الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[من أحكام التوكيد المعنوي]
قال ابن مالك: (ولا يتّحد توكيد معطوف ومعطوف عليه إلّا اتّحد معنى عامليهما، وإن أفاد توكيد النّكرة جاز وفاقا للأخفش والكوفيّين، ولا يحذف المؤكّد ويقام المؤكّد مقامه على الأصحّ، ولا يفصل بينهما بـ «إمّا» خلافا للفرّاء، وأجرى في التّوكيد مجرى كلّ ما أفاد معناه من الضّرع والزّرع والسّهل والجبل واليد والرّجل والظّهر والبطن).
قال ناظر الجيش: هذا الكلام مشتمل على خمس مسائل:
الأولى:
أنه لا يجوز اتحاد توكيد المتعاطفين المتعددي العامل إلا إذا كان معنى العاملين فيهما متحدا. قال المصنف: قال أبو الحسن: اعلم أن قولهم مات زيد وعاش عمرو كلاهما ليس بكلام لأنهما لم يشتركا في أمر واحد فلو قلت: انطلق زيد وذهب عمرو كلاهما جاز لأنهما قد اجتمعا في أمر واحد. لأن معنى ذهب وانطلق واحد غير أن رفع كليهما بأحد الفعلين لأنه لا يعمل شيئان في شيء واحد (1). قال الشيخ:
لم نقف من كلام العرب على مجيء التوكيد لمختلف العامل وإن اتفق معناه والذي تقتضيه القواعد المنع فكما لا يجتمع عاملان على معمول واحد كذلك لا يجتمعان على تابع المعمول فإذا ارتفع زيد بانطلق وعمرو بذهب فكيف
يرتفع كلاهما بالفعلين الرافعين لفاعليهما (2)، انتهى.
وعجبا من الشيخ في منعه لذلك معللا له بأنه لا يجوز اجتماع عاملين على معمول. وقد قدم في باب التابع أن العامل في التوكيد معنوي وهو التبعية لما جرى عليه وقال: إنه اختيار أكثر المحققين ثم إنه ناقض ذلك هنا فجعل العامل في التوكيد هو العامل في متبوعه.
وبعد: فالظاهر الجواز كما ذكر المصنف، لأن العامل إن كان معنويّا فلا كلام. وإن كان العامل في المتبوع فالعامل أحد الفعلين لأن معناهما واحد فكان أحدهما كافيا. -
(1) شرح التسهيل (3/ 295) والمصدرين السابقين.
(2)
التذييل (7/ 306).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثانية:
اختلف في توكيد النكرة فمنع البصريون إلا الأخفش ذلك مطلقا، وأجازه بعض الكوفيين مطلقا، وأجازه الأخفش وبقية الكوفيين إذا أفاد ومنعوه إذا لم يفد (1).
وهذا اختيار المصنف كما أشار إليه في متن الكتاب. قال في الشرح (2): ومثال الجائز لكونه مفيدا قولك: صمت شهرا كله وقمت ليلة كلها وهذا أسد نفسه وعندي درهم عينه فبذكر كل علم أن الصيام كان في جميع الشهر والقيام كان في جميع الليلة ولو لم يذكر لاحتمل أن لا يراد جميع الشهر ولا جميع الليلة، وبذكر النفس أيضا علم أن المشار إليه أسد حقيقي لا شبيه أسد وأن الذي عندي درهم مصنوع لا صرفة ولا موازنته [4/ 109] فتوكيد النكرة إن كان هكذا حقيقي بالجواز وإن لم يستعمله العرب فكيف إذا استعملت كقول رؤبة:
3102 -
أوفت به حولا وحولا أجمعا (3)
وقول الآخر:
3103 -
قد صرّت البكرة يوما أجمعا (4)
وكقول الآخر:
3104 -
....
…
تحملني الذّلفاء حولا أكتعا
وأما ما لا فائدة فيه نحو اعتكفت وقتا كله ورأيت شيئا نفسه فغير جائز، فمن حكم بالجواز مطلقا أو بالمنع مطلقا فليس بمصيب وإن حاز من الشهرة أوفر نصيب. انتهى.
وشرط ابن عصفور في النكرة التي يجوز توكيدها الكوفيون أن تكون مبعضة، ويكون التوكيد بكل وما في معناها. قال: فتقول أكلت رغيفا كله ولا يجوز أن تقول: أكلت رغيفا نفسه لأن التأكيد بالنفس والعين لا فائدة فيه في النكرة فالمفهوم -
(1) الارتشاف (2/ 612) والتذييل (7/ 305، 306).
(2)
شرح التسهيل (3/ 296).
(3)
وانظره في الدرر (2/ 158)، والهمع (2/ 124).
(4)
انظره في الأشموني (3/ 78)، والإنصاف (ص 455)، وشرح المفصل (3/ 45) والعيني (4/ 95)، والهمع (2/ 124) - هذا وقيل صدره: أنا إذا خطا فنا تقعقعا، وقيل عجزه: حتى الضياء بالدجى تقنعا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من رأيت رجلا نفسه، ورأيت رجلا واحدا، وهل رجل غير معين بخلاف أكلت رغيفا كله؛ فإنه يفيد بذكر «كل» ما لا يفيد مع تركها (1). قال: والصحيح أن ذلك لا يجوز لا بالنفس ولا بالعين لما ذكرناه، ولا بكل وما في معناها لأن أسماء التوكيد كلها معارف فلا تتبع إلا معارف لأن التوكيد يشبه النعت في أنه تابع من غير وساطة حرف ومن غير أن ينوى بالأول الطرح؛ فكما أن النكرة لا تنعت بالمعرفة فكذلك لا تؤكد بشيء من هذه الأسماء. والذي استدل به شاذ. وينبغي أن يحمل على البدل لا على التأكيد لأن إبدال المعرفة من النكرة سائغ ويكون الشذوذ في استعمال أجمع وأكتع في غير باب التأكيد. وعلى هذا يجعل أكتع من قوله: باد إلى الشمس أكتع بدلا من الضمير في باد لا تأكيدا (2) كما تقدم.
المسألة الثالثة:
هل يجوز حذف المؤكد وإقامة التوكيد مقامه كما تقول في الذي ضربت زيد بحذف العائد: الذي ضربت نفسه زيد. ذهب جماعة منهم الأخفش والفارسي إلى أنه لا يجوز وهو رأي المصنف (3). وذهب جماعة منهم الخليل وسيبويه إلى الجواز.
قال سيبويه في باب ما ينتصب فيه الاسم لأنه لا سبيل له إلى أن يكون صفة:
«وسألت الخليل رحمه الله تعالى عن مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسهما فقال: الرفع على هما صاحباي [أنفسهما] والنصب على أعينهما أنفسهما. قال المصنف: وهذا ضعيف بيّن الضعف، لأن المؤكد مسوق لتقوية المؤكد وتبيين كونه مرادا به الحقيقة لا المجاز والاستغناء عنه بالمؤكد بمنزلة الاستغناء بعلامة على معنى في شيء غير
مذكور كالاستغناء بحرف التعريف عن المعرف وبعلامة التأنيث عن المؤنث مع ما في تقديره يعني الخليل من كثرة الحذف ومخالفة المعتاد، وذلك لأن في كلا الوجهين تقدير ثلاثة أشياء. ففي الرفع تقدير مبتدأ ومضاف ومضاف إليه وفي النصب تقدير فعل وفاعل ومفعول. وفي التقدير الأول مخالفة لقاعدة التقدير من أنه قدرهما صاحباي وما في -
(1) شرح الجمل (1/ 268).
(2)
شرح الجمل (1/ 269).
(3)
الكتاب (2/ 57)، وفي التذييل (7/ 309)، «وذهب الأخفش وأبو علي الفارسي وتلميذه ابن جني وثعلب ومن أخذ بمذهبهم إلى أنه لا يجوز حذف المؤكد وإبقاء التأكيد وذهب الخليل وسيبويه والمازني وابن طاهر وابن خروف إلى جواز ذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكلام دليل على (الصحبة)(1) والمعتاد في الحذف أن يكون الباقي دلالة على المحذوف فكان الأولى بعد تسليم التقدير أن يقدرهما: معنيّان أنفسهما كما قدر في النصب أعينهما لأن كونهما معنيين معلوم وكونهما صاحبين غير معلوم. وأيضا فإن هذا الحذف المدعى هو من حذف المتبوع وإبقاء تابعه والأصل فيه حذف المنعوت وإبقاء نعته قائما مقامه وإنما كان أصلا لكثرته وكونه مجمعا على صحة استعماله ومع كونه أصلا لا يستعمل إلا والعامل في المنعوت المحذوف موجود. وما مثل به الخليل من حذف المؤكد فالعامل فيه محذوف فتجويزه يستلزم مخالفة النظير في ما هو أصل أو كالأصل، وبالغ الأخفش في منع حذف المؤكد فقال: لو نظرت إلى قوم فقلت: أجمعون قومك تريد: هم أجمعون قومك لم يجز لأنك جئت بها بالتوكيد قبل أن يثبت عند المخاطب اسم يؤكد. قال الشيخ: والذي نختاره أنه لا يجوز ذلك وإجازة مثله تحتاج إلى سماع من العرب (2). فوافق المصنف في ما رآه.
المسألة الرابعة:
أجاز الفراء (3): مررت بقومك إما أجمعين وإما بعضهم على تقدير مررت بقومك أجمعين وإما بعضهم ومنع ذلك البصريون. قال المصنف (4): ويلزم سيبويه التجويز على تقدير مررت بقومك إما بهم أجمعين وإما بعضهم، فإن الحذف هنا أسهل من الحذف في مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسهما.
المسألة الخامسة:
أجاز سيبويه - رحمه الله تعالى - في ما قصد به العموم من: ضرب زيد الظهر والبطن واليد والرجل، ومطرنا السهل والجبل والزرع والضرع أن يكون توكيدا ككل وأن يكون بدلا (5) وزاد ابن عصفور: صغيرهم وكبيرهم
وقويهم وضعيفهم (6).
قال: والدليل على أن تبع هذه الألفاظ للأول على جهة التوكيد كونك قد أخرجتها عن معناها لأنها لو لم تخرج عن أصلها وتلحق بباب التوكيد لم تعط العموم (7) انتهى. -
(1) بالأصل: الصحة.
(2)
التذييل (7/ 312).
(3)
ومعه الكسائي. قاله صاحب رؤوس المسائل - التذييل (7/ 312).
(4)
شرح التسهيل (3/ 298).
(5)
الكتاب (1/ 158).
(6)
شرح الجمل (1/ 274).
(7)
شرح الجمل (1/ 274).