. الفخر الرازي. وقال

ص: 452

مجاهد: يسره لطريق الخير، أو الشر؛ أي: بين له ذلك، كما قال تعالى في سورة (الدهر) رقم [3]:{إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً} .

وقاله الحسن، وعطاء، وابن عباس في رواية أبي صالح عنه. وقال أبو بكر بن طاهر: يسر على كل أحد ما خلقه له، وقدره عليه، ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم:«اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له» .

{ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ} أي: جعل له قبرا يوارى فيه إكراما له، ولم يجعله ممّا يلقى على وجه الأرض، تأكله الطير، والوحوش، والبهائم، ولذلك لما قتل قابيل أخاه هابيل، فلم يدر كيف يواري جثته؟ حمله على عاتقه؛ حتى أنتن، فبعث الله إليه غرابين، فاقتتلا؛ حتى قتل أحدهما الآخر، ثم حفر القاتل حفرة بمنقارة، ورجليه، ثم ألقاه فيها، وواراه التراب، وقابيل ينظر، فلما رأى ذلك من فعل الغراب؛ فعل بأخيه هابيل مثل ذلك، فواراه التراب، وذلك سنة متبعة في بني آدم إلى يوم القيامة. هذا؛ و (أقبره) جعل له قبرا، وأمر أن يقبر. وقال (أقبره): ولم يقل: قبره؛ لأن القابر هو الدافن بيده. قال الأعشى: [السريع]

لو أسندت ميتا إلى نحرها

عاش ولم ينقل إلى قابر

يقال: قبرت الميت: إذا دفنته، وأقبره الله؛ أي: صيره بحيث يقبر، وجعل له قبرا. تقول العرب: بترت ذنب البعير، وأبتره الله، وعضبت قرن الثور، وأعضبه الله، وطردت فلانا، والله أطرده؛ أي: صيره طريدا. وانظر سورة (التكاثر).

{ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ} أي: أحياه بعد موته، وبعثه للحساب، والجزاء. هذا؛ ويقرأ:«(شاء نشره)» بغير همزة لغتان فصيحتان بمعنى، يقال: أنشر الله الميت، ونشره. قال الأعشى:[السريع]

حتى يقول النّاس ممّا رأوا

يا عجبا للميّت النّاشر

هذا؛ والتعبير بقوله تعالى: {إِذا شاءَ} إشعار بأن وقت المشيئة غير معلوم، وأما سائر الأحوال المذكورة قبل ذلك، فإنها تعلم أوقاتها من بعض الوجوه، فلم تفوض إلى مشيئته تعالى.

{كَلاّ لَمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ} أي: ليرتدع، وينزجر الكافر عن تكبره، وتجبره، فإنه لم يؤد ما فرض عليه، ولم يفعل ما كلفه به ربه من الإيمان، والطاعة. وكان ابن عباس-رضي الله عنهما يقول: لم يف بالميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم. فهو يعني ما ذكر في سورة (الأعراف) رقم [171]: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ..} . إلخ.

هذا؛ و «أمر» يتعدى لمفعولين، تارة بنفسه، كما في قولك: أمرتك الخير، وتارة يتعدى للثاني بحرف الجر، كما في قولك: أمرتك بالخير، ومثله: استغفر، واختار، وكنى، وسمى، ودعا، وصدّق، وزوّج، وكال، ووزن، انظر سورة (المطففين) رقم [3] وأيضا نصح، وشكر.

فمثال «استغفر» ، وقد نصب مفعولين صريحين قول الشاعر:[البسيط]

ص: 453

أستغفر الله ذنبا لست محصيه

ربّ العباد إليه الوجه والعمل

ومثال «أمر» وقد نصب مفعولين صريحين قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي-رضي الله عنه -وهو الشاهد رقم [485]: من كتابنا: «فتح رب البرية» ، والشاهد رقم [597]: من كتابنا: «فتح القريب المجيب» : إعراب شواهد مغني اللبيب-: [البسيط]

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نشب

وتقول: نصحتك، ونصحت له، وشكرتك، وشكرت لك.

هذا؛ والأمر من: أمر مر، وأصله: اؤمر، لكن لم يستعمل على الأصل، وحذفت الهمزتان تخفيفا لاجتماع الضمات، وهذا الحذف واقع في الأمر المأخوذ من: أخذ، وأكل أيضا، فيقال: خذ، وكل، وقد قالوا: اؤمر، واؤخذ، فاستعملا على الأصل، ومنه (اؤمر) في الآية رقم [199] من سورة (الأعراف)، ورقم [132]: من سورة (طه)، ورقم [17] من سورة (لقمان).

تنبيه: قال الشيخ أبو منصور-رحمه الله تعالى-: القضاء يحتمل الحكم، كقوله تعالى:

{لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً} أي: ليحكم ما قد علم أنه يكون كائنا، أو ليتم أمرا كان قد أراده، وما أراد كونه؛ فهو مفعول لا محالة. انتهى. والماضي: قضى، والمصدر «قضاء» بالمد؛ لأن لام الفعل ياء؛ إذ أصل ماضيه (قضي). بفتح الياء، فقلبت ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، فقلبت ألفا، فاجتمع ألفان، فأبدلت الثانية همزة، فصار: قضاء ممدودا، وجمع القضاء:

أقضية كعطاء، وأعطية، وهو في الأصل: إحكام الشيء، وإمضاؤه، والفراغ منه، كما في قول الشاعر-وهو الشاهد رقم [179] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» -: [الخفيف]

وجهك البدر لا بل الشّمس لو لم

يقض للشّمس كسفة أو أفول

ويكون بمعنى الأمر، كما في قوله تعالى:{وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} .

وبمعنى العلم، تقول: قضيت بكذا؛ أي: أعلمتك به. وبمعنى الإتمام، قال تعالى:{فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ} . وبمعنى الفعل، قال تعالى حكاية عن قول السحرة لفرعون:{فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ} .

وبمعنى الإرادة، وهو كثير، كقوله تعالى:{فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} . وبمعنى الموت كقوله تعالى حكاية عن قول أهل النار: {وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ} . وانظر معنى الآية التي نحن بصدد شرحها. وبمعنى الكتابة، قال تعالى:{وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا} أي: مكتوبا في اللوح المحفوظ. وبمعنى الفصل، قال تعالى:{وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} . وبمعنى الخلق، كما في قوله تعالى:{فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ} . وبمعنى بلوغ المراد، والأرب.

قال تعالى: {فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها} . وبمعنى وفاء الدين، تقول: قضى فلان ما عليه: إذا أوفى ذمته، وأبرأها مما عليه من ديون. انتهى. قسطلاني شرح البخاري بتصرف.

وأضيف: أنه يكون بمعنى أوحينا، كما في قوله تعالى:{وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ} إلخ.

ص: 454

قال القرطبي-رحمه الله: فإذا كان القضاء يحتمل هذه المعاني، فلا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي بقضاء الله؛ لأنه إن أريد به الأمر؛ فلا خلاف: أنه لا يجوز ذلك؛ لأن الله تعالى لم يأمر بها، فإنه لا يأمر بالفحشاء. وقال زكريا بن سلام: جاء رجل إلى الحسن البصري، فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا، فقال: إنك قد عصيت ربك، وبانت منك! فقال الرجل: قضى الله ذلك عليّ، فقال الحسن، وكان فصيحا: ما قضى الله ذلك؛ أي: ما أمر الله به، وقرأ قوله تعالى:{وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ} . انتهى. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {قُتِلَ:} فعل ماض مبني للمجهول. {الْإِنْسانُ:} نائب فاعل، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {ما أَكْفَرَهُ:} {ما:} نكرة تامة بمعنى شيء مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَكْفَرَهُ:} فعل ماض جامد مبني على الفتح، والفاعل مستتر فيه وجوبا تقديره:«هو» يعود إلى {ما،} والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر {ما} . هذا؛ وأجيز اعتبار {ما} استفهامية في محل رفع مبتدأ، والجملة الفعلية في محل رفع خبرها، التقدير: أي شيء دعاه إلى الكفر؟ وعلى الوجهين فالجملة اسمية، وهي مستأنفة، لا محل لها. وهناك أوجه أخر في إعراب هذه الجملة ضربت عنها صفحا للاختصار. {مِنْ أَيِّ:} متعلقان بالفعل بعدهما، و {أَيِّ:} مضاف، و {شَيْءٍ:} مضاف إليه. {خَلَقَهُ:} فعل ماض، والهاء مفعول به، والفاعل محذوف، أو هو ضمير يعود إلى (الله)، وهو غير مذكور، لكنه مفهوم من المقام، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {مِنْ نُطْفَةٍ:} متعلقان بما بعدهما. {خَلَقَهُ:} فعل ماض، ومفعوله، والفاعل مثل سابقه مفهوم من المقام، والجملة الفعلية بدل من سابقتها، وبيان لها.

هذا؛ وإن اعتبرت الجار، والمجرور {مِنْ نُطْفَةٍ} بدلا مما قبلهما؛ فالجملة الفعلية تكون مستأنفة، لا محل لها، وجملة:(قدره) معطوفة عليها على الوجهين المعتبرين فيها. {ثُمَّ:}

حرف عطف. {السَّبِيلَ:} مفعول به لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده. هذا؛ وقيل: إن الضمير للإنسان، و {السَّبِيلَ} ظرف مكان، أو هو مفعول ثان للفعل المفسر بما بعده، التقدير:

يسره السبيل، وعلى هذا فالفعل يتضمن معنى: أعطى. وتقدم مثله في قوله تعالى: {إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ} الآية رقم [3] من سورة (الدهر). {يَسَّرَهُ:} فعل ماض، والهاء مفعول به، والفاعل يعود إلى (الله)، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، وجملة:{أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ} معطوفتان أيضا.

{ثُمَّ:} حرف عطف. {إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك مبني على السكون في محل نصب. {شاءَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (الله)، والمفعول محذوف، التقدير: شاء نشره، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على المشهور المرجوح، وجملة (أنشره) جواب {إِذا} لا محل لها، و {إِذا} ومدخولها معطوف على ما قبله، لا محل له مثله، {كَلاّ:} ردع، وزجر للإنسان عما هو عليه من التكبر، والتجبر، والترفع، والإصرار على إنكار التوحيد، وإنكار البعث والحساب. هذا؛ وقيل:{كَلاّ}

ص: 455

بمعنى: حقّا. {لَمّا:} حرف نفي، وقلب، وجزم. هذا؛ وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-:

(ما) زائدة مثل قوله تعالى: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ} وقوله: {عَمّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ} وهذا يعني:

أن اللام للأمر، وهي مكسورة، ولم يقرأ أحد بذلك. {يَقْضِ:} فعل مضارع مجزوم ب: {لَمّا،} وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل يعود إلى (الله). {ما:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. {أَمَرَهُ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (الله)، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها، والعائد محذوف، التقدير: الذي أمره الله به. وجملة: {كَلاّ لَمّا..} . إلخ مستأنفة.

تنبيه: لقد رأيت: أن الفاعل في الأفعال الثمانية المتقدمة المذكورة قد عاد إلى غير مذكور لفهمه من سياق الكلام، والمقام يدل عليه، وهذا مستعمل في القرآن الكريم، والكلام العربي، من ذلك قوله تعالى في سورة (الواقعة):{فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ،} وفي سورة (ص) رقم [32]، وفي سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام رقم [44]، وفي سورة (لقمان) رقم [16]، وسورة (النساء) رقم [40]، وفي سورة (القيامة) رقم [26] انظر هذه الآيات في محالها؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك؟

{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (24) أَنّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدائِقَ غُلْباً (30) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (32)}

الشرح: قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: لماذا ذكر الله جل ثناؤه ابتداء خلق الإنسان؛ ذكر ما يسر من رزقه؛ أي: فلينظر كيف خلق الله طعامه. وهذا النظر نظر القلب بالفكر؛ أي: ليتدبر كيف خلق الله طعامه الذي هو قوام حياته، وكيف هيأ له أسباب المعاش؛ ليستعد بها للمعاد، وروي عن الحسن، ومجاهد قالا: أي: فلينظر إلى مدخل الطعام، ومخرجه. وروى ابن أبي خيثمة عن الضحاك بن سفيان الكلابي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ضحّاك ما طعامك؟» . قلت: يا رسول الله! اللحم، واللبن. قال:«نعم يصير إلى ماذا؟» . قلت: إلى ما قد علمته! قال: «فإنّ الله ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدّنيا» . وقال أبي بن كعب-رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مطعم ابن آدم، جعل مثلا للدّنيا وإن قزّحه، وملّحه، فانظر إلى ما يصير» . والمعنى: إن المطعم، وإن تكلف الإنسان التنوق في صنعته، وتطييبه، فإنه عائد إلى حال يكره، ويستقذر، فكذلك الدنيا المحروص على عمارتها، ونظم أسبابها راجعة إلى خراب وإدبار. انتهى. قرطبي. والمراد بالإنسان: ابن آدم.

{أَنّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا:} المراد: المطر الذي ينزل من السماء، والذي يتسبب عنه النبات في الأرض. {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا:} فيخرج منها النبات على اختلاف أنواعه، ومنافعه. فقيل: هو

ص: 456

من باب الإسناد الحقيقي. وقيل: بل هو من باب الإسناد المجازي من باب إسناد الفعل إلى السبب.

{فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا} أي: الحبوب التي يتغذى منها الإنسان، كالقمح، والشعير، والذرة، ونحو ذلك. {وَعِنَباً:} وهذا غذاء من وجه، وفاكهة من وجه، فلهذا أتبعه الحبّ. {وَقَضْباً:} هو القت، وهو الرطب سمي بذلك؛ لأنه يقتضب؛ أي: يقطع في كل الأيام، كالبقول: التي تقضب مرة بعد مرة. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما: هو الرطب؛ لأنه يقضب من النخل، ولأنه ذكر بعد العنب. وقال الخليل: القضب: الفصفصة الرطبة. {وَزَيْتُوناً} أي: شجرة الزيتون؛ التي يستخرج منها الزيت، انظر ما ذكرته في الآية رقم [20] من سورة (المؤمنون). {وَنَخْلاً} أي:

شجر النخيل. {وَحَدائِقَ} أي: بساتين، واحدها: حديقة. قال الكلبي: كل شيء أحيط عليه من نخيل، أو شجر؛ فهو حديقة، وما لم يحط عليه؛ فليس بحديقة. {غُلْباً:} عظاما شجرها.

يقال: شجرة غلباء، ويقال: الغلب الشجر الملتف بعضه على بعض. ويقال للأسد: الأغلب؛ لأنه مصمت العنق، لا يلتفت إلا جميعه. قال العجاج:[الرجز]

ما زلت يوم البين ألوّي صلبي

والرّأس حتّى صرت مثل الأغلب

ورجل أغلب بين الغلب: إذا كان غليظ الرقبة. والأصل في الوصف بالغلب الرقاب، فاستعير. قال عمرو بن معدي كرب الزبيدي-رضي الله عنه:[الكامل]

يمشي بها غلب الرّقاب كأنّهم

بزل كسين من الكحيل جلالا

والكحيل: نوع من القطران، تطلى به الإبل الجرب، ولا يستعمل إلا مصغرا. {وَفاكِهَةً:}

يعني: جميع ألوان الفاكهة التي خلقها الله للتفكه، والتلذذ. {وَأَبًّا} يعني: الكلأ، والمرعى؛ الذي لم يزرعه الناس مما يأكله الدواب، والأنعام. وقال ابن عباس، والحسن-رضي الله عنهما: الأب: كل ما أنبتت الأرض مما لا يأكله الناس، وما يأكله الآدميون هو الحصيد، ومنه قول الشاعر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:[الطويل]

له دعوة ميمونة ريحها الصّبا

بها ينبت الله الحصيدة والأبّا

وقال إبراهيم التيمي: سئل أبو بكر-رضي الله عنه-عن تفسير الفاكهة، والأب، فقال: أيّ سماء تظلني، وأيّ أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟ وقال أنس-رضي الله عنه:

سمعت عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-قرأ هذه الآية، ثم قال: كل هذا قد عرفناه، فما الأب؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال: هذا لعمر الله التكلف، وما عليك يا بن أم عمر ألا تدري ما الأب؟! ثم قال: اتبعوا ما بيّن لكم من هذا الكتاب، وما لا؛ فدعوه.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خلقتم من سبع، ورزقتم من سبع، فاسجدوا لله على سبع» .

وإنّما أراد: بقوله: «خلقتم من سبع» . يعني: من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة

إلخ

ص: 457

الآيات من سورة (المؤمنون) رقم [13 و 14]. والرزق من سبع، وهو قوله تعالى:{فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (27) وَعِنَباً..} . إلخ. وانظر استدلال ابن عباس-رضي الله عنهما-بهذه الآيات، وبآيات سورة (المؤمنون) رقم [13 و 14]: على ليلة القدر في سورة (المؤمنون).

{مَتاعاً لَكُمْ} يعني، الفواكه، والحب بأنواعه رزق لكم. والكلأ بأنواعه رزق لبهائمكم، وحيواناتكم. قال ابن كثير: وفي هذه الآيات امتنان على العباد، وفيها استدلال بإحياء النبات من الأرض الهامدة على إحياء الأجسام بعدما كانت عظاما بالية، وأوصالا متقطعة متفرقة. والله أعلم بمراده.

الإعراب: {فَلْيَنْظُرِ:} الفاء: حرف استئناف. اللام: لام الأمر. (ينظر): فعل مضارع مجزوم بلام الأمر. {الْإِنْسانُ:} فاعل، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {إِلى طَعامِهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {أَنّا:} (أنّ): حرف مشبه بالفعل، و (نا):

اسمها، حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {صَبَبْنَا:} فعل، وفاعل. {الْماءَ:} مفعول به.

{صَبًّا:} مفعول مطلق، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل جر بدل اشتمال من {طَعامِهِ}. وقيل: على تقدير اللام، أي: لأنا، والأول أقوى. هذا؛ وقرئ بكسر الهمزة، وعليه: فالجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، وجملة:{شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا} معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها، وأيضا جملة:(أنبتنا فيها حبا) معطوفة عليها، والإعراب مثلها بلا فارق. {وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً..}. إلخ:

الأسماء كلها معطوفة على {حَبًّا،} و {غُلْباً:} صفة (حدائق). {مَتاعاً:} مفعول مطلق عامله محذوف، التقدير: تمتعون به تمتيعا. وانظر سورة (النازعات) رقم [33]، أو هو مفعول لأجله، عامله محذوف، التقدير: فعل ذلك متاعا، والجملة الفعلية هذه في محل نصب حال، أو هي مستأنفة، لا محل لها، وهو أقوى. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان ب: {مَتاعاً،} أو بمحذوف صفة له. {وَلِأَنْعامِكُمْ:} الواو: حرف عطف. (لأنعامكم): معطوفان على ما قبلهما، والكاف في محل جر بالإضافة.

{فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)}

الشرح: {فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ:} قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: لما ذكر أمر المعاش؛ ذكر أمر المعاد؛ ليتزودوا له بالأعمال الصالحة، وبالإنفاق مما امتن الله به عليهم، و {الصَّاخَّةُ} الصيحة التي تكون عنها القيامة، وهي النفخة الثانية، تصيخ الأسماع؛ أي: تصمها، فلا تسمع إلا ما يدعى به للأحياء. هذا؛ وانظر ما ذكرته في {الطَّامَّةُ} في سورة (النازعات) رقم [34].

ص: 458

هذا؛ وذكر ناس من المفسرين؛ قالوا: تصيخ لها الأسماع؛ من قولك: أصاخ إلى كذا؛ أي: استمع إليه، ومنه الحديث:«ما من دابة إلاّ وهي مصيخة يوم الجمعة شفقا من السّاعة إلا الجنّ والإنس» . قال الشاعر: [السريع]

يصيخ للنّبأة أسماعه

إصاخة النّاشد للمنشد

وأيضا قول الآخر، وهو الشاهد رقم [18]: من كتابنا: «فتح القريب المجيب» : [الكامل]

فأصاخ يرجو أن يكون حيا

ويقول من فرح: هيا ربّا

والمعتمد القول الأول في تفسير {الصَّاخَّةُ،} فإنها بمعنى: الداهية مثل: {الطَّامَّةُ} .

{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ..} . إلخ أي: إنه لا يلتفت إلى واحد من هؤلاء لشغله بنفسه. والمراد من الفرار: التباعد، والسبب في ذلك الاحتراز عن المطالبة بالحقوق، فالأخ يقول: ما واسيتني بمالك. والأبوان يقولان: قصرت في برنا، وحقوقنا. والصاحبة تقول: لم توفني حقي. والبنون يقولون: ما علمتنا. وقيل: يفر المؤمن من موالاة هؤلاء، ونصرتهم. والمعنى: أن هؤلاء الذين كانوا يقربونهم في الدنيا، ويتقوون بهم، ويتعززون بهم يفرون منهم في الدار الآخرة، وفائدة الترتيب كأنه قيل: يوم يفر المرء من أخيه بل من أبويه؛ لأنهما أقرب من الأخوة، بل من الصاحبة والولد؛ لأن تعلقه بهما أشد من تعلقه بالأبوين. وانظر سورة (المعارج) رقم [12 و 13 و 14]: تجد ما يسرك.

{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} أي: حالة تشغله عن غيره؛ لعلمه: أنهم لا ينفعونه، ولا يغنون عنه شيئا، كما قال تعالى في سورة (الدخان) رقم [41]:{يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ،} وقال تعالى في سورة (لقمان) رقم [33]: {يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً} انظر شرحها هناك تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. وعن عائشة-رضي الله عنها. قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة، عراة، غرلا» . قلت: يا رسول الله! الرجال، والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال:«يا عائشة! الأمر أشدّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض» . أخرجه مسلم. وخرج الترمذي عن ابن عباس-رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يحشرون حفاة عراة غرلا» .

فقالت امرأة: أينظر بعضنا عورة بعض؟ قال: «يا فلانة لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه» . هذا؛ ويقرأ: «(يغنيه)» أي: يصرفه ويصده عن قرابته.

هذا؛ والأغرل: الأقلف، والغرلة: هي الجلدة التي تزال عند ختان الذكر، والأنثى، ويقال لها: القلفة، والمراد: أن ابن آدم يحشر يوم القيامة تام الأجزاء كما ولد، فإن قطع شيء من جسده يعاد إليه يوم القيامة.

ص: 459

هذا؛ وأما كلمة (امرئ) فأصلها: المرء، ولما كثر استعمالهم لها حتى أصبحت تستعمل للدلالة على الإنسان، وعلى الحيوان مجازا، وكان الهمز في آخرها ثقيلا بعد السكون خففوها بحذف الهمزة، وإلقاء حركتها على الراء، فقالوا: المرء، وبذلك أشبهت الراء منها النون من (ابن) في تلقي حركات الإعراب، ولإعلالهم هذه الكلمة كثيرا بحذف الهمز، شبهوها بما حذف آخره، نحو (اسم، ابن، است) فجبروها بهمزة وصل في حالة التنكير، ثم ردوا إليها الهمزة، فقالوا: امرؤ، وبذلك أصبحت تعرب من مكانين، فتظهر حركات الإعراب فيها على الراء، والهمزة، فتقول: هذا امرؤ، ورأيت امرءا، ومررت بامرئ. قال تعالى:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ،} {ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ،} {كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ} .

هذا؛ ومثل (امرئ) كلمة (ابن) إذا زيدت في آخرها (ما) فإن حركة الإعراب تظهر على النون، والميم، فتقول: حضر ابنم، ورأيت ابنما، ومررت بابنم، ولا ثالث لهما في اللغة العربية، فاحفظه؛ فإنه جيد.

الإعراب: {فَإِذا:} الفاء: حرف استئناف. (إذا): ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك مبني على السكون في محل نصب. {جاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ} انظر الآية رقم [34] من سورة (النازعات). فالإعراب مثله بلا فارق، وجواب (إذا) محذوف، دل عليه قوله:{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ..} . إلخ؛ أي: اشتغل كل واحد بنفسه. {يَفِرُّ الْمَرْءُ:}

فعل مضارع، وفاعله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (يوم) إليها. {مِنْ أَخِيهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {وَأُمِّهِ:} الواو: حرف عطف. (أمه): معطوف على ما قبله. {وَأَبِيهِ:} معطوف أيضا مجرور مثله، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، {وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ:} معطوفان أيضا على ما قبلهما، وعلامة جر (بنيه) الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وحذفت النون للإضافة، والهاء في الكل ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {لِكُلِّ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، و (كل) مضاف، و {اِمْرِئٍ} مضاف إليه. {مِنْهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة {اِمْرِئٍ} .

{يَوْمَئِذٍ:} (يوم): ظرف زمان متعلق بالفعل بعده، و (إذ) ظرف زمان أيضا مبني على السكون في محل جر بالإضافة، والتنوين عوض من جملة محذوفة؛ إذ التقدير: يوم إذ تجيء الصاخة.

{شَأْنٌ:} مبتدأ مؤخر. {يُغْنِيهِ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى {شَأْنٌ،} والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع صفة {شَأْنٌ،} والجملة الاسمية: {لِكُلِّ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها، وهي دليل جواب (إذا) كما رأيت، و (إذا) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له.

ص: 460

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)}

الشرح: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} أي: مشرقة مضيئة، قد علمت ما لها من الفوز العظيم، والنعيم المقيم، وهي وجوه المؤمنين؛ الذين عملوا الصالحات، وتسابقوا في الدنيا إلى الطاعات.

وقيل: مسفرة من قيام الليل. وقيل: من أثر الوضوء. والأولى التعميم، كما ذكرت أولا.

{ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} أي: مسرورة، فرحة بما تنال من كرامة الله، ورضوانه. {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ} أي: غبار، ودخان، وكدورة، وكآبة الهم الذي نزل بهم. {تَرْهَقُها:} تعلوها، وتغشاها، ويقال:

أرهقه طغيانا؛ أي: أغشاه إياه، وأرهقه إثما؛ حتى رهقه؛ أي: حمله إثما؛ حتى حمله، وأرهقه عسرا: كلفه إياه، يقال: لا ترهقني لا أرهقك الله! أي: لا تعسرني لا أعسرك الله! انتهى.

مختار. هذا؛ والرهق: الغشيان، ومنه غلام مراهق: إذا غشي الاحتلام. ورهقه بالكسر، يرهقه رهقا: غشيه. وذلك حين يرفع المؤمنون رؤوسهم؛ ووجوههم أشد بياضا من الثلج، وتسود وجوه الكافرين، والمنافقين؛ حتى ترجع أشد سوادا من القار. {أُولئِكَ} أي: الذين تكون حالتهم، وهيئتهم ما ذكر. {هُمُ الْكَفَرَةُ:} جمع: كافر. {الْفَجَرَةُ:} جمع: فاجر، وهو الكاذب المفتري على الله. هذا؛ والقترة: كسوف، وسواد. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما: ذلة، وشدة، والقتر في كلام العرب: الغبار، جمع: القترة. قاله أبو عبيد، وأنشد للفرزدق:[البسيط]

متوّج برداء الملك يتبعه

موج ترى فوقه الرّايات والقترا

هذا؛ و {يَوْمَئِذٍ} ظرف زمان مضاف لظرف آخر، والتنوين في الثاني ينوب عن جملة محذوفة دلت عليها الغاية، التقدير: يوم إذ تجيء الصاخة، و (إذ) مضافة لهذه الجملة، فحذفت الجملة الفعلية، وعوض عنها التنوين، وكسرت الذال لالتقاء الساكنين، كما كسرت في صه ومه عند تنوينهما، ومثل ذلك قل في حينئذ وساعتئذ ونحوهما. قال تعالى في سورة (الواقعة) رقم [84]:

{وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} أي: حين إذ بلغت الروح الحلقوم تنظرون.

الإعراب: {وُجُوهٌ:} مبتدأ سوغ الابتداء به التنويع. {يَوْمَئِذٍ:} (يوم): ظرف زمان متعلق بما بعده، و (إذ) ظرف زمان مبني على السكون في محل جر بالإضافة. {مُسْفِرَةٌ:} خبر المبتدأ.

{ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ:} خبران آخران للمبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {وَوُجُوهٌ:}

الواو: حرف عطف. (وجوه): مبتدأ. {يَوْمَئِذٍ:} ظرف زمان متعلق ب: {غَبَرَةٌ} لما فيها من معنى المشتق. وقيل: متعلق بالفعل {تَرْهَقُها،} والأول أقوى. و (إذ) في محل جر بالإضافة، ولا يجوز أن يتعلق الظرف بمحذوف خبر مقدم؛ لأنه ظرف زمان لا يخبر به عن الجثة. قال ابن مالك -رحمه الله تعالى-في ألفيته:[الرجز]

ص: 461

ولا يكون اسم زمان خبرا

عن جثّة وإن يفد فأخبرا

{عَلَيْها:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {غَبَرَةٌ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: (وجوه

) إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {تَرْهَقُها:} فعل مضارع، و (ها): مفعول به. {قَتَرَةٌ:} فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر ثان للمبتدأ. {أُولئِكَ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والكاف حرف خطاب لا محل له. {هُمُ:} ضمير فصل، لا محل له. {الْكَفَرَةُ:} خبر المبتدأ.

{الْفَجَرَةُ:} خبر ثان. هذا؛ وإن اعتبرت الضمير مبتدأ ثانيا، و {الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} خبرين عنه؛ فالجملة الاسمية تكون في محل رفع خبر {أُولئِكَ،} والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

انتهت سورة (عبس) شرحا وإعرابا بعون الله وتوفيقه.

والحمد لله رب العالمين.

ص: 462