الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الاستغناء عن المنعوت، وعن النعت]
قال ابن مالك: فصل: (يقام النّعت مقام المنعوت كثيرا إن علم جنسه ونعت بغير ظرف وجملة أو بأحدهما بشرط كون المنعوت بعض ما قبله من مجرور بـ «من» أو «في» وإن لم يكن كذلك لم يقم الظّرف والجملة مقامه إلّا في شعر واستغني لزوما عن موصوفات بصفاتها، فجرت مجرى الجوامد، ويعرض مثل ذلك لقصد العموم وقد يكتفى بنيّة النّعت عن لفظه للعلم به).
قال ناظر الجيش: قال المصنف (1): يعلم جنس المنعوت باختصاص النعت به كمررت بكاتب راكب صاهلا وبمصاحبة ما يعنيه كـ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ 10 أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ (2) وفَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً (3)، وكُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً (4)، وثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ (5) فمثل هذا من الحذف حسن كثير لكون المنعوت معلوم الجنس ولكون النعت قابلا لمباشرة ما كان يباشر المنعوت فلو لم يكن قابلا لمباشرة العامل لكونه جملة أو شبهها لم يقم مقام المنعوت في الاختيار إلا بشرط كون المنعوت بعض ما قبله من مجرور بمن كقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (6)، ومن هذا النوع
قول تميم العجلاني (7):
3171 -
وما الدّهر إلّا تارتان فمنهما
…
أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
وكلتاهما قد خطتا في صحيفتي
…
فلا العيش أهوى لي ولا الموت أروح (8)
وقد تقوم في مقام من، كقول الراجز: -
(1) شرح المصنف (3/ 322).
(2)
سورة سبأ: 11.
(3)
سورة التوبة: 82.
(4)
سورة المؤمنون: 51.
(5)
سورة فاطر: 32.
(6)
سورة النساء: 159.
(7)
تميم بن أبيّ بن مقبل من بني عجلان، شاعر جاهلي أدرك الإسلام وأسلم، عاش نيفا ومائة سنة (ت 25 هـ)، والخزانة (1/ 113).
(8)
من الطويل - ديوانه (24)، والإنصاف (446)، والدرر (2/ 151)، والكتاب (1/ 376)، والمحتسب (1/ 212)، والمقتضب (2/ 138)، والهمع (2/ 120).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3172 -
لو قلت ما في قومها لم تيثم
…
يفضلها في حسب وميسم (1)
فمثل هذا لو استعمل في غير الشعر لحسن كقولك: ما في الناس إلا شكر أو كفر. وقد تقام الجملة مقام المنعوت دون من وفي، كقول الشاعر:
3173 -
لكم مسجدا الله المزوران والحصى
…
لكم قبصه من بين أثرى وأقترا (2)
وأشرت بقولي: واستغني لزوما عن موصوفات بصفاتها إلى نحو: دابة وأبطح وحسنة وسيئة، وأشرت بقولي: ويعرض مثل ذلك لقصد العموم إلى مثل قوله تعالى: وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3)، وقوله تعالى: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ (4)، وقوله تعالى: لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها (5).
ومن هذا النوع قولك: لا متحرك ولا ساكن إلا بقدر سابق. وقد يحذف النعت للعلم به فيكتفى بنيته كقوله تعالى: وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ (6) أي قومك المعاندون، وكقوله تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها (7) أي كل شيء سلطت عليه أو أمرت بتدميره، وكقوله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ (8) أي إلى معاد كريم أو إلى معاد تحبه. ومن حذف النعت للعلم به قول المرقش الأكبر (9):
3174 -
وربّ أسيلة الخدّين بكر
…
مهفهفة لها فرع وجيد (10)
أي فرع وافر وجيد طويل. ومن نادر حذف المنعوت قول الفرزدق: -
(1) انظره في الأشموني (3/ 70) والخصائص (2/ 370)، والعيني (4/ 71)، والكتاب (1/ 375)، هذا وتيثم: تأثم، والميسم: الجمال.
(2)
البيت من بحر الطويل وهو للكميت وشاهده واضح، وهو في العيني (4/ 84) والأشموني (3/ 54) والإنصاف (مسألة رقم 103).
(3)
سورة الأنعام: 59.
(4)
سورة المائدة: 100.
(5)
سورة الكهف: 49.
(6)
سورة الأنعام: 66.
(7)
سورة الأحقاف: 25.
(8)
سورة القصص: 85.
(9)
عوف بن سعد بن بني بكر بن وائل، شاعر جاهلي وهو عم المرقش الأصغر، وهذا عم طرفة بن العبد (ت 75 ق هـ). الأعلام (5/ 275) والشعر والشعراء (1/ 210).
(10)
من الوافر، شرح التبريزي على اختيارات المفصل (2/ 998)، والعيني (4/ 72).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3175 -
إذا حارب الحجّاج أيّ منافق
…
علاه بسيف كلمّا هزّ يقطع (1)
أي منافقا أي منافق، وقول عمرو بن قميئة (2):
3176 -
لعمرك ما نفس بجدّ رشيدة
…
تؤامرني سرّا لأصرم مرثدا (3)
أي برشيدة جد رشيدة. وقول عمر بن أبي ربيعة.
3177 -
إنّ الثّواء بأرض لا أراك بها
…
فاستيقنيه ثواء حقّ ذي كدر (4)
أي ثواء ذو كدر (حق ذي كدر)(5). انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى.
أما ابن عصفور فإنه لم يتعرض إلى حذف النعت. وأما المنعوت فإنه ذكر أنه يجوز حذفه إذا كان النعت اسما صريحا في ثلاث صور:
أن يتقدم المعطوف في الذكر نحو: أعطني ماء ولو باردا.
وأن تكون الصفة خاصة بجنس الموصوف نحو: مررت بكاتب.
وأن تكون الصفة قد استعملتها العرب استعمال الأسماء نحو: الأبطح والأبرق للمكان، والأدهم للقيد، والأسود للحية (6).
ولا شك أن كلام المصنف أمتن؛ لأنه وقف أمر الحذف على العلم بجنس المنعوت. ثم بين أن ذلك يعلم باختصاص النعت به كمررت بكاتب، وبمصاحبة ما يعينه كـ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (7) الآية الشريفة فـ (سبغت) (8) ليس بجنس الموصوف ومع هذا حذف منعوته لأن جنس المنعوت قد علم بذكر (الحديد) وشمل قوله وبمصاحبة ما يعينه: أعطني ماء ولو باردا، فلم يحتج إلى تقدم الموصوف في الذكر.
واعلم أن ابن عصفور ذكر مسألة لم يذكرها المصنف وهي أن المنعوت يجوز -
(1) من الطويل، ديوانه (ص 515) والدرر (1/ 71)، والهمع (1/ 93).
(2)
من قيس بن ثعلبة شاعر جاهلي مقدم نشأ يتيما كان واسع الخيال ت 85 ق. هـ. الأعلام (5/ 255) والأغاني (16/ 158) وابن سلام (ص 37).
(3)
من الطويل شرح التسهيل (3/ 324) بنسبته له.
(4)
من البسيط، ديوانه (ص 124).
(5)
شرح التسهيل (3/ 324) أراد ذو كدر حق ذي كدر.
(6)
شرح الجمل (1/ 220، 221).
(7)
سورة سبأ: 10.
(8)
سورة سبأ: 11.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حذفه مع كون النعت جملة إذا كان نعتا لتمييز فاعل نعم نحو: نعم الرجل يقوم أي نعم الرجل رجلا يقوم (1) وذكرها الشيخ عنه (2).
وهذه المسألة تتوقف صحتها على القول بجواز الجمع بين الفاعل الظاهر والتمييز في باب نعم. ثم المسألة التي قالها المصنف فيها: لو استعمل هذا في غير الشعر لحسن، وهي:
3178 -
لو قلت: ما في قومها لم تيثم
…
يفضلها في حسب وميسم
جعلها ابن عصفور ضرورة (3).
قال الشيخ: شرط المصنف في حذف الموصوف وإقامة الظرف أو الجملة مقامه أن يكون المنعوت بعضا مما قبله من مجرور بمن أو في. ومثل لهما بما الصفة فيه جملة ولم يمثل لهما بما الصفة فيه ظرف.
ومثال ذلك في المجرور بمن على قول قوله تعالى: وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ (4) أي قوم دون ومثال ذلك في المجرور بفي: ما في بني تميم إلا فوق ما تريد، أي: إلا رجل فوق ما تريد.
وإذا كان الحذف أي حذف المنعوت في الكلام شروطا بالشرطين اللذين ذكرهما فلو فقد أحدهما بأن يكون ما قبله ليس الموصوف بعضا منه [4/ 133] وهو مجرور بمن أي في لم يجز الحذف أو يكون بعضا وهو غير مجرور بواحد منهما لم يجز الحذف أيضا.
مثال ما ليس بعضا: ما من البصرة إلا يسير إلى الكوفة أي رجل يسير، وما في الدار إلا يسكنها أي رجل يسكنها وما في الدار إلا فوقها أي رجل فوقها. -
(1) ذكرها عن الشلوبين. شرح الجمل (1/ 219).
(2)
التذييل (7/ 390).
(3)
الحقّ أن ذلك الحكم بالضرورة للشلوبين. قال ابن عصفور: قال رضي الله عنه يقصد الشلوبين - وما عدا ذلك لا نقوم الصفة فيه مقام الموصوف إلا في ضرورة شعر نحو قوله: لو قلت
…
وميسم، شرح الجمل (1/ 111، 112).
(4)
سورة الجن: 11.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومثال ما هو بعض قول الشاعر:
3179 -
كانوا فريقين يضعون الرماح على
…
قعس الكواهل في أشداقها ضخم
وآخرين نرى المادي عدمهم
…
من نسج داود أو ما أورثت إرم (1)
يريد فريقا يضعون فما قبله الموصوف بعض منه وهو فريقين وليس مجرورا بمن ولا في (2).
قال الشيخ: فأما مسألة الكتاب: إن من أفضلهم كان زيدا فزعم سيبويه أن زيدا اسم إن، ومن أفضلهم الخبر وكان زائدة (3). ثم إن الشيخ ختم الكلام على هذا الباب بذكر مسألتين:
الأولى:
مررت برجل ضاربه زيد (4)، أو ضارب إياه رجل ومررت برجل قائم وأبوه، فالوصف إن كان منونا فلا خلاف في جريانه على الموصوف عند سيبويه (5).
والفراء يوافق سيبويه إلا في ما كان علاجا واقعا نحو: مررت برجل ملازمة رجل فيلتزم النصب (6)، وعيسى يلتزم الرفع في العلاج مطلقا، وغير العلاج إن كان واقعا التزم فيه النصب أو غير واقع أجراه على الموصوف، ويونس لا يجري بل ينصب ما كان واقعا علاجا وغيره (7)، والعلاج ما كان من المرفوع به فعل في ما أضيف إليه وغير العلاج ما لم يكن له فعل يفعله نحو: مررت برجل مخالطه داء، فليس للداء فعل يفعله والواقع ما كان حالا، وغير الواقع ما كان مستقبلا، ومن نصب فعلى الحال ومن رفع فعلى الابتداء.
والصحيح مذهب سيبويه للقياس والسماع. أما القياس فحمل المنون وغيره على حد واحد كما حملوهما إذا كان الوصف للأول نحو: مررت برجل قائم وبرجل ضارب غلامه وهذا باتفاق فكذلك ينبغي أن يكون ما كان معناه لما بعده. -
(1) من البسيط وانظرهما في التذييل (7/ 391).
(2)
السابق (7/ 390، 391).
(3)
التذييل (7/ 391)، والكتاب (2/ 153).
(4)
التذييل: ضارب زيدا.
(5)
ينظر الكتاب (1/ 421) وما بعدها.
(6)
الهمع (2/ 117).
(7)
الكتاب (1/ 423).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والسماع قوله:
3180 -
ونظرت من خلل الستور بأعين
…
مرضى مخالطها السّقام صحاح (1)
فمخالطها غير علاج، وهو واقع وهو مجرى على الأول. وحكى الكسائي نظرت إلى شاة أخذها الذئب وقال به نفس قال: مخالطه بهر والخلاف إنما هو في الجريان فسيبويه يجري، وهؤلاء على ما نقل عنهم (2) ولا يمنع سيبويه الرفع والنصب وإنما يمنع التزام النصب أو الرفع والتفصيل الذي فصّلوه (3).
المسألة الثانية:
مررت بسرج خز صفته. هذا النوع موقوف على السماع وهو الوصف بالأسماء الجوامد التي في معنى المشتق وأخرجها الوصف بها عن أصلها بخلاف الذي، والتي، وذو، وذات وأولو، وأولات، والمنسوب فإنها جوامد في معنى المشتق نعت بها ولم تخرج عن وضعها. وإذا قلت: مررت بصحيفة طين خاتمها وما أشبهه فمذهب سيبويه أن الخاتم ليس بطين وأن الصفة ليست خزّا وأن معنى طين رديء وخزلين (4). ومذهب غيره أنها باقية على مسماها ويتوهم فيه معنى الاشتقاق.
* * *
(1) من الكامل، وانظره في التذييل (4/ 133).
(2)
ينظر التذييل (7/ 391)، والهمع (2/ 117).
(3)
(4)
الكتاب (2/ 23) النص السابق.