المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الأثر المعنوي للإضافة ومواقعه] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٧

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الحادي والأربعون باب الإضافة

- ‌[تعريفها - أثرها]

- ‌[الأثر المعنوي للإضافة ومواقعه]

- ‌[تقدم معمول المضاف إليه على المضاف وما يكتسبه الاسم بالإضافة]

- ‌[ما لازم الإضافة لفظا ومعنى وأحكامه]

- ‌[ما لازم الإضافة معنى فقط وأحكامه]

- ‌[من أحكام ما لازم الإضافة]

- ‌[من أحكام إضافة أسماء الزمان المبهمة]

- ‌[حذف أحد المتضايفات، والجر بالمضاف المحذوف]

- ‌[الفصل بين المتضايفين، وأحكامه]

- ‌[الإضافة إلى ياء المتكلم وأحكامها]

- ‌الباب الثاني والأربعون باب التّابع

- ‌[تعريفه، وأقسامه]

- ‌[فصل التابع من المتبوع وتقدم معموله عليه]

- ‌الباب الثالث والأربعون باب التّوكيد

- ‌[أقسامه، وذكر أحكام التوكيد بالنفس والعين]

- ‌[من أغراض التوكيد المعنوي]

- ‌[من أحكام بعض ألفاظ التوكيد المعنوي]

- ‌[من أحكام التوكيد المعنوي]

- ‌[من أحكام ألفاظ التوكيد المعنوي]

- ‌[التوكيد اللفظي: حقيقته، وبعض أحكامه]

- ‌[توكيد الضمير المتصل مرفوعا أو منصوبا]

- ‌الباب الرابع والأربعون باب النّعت

- ‌[تعريفه - وأغراضه]

- ‌[إتباع النعت منعوته وغيره]

- ‌[ذكر ما ينعت به، وأحكام الجملة الواقعة نعتا]

- ‌[بعض أحكام النعت المفرد]

- ‌[تفريق النعت وجمعه وإتباعه وقطعه]

- ‌[من أحكام النعت]

- ‌[أقسام الأسماء من حيث ما ينعت به وينعت]

- ‌[الاستغناء عن المنعوت، وعن النعت]

- ‌الباب الخامس والأربعون باب عطف البيان

- ‌[تعريفه، أغراضه، موافقته ومخالفته متبوعه]

- ‌[جواز جعل عطف البيان بدلا وعدمه]

- ‌الباب السادس والأربعون باب البدل

- ‌[تعريفه، موافقته ومخالفته المتبوع، الإبدال من المضمر والظاهر]

- ‌[أقسام البدل وما يختص به كل قسم]

- ‌[من أحكام البدل وحكم اجتماع التوابع]

- ‌الباب السابع والأربعون باب المعطوف عطف النّسق

- ‌[تعريفه، وذكر حروفه]

- ‌[معاني حروف العطف: الواو - الفاء - ثم - حتى - أم - أو - بل - لا]

- ‌[حديث خاص بالواو]

- ‌[حديث خاص بثم والفاء]

- ‌[حديث خاص بحتى وأم وأو]

- ‌[«إما» العاطفة معانيها، وأحكامها]

- ‌[من حروف العطف: بل، لكن، لا]

- ‌[ما لا يشترط وما يشترط في صحة العطف]

- ‌[العطف على الضمير المتصل، والعطف على عاملين]

- ‌[من أحكام الواو، والفاء، وأم، وأو

- ‌[عطف الفعل على الاسم والماضي على المضارع، وعكسه]

- ‌[الفصل بين العاطف والمعطوف]

- ‌الباب الثامن والأربعون باب النّداء

- ‌[بعض أحكامه من جر وحذف الحرف]

- ‌[بناء المنادى وإعرابه]

- ‌[أحكام المنقوص والمضموم المنون اضطرارا في النداء]

- ‌[من أحكام أسلوب النداء (لا ينادى ما فيه أل)]

- ‌[تابع المنادى وأحكامه]

- ‌[الضمير مع تابع المنادى]

- ‌[أحكام المنادى المضاف إلى ياء المتكلم]

- ‌[المنادى غير المصرح باسمه]

- ‌الباب التاسع والأربعون باب الاستغاثة والتعجّب الشبيه بها

- ‌[تعريف الاستغاثة وأحكامها]

- ‌الباب الخمسون باب النّدبة

- ‌[تعريف المندوب - مساواته للمنادى في أحكامه]

- ‌[من أحكام المندوب]

- ‌[من أحكام ألف الندبة]

- ‌[أحكام أخرى لألف الندبة]

- ‌الباب الحادي والخمسون باب أسماء لازمت النداء

- ‌[ذكرها وما يتعلّق بها من أحكام]

- ‌الباب الثاني والخمسون باب ترخيم المنادى

- ‌[ما يرخم، وما لا يرخم]

- ‌تقدير ثبوت المحذوف للترخيم

- ‌[أحكام آخر المرخم]

- ‌الباب الثالث والخمسون باب الاختصاص

- ‌[دواعيه وأحكامه]

- ‌الباب الرابع والخمسون باب التّحذير والإغراء وما ألحق بهما

- ‌[ما ينصب على ذلك - إظهار العامل وإضماره]

- ‌[ما يلحق بالتحذير والإغراء]

- ‌[مسائل وأمثلة أخرى في إضمار العامل]

الفصل: ‌[الأثر المعنوي للإضافة ومواقعه]

[الأثر المعنوي للإضافة ومواقعه]

قال ابن مالك: (ويتخصّص بالثّاني إن كان نكرة. ويتعرّف به إن كان معرفة ما لم يوجب تأوّله بنكرة وقوعه موقع ما لا يكون معه معرفة أو عدم قبوله تعريفا لشدّة إبهامه كـ «غير» و «مثل» و «حسب»، أو تكن إضافته غير محضة ولا شبيهة بمحضة؛ لكونه صفة مجرورها مرفوع بها في المعنى أو منصوب، وليس من هذا المصدر المضاف إلى مرفوعه أو منصوبه خلافا لابن برهان (1) ولا أفعل التّفضيل، ولا الاسم المضاف إلى الصّفة خلافا للفارسيّ (2) بل إضافة المصدر وأفعل التّفضيل محضة، وإضافة الاسم إلى الصّفة شبيهة بمحضة لا محضة، وكذا إضافة المسمّى إلى الاسم، أو الصّفة إلى الموصوف، والموصوف إلى القائم مقام الوصف، والمؤكّد إلى المؤكّد، والملغى إلى المعتبر، والمعتبر إلى الملغى).

قال ناظر الجيش: قال المصنف (3): كل جزء من جزأي الإضافة مؤثر في الآخر.

فالأول مؤثر في الثاني الجر بأحد المعاني الثلاثة والثاني مؤثر في الأول نزع دليل الانفصال مع التخصيص إن كان الثاني نكرة، ومع التعريف إن كان معرفة؛ هذا إذا لم يكن المضاف إلى المعرفة واقعا موقع ما لا يكون معرفة فيجب تقدير انفصاله؛ ليكون في المعنى نكرة كقول الشاعر:

2880 -

أبالموت الّذي لا بدّ أنّي

ملاق لا أباك تخوّفيني (4)

وكقول العرب: رب رجل وأخيه، وكم ناقة وفصيلها، وفعل ذلك جهده وطاقته. وقد تقدم بيان كيفية التأويل في هذه الأمثلة وأمثالها. فصورها صور المعارف وتقدير تنكيرها واجب لوقوع كل واحد منها موقع ما لا يكون معرفة، وكذا بحكم تنكير ما أضيف إلى معرفة وهو غير قابل للتعريف للزوم إبهامه كـ «غير» -

(1) الأشموني (2/ 241)، وشرح اللمع له (180).

(2)

ينظر: الأشموني (2/ 242)، والتذييل (4/ 72، 73)، والتصريح (2/ 27).

(3)

شرح التسهيل لابن مالك (3/ 286).

(4)

من الوافر لأبي حية النميري، وينسب للأعشى، وانظر: التصريح (2/ 26)، والدرر (1/ 125)، واللسان:«أبي» ، والمقتضب (4/ 375).

ص: 3168

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «مثل» و «حسب» فإنه لا فرق بين قولك: رأيته ورجلا غيره، وقولك: رأيته ورجلا آخر، وكذا لا فرق بين قولك: رأيته ورجلا مثله، وبين قولك: رأيته ورجلا آخر؛ لأن كل ما صدق وصفه بالمغايرة صدق وصفة بالمماثلة إذا كان الجنس واحدا، وكذا لا فرق بين قولك: رأيت رجلا حسبك من رجل، وبين قولك:

رأيت رجلا كافيا فيما يراد من الرجال فلا يزول بإضافة هذه وأمثالها إلى المعارف من الإبهام إلا ما لا يعتد بزواله. وقد يعني بـ «غير» ومثل مغايرة خاصة ومماثلة خاصة؛ فيحكم بتعريفها وأكثر ما يكون ذلك في غير إذا وقع بين ضدين كقولك:

2881 -

فليكن المغلوب غير الغالب

وليكن المسلوب غير السّالب (1)

وأجاز بعض العلماء - منهم السيرافي (2) - أن يحمل على هذا قوله تعالى:

صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (3)، لوقوع غَيْرِ فيه بين متضادين وليس ذلك بلازم؛ لقوله تعالى: نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ (4) فـ غَيْرَ الَّذِي مضاف إلى معرفة، وقد نعت به نكرة مع وقوعه بين ضدين فيجوز كون غَيْرِ الْمَغْضُوبِ نكرة بدلا أو نعتا ويجوز كونه نعتا مع الحكم بتنكيره؛ لأن الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ لم يقصد به تعيين فهو في المعنى نكرة وإن كان لفظه لفظ معرفة كما جاز أن ينعت اللَّيْلُ ب نَسْلَخُ في قوله تعالى:

وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ (5)؛ لأن الليل وإن كان في صورة معرفة فهو في المعنى نكرة؛ إذ لم يقصد به ليل معين فلذلك نعت بجملة والجمل لا ينعت بها إلا النكرات. وإلى هذا الوجه أشار الفراء والزجاج ورجحه أبو علي الشلوبين (6)، وزعم المبرد أن غيرا لا يتعرف أبدا (7)، ومن نعت ذي الألف واللام الجنسية بالجملة قول الأعشى:

2882 -

وتبرد برد رداء العرو

س رقرقت في الصّيف منه العبيرا (8)

-

(1) رجز ينسب لأبي طالب، وانظر: الأشموني (2/ 244)، والكافية الشافية (2/ 916).

(2)

في شرحه على الكتاب (2/ 145 ب)، وانظر: الأشموني (2/ 245)، والهمع (2/ 47).

(3)

سورة الفاتحة: 7.

(4)

سورة فاطر: 37.

(5)

سورة يس: 37.

(6)

ينظر: الأشموني، والصبان (2/ 244، 245)، والتصريح (2/ 26)، وما بعدها، والهمع (2/ 47).

(7)

المقتضب (2/ 274)، (4/ 288، 289)، والعجيب أنه - مع ذلك - قال بتعريفها إذا أضيفت إلى معرفة. انظر: المقتضب (4/ 423).

(8)

من المتقارب - ديوانه (69)، والإنصاف (789).

ص: 3169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[4/ 70] لأن «رداء العروس» بمنزلة «رداء عروس» . قال سيبويه في الباب المترجم بـ «هذا باب [إجراء] الصفة فيه على الاسم في بعض المواضع أحسن): وأما «رب رجل وأخيه منطلقين» ففيها قبح حتى تقول: وأخ له، والمنطلقان مجرور؛ لأن قوله: و «أخيه» نكرة؛ لأن المعنى: وأخ له. فإن قيل: أمضافة إلى معرفة أو نكرة؟

فإنك قائل: إلى معرفة ولكنها أجريت مجرى النكرة كما أن «مثلك» مضافة إلى معرفة وهي توصف بها النكرة وتقع مواقعها (1). هذا نص سيبويه رحمه الله تعالى.

وكذا نحكم بتنكير ما يضاف إلى معرفة إضافة غير محضة ولا شبيهة بمحضة وذلك بأن يكون المضاف صفة مجرورها مرفوع بها في المعنى نحو: رأيت رجلا حسن الخلق محمود الخلق، أو منصوب نصبا حقيقيّا نحو: رأيت رجلا مكرم زيد. فالإضافة في هذه الأمثلة وأشباهها غير محضة ولا شبيهة بمحضة؛ لأن المضاف فيها صفة أضيفت في الأول إلى ما هو مرفوع بها في المعنى؛ فإن الأصل: رأيت رجلا حسنا خلقه محمودا خلقه، وأضيفت في الثاني إلى ما هو منصوب بها في المعنى نصبا حقيقيّا؛ فإن الأصل: رأيت رجلا مكرما زيدا أي يكرم زيدا، والنية الانفصال، فإن الموضع موضع فعل وخرج بذكر الصفة إضافة المصدر وإضافة المميز وخرج بنسبة الرفع والنصب إلى مجرورها نحو: سحق عمامة، وكرام الناس؛ فإن إضافتهما محضة؛ لأنهما لم يقعا موقع فعل ولا المجرور بهما مرفوع المحل ولا منصوبه.

ثم نبهت على أن الصحيح كون إضافة المصدر محضة، وزعم ابن برهان أن إضافته غير محضة (2)؛ لأن المجرور به مرفوع المحل أو منصوبه كـ: قيام زيد وأكل الطعام؛ فالأول كـ: حسن الخلق، والثاني كـ: ضارب زيد الغد. قلت: والذي ذهب إليه ابن برهان ضعيف من أربعة أوجه:

أحدها: أن المصدر المضاف أكثر استعمالا من غير المضاف، فلو جعلت إضافته في نية الانفصال لزم جعل ما هو أقل استعمالا أصلا لما هو أكثر استعمالا وهو خلاف المعتاد.

الثاني: أن إضافة الصفة إلى مرفوعها أو منصوبها منوية الانفصال بالضمير المستتر فيها فجاز أن ينوى انفصالها باعتبار آخر والمصدر بخلاف ذلك، فتقدير انفصاله مما -

(1) الكتاب (2/ 54، 55).

(2)

ومعه ابن طاهر وابن الطراوة. التصريح (2/ 27)، والهمع (2/ 48).

ص: 3170

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هو مضاف إليه لا محوج إليه ولا دليل عليه.

الثالث: أن الصفة المضافة إلى مرفوعها أو منصوبها واقعة موقع الفعل المفرد والمصدر المضاف واقع موقع حرف مصدري موصول بالفعل والموصول المشار إليه محكوم بتعريفه فليكن الواقع موقعه كذلك.

الرابع: أن المصدر المضاف إلى معرفة، ولذلك لا ينعت إلا بمعرفة فلو. كانت غير محضة لحكم بتنكيره ونعت بنكرة، ولجاز دخول «رب» عليه وأن يجمع فيه بين الألف واللام والإضافة كما فعل في الصفة المضافة إلى معرفة نحو: يا ربّ غابطنا ورأيت الحسن الوجه. ونبهت أيضا على أن الصحيح في إضافة «أفعل» التفضيل كونها محضة، نص على ذلك على سيبويه (1) رحمه الله تعالى. ويدل على أن ذلك هو الصحيح أن الحامل على اعتقاد عدم التمحيض في إضافة الصفة إلى مرفوعها أو منصوبها: وقوع الأول فيها موقع الفعل ووقوع الثاني موقع مرفوع ذلك الفعل أو منصوبه، و «أفعل» التفضيل بخلاف ذلك؛ فلم يجز اعتقاد كون إضافته غير محضة، وأيضا فإن المضاف إليه «أفعل» التفضيل لا يليه مع بقاء المعنى المفاد بالإضافة إلا بالإضافة، فكان كـ:«غلام زيد» ولا خلاف في تمحض إضافة «غلام زيد» ؛ فكذا إضافة «أفضل القوم» وشبهه، ولأن «أفعل» التفضيل إذا أضيف إلى معرفة لا ينعت إلا بمعرفة ولا ينعت به إلا معرفة ولا تدخل عليه «رب» ولا يجمع فيه بين الإضافة والألف واللام، ولا ينتصب على الحال إلا في نادر من القول. ولو كانت إضافته غير محضة لكان نكرة ولم يمتنع وقوعه نعتا لنكرة ولا منعوتا بها ولا مجرورا بـ «رب» مجموعا فيه بين الألف واللام والإضافة ولا منصوبا على الحال دون استندار. واحترزت بقولي:(دون استندار) من قول المرأة الصحابية لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما لنا أكثر أهل النّار؟» (2) وهو معرفة مؤول بنكرة من المعارف الواقعة أحوالا وقد تقدم الكلام عليها.

ونبهت أيضا على أن إضافة الاسم إلى ما هو في الأصل صفة له كـ: «مسجد الجامع» واسطة بين المحضة وغير المحضة على أصح القولين؛ لأنها إضافة يتصل ما هي فيه بما يليه إما تتميما نحو: وَلَدارُ الْآخِرَةِ (3) وإما بجعلهما منعوتا ونعتا -

(1) ينظر: الكتاب (1/ 202) وما بعدها.

(2)

ينظر: التذييل (7/ 196).

(3)

سورة يوسف: 109.

ص: 3171

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نحو: وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ (1) وكلا الاستعمالين صحيح فصيح؛ فوجب أن يكون لنوعه اعتباران: اتصال من وجه وانفصال من وجه؛ فالاتصال من قبل أن الأول غير مفصول بضمير منوي كما هو في إضافة الصفة إلى مرفوعها أو منصوبها، ولأن موقعه لا يصلح للفعل فيقدر تنكيره ولأن الذي حكم بعدم تمحض إضافته جعل سبب ذلك أن الأصل [4/ 71] إضافة الأول إلى موصوف الثاني فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، وهذا إذا سلم لا يمتنع به تمحض الإضافة؛ لأن الحكم لا يتغير بحذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه وقبل حذف الموصوف كان محض الإضافة ثابتا فلا يزول بعد الحذف كما لا يزول غيره من أحكام المحذوف الذي أقيم غيره مقامه. وأما الانفصال في هذا النوع فمعتبر من قبل أن المعنى يصح به دون تكلف ما يخرج به عن الظاهر ألا ترى أن نحو: الجانب الغربي، والصلاة الأولى، والدار الآخرة، والحبة الحمقاء، مكتفى بلفظه في صحة معناه، وأن نحو: جانب الغربي، وصلاة الأولى، ودار الآخرة، وحبة الحمقاء؛ غير مكتفى بلفظه في صحة معناه، بل يحتاج فيه إلى تكلف تقدير. بأن يقال: جانب المكان الغربي، وصلاة الساعة الأولى، ودار الحياة الآخرة، وحبة البقلة الحمقاء، مع أن بعض هذا النوع لا يحسن فيه تقدير موصوف نحو: دين القيمة؛ فإن أصله: الدين القيمة، والتاء للمبالغة فإذا قدر محذوف لزم أن يقال: دين الملة أو الشريعة؛ فيلزم تقدير ما لا يغني تقديره؛ لأن المهروب منه كان إضافة الشيء إلى نفسه وهو لازم بتقدير الملة أو الشريعة، وأيضا جعل الأول من هذا النوع منعوتا والثاني نعتا مطرد كقولهم للحنطة: الحبة السمراء، وللشونيز: الحبة السوداء، وللبطم (2): الحبة الخضراء، والإضافة غير مطردة؛ لأنها مقصورة على السماع، واعتبار المطرد أولى من اعتبار غير المطرد؛ ولذلك يجوز الإتباع في ما جازت فيه الإضافة، ولا تجوز الإضافة في ما لم تضفه العرب كالحبة السمراء والحبة السوداء والحبة الخضراء.

والحاصل: أن إضافة هذا النوع منوية الانفصال، لأصالتها بالاطراد والإغناء عن ترك الظاهر مع ذلك لا يحكم بتنكير مضافها لشبهه بما لا ينوى انفصاله في كونه غير واقع موقع فعل وكون تاليه غير مرفوع المحل ولا منصوبه. ثم نبهت على -

(1) سورة الأنعام: 32.

(2)

بطم حنظل: حبة في صيصائه. اللسان: «بطم» .

ص: 3172

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المضافات الجارية مجرى هذا النوع في اعتبار الاتصال والانفصال.

فمنها: إضافة المسمى إلى الاسم كـ: شهر رمضان، ويوم الخميس، وذات اليمين، وذي صباح، وقوله:

2883 -

إليكم ذوى آل النّبيّ تطلّعت

نوازع من قلبي ظماء وألبب (1)

ومثله:

2884 -

عزمت على إقامة ذي صباح

لأمر ما يسوّد من يسود (2)

ومثله:

2885 -

على كلّ ذي منعة سانح

يقطع ذو الهرية الخزاما (3)

ومن إضافة المسمى إلى الاسم قولهم: سعيد كرز؛ فإن «سعيدا» علم و «كرز» اللقب والشخص المدلول عليه بهما واحد لكن الاسم مقدم على اللقب في الوضع فقدم عليه في اللفظ وقصد بالمقدم المسمى لتعرضه إلى ما يليق بمجرد اللفظ من نداء وإسناد فلزم أن يقصد بالثاني مجرد اللفظ لتثبت بذلك مغايرة ما حتى كأن قائل:

جاء قد قال: جاء مسمى كرز، وكذا قائل: صمت شهر رمضان واعتكفت يوم الخميس، وهكذا العمل في أشباهها.

ومنها: إضافة الصفة إلى الموصوف كقول الشاعر:

2886 -

إنّا محيّوك يا سلمى فحيّينا

وإن سقيت كرام النّاس فاسقينا (4)

فالأصل: وإن سقيت الناس الكرام، ثم قدم الصفة وجعلها نوعا مضافا إلى الجنس، ومن هذا القبيل قولهم: سحق عمامة، وجرد قطيفة، وسمل سربال، والأصل: عمامة سحق، وقطيفة جرد، وسربال سمل ثم فعل بها ما فعل بـ «كرام الناس» .

ومنها: إضافة الموصوف إلى مضاف إليه الوصف كقوله الشاعر: -

(1) من الطويل للكميت بن زيد. وانظر ديوانه (1/ 102)، والخزانة (2/ 205)، والخصائص (3/ 27)، واللسان:«لبب» ، والمحتسب (1/ 347). والألبب: جمع لب وهو العقل.

(2)

من الوافر لأنس بن مدركة. الدرر (1/ 168)، وشرح المفصل (3/ 12)، والكتاب (1/ 116)، والمقتضب (4/ 435)، والهمع (1/ 197) هذا: وعجزه من أمثال العرب، راجع: مجمع الأمثال (2/ 130).

(3)

من الوافر. الدرر (2/ 218)، والهمع (2/ 157).

(4)

من البسيط لبشامة بن حزن. الحماسة (ص 100)، والعيني (3/ 370).

ص: 3173

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

2887 -

علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم

بأبيض ماضي الشّفرتين يمان (1)

أي علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم؛ فحذف الصفتين المضافتين إلى ضميري المتكلم والمخاطب وجعل الموصوف خلفا عن الصفة في الإضافة ومثله:

2888 -

فإنّ قريش الحقّ لم تتبع الهوى

ولن يقبلوا في الله لومة لائم (2)

أراد: فإن قريشا أصحاب الحق ثم فعل كفعل الأول ومثله:

2889 -

لعمري لئن كانت بخيلة زانها

جرير لقد أخزى كليبا جريرها (3)

ومثله قول الأسد الطائي:

2890 -

قتلت مجاشعا وأسرت عمرا

وعنترة الفوارس قد قتلت (4)

ومثله قول الحطيئة (5):

2891 -

إليك سعيد الخير جبت مهامها

يقابلني آل بها وتنوف (6)

ومثله قول رؤبة:

2892 -

يا قاسم الخيرات وابن الأخير

ما ساسنا مثلك من مؤمّر (7)

ومثله:

2893 -

يا زيد زيد اليعملات الذّبّل

تطاول اللّيل عليك فانزل (8)

وكذا قولهم في «زيد» الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم «زيد الخير» : زيد الخيل (9)؛ -

(1) من الطويل لرجل من طيئ. التصريح (1/ 153)، والخزانة (1/ 327)، (2/ 161) واللسان:

«زيد» ، وابن يعيش (1/ 43)«بأبيض من ماء الحديد يماني» .

(2)

من الطويل - التذييل (7/ 206).

(3)

من الطويل، وانظره في التذييل (7/ 206).

(4)

من الوافر - التذييل (7/ 206).

(5)

جرول بن أوس بن مالك العبسي شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام لم يكد يسلم من لسانه الهجاء أحد (ت 45 هـ) - الأعلام (2/ 110) والسمط (1/ 80) هذا: والشاعر قد هجا نفسه وأمه وأباه.

(6)

من الطويل - التذييل (7/ 206)، ولم أجده في ديوانه - طبعة الحلبي - 1378 هـ، 1958 م.

(7)

رجز - وهو في التذييل (7/ 207).

(8)

رجز لعبد الله بن رواحة أو بعض ولد جرير. اليعملات: الإبل القوية على العمل جمع يعملة، والذبّل:

الضامرة لطول السفر. الدرر (2/ 154)، والكتاب (1/ 315) واللسان:«عمل» ، والهمع (2/ 122).

(9)

ينظر: التذييل (7/ 207)، والنزهة (ص 260).

ص: 3174

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأنه كان صاحب خيل كريمة. وعلى هذه الأمثلة وشبهها نبهت بقولي: والموصوف إلى القائم مقام الصفة، ثم أشرت إلى إضافة المؤكد إلى المؤكد وأكثر ما يكون ذلك أسماء الزمان المبهمة كـ:«حينئذ ويومئذ» وقد تكون في غير أسماء الزمان كقول الشاعر:

2894 -

فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنّه

سير ضيكما منها سنام وغاربه (1)

أراد: كشطا عنها الجلد؛ لأن النجا هو الجلد فأضاف المؤكد إلى المؤكد كما أضيف الموصوف إلى الوصف في «المسجد الجامع» وشبهه. ومن إضافة المؤكد إلى المؤكد في غير الزمان قول الشاعر:

2895 -

لم يبق من زغب طار الشّتاء به

على قرا ظهره إلّا شماليل (2)

[4/ 72] فأضاف القر إلى الظهر وهما بمعنى واحد كما فعل في «نجا الجلد» .

ومثله قول الآخر:

2896 -

كخشرم دبر له أزمل

أو الجمر خش بصلب جزال (3)

فأضاف الخشرم إلى الدبر وكلاهما اسم للنجل. وذكر الفارسي في التذكرة أن قولهم: لقيته يوم يوم وليلة ليلة؛ أضيف فيه الشيء إلى مثله لفظا ومعنى (4).

ومن إضافة الملغى إلى المعتبر قول الشاعر:

2897 -

إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (5)

ومثله:

2898 -

يا عجبا لعمان الأزد إذ هلكوا

وقد رأوا عبرا في سالف الأمم (6)

ومثله: -

(1) من الطويل لأبي الغمر الكلابي، أو عبد الرحمن بن حسان أو أبي الجراح - الأشموني (2/ 243)، والإنصاف (123)، والتذييل (7/ 207)، والخزانة (2/ 277)، وشرح المفصل (7/ 129، 152)، والعيني (3/ 373).

(2)

من البسيط وفي اللسان: الزغب: ما يعلو رأس الفرخ من الريش الصغير، وشماليل: ما تفرق من شعب الأغصان، وانظر: الارتشاف (772)، والتذييل (7/ 207).

(3)

متقارب - التذييل (7/ 207).

(4)

التذييل (4/ 77).

(5)

من الطويل للبيد - ديوانه (74، 75)، والمقرب (1/ 213).

(6)

من البسيط للفرزدق - شرح ديوانه (103)، وشرح العمدة (249) منسوبا إليه.

ص: 3175

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

2899 -

قالت أتصرمني فقلت لقيلها

شلّت بنان يدي إذا لا أفعل (1)

ومثله:

2900 -

ألا ليت أيّام الصّفاء جديد

ودهرا تولّى يا بثين يعود (2)

ومثله:

2901 -

وتيه خبطنا غولها وارتمى بنا

أبو البعد من أرجائها المتطاوح (3)

أراد: وارتمى بنا البعد، ومثله قول أمية (4) في ناقة صالح عليه الصلاة والسلام:

2902 -

فأتاها أحيمر كأخي السّه

م يزجّ فقال كوني عقيرا (5)

أراد: كالسهم؛ فألغى الأخ. ومن إلغاء المضاف والاعتداد بالمضاف إليه ما حكي من قول العرب: هذا حي زيد، وأتيتك حي فلان قائم وحي فلانة شاهد.

وسمع الأخفش أعرابيّا يقول: قالهنّ حيّ رياح (6) يعني أبياتا، ومثله قول الشاعر:

2903 -

يا قرّ إنّ أباك حيّ خويلد

قد كنت خائفه على الإحماق (7)

والمعنى: هذا زيد، و: إن أباك خويلد، و: قالهن رياح، ومن هذا القبيل قول الشاعر:

2904 -

وحي بني كلاب قد شجرنا

بأرماح كأشطان القليب (8)

قال الفارسي: من إلغاء المضاف: كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ (9) أي: كمن هو في الظلمات و: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ (10) أي: الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار. ومن إضافة المعتبر إلى ما لا يعتبر ولا يعتد به إلا كالاعتداد -

(1) من الكامل - التذييل (4/ 77)، وكلمة «يدي» سقطت من التذييل.

(2)

من الطويل - التذييل (7/ 208) - وهذا البيت ليس في (أ).

(3)

من الطويل - التذييل (7/ 208).

(4)

ابن عبد الله أبي الصلت الثقفي شاعر جاهلي حكيم، أدرك الإسلام، شعره من الطبقة الأولى (ت: 5 هـ) الأعلام (1/ 364)، والجمهرة (ص 257)، والسمط (1/ 362).

(5)

من الخفيف - ديوانه (ص 35)، والأشموني (3/ 274)، والعيني (4/ 377).

(6)

الارتشاف (2/ 508).

(7)

من الكامل لجبار بن سلمى - الأشموني (43/ 123)، والخصائص (3/ 28)، وابن يعيش (3/ 13).

(8)

من الوافر - والشطن: الحبل، والقليب: البئر - التذييل (7/ 209)، واللسان:«شطن» وقلب.

(9)

سورة الأنعام: 122.

(10)

سورة محمد: 15.

ص: 3176

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالحرف الزائد للتوكيد قول الشاعر، وهو ابن أبي ربيعة:

2905 -

حملها حبّا لو أمسى مثله

تبيرا وبحرا به لتضعضعا (1)

ومثله قول الحطيئة:

2906 -

فلو بلغت عوّاء السّماء قبيلة

لزادت عليها نهشل وتعلّت (2)

وله أيضا:

2907 -

[لعمر] الرّاقصات بكلّ فجّ

من الرّكبان موعدها مناها

2908 -

لقد شدّت حبائل آل لأي

حبالي بعد ما ضعفت قواها (3)

ومثله قول الفرزدق:

2909 -

وثقت إذ لاقت بلالا مطيّتي

لها بالغنى إن لم تصبها شعوبها (4)

ومثله قول بعض الطائيين:

2910 -

أقام ببغداد العراق وشوقه

لأهل دمشق الشّام شوق مبرّح (5)

ومثله قول دبيّة السلمي وكان سادن العزى:

2911 -

أعزّاي شدّي شدّة لا تكذبي

على خالد ألقي الحمار وشمّري

فإنّك إن لا تقتلي اليوم خالدا

تنوئي بذلّ عاجل وتحسّر (6)

ومن هذا القبيل: مررت برجل حسن وجهه، وحسن وجه، و: اضرب أيهم أساء؛ لأن «أيّا» الموصولة معرفة بصلتها

كغيرها من الأسماء الموصولة فلو كان ما يضاف إليه معتدّا به لزم اجتماع معرفين على معرف واحد وهو ممنوع، وما أفضى إلى الممنوع -

(1) لم أجده بنصه في ديوانه، وانظر الديوان (185، 190)، وبنصه في التذييل (7/ 209).

(2)

من الطويل - ديوانه (68) برواية:

ولو بلغت دون السّماء قبيلة

وجمل الزجاجي (194) - هذا والعوّاء والعوّى: منزل القمر خمسة كواكب أو أربعة كأنها كتابة ألف.

(3)

من الوافر - التذييل (7/ 209).

(4)

من الطويل - ديوانه (1/ 68)، وانظر: التذييل (7/ 209).

(5)

من الطويل - الدرر (2/ 58)، والعيني (3/ 378)، والهمع (2/ 49).

(6)

من الطويل وانظرهما - معا - في: التذييل (7/ 209).

ص: 3177

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ممنوع. هذا آخر كلام المصنف رحمه الله تعالى (1)، وقد تضمن الإشارة إلى أمور:

أولها: تخصيص المضاف إليه أو تعريفه.

ثانيها: أن بعض المضافات إلى معرفة لا يتعرف بإضافته إليها.

ثالثها: جعله من أقسام الإضافة قسما ثالثا وهو التشبيه بالمحضة (2).

رابعها: أن المضاف قد يكون ملغى فيكون المقصود المضاف إليه فقط، وقد يكون ذلك بالعكس فيكون الملغى هو المضاف إليه فقط، والمضاف هو المقصود.

وحاصل الأمر: أن يكون الذي ليس بمقصود وهو الذي لا يعتبر منهما المعبر عنه بالملغى حكمه حكم الزائد في الكلام.

أما الأول من هذه الأمور وهو أن المضاف يتخصص بالمضاف إليه أو يتعرف؛ فقال الشيخ فيه: هذا التقسيم قسمه غيره من النحويين وتقسيمهم الإضافة إلى التخصيص والتعريف ليس بصحيح؛ لأنه من جعل القسم قسيما؛ وذلك أن التعريف تخصيص فهو قسم من التخصيص لا قسيم له، والإضافة إنما تفيد التخصيص فقط لكن أقوى مراتبه التعريف (3). انتهى.

وهو كلام صحيح غير أن اللفظ المفيد لمعنيين إذا ذكر مع لفظ آخر مفيد لأحد المعنيين وجب قصر اللفظ المفيد للمعنيين على أحدهما؛ لكونه جعل قسيما يفيد معنى الآخر. وهذا شيء كثير الاستعمال في اللغة العربية. وليعلم أن الإضافة إنما وضعت لتخصيص أو تعريف ما شياعه أصلي، وأما ما شياعه عارض؛ فلا يزال شياعه إلا بالتابع،. ومن ثم امتنعت إضافة المعارف؛ لأن المعرفة شياعها إنما يكون بأمر عارض فيها. وإن اتفق إضافة شيء من الأعلام؛ فلا يضاف حتى ينكر ويوضع وضعا آخر، فإذا قيل: زيد بني فلان؛ فكأن «زيدا» وضع بإزاء رجل سمي بـ «زيد» ثم أضيف إلى «بني فلان» ليتخصص أو يتعرف؛ فعلى هذا كل اسم لا يمكن تنكيره لا يمكن إضافته نحو الأسماء المبهمة والمضمرات وما جرى مجراها.

وأما الأمر الثاني وهو أن بعض المضافات إلى معرفة لا يتعرف بإضافته إليها؛ فقد -

(1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 236).

(2)

في التصريح (2/ 26، 27) هذه الأقسام الثلاثة.

(3)

التذييل (7/ 186).

ص: 3178

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عرفت أن المصنف ذكر أن موجب ذلك ثلاثة أمور:

أحدها: وقوع المضاف موقعا لا يكون للمعرفة.

ثانيها: عدم قبول المضاف التعريف لشدة إبهامه.

ثالثها: أن تكون إضافته لفظية.

ثم بأنه مثّل للأول بقولهم:

2912 -

لا أباك تخوفيني

وبقولهم: رب رجل وأخيه، وبقولهم: كم ناقة وفصيلها، وليس هذا منه [4/ 73] على سبيل الحصر؛ فإن ذلك يجيء في بابين آخرين غير هذه الثلاثة وهما:

كل شاة وسخلتها بدرهم؛ لأن «كل» إذا دخلت على المفرد فلا بد أن يكون نكرة، فالأصل: كل شاة وسخلة لها بدرهم. وكذا: أي فتى هيجا أنت وجارها الأصل:

أي فتى هيجا أنت وجار لها؛ لأنه معطوف على «فتى» فيجب أن يكون نكرة؛ لأن «أيّا» في مثل هذا لا يضاف إلا إلى نكرة، فليس المقصود بالإضافة في هذه الأبواب الخمسة تخصيصا ولا تعريفا إنما جيء بها للتخفيف، فالنية بها

الانفصال؛ لأن التقدير: لا أب لك، ورب رجل وأخ له، وكم ناقة وفصيل لها، وكل شاة وسخلة لها، وأي فتى هيجاء وجار لها. أما إدراج المصنف في ما نحن فيه «جهده وطاقته» من قولهم: فعل ذلك جهده وطاقته؛ فغير ظاهر؛ لأن نحو «جهده وطاقته» محكوم فيه بتعريف المضاف بالإضافة إلى الضمير، وإنما قدر بنحو: جاهد ومطيق من حيث إنه حال والحال لا يكون معرفة؛ فالمضاف والمضاف إليه معا قدّرا بكلمة مفردة هي الحال فلا يتصور انفصال بين المتضايقين بخلاف «لا أباك» فإن التقدير كما تقدم:

لا أب لك، وكذا «رب رجل وأخيه» التقدير: وأخ له، فالمقدر بالنكرة هو المضاف وحده؛ لوقوعه بعد «لا» في المثال الأول وبعد «رب» في المثال الثاني والمعرفة لا تقع بعدهما. وقد قال هو في باب الحال: الحال واجب التنكير وقد يجيء معرفا بالأداة أو الإضافة (1)، ومثل للإضافة بـ: فعل جهده وطاقته، وإذا كان كذلك فكيف يحكم هنا بأنه نكرة؟! ومثل للثاني - وهو عدم قبول المضاف التعريف لشدة إبهامه كما قال -

(1) انظر: متن تسهيل الفوائد لابن مالك (ص 108).

ص: 3179

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في المتن، أو لزوم إبهامه كما قال في الشرح - بـ «غير» و «مثل» و «حسب» .

وعرف من كلامه أن المانع من تعريف مثل هذه الكلمات إنما هو لزوم إبهامها وبيان لزوم الإبهام في هذه الكلمات أن نحو «مثل» مثلا لم يكن واقعا على أمر معلوم الحقيقة بل هو واقع على أشياء مختلفة، فإذا قيل: مثل زيد؛ احتمل أن يكون مثله في العقل أو في الشجاعة أو في غيرهما، فمدلوله غير معلوم الحقيقة، وكذا إذا قلت: غير زيد؛ فكل شيء إلا زيدا غيره وهذا بخلاف «غلام» و «فرس» فإن كلّا منهما معلوم المدلول؛ لوقوعه على أمر معلوم ولكن فيهما شياع، فإذا أريد إزالته أزيل بالإضافة، وأما الإبهام الذي في «مثل» و «غير» وأخواتهما فليس للإضافة في إزالته أثر. وهو الذي ذكره المصنف من أن المانع من تعريف هذه الكلمات هو لزوم إبهامها ذكر الجماعة (1) أنه مذهب ابن السراج (2) والسيرافي (3) وأن سيبويه (4) والمبرد (5) ذهبا إلى خلاف ذلك.

قال ابن أبي الربيع اختلف الناس في سبب عدم التعريف يعني في هذه الكلمات التي هي التي «غير» و «مثل» و «شبه» ما جرى مجراها. فذهب سيبويه إلى أنها أجريت مجرى اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال فمعنى مثلك: مماثلك، ومعنى شبهك: مشبهك (6). وذهب أبو علي (7) وجماعة من أهل هذه الصناعة إلى أن سبب ذلك الإبهام الذي فيها؛ قال: وما ذهب إليه سيبويه رجع الجميع إليه في مثل قول امرئ القيس:

2913 -

[وقد أغتدي والطّير في وكناتها]

بمنجرد قيد الأوابد [هيكل](8)

فإن قيل: «الأوابد» لم يتعرف بالإضافة؛ لأنه في معنى: مقيد، ثم قال: -

(1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 72).

(2)

الارتشاف (2/ 504)، والأشموني (2/ 245)، والهمع (2/ 47).

(3)

في شرحه على الكتاب (2/ 145) - وانظر المراجع السابقة.

(4)

الكتاب (2/ 13).

(5)

المقتضب (1/ 288) وما بعدها.

(6)

الكتاب (1/ 423).

(7)

التذييل (4/ 71).

(8)

قطعة من بيت ذكرنا بقيته، وهو لامرئ القيس من الطويل - ديوانه (19)، والخزانة (1/ 507)، والمحتسب (1/ 168)، (2/ 234)، والمغني (446).

ص: 3180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وكلاهما عندي وجه ومأخذ صحيح. (1) انتهى. وما ذكره من أن «قيد الأوابد» بمعنى: مقيد الأوابد؛ صحيح لكن «قيد الأوابد» ليس من باب «غيرك» و «مثلك» و «شبهك» ؛ لأنه ليس فيه إبهام كما في هذه. فالمانع لتعريف «قيد الأوابد» كونه بمعنى: مقيد قطعا، وإذا كان كذلك فلم يشارك «مثلا» ولا «غيرا» في الإبهام حتى يلزم الجميع الرجوع إليه. وأما ابن عصفور فإنه قال: وأما «غيرك» و «شبهك» و «مثلك» وأخواتها ففيه خلاف؛ زعم الأخفش أن الذي أوجب لها أن لا تتعرف أن الأسماء في أول أحوالها نكرات ثم يدخلها بعد ذلك التعريف باللام أو بالإضافة أو بالعلمية (2)، و «غيرك» وأخواتها استعملت في أول أحوالها مضافات فكانت لذلك نكرات، والدليل على أنها استعملت في أول أحوالها مضافات أنه لا يجوز: مثل لك، ولا: غير لك، ولا: شبه لك وكذلك سائرها. فأما شبهك فمعرفة وحده؛ لأنه لم يستعمل في أول أحواله مضافا بدليل أنهم يقولون: شبيه بك. وهذا حسن جدّا. وزعم المبرد أن الذي منع من تعريفها بالإضافة إلى المعرفة أنها بمعنى اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال (3)؛ ألا ترى أن «غيرك» بمعنى: مغايرك، و «مثلك» بمعنى: مماثلك، و «شبهك» بمعنى: مشابهك؛ فكان حكمها حكمه في عدم التعرف بالإضافة؛ وأما «شبيهك» فتعرف عنده بالإضافة؛ لأن فعيلا للمبالغة فدخله لذلك معنى الذي عرف بـ «شبهك» ؛ لأنه إذا كثر شبه شخص بآخر صار معروفا بذلك، فلما دخله معنى المضي تعرف بالإضافة، وهذا التعليل أيضا حسن جدّا (4). انتهى.

وتحصل من كلام المصنف وابن أبي الربيع وابن عصفور أن المذاهب في كون هذه الكلمات لم تتعرف بالإضافة ثلاثة: وهي إما لزومها الإبهام، وإما جريانها مجرى اسم الفاعل، وإما استعمالها في أول أحوالها مضافات. ثم الكلمات المحكوم لها بهذا الحكم هي «غيرك» ، و «مثلك» ، و «شبهك» ، و «خدنك» ، و «تربك» ، و «هدك» ، و «حسبك» ، و «شرعك» ، و «كفيك» بكسر -

(1) التذييل (4/ 71).

(2)

معاني القرآن له (1/ 10، 11)، والارتشاف (2/ 504)، والتذييل (4/ 71).

(3)

المقتضب (4/ 288) وما بعدها، والارتشاف (2/ 504)، والهمع (2/ 47).

(4)

شرح الجمل لابن عصفور (2/ 72).

ص: 3181

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكاف وفتحها وضمها، و «كفائك» و «ناهيك من رجل» ، و «عبر الهواجر» ، و «قيد الأوابد» ، «وواحد أمه» ، و «عبد بطنه». وهذه التي ذكرها ابن عصفور في المقرب (1). و «خدنك وتربك» معناهما: المقارن لك في السن؛ و «ناهيك من رجل» معناه: ننهاك عن غيره لقيامه بكل ما تختاره منه، و «عبر الهواجر» من صفة الناقة التي يقطع بها، و «قيد الأوابد» من صفة الفرس وأول من قاله امرؤ القيس، ومعناه أنه لشدة جريه يصاد به الوحش كالقيد لها، وبعض هذه الكلمات في إيراده هنا [4/ 74] نظر؛ فإنه يظهر فيه أنه مؤول باسم الفاعل كـ:«قيد الأوابد» ، و «عبر الهواجر» ، و «ناهيك من رجل» و «واحد أمه» ، و «عبد بطنه» والكلام الآن ليس في ما هو مؤول باسم الفاعل إنما هو في الكلمات الموضوعة على الإبهام. ثم إن الشيخ ذكر كلمات أخر مضمومة إلى هذه الكلمات المذكورة وهي:«ضربك» و «نحوك» و «ندك» وجارن تسكل النحار ومجربك الكف وهمك (2)، قال:

ولم يستعمل من هذه الثلاث التي هي «همك وهدك وشرعك» افعل، ثم الثلاث المذكورة معناها معنى «حسبك» (3). قال: وجميعها مصادر في الأصل، ولذلك لا تثنى بتثنية الموصوف، ولا تجمع (بجمعه)(4). انتهى.

وأما «واحد أمه» و «عبد بطنه» فقال أبو علي:

وقد زعموا أن بعض العرب يجعل «واحد أمه» و «عبد بطنه» نكرتين وإن كان الأكثر أن يكونا معرفتين (5). ومثل المصنف للثالث - وهو الذي إضافته لفظية أي:

غير محضة - فقال: وكذا يحكم بتنكير ما يضاف إلى معرفة إضافة غير محضة ولا شبيهة بمحضة، وذلك أن يكون المضاف صفة مجرورها مرفوع بها في المعنى نحو: رأيت رجلا حسن الخلق محمود الخلق، أو منصوب

نصبا حقيقيّا نحو:

رأيت رجلا مكرم زيد

إلى آخر ما تقدم لنا ذكره عنه.

وحاصله: أنه يريد بذلك إضافة الصفة إلى معمولها وهي إضافة اسم الفاعل والمفعول بمعنى الحال والاستقبال والصفة المشبهة. وإنما قيدت إضافة الصفة بكونها -

(1) المقرب (1/ 209).

(2)

التذييل (7/ 188).

(3)

التذييل (7/ 188).

(4)

الأصل: جمعه - التذييل (7/ 188).

(5)

التذييل (4/ 80، 81)، والهمع (2/ 47).

ص: 3182

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إلى معمولها تحرزا من الصفة المضافة إلى غير معمولها نحو: «ضارب الأمير» مريدا به: الذي يضرب للأمير، لا الذي يضرب الأمير، ومنه قول الشاعر:

2914 -

ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة

فاغفر عليك سلام الله يا عمر (1)

المراد: ألقيت الذي يكسب لهم، لا الذي يكسبهم. ومن أجل هذا قيد المصنف الصفة بكون مجرورها مرفوعا بها في المعنى أو منصوبا. فأما بهذا القيد أن الصفة التي لا تتعرف بالإضافة لا بد أن تكون مضافة إلى ما هو معمول لها.

واعلم أن غير المصنف يجعل الصفة العاملة المضافة اسم فاعل كانت أو اسم مفعول أو صفة مشبهة مضافة إلى منصوب؛ لأن اسم المفعول لا يضاف إلى معمول حتى يحول الإسناد فيجعل اسم المفعول مسندا إلى ضمير الاسم السابق وهو منعوت اسم المفعول وينصب ذلك المعمول على التشبيه بالمفعول به، ثم يضاف إليه، وكذا الأمر في الصفة المشبهة.

وهذا لا نزاع فيه، إلا أن المصنف لما لم يصرح بذكر اسم الفاعل ولا اسم المفعول ولا الصفة المشبهة، بل ذكر الصفة وأطلق قصد أن ينظم كلامه ثلاثة الأقسام فدخل تحت قوله:(مجرورها مرفوع بها في المعنى) اسم المفعول والصفة المشبة؛ لأن مجرورهما وإن كان قبل جره بها منصوبا لفظا فهو المسند إليه في الحقيقة وما كان في الحقيقة مسندا إليه كان متصور الرفع فيصدق عليه أنه مرفوع معنى، وخلص قوله بعد ذلك:(أو منصوب) لدخول اسم الفاعل، وفي الظن أنه إنما قيد نصبا بقوله:

(حقيقيّا) تحرزا من اسم المفعول والصفة المشبهة؛ فإنه يصدق على مجرورهما أنه منصوب ولكنه نصب غير حقيقي. على أنه غير محتاج للتقييد بالحقيقي؛ لأن تقدم قوله: (مرفوع بها في المعنى) يوجب أن يكون قوله بعد ذلك: (أو منصوب) مرادا به اسم الفاعل، ولكن كأنه إنما ذكر القيد المذكور تنبيها على أن النصب في البابين - أعني باب اسم المفعول وباب الصفة المشبهة - ليس بحقيقي.

وإذا اعتبرت ما فعله المصنف علمت أنه سلك مسلكا حسنا وأنه موفق معان رحمه الله تعالى، والنية في هذه الإضافة الانفصال فإن الموضع موضع فعل كما قال -

(1) من البسيط، وينسب للحطيئة - التذييل (4/ 72).

ص: 3183

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المصنف، ومن أجل هذا كانت غير محضة. وكما أنها لا تفيد تعريفا لا تفيد تخصيصا أيضا؛ لأن التخصيص كان حاصلا قبلها بالعمل، فهو باق لم يزل، ولكن الذي تفيده أحد أمرين: إما تخفيف اللفظ، وإما رفع القبح. والتخفيف قد يكون بحذف التنوين الظاهر من الاسم المنصرف والمقدر من غير المنصرف كـ: حواج بيت الله، وبحذف نوني التثنية والجمع. وأما رفع القبح ففي بعض صور مسائل الصفة المشبهة وهو ما كانت الصفة ومعمولها فيه معرفتين باللام نحو: مررت بالرجل الحسن الوجه، فإن في جر معمول الصفة بإضافتها إليه خلوصا من ارتكاب أمرين ضعيفين يعبر عن ضعفهما بالقبح وهما رفعه ونصبه؛ لأن رفعه يؤدي إلى خلو الصفة من ضمير يرجع إلى الموصوف ونصبه يؤدي إلى إجراء ما هو قاصر مجرى ما هو متعد، ويتحقق لك هذا امتناع الإضافة عند خلو المعمول من اللام مضافا كان أو غير مضاف نحو الحسن وجهه والحسن وجه؛ لأن الرفع في المثال الأول لا يقبح لوجود الضمير العائد، وكذا النصب في المثال الثاني؛ لأن النصب فيه يكون على التمييز ولا قبح فيه أيضا.

ثم إنك تفهم من تقييد المصنف الإضافة غير المحضة بكونها صفة مجرورها مرفوع بها في المعنى أو منصوب خروج المصدر وأفعل التفضيل المضافين إلى معرفة عن كونهما غير محضين وأن إضافتهما داخلة في الإضافة المحضة. أما المصدر فلكونه غير صفة، وأما «أفعل» التفضيل فإنه وإن كان صفة فليس ما يضاف هو إليه مرفوعا به في المعنى ولا منصوبا، ولهذا قال بعد ذلك: وليس من هذا المصدر المضاف إلى مرفوعه أو منصوبه ولا «أفعل» التفضيل.

وقد أشار إلى الخلاف في ذلك. فالمخالف في المصدر ابن برهان (1)، والمخالف في «أفعل» التفضيل الفارسي (2) كما أشار إلى ذلك في متن الكتاب. وقد بحث المصنف في ذلك وأبطل القول بأن إضافتهما غير محضة وذكر

أن سيبويه نص على أن إضافة «أفعل» التفضيل محضة (3)، ولا شك أن الأكثر على ذلك (4). وقد تبع -

(1) شرح اللمع لابن برهان (180)، والأشموني (2/ 241)، والتصريح (2/ 27)، والهمع (2/ 48).

(2)

التذييل (4/ 72)، والتصريح (2/ 27).

(3)

الكتاب (1/ 202) وما بعدها.

(4)

ينظر: شرح الجمل (2/ 71 - 72)، والهمع (2/ 48).

ص: 3184

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الفارسيّ ابن عصفور والجزوليّ وابن أبي الربيع (1).

وذكر ابن أبي الربيع وابن هشام عن الفارسي استدلالا على ذلك وهو طويل لا طائل [4/ 75] تحته فتركته خوف الإطالة.

ولا شك أن في ما ذكره المصنف غنية عن غيره. وينبغي أن يعلم أن قول ابن برهان في المصدر أقرب من قول الفارسي في «أفعل» التفضيل؛ لأن المصدر مضاف إلى معموله في الجملة بخلاف «أفعل» التفضيل، ولأن المضاف إليه «أفعل» التفضيل لا يليه مع بقاء المعنى المفاد بالإضافة إلا بإضافة؛ فكان كـ «غلام زيد» كما قال المصنف.

ولا شك أن المصدر إذا أضيف إلى مرفوعه أو منصوبه بخلاف ذلك. وليعلم أن إضافة اسم الفاعل واسم المفعول إلى معمولهما يجوز أن تجعل محضة؛ وذلك بأن يقطع النظر عن أن يكون المضاف إليه معمولا للمضاف فكأنهم جوزوا أن يعتقد أن هذا المضاف إليه غير مفعول. أما الصفة المشبهة فلم يجوزوا فيها ذلك أي أن يعتقد أن إضافتها يجوز أن تكون محضة. وقد علل ذلك بأن الصفة إنما تضاف إلى ما هو فاعلها في المعنى فلا يجوز أن يعتقد أنه غير فاعل كما جاز أن يعتقد في المفعول أنه غير مفعول لجواز خلو الفعل من مفعول وعدم جواز خلوه من فاعل.

وأقول: إن في هذا التعليل نظرا من وجهين:

أحدهما: أن معمول الصفة وإن كان فاعلا في الأصل فهو قد عاد مفعولا، ولو لم يعد مفعولا ما جازت الإضافة إليه ثم إن الفاعل قد خلفه غيره وهو المستتر في الصفة فلم يحصل في الكلام خلو منه.

ثانيهما: أنه ينتقض باسم المفعول فإنه يلزم من إضافته الخلو من النائب عن الفاعل بغير ما قالوه، ولا يجوز الخلو من النائب عن الفاعل كما لا يجوز الخلو عن الفاعل، وقال ابن أبي الربيع: جميع ما ذكرته من أنه يضاف إلى

المعرفة ولا يتعرف يجوز أن يقصد إلى التعريف ويتعرف إلا «الحسن الوجه» فإنه لا يتعرف بالإضافة أبدا؛ لأن الإضافة فيه إنما تكون من نصب على التشبيه بالمفعول به، وكل ما إضافته عن ذلك فلا يكون معرفة أبدا (2). انتهى.

(1) راجع المصادر السابقة.

(2)

التذييل (4/ 72، 73).

ص: 3185

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولم يظهر لي ما قاله. بل قد يقال: إذا كان المضاف إلى المنصوب على المفعولية يجوز أن يعتقد فيه إضافته محضة فالمضاف إلى المنصوب على التشبيه أولى بالجواز؛ لأنكم قد أخرتموه في المضاف إلى ما هو منصوب نصبا أقوى؛ فكيف تمنعونه في ما هو منصوب نصبا أضعف؟

وبعد: فالكلام إنما هو في صحة التعليل بذلك، أما الحكم بأن الصفة المشبهة لا تتعرف بإضافتها إلى معرفة كالمجمع عليه.

وقد حكى سيبويه عن يونس أن العرب قد تعرف اسم فاعل بالإضافة فتصف به المعرفة (1). فإنه لا أحد من العرب يعرف «حسنا» بإضافته إلى «الوجه» وأشباهه.

ثم ينبغي أن يعلم أن هذا الأمر، وهو جواز جعل الإضافة محضة يقتضي كلام ابن عصفور رحمه الله تعالى أنه غير مخصوص باسم الفاعل والمفعول؛ فإنه لما تعرض إليه إلى إيراد ما إضافته غير محضة، وذكر: اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة باسم الفاعل، والأمثلة التي تعمل عمله، و «أفعل» التي للمفاضلة، وأردف ذلك بذكر الكلمات التي تقدم ذكرها وهي «غيرك» و «مثلك» .. إلى «واحد أمه» و «عبد بطنه» (2)؛ قال: وقد يجعل إضافة جميع ما ذكر محضة إلا الصفة المشبهة؛ فإنها لا تتعرف بالإضافة أبدا (3).

قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في تعليقه لما تكلم على هذا الموضع: فلو انحصرت الجهة في الغيرية وفي المثلية وكذا في الجميع؛ لصارت الإضافة محضة وتعرف بها المضاف كقولهم: الحركة غير السكون؛ فـ «غير» هنا معرفة بالإضافة وهي إضافة محضة لما علمت جهة الغيرية .. إلى آخر كلامه. وهذا يقتضي تقرير ما ذكره ابن عصفور، وكذا يقتضي كلام ابن أبي الربيع. فإن الكلام الذي نقلناه عنه آنفا وهو قوله: جميع ما ذكرته من أنه يضاف إلى المعرفة ولا يتعرف يجوز أن يقصد فيه إلى التعريف؛ إنما ذكره في آخر الباب وذلك بعد ذكره جميع الأقسام التي لا تتعرف بالإضافة حتى الاسم المضاف إلى الصفة كـ «صلاة الأولى» (4).

وأما الأمر الثالث وهو أن من أقسام الإضافة قسما ثالثا وهو الشبيه بالمحضة فهو شيء -

(1) الكتاب (1/ 428).

(2)

شرح الجمل (2/ 72).

(3)

السابق.

(4)

انظر: المتن السابق وانظر تسهيل الفوائد (ص 156) تحقيق د/ بركات.

ص: 3186

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أثبته المصنف ولم يعرف ذلك لغيره من النحاة؛ لأن الإضافة عندهم إما محضة وإما غير محضة والذي جعل المصنف إضافته شبيهة بالمحضة هو عندهم من قبيل المحضة إلا شيئا واحدا وهو الاسم المضاف إلى الصفة فإنه عند الفارسي من قبيل غير المحضة كما أشار إليه في متن الكتاب حيث قال: (ولا «أفعل» التفضيل ولا الاسم المضاف إلى الصفة خلافا للفارسي).

ثم إن الإضافة الشبيهة بالمحضة عنده ذكر أنها سبعة أقسام: إضافة الاسم إلى الصفة، وإضافة المسمى إلى الاسم، وإضافة الصفة إلى الموصوف، وإضافة الموصوف إلى القائم مقام الوصف، وإضافة المؤكّد إلى المؤكّد، وإضافة الملغى إلى المعتبر، وإضافة المعتبر إلى الملغى.

أما إضافة الاسم إلى الصفة: فقد عرفت أن المصنف ذكر أن لنوعيه اعتبارين:

اتصالا من وجه وانفصالا من وجه. وقرر كلّا من الاعتبارين ثم ختم كلامه في ذلك بأن قال: والحاصل أن إضافة هذا النوع منوية الانفصال؛ لأصالتها بالاطراد والإغناء عن ترك الظاهر، ومع ذلك لا يحكم بتنكير مضافها لشبهه بما لا ينوى انفصاله في كونه غير واقع موقع فعل، وكون تاليه غير مرفوع المحل ولا منصوبه.

ولا شك أن هذا [4/ 76] الذي اعتدّ به المصنف حسن لا بعد فيه ولا إشكال وهو أن الثاني من المتضايفين إن لم يكن له تعلق بالأول من غير جهة الإضافة، فالإضافة محضة وإن كان له تعلق به؛ فإما أن يكون الأول يتحمل ضمير والثاني معمول له قبل الإضافة فالإضافة غير محضة، وإما أن لا يكون كذلك فالإضافة مشبهة بالمحضة. لكن حكمها في كون الأول يتعرف بالثاني إن كان معرفة حكم المحضة؛ وسبب جعلها شبيهة بالمحضة أنها روعي فيها أمران متقابلان:

أحدهما: يرجعها إلى الاتصال.

والآخر: يرجعها إلى الانفصال.

وهذا الذي ذكر لا يختص بهذه الإضافة - أعني إضافة الاسم إلى الصفة - بل هو شامل للأقسام الستة الباقية؛ ولهذا لما ذكر المصنف إضافة الاسم إلى الصفة وأشار إلى خلاف الفارسي فيها وقال: بل هي شبيهة بمحضة لا محضة، قال: وكذا إضافة المسمى إلى الاسم وكذا وكذا إلى آخر الفصل، وصرح في الشرح بأن هذه الأقسام -

ص: 3187

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أعني الستة - جارية مجرى القسم الذي ذكره في اعتبار الاتصال والانفصال.

واعلم أن ابن أبي الربيع - رحمه الله تعالى - لما ذكر هذه المسألة - أعني إضافة الاسم إلى الصفة - قال: وهذا لا يجري في كل الصفات؛ ألا ترى أنك لا تقول:

عندي كتاب الصحيح، تريد: الكتاب الصحيح، وإن كنت تقول: صلاة الأولى، ومسجد الجامع، وهما في معنى: الصلاة الأولى، والمسجد الجامع؛ وإنما يجري في كل اسم موصوف بصفة تلك الصفة توجد لما تلازمه. ألا ترى أن الصلاة إذا كانت أولى إنما تكون أولى بساعتها، وكذلك «مسجد الجامع» إنما هو جامع في وقت مخصوص وهو عند الزوال من يوم الجمعة؛ فكذلك أيضا يصح أن يوصف بأنه جامع، وكذلك «الدار الآخرة» ساعتها أيضا آخرة، وكذلك «الجانب الشرقي» مكانه أيضا يوصف بالشرقي. ففي هذه المواضع تصح الإضافة، ووجودها في هذه المواضع، وعدم اطرادها في جميع الصفات دليل على أنه على تأويل. ووجهه أنه جعل الصفة صفة اللازم وقد تكون الإضافة على أصلها فكأنه قال:

صلاة الساعة الأولى، ومسجد الوقت الجامع، وجانب المكان الشرقي، ولما لم يكن في الرجل العاقل ذلك لم تمكن الإضافة (1). انتهى.

وهو كلام حسن، ودل قوله: إن الإضافة في مثل «صلاة الأولى» على تأويل وإن وجه التأويل أنه جعل الصفة صفة اللازم أن الأصل في صلاة الأولى ومسجد الجامع ودار الآخرة وبقلة الحمقاء وحبة الخضراء وليلة القمراء ويوم الأول وساعة الأولى وليلة الأولى وباب الحديد: صلاة الساعة الأولى ومسجد الوقت الجامع أو اليوم الجامع ودار الحياة الآخرة أو الساعة الآخرة وبقلة الحبة الحمقاء وحبة النبتة الخضراء وليلة الساعة القمراء ويوم الوقت الأول وساعة الأولى وباب البناء الجديد.

وكلام المصنف ظاهر موافق لهذا، وإليه ذهب الأخفش (2) وابن السراج (3) والفارسي (4) وجمهور البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن الصفة ذهب فيها مذهب الجنس فجعلت الخضراء جنسا لكل أنثى موصوفة بالخضرة، وكذلك يقولون في -

(1) راجع التذييل (4/ 74).

(2)

ينظر الارتشاف (2/ 506)، والتصريح (2/ 27) وما بعدها.

(3)

كالسابق.

(4)

راجع المصادر السابقة.

ص: 3188

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

باقي الأمثلة المذكورة؛ فإضافة الموصوف إلى الصفة إضافة بعض الجنس إليه كما في نحو خاتم حديد وحبة وشيء، ورد مذهبهم بأن فيه إخراج هذه الصفات عما وضعت له، لأن العرب لم تجعلها أجناسا في غير هذا الموضع فيحمل هذا عليه.

وذهب بعضهم إلى أن هذا من قبيل ما أضيف فيه المسمى إلى الاسم فيكون من باب «سعيد كرز» ولا يخفى ضعف هذا القول بل بطلانه، فإن إضافة المسمى إلى الاسم إنما ادعيت في اسمين مسماهما واحد، ولا يتصور ذلك في نحو: صلاة الأولى، لاختلاف مدلول المضاف والمضاف إليه.

قال الشيخ: والذي أذهب إليه أن هذا من إضافة الموصوف إلى صفته وهو مقصور على السماع (1)، قال: وإضافته محضة ولذلك لا يجمع بينها وبين «ال» ولا تدخل «رب» عليه ولا ينعت بنكرة (2) قال: ولا يعلم أن هذا النوع جاء نكرة؛ إنما جاء معرفة (3). انتهى.

وأما إضافة المسمى إلى الاسم: فمثاله: شهر رمضان، ويوم الخميس، وذات اليمين، وذو صباح، وقول الشاعر:

2915 -

إليكم ذوي آل النّبيّ تطلّعت

و «سعيد كرز» كأنه قال: جاء مسمى «كرز» وكذا قائل: صمت شهر رمضان، واعتكفت يوم الخميس، كما ذكر المصنف، وذلك واضح.

وأما إضافة الصفة إلى الموصوف: فقد تقدم تمثيل المصنف له بقول الشاعر:

2916 -

وإن سقيت كرام النّاس فاسقينا

وقوله: إن الأصل: وإن سقيت الناس الكرام، ثم قدم الصفة وجعلها نوعا مضافا إلى الجنس وإن من هذا القبيل «سحق عمامة» و «جرد قطيفة» و «شمل سربال» والأصل: عمامة سحق، وقطيفة جرد، وسربال شمل، ثم فعل بها ما فعل بـ «كرام الناس» .

وأقول: إن قوله: إن قائل: كرام الناس جعل الكرام نوعا مضافا إلى الجنس يدفع قوله: إن الأصل: الناس الكرام فقدم الصفة؛ لأنا إنما كنا نحكم بأن الصفة قدمت -

(1) التذييل (7/ 200).

(2)

التذييل (7/ 200، 201).

(3)

التذييل (7/ 201).

ص: 3189

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأضيفت إلى الموصوف أن لو كان معنى الكلام مع التقديم والإضافة [4/ 77] كمعناه مع التأخير والتبعية.

وليس الأمر كذلك فإن قول القائل:

2917 -

وإن سقيت كرام النّاس فاسقينا

أبلغ في التمدح من أن يقال: وإن سقيت الناس الكرام فاسقينا. وأما تقرير إضافة النوع إلى جنسه في نحو: سحق عمامة، وجرد قطيفة فبأن يقدر موصوف وتجري الصفة عليه على أنها نوع مضاف إلى جنسه؛ الأصل: سحق عمامة، وشيء جرد قطيفة أي: سحق من جنس العمامة، وجرد من جنس القطيفة.

وأما إضافة الموصوف إلى القائم مقام الوصف: فقد مثل له المصنف كما عرفت بقول الشاعر:

2918 -

علا زيدنا يوم اللّقا رأس زيدكم

وقال: التقدير: علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم؛ فحذف الصفتين المضافتين إلى ضميري المتكلم والمخاطب وجعل الموصوف خلفا عن الصفة في الإضافة ثم قال: وكذا قولهم في زيد الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير: زيد الخيل؛ لأنه كان صاحب خيل كريمة يعني فالتقدير: زيد صاحب الخيل.

وأما إضافة المؤكّد إلى المؤكّد: فقد عرفت أن المصنف قال: وأكثر ما يكون ذلك في أسماء الزمان المبهمة كـ «حينئذ ويومئذ» قال: وقد يكون في غير أسماء الزمان كقول الشاعر:

2919 -

فقلت انجوا عنها نجا الجلد

إنه

البيت

أراد: اكشطا عنها الجلد؛ لأن النجا هو الجلد فأضاف المؤكّد إلى المؤكّد كما أضيف الموصوف إلى الوصف في «مسجد الجامع» وشبهه. ثم ذكر عن الفارسي أنه قال في قولهم: لقيته يوم يوم، وليلة ليلة؛ أضيف فيه الشيء إلى مثله لفظا ومعنى. ولا شك أن ما ذكره المصنف من إضافة الاسم إلى الصفة إلى آخر الفصل مقصور على السماع، وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى قول الشيخ: وهذا الذي ذكره - يعني المصنف - من إضافة المؤكّد إلى المؤكّد في غاية الندور فيقتصر فيه -

ص: 3190

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على مورد السماع (1).

وقال الخضراوي: والفراء يجيز إضافة الشيء إلى نفسه توكيدا وذلك إذا اختلف اللفظان (2) يعني أن ذلك مطرد عنده وعلى ذلك حمل «يوم الخميس» وشَهْرُ رَمَضانَ (3) ووَعْدَ الصِّدْقِ (4) وحَقُّ الْيَقِينِ (5).

قال الخضراوي: وهذا لا يجوز؛ لأن الشيء لا يخصص نفسه. فأما «يوم الخميس» و «يوم» مبهم لا يعرف منه أنه الخميس، وكذلك سائر أيام الأسبوع، وكذلك شَهْرُ رَمَضانَ؛ لأنك تقول: شهر صفر وشهر المحرم؛ لأن الشهر في الإبهام كاليوم فإضافته تفيد تعريفا وكذلك وَعْدَ الصِّدْقِ فإن الوعد قد يكون كذبا فكما يوصف بالصدق ليتخصص من الذي هو كذب كذلك يضاف لهذا المعنى، وكذلك حَقُّ الْيَقِينِ فإنه قد يوصف الشيء بأنه حق على وهم الواصف وليس بيقين، وقد يكون الشيء حقّا في نفسه ولا يتيقن كالأشياء المعضلة الفهم في كل صناعة.

وقد قالوا في الفقهيات: المصيب واحد، أي: الحق في جانب واحد يصيبه بعض الناس وليس كل مجتهد مصيبا، ومنه: ضربتهم ثلاثتهم إلى عشرتهم. قال أبو علي:

ولم يقولوا واحدة واثناهما؛ لأن الضمير يفهم منه الواحد هنا والاثنينية (6)، وليس كذلك هم؛ لأنه يقع لصفوف من الجمع، فكأنه أضاف لضمير كثرة وكذلك «الكرى» من الأسماء المشتركة يقع على طائر ولذلك قال الشاعر:

2920 -

إذا خاط عينيه كرى النّوم لم يزل

به كالئ من قلب شيحان فاتك (7)

قال: ورأيت لابن السيد (8) أن «النوم» هنا جمع «نائم» كـ «ركب وسفر» فرارا من إضافة الشيء إلى نفسه وليس فعل في فاعل بقياس، ولعله سمعه وإنما حمله -

(1) التذييل (7/ 207).

(2)

الأشموني (2/ 250)، والتصريح (2/ 33) وما بعدها، والهمع (2/ 48، 49).

(3)

سورة البقرة: 185.

(4)

سورة الأحقاف: 16.

(5)

سورة الواقعة: 95. التذييل (4/ 75، 77، 78) عن الإفصاح.

(6)

التذييل (4/ 75، 80)، والهمع (2/ 47).

(7)

من الطويل، وانظره في الارتشاف (2/ 506)، والعقد الفريد (1/ 37)، والعيني (229)، هذا: والبيت لتأبط شرّا.

(8)

أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد، ولد في بطليوس له في النحو: المسائل والأجوبة، وإصلاح الخلل الواقع في الجمل (ت 521 هـ). الأعلام (4/ 268)، وقد سبقت ترجمة مفصلة له.

ص: 3191

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الناس على ما ذكرت. قال وكذلك النجا قد يكون مشتركا فأضيف إلى الجلد كما أضيف الكرى إلى النوم، وهذا كما يقول: عين السحاب، وعين المطر، وعين الذهب، ومنه: حَبْلِ الْوَرِيدِ (1)؛ لأن الحبل من الأسماء المشتركة، وكذلك:

وَحَبَّ الْحَصِيدِ (2)؛ لأن الحب من الأسماء المشتركة فيكون لما لا يوصف بالحصاد. قال: ومنه: يا نساء المؤمنات؛ أضافهن للمؤمنات على جهة التفضيل والتخصيص كما يقال: يا رجل بني تميم، وقالوا: نفس زيد وعينه، والمضاف هو المضاف إليه في مقصود المتكلم إلا أن «النفس» و «العين» و «الذات» لا يفهم منها «زيد» ولا «عمرو» ؛ فيضاف إليهما على جهة التخصيص.

قال أبو العباس: عين الشيء ونفسه بمنزلة حقيقته؛ تقول: لزيد نفس، ولزيد حقيقة، ولا تقول: للأسد ليث (3) انتهى كلام الخضراوي.

وأما إضافة الملغى إلى المعتبر: فقد تقدم تمثيل المصنف بقوله:

2921 -

ثمّ اسم السّلام عليكما

وبكلمات أخر تضمنتها الأبيات التي أنشدها وبقول العرب: حي زيد، إلى آخر ما ذكره. ولما أنهى الخضراوي كلامه الذي ذكرناه عنه آنفا قال: وقد جاء عنهم ما هو أشد من هذا فقالوا: حي زيد، فـ «حي» يقع على كل ذي روح، فهو كحيوان زيد أي: الحي الذي هو زيد قال: وقد قيل: حي هنا زائد، وقيل: هو بمعنى الشخص، وهو عند أبي علي وابن جني من إضافة المسمى لاسمه (4). انتهى.

وجعل المصنف ذلك من باب إضافة الملغى إلى المعتبر يدل على أنه يجعله زائدا؛ لأن الزائد لا اعتبار له من حيث المعنى، وإذا كان كذلك صدق عليه أنه ملغى، أما جعل الفارسي كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ (5) ومَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ (6)[4/ 78] من قبيل ما ألغي فيه المضاف؛ فغير مسلم؛ لأن المثل يستعمل مرادا به الصفة والحال إذا كان لكل منهما شأن، وفيه غرابة وذلك على سبيل الإستعارة كما قرر ذلك أصحاب البيان.

(1) سورة ق: 16.

(2)

سورة ق: 9.

(3)

التذييل (4/ 75 - 78).

(4)

التذييل (4/ 77).

(5)

سورة الأنعام: 122.

(6)

سورة محمد: 15.

ص: 3192

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأما إضافة المعتبر إلى الملغى - يعني إلى ما لا يعتبر ولا يعتد به إلا كالاعتداد بالحرف الزائد للتوكيد كما ذكر في شرحه لذلك -: فقد أنشد عليه أبياتا منها:

2922 -

حملتها حبّا لو أمسى مثله

... البيت

وقول الآخر:

2923 -

فلو بلغت عوّاء السّماء قبيلة

وجعل من ذلك: مررت برجل حسن وجهه، وحسن وجه، و: اضرب أيهم أساء؛ لأن أيّا الموصولة معرفة بصلتها كغيرها من الموصولات. فلو اعتد بما تضاف هي إليه لزم اجتماع معرفين على معرف واحد وهو ممنوع؛ فالمفضى إليه ممنوع، ولك أن تمنع كون إضافة الصفة المشبهة إلى معمولها وإضافة أي من قبيل ما ذكره.

أما «حسن وجهه» فإنما حصلت الإضافة فيه بعد إسناد الصفة إلى ضمير الموصوف وتصيير ما كانت الصفة مسندة إليه أولا معمولا لها. ولا شك أن الحسن للوجه حقيقة لكنه جعل لصاحب الوجه مجازا؛ لأن من صح إسناد الحسن إلى وجهه صح إسناد الحسن إليه نفسه بطريق المجاز، وإذا كان الحسن مسندا إلى ضمير الموصوف به خرج الوجه عن وصفه به، فالموصوف بالحسن حينئذ صاحب الوجه لا الوجه، وإن كان الحسن في المعنى إنما هو للوجه، وإذا كان كذلك فلم يكن في قولنا: مررت برجل حسن وجهه - إضافة شيء إلى نفسه حتى يحتاج أن نخرجه عن ذلك بقولنا: إن المضاف إليه ملغى غير معتبر وكذلك الكلام في: حسن وجهه.

وأما «اضرب أيهم أساء» فقد يقال فيه: إن تعريف «أي» إنما هو بالإضافة، وإنما قلنا تعريف غيرها من الموصولات بالصلة؛ لأن الموصولات غيرها لا تضاف.

أما «أي» فيدعى أن تعريفها بالإضافة لا بالصلة ولا تضر مخالفتها لبقية الموصولات في ذلك. ويقوي ما ذكرته: أن الموجب لإعراب «أي» إنما هو لزوم إضافتها فالمعارض لشبه الحرف إنما هو الإضافة التي هي من خواص الاسم، فلو لم تكن الإضافة معتبرة ومعتدّا بها؛ ما صح كونها معارضة لهذا السبب القوي الذي هو شبه الحرف، ولا تكون معتبرة ومعتدّا بها إلا إذا كان المضاف إليه معتبرا ومعتدّا به.

واعلم أنه قد اندرج الكلام على الأمر الرابع - أعني رابع الأمور التي تضمن كلام المصنف الإشارة إليها - وهو أن المضاف قد يكون ملغى فيكون المقصود المضاف إليه، -

ص: 3193