الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[من أحكام ما لازم الإضافة]
قال ابن مالك: (ما أفرد لفظا من اللّازم الإضافة معنى، إن نوي تنكيره أو لفظ المضاف إليه أو عوّض منه تنوين أو عطف على المضاف اسم عامل في مثل المحذوف لم يغيّر الحكم، وكذا لو عكس هذا الآخر، وإن لم ينو التّنكير ولا لفظ المضاف إليه، ولم يثبت التّنوين ولا العطف بني على الضّم إن لم يشابه ما لا تلزمه الإضافة معنى).
ــ
سادسها:
ذكر الشيخ في شرحه تعليلا حسنا لتعين الإفراد في قولنا: كلانا كفيل صاحبه؛ فقال: إنما لم يجز التثنية؛ لأنه لزم من ذلك ألا يكون أحدهما كفيلا للآخر، بل كلاهما معا يكونان كفيلي صاحبهما، والمقصود الإخبار عن أن كل واحد منهما كفيل للآخر (1). قال: وضابطه أنه متى كان كل واحد منهما محكوما عليه بحكم الآخر بالنسبة إليه لا إلى ثالث تعين الإفراد كما قال الشاعر:
2963 -
كلانا غنيّ عن أخيه حياته
…
ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا (2)
وكذلك يتعين الإفراد أيضا في قولك: كلاهما محب للآخر [4/ 83] وكلتاهما مكرمة للأخرى (3). انتهى. وهذا التعليل أحسن من التعليل الذي ذكره المصنف بكثير؛ لأنه يرجع إلى أمر معنوي والذي ذكره المصنف يرجع إلى أمر لفظي.
قال ناظر الجيش: قال المصنف (4): اللازم الإضافة معنى يعم ما اجتمع فيه جمود اللفظ والافتقار إلى غيره في بيان معناه كـ «قبل وبعد وغير وحسب وأول وأمام وخلف» وأخواتهما، وما وجد فيه الافتقار دون الجمود كأسماء العدد، وك «أهل وصاحب وجزء وجملة وجهة وجانب ومثل» ، ونحوها مما يصغر ويثنى ويجمع ويشتق منه، فهذه أشبهت بقبولها لهذه الأحوال الأسماء التامة الدلالة فساوتها في -
(1) التذييل (7/ 228).
(2)
من الطويل لعبد الله بن جعفر، وقيل: لغيره. الأشموني (2/ 260)، والتصريح (2/ 43)، واللسان:«غنا» والمغني (204).
(3)
التذييل (7/ 228).
(4)
شرح التسهيل (3/ 246).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإعراب مضافة وغير مضافة بخلاف القسم الأول، فإنه أشبه الحرف لفظا؛ لعدم قبوله للأحوال المذكورة، ومعنى؛ لافتقارها إلى غيرها في بيان معناها. فكان مقتضى هذا أن تبنى أبدا، إلا أنها أشبهت الأسماء التامة الدلالة بأن أضيفت إضافة صريحة وإضافة في حكم الصريحة وبأن جردت تجريدا صريحا قصدا للتنكير فوافقتها في الإعراب فإذا قطعت عن الإضافة ونوي معنى الثاني دون لفظه أشبهت حروف الجواب في الاستغناء بها عن لفظ ما بعدها؛ فانضم ذلك إلى الشبهين المذكورين فبنيت. والمراد بكون الإضافة صريحة أن تكون في اللفظ والمعنى نحو:
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ * (1)، والمراد بكونها في حكم الصريحة أن يحذف المضاف (إليه) (2) ويبقى المضاف بحاله التي كان عليها قبل الحذف كقول الراجز:
2964 -
قبل وبعد كلّ قول يغتنم
…
حمدا لإله البرّ وهّاب النّعم (3)
أراد: قبل كل قول؛ فحذف المضاف إليه وترك المضاف على حاله قبل الحذف - أعني النصب وترك التنوين - والمراد بالتجريد الصريح أن يقطع عن الإضافة لفظا ومعنى كقول الشاعر:
2965 -
فساغ لي الشّراب وكنت قبلا
…
أكاد أغصّ بالماء الحميم (4)
وإياه عنيت بقولي: (إن نوي تنكيره). ولو كان في موضع جر لكسر كقراءة بعضهم: (لله الأمر من قبل ومن بعد)(5) أي: أولا وآخرا. وجعل بعض العلماء «قبلا» معرفة. والتنوين عوضا عن المضاف إليه فبقي الإعراب مع العوض كما كان مع المعوض عنه، ثم قلت:(أو لفظ المضاف إليه) فأشرت بذلك إلى أنه إذا حذف المضاف إليه لظهور معناه ونوي لفظه لقوة الدلالة عليه ترك المضاف بإعرابه وهيئته -
(1) سورة يوسف: 109، وسورة النحل:43.
(2)
من هامش المخطوط.
(3)
رجز. وانظره في التذييل (7/ 231).
(4)
من الوافر ليزيد بن الصعق، أو لابن يعرب، ويروي:«الفرات» بدل «الحميم» . الأشموني (2/ 269، 270)، والتصريح (2/ 50)، والخزانة (1/ 204)، (3/ 135)، وشرح المفصل (4/ 88)، والهمع (1/ 210).
(5)
وهي قراءة أبي السمال والجحدري وعون العقيلي. البحر المحيط (7/ 162) والكشاف (3/ 368).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التي يستحقها مع بقاء المضاف إليه كقول الشاعر:
2966 -
أمام وخلف المرء من لطف ربّه
…
كوالئ تزوي عنه ما هو يحذر (1)
فأبقى «أمام» منصوبا غير منون كما لو نطق بما هو مضاف إليه من لفظ «المرء» المحذوف وبقاء المضاف مع المحذوف على هيئته أكثر ما يكون إذا عطف على المضاف عامل في ما يماثل المحذوف لفظا ومعنى، وقد يكون بخلاف ذلك كقول سويد بن كراع:
2967 -
أكالئها حتّى أعرّس بعد ما
…
يكون سحيرا أو بعيد فأهجعا (2)
أراد: أو بعيده، ومثله:
2968 -
ومن قبل نادى كلّ مولى قرابة
…
فما عطفت مولى عليه العواطف (3)
كذا رواه الثقات بكسر اللام، ومن ذلك قراءة ابن محيصن (4): فلا خوف عليهم (5) بالنصب دون تنوين على تقدير فلا خوف شيء ومثله قول بعض العرب: سلام عليكم بلا تنوين (6) يريد: سلام الله، وحكى أبو عليّ: ابدأ بذا من أوّل (7)، بالفتح على منع الصرف، وبالضم على نية الإضافة دون قصد إلى لفظ المضاف إليه، وبالجر على قصد المضاف إليه، وحكى الكسائي أن بعض العرب قال: أفوق تنام أم أسفل (8)، بالنصب على تقدير: أفوق هذا تنام أسفل منه، ومثله -
(1) من الطويل. الهمع (1/ 210) و «كوالئ» منه وفي الأصل: «توالي» .
(2)
من الطويل. الارتشاف (779)، وشرح المفصل (4/ 87).
(3)
من الطويل. الأشموني (2/ 269، 274)، والتصريح (2/ 50)، والدرر (1/ 177)، والعيني (3/ 443)، والهمع (1/ 210).
(4)
الأصل بتقديم الصاد على الياء. هذا وابن محيصن: محمد بن عبد الرحمن مقرئ أهل مكة مع ابن كثير، قرأ على ابن مجاهد وله اختيار في القراءة (ت: 123 هـ). طبقات القراء (2/ 167)، وغاية النهاية (2/ 167)، ومراتب النحويين (25).
(5)
سورة البقرة: 38، وسورة المائدة: 69، وسورة الأنعام: 48، وسورة الأعراف: 35، وسورة الأحقاف:13. وانظر: الإتحاف (134، 202)، والهمع (2/ 52).
(6)
التذييل (4/ 85).
(7)
ينظر: الأشموني (2/ 268 - 270)، والتصريح (2/ 57)، والهمع (1/ 210).
(8)
مصادر الهامشين السابقين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على أجود الوجهين قول الشاعر:
2969 -
أقول لمّا جاءني فخره
…
سبحان من علقمة الفاخر (1)
أراد: سبحان الله؛ فحذف المضاف إليه، وأبقى المضاف على الهيئة التي يستحقها قبل الحذف. ومثل قول الآخر:
2970 -
سبحان من فعلك يا قطام
…
بالرّكب تحت غسق الظّلام (2)
والاستعمال المذكور في الأسماء الناقصة الدلالة قليل وهو في الأسماء التامة الدلالة كثير، فمن شواهده في النثر قول بعض العرب: قطع الله الغداة يد ورجل من قالها (3)، ومن شواهده في النظم قول الأعشى:
2971 -
إلّا علالة أو بدا
…
هة سابح نهد الجزاره (4)
ومنها قول الآخر:
2972 -
سقى الأرضين الغيث سهل وحزنها
…
فنيطت عرى الآمال بالزّرع والضرع (5)
ومنها قول الآخر:
2973 -
بنو وبناتنا كرام فمن نوى
…
مصاهرة فلينأ إن لم يكن كفوا (6)
ومنها قول الآخر:
2974 -
يا من رأى عارضا أكفكفه
…
بين ذراعي وجبهة الأسد (7)
ومنها قول الآخر:
2975 -
نعيم وبؤس العيش للمرء منهما
…
نصيب ولا بسط يدوم ولا قبض (8)
-
(1) من الرمل للأعشى. ديوانه (106)، الكتاب (1/ 163)، ومجالس ثعلب (261)، والمقتضب (3/ 218)، والهمع (1/ 190)، (2/ 52).
(2)
وانظره في التذييل (7/ 232).
(3)
الأشموني (2/ 274) وما بعدها.
(4)
من الكامل. ديوانه (114)، والخصائص (2/ 407)، والعيني (3/ 453)، والكتاب (1/ 91، 295)، والمقتضب (4/ 228).
(5)
من الطويل. الأشموني (2/ 274)، والعيني (3/ 483) والزرع في الأصل:«الروع» - تحريف.
(6)
من الطويل. التذييل (7/ 233).
(7)
من المنسرح ينسب للفرزدق ولم أجده في ديوانه. الخصائص (407)، والكتاب (1/ 92)، والمقتضب (4/ 229)، ويروى:«أسرّ به» موضع «أكفكفه» .
(8)
من الطويل. التذييل (7/ 233).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولقلته في الناقص الدلالة جعلته فرعا وجعلت الآخر أصلا، وكل هذه الأمثلة قد عطف فيها على المضاف مضاف إلى مثل المحذوف؛ فتقدير الأول: قطع الله يد من قالها ورجل من قالها، وتقدير الثاني: إلا بداهة سابح أو علالة سابح، وتقدير الثالث: سهلها وحزنها، وتقدير الرابع: بنونا وبناتنا، وتقدير الخامس: بين ذراعي الأسد وجبهة الأسد. وتقدير السادس: نعيم العيش وبؤس العيش. وأحق هذه الأمثلة بالاطراد الثالث والرابع؛ لأن المحذوف فيهما مدلول عليه بما قبله وبما بعده [4/ 84] وعبر عن المحذوف بعامل لا بمضاف ليدخل فيه ما المعطوف فيه غير مضاف نحو: «إنّ أحدكم ليفتن في قبره مثل أو قريبا من فتنة الدّجّال» (1) أراد:
مثل فتنة الدجال أو قريبا من فتنة الدجال، ومثله قول الراجز:
2976 -
بمثل أو أنفع من وبل الدّيم
…
علّقت آمالي فعمّت النّعم (2)
أراد: بمثل وبل الديم أو أنفع من وبل الديم.
ونبهت بقولي: (وكذا لو عكس هذا الآخر) على أنه قد يحذف المضاف إليه بعد العاطف متروكا ما قبله على ما كان عليه قبل الحذف كما فعل به قبل العطف في نحو: قطع الله يد ورجل من قالها، لكن هذا فيه استدلال بالآخر على ما حذف من الأول وفي عكسه استدلال بالأول على حذف من الآخر. ومن شواهده قول أبي برزة الأسلمي (3) رضي الله تعالى عنه: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ثماني، هكذا ضبطه الحفاظ في صحيح البخاري (4) بفتح الياء دون تنوين والأصل: أو ثماني غزوات؛ فحذف المضاف إليه وترك المضاف على هيئته التي كان عليها قبل الحذف ومثله قول الشاعر: -
(1) عن عائشة رضي الله عنها. البخاري: الوضوء (37)، والأذان (49)، والكسوف (10)، والفتن (26)، ومسلم: المساجد (33، 127) والنسائي: الجنائز (115) وراجع شواهد التوضيح (102).
(2)
رجز. التصريح (2/ 57)، والعيني (3/ 451).
(3)
فضلة بن عبيد بن الحارث الأسلمى صحابي غلبت عليه كنيته هذه له ست وأربعون حديثا (ت:
65 هـ). الاستيعاب (3/ 513)، والإصابة (8/ 87)، والأعلام (8/ 358).
(4)
البخاري: كتاب العمل في الصلاة (21)، وباب إذا انفلتت الدابة في الصلاة وشواهد التوضيح (47).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
2977 -
خمس ذود أو ستّ عوّضت
…
منها مائة غير أبكر وأفال (1)
ويختص الناقص الدلالة بتعويض التنوين التنوين مما كان مضافا إليه فيبقى مع العوض على الحال الذي كان عليه مع المعوض منه من إعراب أو بناء، فالباقي على الإعراب كـ «كل» و «أي» في قوله تعالى: وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (2) وأَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (3)، والباقي على البناء نحو: يومئذ، وحينئذ، والأصل: يوم إذ كان أو يكون، وحين إذ كان أو يكون؛ فحذفت الجملة للعلم بها وعوض منها التنوين فبقي بناء «إذ» مع العوض كما كان مع الجملة، والتقى الساكنان: الذال والتنوين، فكسرت الذال لالتقاء الساكنين. وزعم الأخفش أن كسرة الذال كسرة إعراب نظرا إلى أن البناء كان من أجل الإضافة إلى الجملة فلما حذفت عاد الإعراب إلى إذ، لأنه الأصل (4). ويبطل ما ذهب إليه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن من العرب من يفتح الذال فيقول: يومئذا ولو كانت الكسرة إعرابية لم تغن عنها الفتحة.
الثاني: أن المضاف إلى «إذ» قد يفتح في موضع الجر والرفع ففتحه في موضع الجر كقراءة نافع: ومن خزى يومئذ (5)، ومن فزع يومئذ (6) ومن عذاب يومئذ (7)؛ بالفتح كقول الشاعر:
2978 -
رددنا لشعثاء الرّسول ولا أرى
…
كيومئذ شيئا تردّ رسائله (8)
وفتحه في موضع الرفع كقول العرب من رواية الفراء: مضى يومئذ بما فيه، فلو كانت كسرة «إذ» إعرابية لم يبن ما أضيف إليه؛ لأن سبب بنائه إنما كان الإضافة إلى ما ليس معربا فبطل ما أفضى إلى القول بإعراب «إذ» . -
(1) انظره في التذييل (7/ 233)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 250).
أبكر: جمع بكر وهو الفتي من الإبل. إفال: صغار الإبل مفرده أفيل.
(2)
سورة النمل: 87.
(3)
سورة الإسراء: 110.
(4)
انظر: الارتشاف (2/ 234).
(5)
سورة هود: 66. وينظر: البحر المحيط (5/ 240).
(6)
سورة النمل: 89، وانظر: البحر المحيط (7/ 102)، والكشاف (3/ 305).
(7)
سورة المعارج: 11، وراجع: البحر المحيط (8/ 334).
(8)
من الطويل. التذييل (7/ 231، 243).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثالث: أن العرب تقول: كان ذلك إذ؛ بالكسر دون إضافة «إذ» كقول الشاعر:
2979 -
نهيتك عن طلابك أمّ عمرو
…
بعافية وأنت إذ صحيح (1)
فلو كانت الكسرة إعرابية في «يومئذ» لم تثبت عند عدم ما اقتضاها وهو الإضافة.
وقد أورد الأخفش هذا البيت في كتاب المعاني (2)، وزعم أنه مما حذف فيه المضاف وترك عمله ولو جاز هذا لجاز في مثل: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (3) الجر وكان فيه أجوز؛ لأن المضاف - أعني «أهل» - مراد اللفظ والمعنى ومع هذا لم يجز فيه الجر بإجماع حين حذف المضاف، فقدم الجواز في «حينئذ» لكون المضاف فيه مستغنى عنه من جهة المعنى أحق وأولى.
وبهذا يرد قول الأخفش: [أصل لات أوان: حين أوان، وإنما الأصل: ولات أوان ذلك؛ فحذف ذلك ونويت الإضافة وبني على الكسر ونون للضرورة ويجوز أن يكون الأصل: ولات من أوان؛ فحذف «من» وبقي عملها كقراءة بعضهم:
ولات حين مناص (4) بكسر النون] (5).
وقولي: (وإن لم ينو التنكير) إلى (بني المضاف على الضم) أشرت به إلى سبب بناء ما يقطع عن الإضافة وقد تقدم شرحه مستقصى. ونبهت بقولي: (إن لم يشابه ما لا تلزمه الإضافة معنى) على أن بعض ما تلزمه الإضافة معنى يشبه الأسماء التامة الدلالة بقبول التصغير والتثنية والجمع والاشتقاق وكثرة (6) استعماله غير مضاف كـ «ثلث وربع ومثل وشبه» فلا يتأثر بالقطع عن الإضافة نويت أو لم تنو. انتهى كلام المصنف.
وهو كما قيل: كالماء إلا أنه زلال، والسحر إلا أنه حلال، فرحمه الله تعالى -
(1) من الوافر لأبي ذؤيب الهذلي. ديوان الهذليين (1/ 68)، والخصائص (2/ 376)، وشرح المفصل (3/ 29)، (9/ 31)، ويس (2/ 39).
(2)
معاني الأخفش (1/ 184). سورة الأنعام عند قوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا
…
(3)
سورة يوسف: 82.
(4)
سورة ص: 3.
(5)
ما بين المعقوفين من (أ) وشرح التسهيل لابن مالك، وهي قراءة عيسى بن عمر، وانظر: البحر المحيط (7/ 384)، والكشاف (4/ 54، 55).
(6)
انظر شرح التسهيل: (3/ 252) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ورضي عنه وأرضاه بمنه وكرمه.
ثم يتعلق بكلامه أبحاث:
الأول:
ذكر أن المضاف اللازم للإضافة معنى إذا أفرد أي: قطع عن الإضافة وذلك بأن يحذف المضاف إليه له حالات خمس؛ منها حالة يشترك فيها الاسم المعرب والمبني، وأربع حالات يختص بها المعرب:
الأولى: أن يقطع عن الإضافة معنى كما قطع عنها لفظا وهي الحالة المعبر فيها عن المضاف بأنه نوي تنكيره.
الثانية: أن ينوى لفظ المضاف إليه فيكون المضاف في حكم ما هو مضاف لفظا وكأنه في التقدير لم يقطع عن الإضافة.
الثالثة: أن يعوض من المحذوف تنوين وهذه هي الحالة التي يشترك فيها المعرب والمبني، فالمعرب نحو:«كل» و «أي» المبني نحو: «يومئذ» و «حينئذ» .
الرابعة: أن يعطف على المضاف اسم عامل في مثل المحذوف.
الخامسة: أن لا يكون شيء من هذه الأمور الأربعة لا نية تنكير المضاف، ولا نية تنكير لفظ المضاف إليه، ولا تنوين هو عوض، ولا عطف؛ وإنما ينوى معنى المضاف إليه لا غير.
ففي الحالات الأربع الأول يكون حكم المضاف كحاله مع ذكر المضاف إليه إن كان مع ذكر المضاف إليه معربا بقي بعد الحذف على إعرابه، وإن كان مبنيّا بقي على بنائه، وإلى هذا أشار بعد ذكر الحالات الأربع بقوله: لم يتغير الحكم. ثم المعرب مع بقائه بعد الحذف على إعرابه باق على حذف تنوينه أيضا إلا في حالة التنكير فإنه ينون.
وحاصل الأمر: أن صورة المضاف بعد حذف المضاف إليه تستقر على ما كانت عليه حال ذكر المضاف إليه إلا إذا نكر فإنه ينون إن لم يمنع منه مانع كما إذا كان ذلك الاسم الذي هو المضاف لا ينصرف [4/ 85] وأما في الحالة الخامسة وهي أن ينوى معنى المضاف إليه فإن المضاف يبنى على الضم. وهذه الحالات الخمس مصرح بها في متن الكتاب. وفي الحقيقة إنما هي أربع فإن الحالة الرابعة وهي المشتملة على العطف داخلة في الحالة الثانية وهي التي ينوى فيها لفظا المضاف إليه، وذلك أنه إذا نوي لفظ -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المضاف إليه فقد يكون ذلك مع العطف وقد لا يكون فهو قسم واحد تحته صورتان، وكلامه في الشرح يقتضي هذا؛ فإنه بعد أن ذكر المضاف إليه إذا حذف ونوي لفظه ترك المضاف بإعرابه وهيئته التي يستحقها مع بقاء المضاف إليه وأنشد:
2980 -
أمام وخلف المرء من لطف ربّه
…
... البيت
قال: وبقاء المضاف على هيئته أكثر ما يكون إذا عطف على المضاف عامل في ما يماثل المحذوف لفظا ومعنى ثم قال: وقد يكون بخلاف ذلك وأنشد:
2981 -
أكالئها
…
البيت المتضمن: «أو بعيد فأهجعا» .
وقول الآخر:
2982 -
ومن قبل نادى
…
...
…
البيت
إلى آخر ما استدل به على ذلك.
البحث الثاني:
أطلق المصنف القول ببناء الاسم الناقص الدلالة عند حذف المضاف إليه مع إرادته؛ فلم يقيد شيئا منهما. وابن عصفور قيد البناء بكون المضاف اسم زمان وبكون المحذوف (1) معرفة، لكنه إنما ذكر ذلك فيما يجوز فيه حذف المضاف إليه بقياس (2)؛ فلا يلزم أن يمتنع ذلك على الإطلاق فقد يكون ذلك على غير قياس في غير أسماء الزمان وفي ما المضاف إليه المحذوف نكرة. والمصنف إنما ذكر المسألة من الرأي دون تعرض منه لقياس ولا غير قياس. على أن في اشتراط كون المضاف إليه المحذوف معرفة حال بناء المضاف بحثا وذلك أنهم قالوا في قوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ (3): إن التقدير: من قبل ذلك ومن بعد ذلك، فيقول القائل: لم لا يجوز أن يكون التقدير: من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء؟ وما المانع من ذلك؟
بل يظهر أن هذا التقدير أبلغ في التعظيم من التقدير الذي ذكروه ويقوي أن المعنى على التقدير الذي ذكرته قول الإمام مالك (4) رضي الله تعالى عنه حين حضرته الوفاة: لله -
(1) المقرب (1/ 214).
(2)
السابق.
(3)
سورة الروم: 4.
(4)
مالك بن أنس بن مالك الحميري أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة وإليه تنسب «المالكية» . كان -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأمر من قبل ومن بعد، ويقال: إنها آخر كلمة تكلم بها رضي الله تعالى عنه وأرضاه بمنه وكرمه. فلا يرتاب أن
مراده بذلك الاعتراف بأن الأمر لله من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء، أي: لله الأمر على الإطلاق. لكن نقل الشيخ عن البسيط قال: إذا بنيت فهي معارف؛ لأنك لا تذكرها حتى يتقدمها كلام أو شيء واقع. وقال بعضهم: هي نكرات وإنما تريد: قبل شيء، وعزاه إلى سيبويه (1). انتهى كلام صاحب البسيط، وقوله: لأنك لا تذكرها حتى يتقدمها كلام أو شيء واقع؛ قد يمنع، ثم يكفي في عدم ثبوت ذلك أنها نكرات في قول من خالف.
البحث الثالث:
اختلف القول في موجب بناء هذه الأسماء المنقطعة عن الإضافة.
فأما المصنف؛ فقد عرفت ما ذكره من جمود لفظها وافتقارها إلى الغير في بيان معناها. قال: فأشبهت الحرف لفظا؛ للجمود، ومعنى؛ للافتقار، إلى آخر كلامه المتقدم إلى أن قال: إنها لما قطعت عن الإضافة ونوي معنى الثاني أشبهت حروف الجواب في الاستغناء بها عن لفظ ما بعدها؛ فانضم ذلك إلى الشبهين المذكورين فبنيت.
وأما غير المصنف؛ فمنهم من قال: الموجب للبناء أن المضاف إليه لما حذف وأريد افتقر إلى ما يدل عليه فأشبه المضاف الحرف؛ لافتقاره إلى غيره. ومنهم من قال: إن المضاف إليه لما حذف وأريد بقي المضاف كبعض كلمة، وبعض الكلمة لا يستحق الإعراب. ومنهم من ذكر أن الموجب للبناء الإبهام ولذلك بنيت «غير» لما قطعت عن الإضافة إذا قلت: ليس غير ولا غير. وإذا قسمت ما ذكروه بما ذكره المصنف علمت ما بينهما كما علمت ما بين السماء والأرض. ثم إن الذي ذكره المصنف تعليل عام يشمل الكلمات التي يعرض لها البناء عند حذف ما هي مضافة إليه ظرفا كانت أو غير ظرف. والكلمات التي أوردها في الشرح هي «قبل» ، و «بعد» ، و «غير» ، و «حسب» ، و «أول» ، و «أمام وخلف» وأخواتهما. -
- صلبا في دينه ويقول: «العلم يؤتي إليه» . له الموطأ وغيره، (ت: 179 هـ). الأعلام (6/ 128)، والوفيات (1/ 439).
(1)
التذييل (7/ 229).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يعني بذلك بقية أسماء الجهات، وفي الألفية «دون» ، و «عل» (1).
ولا شك أن كلّا من هذه المذكورات ينسب إليه الجمود والافتقار، وأما ما ذكره غيره فربما لا يشمل الكلمات كلها.
البحث الرابع:
لا شك أن هذا الفصل إنما هو معقود لبيان حكم الأسماء الملازمة للإضافة معنى إذا قطعت عنها لفظا؛ هل تبقى على إعرابها الذي كان لها قبل أن تقطع أو تبنى؟
ولكن لما كان القطع عن الإضافة عبارة عن حذف المضاف إليه وإبقاء المضاف؛ لزم من ذلك أن يكون الكلام على قطع المضاف عما بعده مستلزما للقول بجواز حذف المضاف إليه، لكن المضاف إليه قد يحذف وإن لم يكن المضاف من الأسماء الملازمة للإضافة وهذا من هذا الباب، ثم إنه لم يكن في كلامه في المتن - أعني متن هذا الفصل - ما يقتضي التنبيه على ذلك أيضا، لكنه قد أورده في الشرح؛ فإنه لما ذكر مسألة الحذف إذا عطف على المضاف اسم عامل في مثل المحذوف وأنشد:
2983 -
أمام وخلف المرء من لطف ربّه
…
كوالئ تزوي عنه ما هو يحذر
قال: والاستعمال المذكور في الأسماء الناقصة الدلالة قليل، وهو في الأسماء التامة الدلالة كثير كقولهم: قطع الله يد ورجل من قالها، وكقول الشاعر:
2984 -
إلّا علالة أو بدا
…
هة سابح نهد الجزاره
[4/ 86] إلى آخر ما ذكره. ولما أشار إلى حكم حذف المضاف إليه هذا استغنى عن ذكره عند ما ذكر حذف المضاف في فصل سيأتي. فإنه كان الأصل أن يقرن بين الأمرين في الذكر كما فعل غيره، وكما فعل هو في الألفية.
ثم لننبّه بعد ما تقدم على أمور:
منها: أننا فهمنا من كلام المصنف أن المحذوف في قولهم: قطع الله يد ورجل من قالها؛ هو المضاف إليه «يد» ، والتقدير: قطع الله يد من قالها؛ فحذف من -
(1) قال في الألفية:
قبل كغير بعد حسب أوّل
…
ودون والجهات أيضا وعل
وانظر الأشموني (2/ 267، 268).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأول لدلالة الثاني. وابن عصفور ذكر في كتبه أن «يدا» مضافة إلى «من قالها» المنطق به والتقدير: قطع الله يد من قالها ورجله؛ فحذف الضمير وأقحم المعطوف بين المضاف والمضاف إليه وحذف التنوين من «يد» لإضافته إلى «من» وحذف من «رجل» لأنه مضاف إلى «من» في المعنى وبمنزلة المضاف إليه في اللفظ (1).
وإنما قال: إنه بمنزلة المضاف إليه في اللفظ؛ لأنه قال: إذا حذف المضاف إليه وكان المضاف غير ظرف فلا بد من التنوين إلا أن يكون المضاف بعد الحذف على هيئته قبل الحذف نحو قولهم: قطع الله يد ورجل من قالها؛ قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه الله تعالى شارحا لكلام ابن عصفور: أجمعوا على أن هنا مضافا محذوفا من
أحدهما. واختلفوا من أيهما حذف. فمذهب سيبويه كما قاله المصنف وهو أسهل؛ لأنه ليس فيه وضع ظاهر موضع مضمر وليس فيه أكثر من الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف (2). قال شيخنا ابن عمرون رحمه الله تعالى: لما شارك الفاصل ما قبله في النسبة إلى المضاف إليه حسن وشجعه كون الدليل يكون مقدما على المدلول عليه ومذهب أبي العباس المبرد أن «رجل» مضافة إلى «من» المذكورة و «يد» مضافة إلى «من قالها» أخرى محذوفة (3)، ويلزمه أن يكون قد وضع الظاهر موضع المضمر؛ إذ الأصل: يد من قالها ورجل من قالها، وحسّن ذلك عنده كون الأول معدوما في اللفظ فلم يستكره لذلك. انتهى.
والظاهر أن المذهبين متعادلان. فإن أرجحية كل من القولين تعادل مرجوحية الآخر.
ولقائل أن يقول: الدليل على صحة مذهب المبرد ما أنشده المصنف من قول القائل:
2985 -
سقى الأرضين الغيث سهل وحزنها
وقول الآخر:
2986 -
بنو وبناتنا كرام
فإن الضمير إنما يتصل بعامله وإذا ثبت في هذين البيتين أن المحذوف هو ما أضيف -
(1) المقرب (1/ 180) وانظر الأشموني (2/ 274، 275).
(2)
المصدر السابق.
(3)
المقتضب (4/ 227) وما بعدها، والكامل (5/ 84)، (7/ 145، 146)، والأشموني (2/ 274)، والسيرافي على الكتاب (1/ 315)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 133)، والمغني (2/ 163)، والهمع (1/ 177)، وابن يعيش (2/ 10).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إليه الأول وجب القول بذلك في نحو: قطع الله يد ورجل من قالها.
ومنها: أن من جملة الكلمات المذكورة «عل» كما ذكرها المصنف في الألفية، وقد ذكرها ابن عصفور (1) وأنشد قول امرئ القيس:
2987 -
كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
لكن قال الشيخ بهاء الدين: كلامه - يعني ابن عصفور - يدل على أن ثم مضافا إليه محذوفا. وكلام النحاة كلهم في البيت يدل على أنه ليس هنا مضاف إليه محذوف؛ بل المحذوف إنما هو موصوف على التقدير من موضع عال، ومعناه: فوق (2).
ويدل على صحة ما قاله الشيخ بهاء الدين أن ابن أبي الربيع ذكر أن هذه الكلمة لا تضاف، وذكروا أن من أحكامها أيضا: أنها لا تستعمل دون «من» ، فعلى هذا تكون «عل» مخالفة لأخواتها المذكورة في هذين الحكمين وموافقة لها في بقية الأحكام وهي الإعراب إذا قصد التنكير، والبناء على الضم إذا قصد التعريف. ثم إن معناها معنى «فوق» (3)، وفيها ثماني لغات ذكرها الشيخ بهاء الدين وهي:
علو وعلو وعلو ومن عل ومن علا ومن عال ومن معال، قال: وقال ابن عمرون:
يقال: جئته من عل كـ «شج» وفي معناه من عال كـ «قاض» ومن معال ومن علا كـ «عصا» نكرات فلذا نونت، ولم تبن على الضم، ومن عل؛ مبنية على الضم لا غير معرفة، ويقال: جئته من علو وعلو وعلو فالضم كـ «قبل» ، والفتح طلبا للخفة، والكسر على أصل التقاء الساكنين وهربا من ثقل الضمة والواو (4).
ومن جملة الكلمات المذكورة أيضا «غير» . ولا شك أنها ليست ظرفا وإنما هي كلمة يراد بها الدلالة على مغايرة ما بعدها لما قبلها ولهذا اختلف في الضمة من قولهم: ليس غير ولا غير؛ فقيل: إنها حركة إعراب؛ لأنها ليست بظرف فحكمها حكم «أي» و «كل» إذا قطعتا عن الإضافة وهو رأي الأخفش (5)، وقيل: إنها حركة بناء؛ لأنها وإن لم تكن ظرفا فهي تشبه «قبلا» و «بعدا» في -
(1) المقرب ومعه المثل (ص 289).
(2)
انظر التعليقة لبهاء الدين بن النحاس ورقة (73 ب)(مخطوط بالأزهر).
(3)
التذييل (4/ 83).
(4)
التذييل (4/ 83) وما بعدها.
(5)
الارتشاف (2/ 327)، والتصريح (2/ 54).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإبهام، فحملت عليهما وقد تقدم الكلام على «غير» مشبعا في باب المستثنى. ومن جملة الكلمات أيضا:«حسب» فهي منقطعة عن الإضافة ومبنية على الضم، وذكروا أنها إذا أريد بها هذا المعنى تضمن معنى «لا غير» وتستعمل وصفا وحالا وتكون مبتدأة أيضا فيقال: قبضت عشرة حسب، ورأيت عشرة الرجال حسب، وقبضت ألفا فحسب. ولا شك أن إضافتها مقدرة، ولهذا بنيت على الضم لقطعها عن الإضافة لفظا وإرادتها معنى قالوا: والتقدير في المثالين الأولين اللّذين «حسب» فيهما صفة وحال: حسبي. ولم يظهر لي مع هذا التقدير معنى الوصفية ولا الحالية ثم إذا كان حسب مقدر الإضافة كان معرفة، والمعرفة لا يوصف بها النكرة ولا تقع حالا.
يقال: إن الكلمة بمعنى «كاف» واسم الفاعل لا يتعرف بالإضافة؛ لأن الكلمة المذكورة لو لم تقدر معرفة لم تبن على الضم ولو قدر تنكيرها لوجب الإعراب كما في «قبل» و «بعد» وأخواتها. والذي يظهر أن يقال: إن «حسب» لما قطعت عن الإضافة ونوي معنى المضاف إليه وبنيت الكلمة على الضم قطع النظر بعد هذا عن كونها كانت مضافة وأفردت عن المضاف إليه ثم جعلت في حكم [4/ 87] كلمة مستقلة أتي بها ابتداء دون إضافة وحينئذ يتوجه القول فيها بأنها نكرة فتنعت بها النكرة ويصح وقوعها حالا.
وأما كونها مضمنة معنى «لا غير» ؛ فقد ينازع فيه، ويقال: لا يلزم من كونها تفيد من المعنى ما يفيده «لا غير» أن تكون مضمنة معناها، وإنما استفيد هذا المعنى من جهة أخرى. وبيانه أن الأصل في حسب المضافة لفظا أن معناها معنى «كاف» فحكمها على هذا حكم اسم الفاعل العامل الذي لا يتعرف بالإضافة؛ وعلى هذا ينعت بها النكرة وتقع حالا كقولك: رأيت رجلا حسبك من رجل، أي: كافيا لك عن غيره وقائل: زيد حسبك من رجل، أي: كافيا عن غيره، وتقع معمولة للابتداء ونواسخه.
والحاصل أن: حركات الإعراب تجري عليها رفعا ونصبا وجرّا قال الله تعالى:
حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ (1)، وقال تعالى: فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ (2)، وإذا كان كذلك فلا شك أننا نفهم من قول القائل: رأيت رجلا حسبك من رجل، إذا كان معنى -
(1) سورة المجادلة: 8.
(2)
سورة الأنفال: 62.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«حسبك» : كافيا - أن ذلك الرجل الذي هو متعلق الرؤية مقتصرا عليه في الكفاية؛ بمعنى أنه يستغنى به فلا يحتاج معه إلى الغير.
وعلى هذا نقول: «حسب» المقطوعة عن الإضافة التي تقدم القول فيها تفسر بالمعنى المذكور أو بما يقرب منه. فمعنى «قبضت عشرة حسب» : قبضت عشرة مقصورا عليها قبض لم يتعدّ إلى غيرها كأنها كفته في المقبوض، وحسب هي التي أفادت ذلك، وكذا «رأيت زيدا حسب» رأيت زيدا مقصورا رؤيتي عليه كأنه لكماله كاف فلا يحتاج مع رؤيته إلى غيره. وكذا إذا قيل: قبضت ألفا فحسب؛ التقدير: فهو حسب، أي: فالألف المقبوض حسب، أي: كاف لي لا أحتاج إلى قبض غيره، وعلى هذا يكون معنى «حسب» في الحالين - أعني مضافة ومقطوعة عن الإضافة - واحدا، ولا يحتاج إلى القول بأن الكلمة ضمت معنى «لا غير» .
وفي جعل «فحسب» - من: قبضت ألفا فحسب؛ مبتدأ، وأن التقدير: فحسبي ذلك - نظر؛ فإن التقدير إذا كان كذلك لا يكون معنى «حسب» في هذا التركيب معنى «لا غير» ؛ لأنه إنما حصل الإخبار بأن الألف تكفيه، أما أنه اقتصر عليه ولم يقبض غيره؛ ففهمه من التركيب المذكور فيه بعد. ثم إن «حسب» عندهم نكرة وإذا كانت نكرة فما المسوغ للابتداء بها.
وبعد: فليعلم أن من الشواهد التي ذكروها دالة على بناء ما قطع عن الإضافة من الكلمات المذكورة قول الشاعر:
2988 -
أقبّ من تحت عريض من عل (1)
وقول الآخر:
2989 -
ولقد شددت عليك كلّ ثنيّة
…
وأتيت نحو بني كليب من عل (2)
وقول الآخر:
2990 -
إذا أنا لم أو من عليك ولم يكن
…
لقاؤك إلّا من وراء وراء (3)
-
(1) رجز لأبي النجم في وصف فرس، والأقب: الضامر. والبيت في الكتاب (3/ 290)، والعيني (3/ 448) وشاهده: بناء «عل» على الضم.
(2)
من الكامل، وهو في التذييل (7/ 234).
(3)
من الطويل لعتي بن مالك العقيلي. التصريح (2/ 52)، والدرر (1/ 177)، وشرح المفصل (4/ 87)، والكامل (1/ 38)، واللسان:«وري» ، «بعد» ، والهمع (1/ 120). -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن الأمور التي ينبّه عليها أيضا. أنهم ذكروا أن من أحكام «قبل» و «بعد» إذا بنيا على الضم لم يجز أن يقعا خبرين للمبتدأ ولا وصفين ولا حالين تقول: القيام قبل قعود زيد، ولا يقال: القيام قبل، وكذا حكم دون، وقدام، وأمام، ووراء، وخلف، وفوق، وتحت، ويمين، وشمال؛ فلا تقع أخبارا ولا صفات، ولا أحوالا، إذا قطعت عن الإضافة لفظا وبنيت على الضم، والحاصل أنها مساوية لـ «قبل» و «بعد» في جميع أحكامها إضافة وقطعا عنها وإعرابا وبناء. وما ذكروه في «من قبل» و «من بعد» أنهما لا يقعان أحوالا قد يورد عليه قوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ (1)؛ فإن الظاهر أن «من قبل» و «من بعد» حالان من الضمير المستكن في خبر المبتدأ.
ومنها: أن الفراء قال: لا يجوز حذف المضاف إليه في مثل: قطع الله يد ورجل من قالها إلا في المصطحبين كـ «اليد» و «الرجل» و «النصف» و «الربع» و «قبل» و «بعد» ، وأما نحو: دار وغلام زيد؛ فلا يجوز (2).
ومنها: أن المصنف لم يتعرض في حذف المضاف إليه إلى ما هو قياس وما هو ليس بقياس. وأما ابن عصفور؛ فإنه أشار إلى ذلك فقال: ويجوز حذف المضاف إليه بقياس إذا كان مفردا وكان المضاف اسم زمان. فإن كان المحذوف معرفة بنيت اسم الزمان على الضم قال الله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ أي: من قبل الغلب ومن بعده، وإن كان نكرة لم تبنه نحو قوله:
2991 -
كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
فإن كان المضاف إليه جملة لم يجز حذفه إلا فيما سمع من ذلك نحو قولهم:
يومئذ وحينئذ؛ قال الله تعالى: وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (3)، أي: حين إذ بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (4) فحذفت الجملة وعوض منها التنوين، فإن كان المضاف غير ظرف لم يجز حذف المضاف إليه إلا فيما سمع من ذلك نحو:«كل» و «بعض» و «أي» و «غير» ولا بد من التنوين إلا أن يكون المضاف بعد الحذف على هيئته -
- والشاهد في «وراء» الأول بني على الضم لقطعه لفظا ومعنى و «وراء» الثاني تأكيد له.
(1)
سورة الروم: 4.
(2)
الأشموني (2/ 275).
(3)
سورة الواقعة: 84.
(4)
سورة الواقعة: 83.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قبل الحذف نحو قولهم: قطع الله يد ورجل من قاله، التقدير: قطع الله يد من قاله ورجله؛ فحذف الضمير وأقحم المعطوف بين المضاف والمضاف إليه وحذف التنوين من «يد» لإضافته إلى «من» وحذف من «رجل» ؛ لأنه مضاف إلى «من» في المعنى وبمنزلة المضاف إليه في اللفظ (1). انتهى.
وهو كلام جيد وتفصيل حسن. ولكن فيه أمران:
أحدهما: أن تقييده المضاف بكونه اسم زمان فيه قصور، ولو أطلق فقال: إن كان - يعني المضاف إليه - مفردا وكان المضاف ظرفا ليشمل الزمان والمكان كان أولى، بل هو المتعين. ويدل على أن هذا الحكم الذي ذكره شامل للظرفين - استدلاله بقول امرئ القيس:
2992 -
كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
ولا شك أن «عل» من ظروف المكان. وحين وقفت على كلام هذا الرجل حصل لي هذا الاستدراك ثم بعد ذلك رأيت
الشيخ بهاء الدين رحمه الله تعالى لما تكلم على هذا الموضع قال: إلا أن في تمثيله [4/ 88] بـ «عل» هنا وهو أنه: إنما ترجم على أسماء الزمان ومثل بـ «عل» وهو اسم مكان لا زمان. قال: فكان ينبغي أن يقول:
وكان المضاف اسم زمان أو مكان فإن حكم «فوق» و «تحت» وغيرهما من أسماء الجهات حكم «قبل» و «بعد» في الإعراب والبناء (2).
الثاني: إدراجه كلمة «غير» مع «كل» و «بعض» و «أي» وقوله بعد ذلك:
ولا بدّ من التنوين؛ فإن بناء «غير» في نحو: ليس غير، ولا غير؛ جائز بخلاف الكلم الثلاث المذكورة كما عرفت. ولا شك أنها إذا بنيت لا تنون، فلم يكن حكم «غير» حكم المذكورات معها. والظاهر أن هذا جنوح منه إلى مذهب الأخفش.
وهو أن «غيرا» باقية على الإعراب عنده وكأن حذف التنوين منها حينئذ يكون للتخفيف، ولكن المنقول أن نصب «غير» جائز في «ليس غير» مع التنوين ودونه، والحركة حركة إعراب اتفاقا فقد جاز حذف التنوين مع القول بأنها معربة؛ وعلى -
(1) المقرب (1/ 214، 215)، والهمع (2/ 52).
(2)
انظر: التعليقة لبهاء الدين بن النحاس ورقة (73 ب) مخطوط بمكتبة الأزهر.