الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جر صلة. {نِعْمَةٍ:} مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. هذا؛ ويجوز اعتبار {نِعْمَةٍ} فاعلا بمتعلق الجار، والمجرور التقدير: وما ثبت لأحد عنده نعمة. وعلى الاعتبارين؛ فالجملة في محل نصب حال من فاعل {يَتَزَكّى} المستتر، والرابط: الضمير فقط. {تُجْزى:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع
…
إلخ، ونائب الفاعل يعود إلى {نِعْمَةٍ،} والجملة الفعلية في محل صفة {نِعْمَةٍ} .
{إِلاَّ:} أداة استثناء. {اِبْتِغاءَ:} استثناء منقطع من {نِعْمَةٍ،} أو هو مفعول لأجله. ويجوز رفعه على البدلية، ولم يقرأ بالرفع. وقال القرطبي: قرأ به يحيى بن وثاب، و {اِبْتِغاءَ} مضاف، و {وَجْهِ} مضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعله محذوف، و {وَجْهِ} مضاف، و {رَبِّهِ} مضاف إليه، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه.
{الْأَعْلى:} صفة {وَجْهِ رَبِّهِ} مجرور مثله
…
إلخ. {وَلَسَوْفَ:} الواو: حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف، تقديره: وعزتي، والجار، والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم.
اللام: واقعة في جواب القسم. (سوف): حرف تسويف، واستقبال. {يَرْضى:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {الْأَتْقَى،} والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها، والقسم، وجوابه كلام مستأنف.
خاتمة:
قال محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة بن الزبير، عن أبيه: كان بلال-رضي الله عنه-ملكا لأمية بن خلف الجمحي، وهو بلال بن رباح، واسم أمه: حمامة، وكان صادق الإسلام طاهر القلب، وكان سيده أمية-أخزاه الله-يخرجه إذا حميت الشمس، فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة، فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمد! فيقول وهو في ذلك: أحد أحد، فمر به أبو بكر-رضي الله عنه، وهم يصنعون به ذلك، فقال لأمية الخبيث: ألا تتقي الله في هذا المسكين؟! قال: أنت أفسدته، فأنقذه مما ترى! فقال أبو بكر-رضي الله عنه: أفعل عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى، وهو على دينك أعطيكه به. قال: قد فعلت، فأعطاه أبو بكر-رضي الله عنه-غلامه، واسمه:
نسطاس، وأخذ بلالا، فأعتقه. وكان قد أعتق ست رقاب على الإسلام قبل أن يهاجر، بلال سابعهم.
وهم: عامر بن فهيرة، شهد بدرا، وأحدا، وقتل يوم بئر معونة شهيدا. وأم عميس، وزهرة، فأصيب بصرها حين أعتقها أبو بكر، فقالت قريش: ما أذهب بصرها إلا اللات، والعزى، فقالت: كذبوا ورب البيت! لا تضر اللات والعزى، ولا تنفعان شيئا! فرد الله عليها بصرها.
وأعتق النهدية، وابنتها، وكانت لامرأة من بني عبد الدار، فرآهما أبو بكر، وقد بعثتهما سيدتهما تحتطبان لها، وهي تقول: والله لا أعتقهما أبدا! فقال أبو بكر: كلاّ يا أم فلان! فقالت: أنت
أفسدتهما، فأعتقهما. قال: فبكم؟ قالت: بكذا وكذا. قال: أخذتهما، وهما حرتان لوجه الله! ومر بجارية من بني المؤمل؛ وهي تعذب، فابتاعها، وأعتقها، فقال عمار بن ياسر-رضي الله عنهما-يذكر بلالا، وأصحابه، وما كانوا فيه من البلاء، وإعتاق أبي بكر إياهم-وكان اسم أبي بكر-رضي الله عنه-عتيقا-فقال في ذلك:[الطويل]
جزى الله خيرا عن بلال وصحبه
…
عتيقا وأخزى فاكها وأبا جهل
عشية همّا في بلال بسوءة
…
ولم يحذرا ما يحذر المرء ذو العقل
بتوحيده ربّ الأنام وقوله
…
شهدت بأن الله ربي على مهل
فإن تقتلوني فاقتلوني فلم أكن
…
لأشرك بالرحمن من خيفة القتل
فيا ربّ إبراهيم والعبد يونس
…
وموسى وعيسى نجّني، ثم لا تملي
لمن ظلّ يهوى الغيّ من آل غالب
…
على غير حقّ كان منه ولا عدل
قال سعيد بن المسيب-رضي الله عنه: بلغني: أن أمية بن خلف قال لأبي بكر-رضي الله عنه-في بلال حين قال له: أتبيعه؟ قال: نعم أبيعه بنسطاس (عبد لأبي بكر)، وكان نسطاس صاحب عشرة آلاف دينار، وغلمان، وجوار، ومواش، وكان مشركا حمله أبو بكر-رضي الله عنه-على الإسلام على أن يكون ماله له، فأبى، فأبغضه أبو بكر، فلما قال أمية: أبيعه بغلامك نسطاس؛ اغتنمه أبو بكر، وباعه به، فقال المشركون: ما فعل أبو بكر ذلك ببلال إلا ليد كانت لبلال عنده! فأنزل الله عز وجل قوله: {وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى..} . إلخ انتهى. خازن.
قيل: إن أمية الخبيث قال: لو سألني أبو بكر بلالا بفلوس معدودة؛ لبعته إياه! فبلغ قوله أبا بكر-رضي الله عنه، فقال: لو طلب مني أمية ما أملك ثمنا لبلال لأعطيته ما يريد.
تنبيه: قيل: كان لرجل من الأنصار نخلة، وفرعها في دار رجل فقير، وله عيال، فكان صاحب النخلة إذا صعد نخلته ليأخذ منها الثمر، فربما سقطت التمرة، فيأخذها صبيان الفقير، فينزل الرجل عن نخلته حتى يأخذ التمرة من أيديهم، وإن وجدها في فم أحدهم؛ أدخل إصبعه في فيه؛ حتى يخرجها. فشكا ذلك الرجل الفقير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم صاحب النخلة، فقال له:«تعطيني نخلتك التي فرعها في دار فلان، ولك بها نخلة في الجنة؟» . فقال الرجل: إن لي نخلا كثيرا، وما فيه أعجب إليّ منها! وقيل في رواية:(لا أبيع عاجلا بآجل) فسمع أبو الدحداح (رجل من الأنصار) بذلك.
فقال لصاحب النخلة: هل لك أن تبيعها بحش، يعني: حائطا فيه نخل كثير. فقيل: هي لك! فأتى أبو الدحداح النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! تشتريها مني بنخلة في الجنة؟ فقال
«نعم» . فقال: هي لك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الفقير جار الأنصاري صاحب النخلة. وقال له:«خذها لك، ولعيالك» . فأنزل الله الآيات من سورة (الليل). وهذا القول فيه ضعف؛ لأن هذه السورة مكية، وهذه القصة كانت بالمدينة بعد الهجرة، فإن كانت القصة صحيحة تكون هذه السورة قد نزلت بمكة وظهر حكمها في المدينة، ويكون صاحب النخلة منافقا. والصحيح: أنها في أبي بكر الصديق-رضي الله عنه-وأمية بن خلف؛ لأن سياق الآيات يقتضي ذلك. انتهى.
خازن. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
انتهت سورة (الليل) بعون الله وتوفيقه شرحا وإعرابا.
والحمد لله رب العالمين.