الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[من أحكام ألفاظ التوكيد المعنوي]
قال ابن مالك: (ولا يلي العوامل شيء من ألفاظ التّوكيد وهو على حاله في التّوكيد إلّا «جميعا» و «عامّة» مطلقا و «كلّا» و «كلا» و «كلتا» مع الابتداء بكثرة، ومع غيره بقلّة. واسم «كان» في نحو: كان كلّنا على طاعة الرّحمن، ضمير الشّأن، لا كلّنا، ويلزم تابعيّة «كلّ» بمعنى كامل وإضافته إلى مثل متبوعه مطلقا نعتا لا توكيدا. ويلزم اعتبار المعنى في خبر «كلّ» مضافا إلى نكرة لا مضافا إلى معرفة، ولا تعرّض في «أجمعين» إلى اتّحاد الوقت بل هو ككلّ في إفادة العموم مطلقا خلافا للّفرّاء)(1).
- ولا يظهر لي تجويز سيبويه للبدلية مع قصد العموم والظاهر أن المراد أن الألفاظ المذكورة إذا جعلت بدلا تخرج عن أن يراد بها العموم.
قال ناظر الجيش: هذا الكلام يتضمن [4/ 110] الإشارة إلى مسائل أربع:
الأولى:
أن الألفاظ التي تقرر أنها للتوكيد لا يلي شيء منها العوامل وهو باق على حاله في التوكيد إلا خمس الكلمات التي ذكرها فلا يقال: زيد رأيت نفسه ولا إخوتك كان أنفسهم منطلقين ولا ما أشبه ذلك لأنك أوليت رأيت نفسه
وولى كان أنفسهم وهما على الحال الذي يكونان عليه إذا قصد بهما التوكيد مع عدم قصد التوكيد فلو كانا على غير الحال المستعمل في التوكيد وليا كل عامل كقولك: رأيت نفس زيد وأنفس أخوته، وخمس الكلمات التي استثنيت هي جميع وعامة وكل وكلا وكلتا لكن «جميع وعامة» لا يتقيدان بعامل دون عامل. وإلى ذلك أشار بعد ذكرهما بقوله: مطلقا. وعلل لذلك بأن استعمالهما في التوكيد قليل واستعمالهما في غير التوكيد كثير بخلاف غيرهما فيقال: القوم مررت بجمعيهم وعامتهم ورأيت جمعيهم وعامتهم ومررت بهم وجمعيهم يتحدثون وعامتهم قيام. وأما الثلاث الأخر وهي كل وكلا وكلتا فإن كان العامل فيها الابتداء وهي بالحال الصالحة للتوكيد باشرها كثيرا نحو مررت بالرجال كلهم قيام، ومررت بالرجلين كلاهما في -
(1) الأشموني (3/ 73)، والهمع (2/ 124، 125).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المسجد وبالمرأتين كلتاهما في الدار. وإن كان العامل غير الابتداء فلا يباشرها إلا قليلا ومن ذلك قول كثير:
3105 -
[يميد] إذا والت عليه [ولاؤهم]
…
فيصدر عنه كلّها وهونا هل (1)
وقول عدي بن زيد:
أسمو بها عند الحبيب فتصبرا
…
كيما لتلهو كلّها ولتشربا (2)
قال المصنف (3): ومن القليل قول الأخفش في «المسائل» : تقول أئتني بزيد أو عمرو أو كليهما رفعا ونصبا وجرّا، وقال سيبويه: في باب هذا شيء بحذف فيه الفعل لكثرته في (كلامهم) كلاهما وتمرا كأنه قال: أعطني كليهما وزدني تمرا (4) فقدر أعطني عاملا في كليهما واستفيد من قول المصنف: وهي بالحال الصالحة للتوكيد أن كلا لا بد أن يكون مضافا لأنه إنما يكون توكيدا إذا كان مضافا وأما إذا قطع عن الإضافة فإنه يلي العوامل كلها ابتداء كان العامل أو غيره قال الله تعالى:
وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى * (5) وتقول: مررت بكل قائما. وأشار المصنف بقوله:
واسم كان في نحو كان كلنا على طاعة الرحمن ضمير الشأن لا كلنا إلى أنه يجوز أن يقال: كان كلهم منطلقون على جعل اسم كان ضمير الشأن وكلهم منطلقون مبتدأ وخبرا، ومثله قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه (6):
3106 -
فلمّا تبيّنّا الهدى كان كلّنا
…
على طاعة الرّحمن والحقّ والتّقى (7)
المسألة الثانية:
أن كلا قد يقصد به معنى كامل فينعت به اسم جنس معرف أو منكر وتلزم إضافته إلى مثل المنعوت لفظا ومعنى
وتعريفا وتنكيرا نحو رأيت الرجل كل الرجل -
(1) من الطويل، ويروى (مالت) بدل (والت) - الارتشاف (2/ 614)، والأشموني (3/ 85) والتذييل (7/ 314)، والمغني (1/ 165، 166).
(2)
البيت من الكامل والشاهد فيه كسابقه - شرح التسهيل (3/ 300).
(3)
التذييل (7/ 314).
(4)
الكتاب (1/ 280، 281).
(5)
سورة النساء: 95، والحديد:10.
(6)
الهاشمي القرشي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، قتله ابن ملجم غيلة في السابع عشر من رمضان (40 هـ) الأعلام (5/ 107، 108)، (10/ 151)، وحلية الأولياء (1/ 61)، والرياض النضرة (2/ 153).
(7)
من الطويل - الأشموني (3/ 85)، والمغني (195).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأطعمت شاة كل شاة. قال المصنف: وفيه معنى التوكيد وليس من ألفاظه للزوم إضافته إلى ظاهر (1).
وأقول: إنني لم يتحقق لي قوله: وفيه معنى التوكيد، ثم إذا كان المراد في رأيت الرجل كل الرجل معنى كامل فمن أين يجيء التوكيد.
المسألة الثالثة:
أن كلا إذا أخبر عنه مضافا إلى نكرة تعين اعتبار معناه نحو قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ * (2) وكل رجلين قائمان وكل رجال قائمون وكُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * (3) وإذا أخبر عنه مضافا إلى معرفة جاز اعتبار لفظه فيفرد الخبر ويذكر كقوله تعالى إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (4) واعتبار معناه فيجاء به على وفق المضاف إليه نحو وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (5)، لأن المعنى وكلهم أتوه داخرين وقد عرفت أن هذه المسألة قد تقدم له ذكرها في باب الإضافة وعبارته عنها في ذلك الباب أوفى، وأتم وأشمل للمقصود من عبارته هنا. ولا يخفي ذلك على الناظر.
واعلم أن الفارسي ذكر في الإيضاح مسألة تتعلق بكل (6) فتعرض الشيخ إلى ذكرها هنا استطرادا وذكر فروعا أخر لها تمت بالمسألة (7).
المسألة الرابعة:
مذهب البصريين التسوية بين كلهم وأجمعين في إفادة العموم دون تعرض -
(1) شرح التسهيل (3/ 300).
(2)
سورة آل عمران 185، والأنبياء: 35، والعنكبوت:57.
(3)
سورة المؤمنون 53، وسورة الروم:32.
(4)
سورة مريم: 93.
(5)
سورة النمل: 87.
(6)
الإيضاح (50).
(7)
في التذييل (7/ 315)«مسألة: وضع كل في كلامهم على العموم وذلك إذا حملته على غيره توكيدا أو ابتدأت به. فأما إذا بنيته على اسم نحو هؤلاء كلهم تشير لمن عرف من يعني بالضمير المجرور في كلهم أو على غير اسم نحو ضربت كلهم فإنها تخرج عن العموم وتصير في معنى جميعهم ويطلق اسم الجميع على الأكثر بخلاف ضربت القوم كلهم لأنه محيط بهم غالبا. هكذا نقل الخليل عنهم» هذا: ويجوز في كلكم من أنتم كلكم بينكم درهم التوكيد والابتداء. راجع التذييل (7/ 316).