الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[من أحكام الواو، والفاء، وأم، وأو
....]
قال ابن مالك: فصل: (قد تحذف الواو مع معطوفها ودونه، وتشاركها في الأوّل الفاء و «أم»، وفي الثّاني «أو» ويغني عن المعطوف عليه المعطوف بالواو كثيرا وبالفاء قليلا، ونذر ذلك مع «أو». وقد يقدّم المعطوف بالواو للضّرورة، وإن صلح لمعطوف ومعطوف عليه مذكور، بعدهما طابقهما بعد الواو، وطابق أحدهما بعد «لا» و «أو» و «بل» و «لكن». وجاز الوجهان بعد «الفاء»، و «ثمّ»).
ــ
من صور المسألة على أنه قال آخرا: والأصح المنع مطلقا وأن ما أوهم الجواز كان جره بمحذوف مدلول عليه بما قبل العاطف وإذا كان الأصح هو المنع على الإطلاق حصل الاستغناء عن تفاصيل تذكر.
واعلم أن الشيخ قال: في قول المصنف: واتصل المعطوف بالعاطف يحتاج أن يقيده فيقول: واتصل المعطوف المجرور بالعاطف لأن غير المجرور لو اتصل بالعاطف لا يجيزه الأخفش نحو: إن في الدار زيدا وعمرا الحجرة (1).
قال ناظر الجيش: اشتمل كلامه هذا على مسائل أربع:
الأولى:
أن كلّا من أربعة الأحرف أعني الواو والفاء وأم وأو [قد تحذف] لكن الواو قد تحذف مع معطوفها وقد تحذف هي دون معطوفها، والفاء وأم قد يحذف كل منهما لكن مع معطوفه، وأو قد تحذف لكن دون معطوفها.
فمن أمثلة حذف الواو مع معطوفها: قوله تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ (2) أي تقيكم الحر والبرد ومنه: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (3) أي ولم تعبدني والتعبد: الاستعباد، ومنه: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ (4) أي ومن أنفق من بعده وقاتل. ومنه: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ (5) أي بين أحد وأحد، ومثله قول النابغة الذبياني: -
(1) الارتشاف (2/ 659).
(2)
سورة النحل: 81.
(3)
سورة الشعراء: 22.
(4)
سورة الحديد: 10.
(5)
سورة البقرة: 285.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3353 -
فما كان بين الخير لو جاء سالما
…
أبو حجر إلّا ليال قلائل (1)
أي فما كان بين الخير وبيني إلّا ليال قلائل، ومنه قول امرئ القيس:
3354 -
كأنّ الحصى من خلفها وأمامها
…
إذا نجلته رجلها خذف أعسرا (2)
ومنه قول الراجز يصف رجلا خشن القدم:
3355 -
قد سالم الحيّات منه القدما
…
الأفعوان والشّجاع الشّجعما (3)
أراد قد سالم الحيات منه القدما والقدم الأفعوان الشجاع الشجعا وذات قرنين.
ومن أمثلة حذف الفاء مع معطوفها: قوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (4) أي فأفطر فعدة من أيام أخر قال المصنف: وقد حذفت الفاء دون المعطوف بها ومعه ومع المعطوف عليه وفي قوله تعالى: اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ 28 قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ (5) لأن المعنى فذهب فألقاه فقالت:
وحذف أكثر من ذلك في قوله تعالى: فَأَرْسِلُونِ 45 يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ (6)؛ لأن المعنى فأرسلوه فأتاه فقال.
وأقول: إن قوله وقد حذفت الفاء دون المعطوف بها ينقض قوله في المتن:
وتشاركها في الأول الفاء؛ لأن الأول إنما هو حذف الواو مع المعطوف. ودلّ هذا منه على أن الفاء لا تشارك الواو في الثاني وهو حذفها دون المعطوف.
ومن أمثلة حذف أم مع معطوفها: قول أبي ذؤيب:
3356 -
دعاني إليها القلب إنّي لأمرها
…
سميع فما أدري أرشد طلابها (7)
-
(1) البيت من الطويل - ديوانه (ص 62) والأشموني (3/ 116) والبحر المحيط (2/ 365) والتصريح (2/ 153) وشرح العمدة (648) والعيني (4/ 167) هذا وأبو حجر كنية النعمان بن الحارث الغساني.
(2)
البيت من الطويل لامرئ القيس - ديوانه (ص 64) وشرح العمدة (ص 648) وشواهد التوضيح (ص 114)، والعيني (4/ 169).
(3)
البيت ينسب للعجاج وغيره - الأشموني (3/ 67)، والدرر (1/ 144) والكتاب (1/ 145) واللسان: شجعم، والمقتضب (2/ 238).
(4)
سورة البقرة: 184.
(5)
سورة النمل: 28، 29.
(6)
سورة يوسف: 45، 46.
(7)
البيت من الطويل - ديوانه الهذليين (1/ 71) وتأويل مشكل القرآن (ص 166) والمغني (13، 43، 628) والهمع (2/ 132).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أي فما أدرى أرشد طلابها أم غيّ. ومن حذف الواو وبقاء ما عطفت قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تصدّق رجل من ديناره من درهمه من صاع برّه من صاع تمره» (1) أي من ديناره إن كان ذا دنانير، ومن درهمه إن كان ذا دراهم، ومن صاع بره إن كان ذا بر، ومن صاع تمره إن كان ذا تمر. ومنه سماع أبي زيد: أكلت خبزا لحما تمرا أراد خبزا ولحما وتمرا. ومنه قول الشاعر:
3357 -
كيف أصبحت كيف أمسيت ممّا
…
يغرس الود في فؤاد الكريم (2)
أراد قول: كيف أصبحت وكيف أمسيت، فحذف المضاف والواو.
ومن حذف أو بقاء ما عطفت: قول عمر رضي الله عنه «صلّى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء» (3) أي ليصل رجل في إزار ورداء أو في إزار وقميص أو في إزار وقباء.
وحكى أبو الحسن في المعاني أن العرب تقول: أعطه درهما درهمين ثلاثة بمعنى أو درهمين أو ثلاثة.
وليعلم أن منع ابن جني، والسهيلي، وابن الضائع حذف حرف العطف (4) فيه نظر؛ لأن هذه [4/ 174] الشواهد المذكورة تدفعه.
وقد تأول المانع بعض ما استشهد به على وجه لا يقبل ظاهرا. والحق ما ذكره المصنف، وكلام ابن عصفور موافق له في إجازة ذلك.
المسألة الثانية:
جواز حذف المعطوف عليه استغناء عنه بالمعطوف، وذلك مع ثلاثة أحرف:
الواو والفاء وأو إلّا أنه مع الواو كثير، ومع الفاء قليل، ومع أو نادر.
ومثال ذلك مع الواو قولك لمن قال: ألم تضرب زيدا: بلى وعمرا، ولمن قال: -
(1) ابن حنبل (4/ 359) ومسلم: زكاة (70) والنسائي: زكاة (64).
(2)
البيت من الخفيف - الخصائص (1/ 290)، (2/ 280)، وديوان المعاني (2/ 225) وشرح العمدة (ص 340) والهمع (2/ 140).
(3)
البخاري: صلاة (9) وشواهد التوضيح (ص 62، 198)، والهمع (2/ 140).
(4)
الخصائص (1/ 290)، (2/ 280)، ونتائج الفكر (2/ 211)، وشرح الجمل لابن الضائع (154، 156).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ألقيت سعدا: نعم وأخاه، وقول بعض العرب: وبك أهلا وسهلا لمن قال: مرحبا وأهلا أي: وبك مرحبا وأهلا، ومنه قول نهشل بن ضمرة (1):
3358 -
قبح الإله الفقعسيّ ورهطه
…
وإذا تأوهت القلاص الضمر
3359 -
ولحا الإله الفقعسيّ ورهطه
…
وإذا توقد في النجاة الخزوّر (2)
أي قبحه الله كل حين وإذا تأوهت القلاص، ولحاه الله كل حين وإذا توقد في النجاة الخزور، ومنه والله أعلم قوله تعالى: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ (3) أي لو ملكه ولو افتدى به ومثله: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (4) أي لترحم ولتصنع على عيني، ومثل ذلك مع الفاء قوله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً (5) وقوله تعالى: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ (6) أي: فضرب فانفجرت، وفضرب فانفلق، ومثال ذلك مع أو قول أمية الهذلي:
3360 -
فهل لك أو من والد (لك) قبلنا
…
يوشّح أولاد العشار ويفضل (7)
أراد فهل لك من أخ أو من والد. ولابن عصفور في قوله تعالى: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ تقرير عجيب، وهو أن حرف العطف لم يحذف وإنما حذف المعطوف عليه وحده دون الفاء وحذفت الفاء من المعطوف وأقرت الفاء من المعطوف عليه واتصلت بالمعطوف فأبقى من كلّ ما دلّ على المحذوف (8).
قال الشيخ: وهذا ليس بشيء؛ لأن القرآن العزيز ملآن من حذف جمل معطوفة -
(1) الدارمي شاعر مخضرم صحب عليّا في حروبه (ت نحو 45 هـ) - الأعلام (9/ 25) والجمحي (ص 495) والشعر والشعراء - بتحقيق شاكر - (ص 619).
(2)
البيت من الكامل، وهما بنسبتهما - في التذييل (4/ 178).
(3)
سورة آل عمران: 91.
(4)
سورة طه: 39.
(5)
سورة البقرة: 60، هذا: وفي الأصل: أن اضرب .... وهو تحريف، وخلط بين هذه وبين آية الأعراف: 160، والتي فيها فَانْبَجَسَتْ بدل فَانْفَجَرَتْ.
(6)
سورة الشعراء: 63.
(7)
البيت من الطويل - شرح السكرى (ص 537)، والأشموني (3/ 118)، والدرر (2/ 193) والعيني (4/ 182)، والهمع (2/ 140).
(8)
شرح الجمل (1/ 251).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالفاء وكثر ذلك في قصة يوسف وقصة سليمان مع الهدهد عليهما الصلاة والسّلام وقد حذف في قوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (1) تقديره «فأفطر» ؛ إذ لا يجوز أن تنوب فاء المعطف مناب فاء الجزاء (2).
المسألة الثالثة:
أن المعطوف بالواو قد يقدم على المعطوف عليه للضرورة. وقد أنشد المصنف شاهدا على ذلك قول أبي مسافع الأشعري (3):
3361 -
إن الغزال الّذي كنتم وحليته
…
تقنونه لخطوب الدّهر والغير
طافت به عصبة من شرّ قومهم
…
أهل العلا والنّدى والبيت ذي السّتر (4)
وقول كثير:
3362 -
كأنّا على أولاد أحقب لاحها
…
ورمي السّفى أنفاسها بسهام
جنوب ذوت عنها التّناهي وأنزلت
…
بها يوم ذبّات السّبيب صيام (5)
والأصل في الأول: كنتم تقنونه وحليته، والأصل في الثاني: لاحها جنوب ورمي السفى. ومن الشواهد أيضا قول الآخر:
3363 -
جمعت وفحشا غيبة ونميمة
…
ثلاث خصال لست عنها بمرعوي (6)
أي جمعت غيبة وفحشا ونميمة.
وقول الآخر:
3364 -
ألا يا نخلة من ذات عرق
…
عليك ورحمة الله السّلام (7)
-
(1) سورة البقرة: 184.
(2)
التذييل (4/ 179).
(3)
شاعر عرف قبل الإسلام وهجا حسان بن ثابت وأسلم بعد ذلك - أسد الغابة (4/ 353) ونسب قريش (ص 294).
(4)
البيت من البسيط وهما - بنسبتهما - في التذييل (4/ 179).
(5)
البيت من الطويل، ديوانه (2/ 1071، 1072) والأشموني (3/ 118، 119)، والحلل (ص 189)، وهما لذي الرمة ديوانه (ص 610).
(6)
البيت من الطويل ليزيد بن الحكم - الأشموني (2/ 137) والتصريح (1/ 344، 2/ 137) والدرر (1/ 190) والهمع (1/ 220).
(7)
من الوافر للأحوص - ديوانه (ص 185) والحلل (ص 189)، والدرر (1/ 148) والهمع (1/ 173).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أي عليك السّلام ورحمة الله.
وقول الآخر:
3365 -
وأنت غريم لا أظنّ قضاءه
…
ولا العنزيّ القارظ الدّهر جائيا (1)
أي لا أظن قضاءه جائيا هو ولا العنزي. وعرف من تقييد المصنف هذا الحكم بالواو أنه لا يجوز تقديم المعطوف بغيرها من أدوات العطف. ولهذا قال ابن عصفور: ولا يجوز تقديم المعطوف على المعطوف عليه إلّا في الواو خاصة (2). ثم قال: فإن قيل قد جاء التقديم في أو قال الشاعر:
3366 -
فلست بنازل إلّا ألمّت
…
برحلي أو خيالتها الكذوب (3)
يريد إلا ألمت الكذوب أو خيالتها. فالجواب: أن الكذوب صفة لخيالتها.
وقوله: أو خيالتها عطف على الضمير في ألمت. ولم يحتج لتأكيد؛ لطول الكلام بالمجرور وهو: برحلي. إلا أنه ذكر لجواز تقديم المعطوف بالواو ثلاثة شروط:
أحدها: أن لا يؤدي التقديم إلى وقوع حرف العطف صدرا فلا تقول: وعمرو زيد قائمان.
ثانيها: أن لا يؤدي إلى مباشرة حرف العطف عاملا غير متصرف فلا تقول: إن وعمرا زيدا قائمان.
ثالثها: أن لا يكون المعطوف مخفوضا فلا تقول: مررت وعمرو بزيد (4).
وفي شرح الشيخ أن مذهب هشام أن الفعل لو كان مما لا يستغنى بفاعل واحد نحو اختصم زيد وعمرو لا يجوز تقديم المعطوف في مثله. وجعله أبو جعفر النحاس مذهب البصريين.
قال الشيخ: فتكون إذ ذاك الشروط خمسة - يعني هذا الشرط والثلاثة التي -
(1) البيت من الطويل - الأشموني (3/ 119) والإنصاف (191، 395) والدرر (2/ 195)، والهمع (2/ 141). هذا وقد جعله هارون لزهير ولم أجده في ديوانه - صادر بيروت (1379 هـ).
(2)
شرح الجمل (1/ 245).
(3)
البيت من الوافر لرجل من بحتر - الحماسة (ص 310) والدرر (2/ 194) والهمع (2/ 141).
(4)
شرح الجمل (1/ 245).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذكرها ابن عصفور والخامس: كون العطف بالواو - ثم إن التقديم مع ذلك لا يجوز إلّا في الشعر.
قال الشيخ: هذا مذهب البصريين وهو عندهم في المنصوب أقبح منه في المرفوع لأن الفعل بالمرفوع مرتبط ومذهب الكوفيين جواز ذلك في الشعر وفي الكلام.
وذكر الشيخ أيضا أن هشاما أجاز تقديم المعطوف بالفاء وثم وأو ولا (1).
المسألة الرابعة:
الإشارة إلى حكم ما يذكر بعد التعاطف مما هو صالح لما قبله من ضمير وخبر وغيرهما بالنسبة إلى مطابقته لما تقدمه أو إفراده. وأقسام المسألة ثلاثة: ما يجب فيه المطابقة للمجموع، وما تجب فيه الواحد، وما يجوز فيه الأمران كما يستفاد ذلك من متن الكتاب. قال المصنف:
حكم الاسمين المعطوف [4/ 175] أحدهما على الآخر بالواو حكم المثنى فلابد في ما تعلق بهما من خبر وضمير وغيرهما من المطابقة كما لا بد منها في ما تعلق بالمثنى فيقال: زيد وعمرو منطلقان، ومررت بهما، كما يقال: الرجلان منطلقان ومررت بهما. فان كان العطف بلا أو بأو أو ببل أو بلكن وجب إفراد ما بعده من خبر وغيره، فيقال: زيد لا عمرو منطلق، ومررت به، وكذا يقال بعد أو وبل ولكن.
وإن كان العطف بالفاء أو ثم جاز الإفراد والمطابقة فيقال: زيد فعمرو منطلق ومررت به، وبشر ثم محمد ذاهب ونظرت إليه، ويجوز: منطلقان ومررت بهما وذاهبان ونظرت إليهما. وقال ابن عصفور (2):
إذا تقدم معطوف ومعطوف عليه وتأخر عنهما ضمير يعود عليهما: فإما أن يكون العطف بالواو أو بالفاء أو بثم أو بحتى أو بغير ذلك من حروف العطف. فإن كان بالواو كان الضمير على حسب ما تقدم نحو زيد وعمرو قاما، وزيد وعمرو وجعفر خرجوا، ولا يجوز أن يفرد الضمير فيجعل على حسب الآخر إلا حيث سمع ويكون على الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه نحو قوله تعالى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ (3) التقدير والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه -
(1) التذييل (4/ 179).
(2)
شرح الجمل (1/ 147) تحقيق صاحب أبو جناح.
(3)
سورة التوبة: 62.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ومن ذلك قول الشاعر:
3367 -
إنّ شرخ الشّباب والشعر الأس
…
ود ما لم يعاص كان جنونا (1)
التقدير إن شرح الشباب ما لم يعاص كان جنونا والشعر الأسود ما لم يعاص كان جنونا وحتى في ذلك بمنزلة الواو.
فإن كان العطف بالفاء جاز أن يكون الضمير على حسب ما تقدم فتقول: زيد فعمرو قاما؛ لكون الأول شريك الثاني في اللفظ. والمعنى ويجوز أن تقول: زيد فعمرو قام فتفرد، ويحذف من الأول لدلالة الثاني عليه. وإنما جاز ذلك لأن الفاء لما فيها من الترتيب تقتضي إفراد خبر الأول من خبر الثاني وكلاهما حسن.
وإن كان العطف بثم جاز الوجهان معا والأحسن الإفراد لما في ثم من المهلة الموجبة لفصل خبر الأول من الثاني.
وإن كان العطف بغير ذلك من حروف العطف فانما يكون الضمير على حسب المتأخر خاصة، فتقول: زيد أو
عمرو قام. وكذلك في سائر ما بقي من حروف العطف ولا يجوز أن يكون الضمير على حسب ما تقدم إلا في أو خاصة قال الله تعالى: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما (2). انتهى (3).
وليعلم أن قول المصنف: يطابق أحدهما بعد لا وأو وبل ولكن أولى من قول ابن عصفور: وإن كان العطف بغير ذلك من حروف العطف فإنما يكون الضمير على حسب المتأخر. بل هو المتعين؛ لأن لا يتعين معها كون المذكور بعد المتعاطفين للمعطوف عليه، وبل ولكن يتعين معهما كونه للمعطوف. وأما أو فيجوز معها كونه لهذا أو لهذا فيقال: زيد أو أمة الله منطلق وكذا يقال: زيد أو أمة الله منطلقة لا يقال أن المصنف أبهم في قوله أحدهما؛ لأن الأمر مختلف كما عرفت فمع بعض الحروف تكون المطابقة للأول ومع بعض تكون المطابقة للثاني؛ لأن كون الحكم مع لا للمعطوف عليه ومع بل ولكن للمعطوف معلوم. فالمذكور بعد إنما يكون لمن سبق الحكم له وأما مع أو فمعلوم أيضا أن أحدهما غير متعين فكان كل -
(1) البيت من الخفيف لحسان - ديوانه (ص 43)، وتأويل مشكل القرآن (/ 222)، والشجري (1/ 309)، والمقرب (1/ 235).
(2)
سورة النساء: 135.
(3)
شرح الجمل (1/ 248)، وينظر - كذلك - المقرب (1/ 235)، وما بعدها.