الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث والخمسون باب الاختصاص
(1)
[دواعيه وأحكامه]
قال ابن مالك: (إذا قصد المتكلم بعد ضمير يخصّه أو يشارك فيه تأكيد الاختصاص أولاه «إيّا» معطيها مالها في النّداء إلّا حرفه، ويقوم مقامها منصوبا اسم دالّ على مفهوم الضّمير، معرّف بالألف واللّام أو الإضافة، وقد يكون علما، وقد يلي هذا الاختصاص ضمير مخاطب).
قال ناظر الجيش: قال المصنف (2): الباعث على هذا الاختصاص فخر أو تواضع أو زيادة بيان، كقولك في القاهر أعداءه: عنّ المستجير، وعليّ أيّها الجواد يعتمد الفقير، وإنا آل فلان كرماء، ونحن العرب أقرى الناس للضيف، وإني أيها العبد أفقر العبيد إلى رحمة الله تعالى، وإنا حملة القرآن أحق الناس بمراعاة حقوقه، ومنه قول الشاعر:
3540 -
لنا معشر الأنصار مجد مؤثّل
…
بإرضائنا خير البريّة أحمدا (3)
صلى الله عليه وسلم، ومثله:
3541 -
جد بعفو فإنّني أيّها العب
…
د إلى العفو يا إلهي فقير (4)
ومثله:
3542 -
إنّا بني نهشل لا ندّعي لأب
…
عنه ولا هو بالأبناء يشرينا (5)
-
(1) وينظر في هذا الباب: الأشموني (3/ 185 - 187) والأصول (1/ 291 - 300) وأوضح المسالك (4/ 72 - 74) والتذييل (4 / ق 238 - 240) والتصريح (2/ 190 - 192) والرضى (1/ 161 - 162) وشرح المفصل (3/ 17 - 19) والكتاب (2/ 66، 231، 236، 3/ 170)، والهمع (1/ 170 - 171).
(2)
شرح التسهيل (3/ 434).
(3)
من الطويل وانظره في الدرر (1/ 147) والشذور (/ 217) والهمع (1/ 171).
(4)
من الخفيف - الدرر (1/ 146) برواية «خذ» بدل «جد» ، والشذور (/ 217)، وشرح شواهده (/ 72) والهمع (1/ 170).
(5)
البيت من بحر البسيط وهو لنهشل بن حري. وشاهده واضح وهو في شذور الذهب (ص 218) والخزانة (بولاق)(3/ 510).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن وروده علما قول الراجز:
3543 -
بنا تميما يكشف الضّباب (1)
ومن إيلاء الاختصاص ضمير المخاطب قولهم: بك الله نرجو الفضل. انتهى.
واعلم أن الأئمة تطابق كلامهم على أن الاختصاص وارد على طريقة النداء قبل؛ وذلك لاستعمالهم لفظ المنادى فيه. ولا شك أنه ليس بنداء. قال المصنف في شرح الكافية (2): قد يجاب بكلام على صورة هي لغيره توسعا عند أمن اللبس. فمن ذلك ورود الخبر بصورة الأمر، وورود الأمر بصورة الخبر، وورود الخبر بصورة الاستفهام، وورود الاستفهام بصورة الخبر، ومن ذلك ورود الاختصاص بصورة النداء، ولم يقع المختص مبنيّا إلّا بلفظ أيها وأيتها، وإنما وقع منصوبا مضافا أو معرفا بالألف واللام. انتهى.
وقال سيبويه رحمه الله تعالى: «أجري على هذا حرف النداء كما أن التسوية أجرت ما ليس باستخبار (ولا استفهام) على حرف الاستفهام .. وذلك [قولك]:
ما أدرى أفعل أم لم يفعل، فجرى هذا مجرى أزيد عندك أم عمرو؛ لأن علمك قد استوى فيهما كما استوى عليك الأمران (3). انتهى.
وحرف النداء في قول سيبويه: أجرى هذا على حرف [4/ 224] النداء المراد به أي.
وكلام ابن الحاجب يعطي أن الاختصاص منقول من النداء فإنه قال: في كلام العرب حمل لمعان في الأصل ثم نقلوها إلى معان أخر مع تجريدها عن أصل معناها الأصلي: قال. وذلك في أبواب
…
ثم قال: وكذا قولهم: أيها الرجل أصله تخصيص المنادى لطلب الإقبال عليك، ثم نقل إلى معنى الاختصاص مجردا عن معنى طلب الإقبال في قولك: أما أنا فأفعل كذا أيها الرجل. قال: وكل ما نقل من باب إلى باب فإن إعرابه يكون على حسب ما كان عليه (4). انتهى كلامه رحمه الله تعالى. -
(1) لرؤبة - ديوانه (ص 169) والأشموني (3/ 187) والخزانة (1/ 412) وشرح المفصل (2/ 18) والكتاب (1/ 255، 327).
(2)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1374).
(3)
الكتاب (2/ 232).
(4)
الكافية بشرح الرضى (1/ 161)، وما بعدها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والقول بأن الباب المذكور منقول من باب النداء غير ظاهر.
ثم ليعلم أن المخصوص مع موافقته للمنادى لفظا قد خالف من ثلاثة أوجه: أحدها:
أنه لا يستعمل مبدوءا به. ثانيها: أنه لا يستعمل معه حرف نداء. ثالثها: أنه يستعمل معرفا باللام.
وبعد: فملخص القول في الاختصاص: هو أن يتقدم ضمير دال على المتكلم ويؤتي بعده بأيّا، أو باسم معرفة مدلوله الضمير المتقدم عليه وتعريف الاسم المذكور إما بالإضافة أو بالألف واللام وكونه علما قليل. ولا يجوز كون هذا الاسم نكرة ولا مبهما فلا يقال: إنا قوما نفعل كذا، ولا يقال أيضا: أي هذا أفعل كذا.
قال سيبويه: ولا يجوز أن تذكر إلا اسما معروفا؛ لأن الأسماء إنما تذكر هنا توكيدا وتوضيحا للمضمر، وإذا أبهمت فقد جئت بما هو أشكل من المضمر (1) ثم قال:
وأكثر الأسماء دخولا في هذا الباب: بنو فلان، ومعشر مضافة، وأهل البيت، وآل فلان (2). انتهى.
وأما كون الضمير المقدم ضمير خطاب فقليل. ثم إن المخصوص لا يتعين كونه وسط الكلام، بل قد يكون وسطا نحو:«نحن معاشر الأنبياء لا نورّث» (3)، وقد يكون آخرا نحو قولك: أنا أفعل كذا أيها الرجل.
واعلم (أن) الاسم المخصوص معمول لفعل لا يجوز إظهاره، كما أن عامل المنادى لا يجوز إظهاره والفعل المقدر أخص، أو أعنى، وهو تقدير سيبويه (4).
ويظهر أن تقديره أولى من تقدير أخص، فالاسم الذي هو غير أي منصوب لفظا، وأي منصوبة محلّا؛ لأنها عوملت في الاختصاص بما عوملت به في النداء من البناء على الضم ووجوب وصفها أيضا. ولكن يتعين كون الوصف هنا مقرونا باللام، -
(1) الكتاب (2/ 236).
(2)
السابق.
(3)
تتمته «وما تركناه فهو صدقة» - البخاري: الاعتصام (ص 5)، والنفقات (ص 3) وابن حنبل (4/ 359) ومسلم: الزكاة (ص 69) والنسائي: الزكاة (ص 64).
(4)
قال في الكتاب (2/ 233) وذلك قولك: إنا معشر العرب نفعل كذا وكذا كأنه قال أعني، ولكنه فعل لا يظهر، ولا يستعمل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يكون اسم إشارة بخلاف ذلك في النداء. أما موضع الفعل المقدر فظاهر كلام ابن عمرون يعطي أنه نصب على الحال؛ لأنه مثل بقوله: أما أنا فأفعل كذا أيها الرجل، ثم قال: وأيها الرجل في موضع نصب بإضمار فعل على الاختصاص، والفعل المقدر في موضع الحال، ثم قال بعد ذكر الأمثلة والمعنى: أما أنا فأفعل متخصصا بذلك من بين الرجال، ونحن نفعل متخصصين من بين الأقوام، واغفر لنا مخصوصين من بين العصائب، فتعين أن يكون الفعل المقدر الناصب لمحل أيها الرجل في موضع نصب على الحال (1) وفي شرح الشيخ:
والناصب في الاختصاص فعل يجب إضماره، وقدره سيبويه أعني (2)، وقال في البديع كأنه قال: أنا أفعل متخصصا بذلك من بين الرجال، ونحن نفعل متخصصين من بين الأقوام، واغفر لنا مخصوصين من بين العصائب (3). انتهى.
وهذا الذي نقله الشيخ عن «البديع معناه مطابق لما قاله ابن عمرون، غير أنه ليس فيه تصريح بأن العامل في موضع نصب على الحال.
واعلم أن السيرافي له كلام في أيها من قولنا: أنا أيها الرجل أفعل كذا، وتقرير طويل ملخصه أن أيها الرجل مبتدأ والخبر محذوف أي المراد، أو خبر والمبتدأ محذوف أي المراد أيها الرجل (4).
ولا شك أن مثل هذا لا معوّل عليه. وإذ قد تقرر ما قلناه فلنرجع إلى لفظ الكتاب (5)، فنقول:
قول المصنف: إذا قصد المتكلم بعد ضمير يخصه أو يشارك فيه تأكيد الاختصاص فيه أمران:
أحدهما: أنه يقتضي أن الاختصاص كان موجودا في قولنا: أنا أفعل كذا، ونحن شأننا كذا، وأن ذكر المخصوص بعد ذلك أفاد التأكيد. ولا شك أن نحو: أنا -
(1) التذييل (4/ 239) بغير نسبة لأحد.
(2)
الكتاب (2/ 233)، وقد تقدم النص الذي نقلناه عنه قريبا.
(3)
التذييل (4/ 239).
(4)
شرح السيرافي على الكتاب (3/ 60 ب، 61 / أ).
(5)
المراد به التسهيل، (المتن).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فعلت وأنا أفعل لا يفيد الاختصاص عند النحاة ولكن قد يفيد عند أرباب علم المعاني (1)، وإذا لم يكن الكلام يفيد الاختصاص من أصله، فكيف يثبت له توكيد ذلك المعنى الذي لم يفده.
هذا إن كان المراد بالاختصاص هو التخصيص، وإن كان المراد به غير ذلك، فذاك شيء آخر.
الأمر الثاني: قول المصنف في الشرح: إن الباعث على الاختصاص فخر، أو تواضع، أو زيادة بيان، ينافي قوله في المتن أنه قد قصد بما ذكره تأكيد الاختصاص.
والظاهر أن الذي ذكره في المتن هو المعتبر، وقد تقدم لنا قول سيبويه: ولا يجوز أن تذكر إلا اسما معروفا؛ لأن الأسماء إنما تذكر هنا توكيدا وتوضيحا للمضمر، والحق أن: المقصود بذكر المخصوص إنما هو التأكيد، أو زيادة البيان. وأما الفخر والتواضع فإنما يستفادان من الكلام بجملته، فإن قائل:
3544 -
لنا معشر الأنصار .....
…
........ البيت
- لو لم يذكر معشرا، وقال: لنا مجد مؤثل بإرضائنا خير البرية لأفاد هذا الكلام الفخر، وكذا قائل:
3545 -
جد بعفو .......
…
......... البيت الآخر
لو لم يقل: أيها العبد، وقال: جد بعفو، فإنني إلى العفو فقير، لأفاد التواضع.
وقوله: وقد يلي هذا الاختصاص ضمير مخاطب قد مثل له بقول العرب: بك الله نرجو الفضل، (ومنه) أيضا: سبحانك الله العظيم الاسم المعظم منصوب على الاختصاص، والعظيم صفة الله.
* * *
(1) ينظر بغية الإيضاح (1/ 119) وما بعدها، ودلائل الإعجاز (138)، وما بعدها.