الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما يلحق بالتحذير والإغراء]
قال ابن مالك: (فصل: ألحق بالتّحذير والإغراء في التزام [إضمار] النّاصب: مثل وشبهه نحو: «كليهما وتمرا» و «امرأ ونفسه» و «الكلاب على البقر»، و «أحشفا وسوء كيلة» و «من أنت زيدا؟» و «كلّ شيء ولا هذا»، «ولا شتيمة حرّ»، و «هذا ولا زعماتك» و «إن تأتني أهل اللّيل وأهل النّهار»، و «مرحبا وسهلا»، و «عذيرك»، و «ديار الأحباب» بإضمار: أعطني، ودع، وأرسل، وأتبيع، وتذكر، واصنع، ولا ترتكب، ولا أتوهّم، وتجد، وأصبت وأتيت ووطئت، وأحضر، واذكر).
ــ
الجامعة هنا للمقاربة في الزمان جاز أن يلحظ فيها معنى المعيّة فينتصب ما يليها على أنه مفعول معه. انتهى.
ولم أتحقق (1) كون الواو تكون للمعية في هذا الباب، فإن المذكور بعدها إن كان منصوبا بعامل غير العامل في ما قبل «الواو» فلا ريب في نفي المعية، وإن كان منصوبا بالعامل في الأول فالعامل طالب له بجهة المفعولية، ثم إن المنصوب على المعية إنما معناه مصاحبة الأول عند تلبّسه [بما] نسب إليه أو وقع عليه.
قال ناظر الجيش: اعلم أنّ المصنف قد تعرّض إلى ذكر بعض صور هذا الفصل في باب «تعدّي الفعل» حيث أشار إلى وجوب إضمار العامل في المتن بقوله:
«فإن كان الاقتصار في مثل أو شبهه في كثرة الاستعمال فهو لازم. فقال في الشرح (2): فالمثل كقولهم: كلّ شيء ولا شتيمة حرّ (3) أي: ائت -
(1) الذي يفهم من ذلك أن المؤلف لم يوافق ابن مالك وأبا حيان فيما ذهبا إليه من أن الواو في باب التحذير والإغراء للمعية أن ما بعدها منصوب على أنه مفعول معه وأقول: إن ما ذهب إليه ابن مالك وتبعه فيه أبو حيان هو مذهب ابن جني الذي يرى أن الاسم الواقع بعد واو المعية لا يجوز أن يكون مفعولا معه إلا إذا كان بحيث يصح عطفه على ما قبله من جهة المعنى وهذا خلاف ما ذهب إليه الجمهور الذي يرى أن كل اسم وقع بعد واو المعية وسبقته جملة ذات فعل أو شبهه ولم يصح عطفه على ما قبله فإنه يكون مفعولا معه.
(2)
انظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 160).
(3)
انظر الكتاب (1/ 181) وابن يعيش (2/ 27) وقد نص على أنه مثل وبحثت في مجمع الأمثال للميداني والمستقصى للزمخشري فلم أعثر عليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا ترتكب (1)، و «هذا ولا زعماتك. أي: ولا أتوهّم (2)، وكليهما وتمرا (3) أي: أعطني وزدني (4)، وديار ميّة في قول الشاعر:
3555 -
ديار ميّة إذميّ تساعفنا (5)
أي: اذكره.
والجاري مجرى المثل قولهم: «حسبك خيرا لك» (6) و «وراءك أوسع لك» (7)، وقوله تعالى فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ (8)، وانْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ (9).
وقد زاد هنا على ما ذكره ثمّ صورا (10) كما رأيت، وكلامه في هذا الفصل جليّ، مستغن عن الشرح.
وقد تكلم الشيخ على هذه الكلمات شارحا لمعناها بما لا يكاد يخفى على الناظر ثمّ قال (11): وأما مرحبا وأهلا وسهلا فجعل المصنف كلّ واحد منها منصوبا بفعل يناسبه فقال: أصبت رحبا، وأتيت أهلا ووطئت سهلا، فجعلها (12) جملا ثلاثا، -
(1) في الكتاب (1/ 281): «ومن ذلك قولهم: كلّ شيء ولا هذا، وكل شيء ولا شتيمة حر، أي: ائت كلّ شيء ولا ترتكب شتيمة حر فحذف
لكثرة استعمالهم إياه». وانظر الهمع (1/ 168).
(2)
انظر الكتاب (1/ 280).
(3)
هذا مثل يضرب في كل موضع خيّر فيه الرجل بين شيئين وهو يريدهما معا. وانظر المستقصى (2/ 231)(المثل رقم 780) وانظر مجمع الأمثال (3/ 38) وحاشية الصبان على الأشوني (3/ 193).
(4)
في الكتاب (1/ 280، 281) قال سيبويه: «ومن ذلك قول العرب: كليهما وتمرا فذا مثل قد كثر في كلامهم واستعمل، وترك ذكر الفعل لما كان قبل ذلك من الكلام كأنه قال: أعطني كليهما وتمرا» . وقال «ومن العرب من يقول: كلاهما وتمرا كأنه قال: كلاهما لي ثابتان وزدني تمرا» .
(5)
هذا صدر بيت من البسيط وهو لذي الرمة وعجزه: ولا يرى مثلها عجم ولا عرب ورخم «ميّه» في غير النداء ضرورة، ويقال: كانت تسمى: ميّا وميّة. انظر الكتاب (2/ 247)(هارون).
الشاهد: نصب «ديار مية» بإضمار فعل ترك استعماله وقامت بما تقدم دلالته فحذف وتقديره: اذكر ديار مية وأعينها. الأعلم (1/ 141) وابن السيرافي (1/ 383)، والبيت في أمالي الشجري (2/ 90) واللسان (عجم).
(6)
الكتاب (1/ 282).
(7)
هذا مثل انظر مجمع الأمثال (3/ 439).
(8)
سورة النساء: 170.
(9)
سورة النساء: 171.
(10)
أي: في باب تعدي الفعل.
(11)
التذييل (خ) ورقة (244 / ب)، (245 / أ).
(12)
حاشية الصبان (3/ 193).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيره قدر العامل فيها كلّها فعلا واحدا وهو صادفت أي: صادفت مرحبا أي:
رحبا وسعة ومن يقوم لك مقام الأهل، وسهلا أي: ليّنا وخفضا لا حزنا، قال:
وهذا يقع خبرا لمن قصدك ودعا للمسافر أي .. لقاك الله ذلك، وقدره سيبويه برحبت بلادك وأهلت وعلى هذا يكون انتصاب «مرحبا» على المصدر لا على المفعول به، وكذلك «أهلا» قال: وهذا الذي قدره سيبويه إنما هو إذا استعمل دعاء، أما إذا كان خبرا على تقدير: أصبت رحبا وأهلا فيكون مفعولا به لا مصدرا. انتهى.
وفي قوله: «إنّ المصنف جعل مرحبا وأهلا وسهلا مع الناصب لها جملا ثلاثا» نظر، فإن ما ذكره لا يلزم إلّا إذا كان كلّ من الكلم الثلاث لا يفرد أي:
لا يستعمل مفردا ولا شكّ أن «مرحبا» يستعمل وحده كما يستعمل معطوفا عليه، والظاهر أنه لا يمتنع استعمال «أهلا» وحده، وإذا كان كذلك كان مراد المصنف أن القائل «مرحبا» يقدر: أصبت، والقائل «أهلا» يقدر: أتيت، والقائل «سهلا» يقدر: وطئت، ولا يكون مراده أنّ الكلمات المذكورة لا تستعمل إلّا مقرونا بعضها ببعض، فيلزم منه أن الكلام يشتمل على ثلاث جمل.
وأما «عذيرك» فالناصب له «أحضر» (1) كما قال المصنف، يقال: عذيرك من فلان، وأنشد سيبويه (2) لعمر (و) بن معديكرب:
3556 -
أريد حياته ويريد قتلي
…
عذيرك من خليلك من مراد (3)
-
(1) انظر ابن يعيش (2/ 72) والهمع (1/ 169).
(2)
انظر الكتاب (1/ 276).
(3)
البيت من الوافر وهو لعمرو بن معديكرب تمثّل به علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حين ضربه ابن ملجم لعنه الله. وانظر اللسان (عذر) مجمع الأمثال (2/ 57).
الشرح: «عذيرك» أي: هات عذرك وقرب عذرك، واختلف فيه فمنهم من جعله مصدرا بمعنى العذر وهو مذهب سيبويه: وهو الأولى: لأن المصدر يطرد وضعه موضع الفعل بدلا منه لأنه اسمه، ومنهم من جعله بمعنى: عاذر كعليم وعالم والمعنى عنده: هات عاذرك واحصر عاذرك، والمعنى: أريد حياته ونفعه مع إرادته قتلي وتمنيه موتي فمن يعذرني منه؟.
والشاهد: نصب «عذيرك» ووضعه موضع الفعل بدلا منه فهو مصدر نائب عن فعله. والبيت في الكتاب (1/ 276)(هارون)، وابن يعيش (2/ 26). والهمع (1/ 169) والدرر (1/ 145).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقدّر العامل: الزم.
قال الشيخ (1): وسيبويه يقدر «عذيرا» تقدير «عذر» فيمكن أن يكون اسما وضع موضع المصدر، ويحتمل أن يكون مصدرا كالنّكير والنّذير، قال: وضعّف بعضهم كونه مصدرا معتلّا بأن المصدر على فعيل لا يكون إلّا في الأصوات (2)، ونقل عن عبد العزيز القواس (3) أنه قال في «عذيرك»: ذهب سيبويه إلى أنه مصدر بمعنى العذر
كالنّذير والنّكير، وذهب المفضّل إلى أنه بمعنى عاذر كشاهد وشهيد.
انتهى.
ولا يظهر كون «عذير» من قولنا: عذيرك من فلان مصدرا، والظاهر أنه اسم فاعل (4) قال الجوهري: وقولهم: عذيرك من فلان، أي هلمّ من يعذرك منه، بل تلومه ولا يلومك قال الشاعر:
3557 -
عذير الحيّ من عدوا
…
ن كانوا حيّة الأرض (5)
-
(1) التذييل والتكميل (خ)(4/ 245) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرف.
(2)
قد جاء المصدر على فعيل في غير الأصوات كقولهم: وجب القلب وجيبا إذا اضطّرب. انظر الأعلم (1/ 139) وابن يعيش (2/ 27).
(3)
هو عبد العزيز بن زيد بن جمعه الموصلي شرح ألفية ابن معط وشرح الكافية وهما مطبوعان (2/ 99).
(4)
يرى المؤلف أنّ «عذير» من قولهم: عذيرك من فلان وصف (اسم فاعل) وقد استدل على ذلك بما حكاه عن الجوهري (عذر)، أما «عذير» في قول الشاعر: عذيرك من خليلك .. وفي قول الآخر:
عذير الحيّ من (عذر) .. فهو مصدر لا صفة، والذي يظهر أن «عذير» مصدر لا صفة على كل حال، لأن المصدر يطرد وضعه موضع الفعل بدلا منه لأنه اسمه ولا يطرد ذلك في اسم الفاعل. انظر الأعلم (1/ 139).
(5)
هذا البيت من الهزج وقائله ذو الإصبع العدواني.
الشرح: وصف ما كان من تفرق عدوان بن عمرو بن سعد بن قيس عيلان وتشتتهم في البلاد مع كثرتهم وعزتهم، وبعد أن كانوا يخشون ويهابون كما يحذر الحية المنكرة، وقوله:«كانوا حية الأرض» أي:
كانوا يتقي منهم لكثرتهم وعزتهم كما يتقي من الحية المنكرة، ويقال: فلان حية الوادي إذا كان شديد الشكيمة حاميا لحوزته.
الشاهد: نصب «عذير» ووضعه موضع الفعل بدلا منه.
والبيت في الكتاب (هارون 1/ 277)، والشعر والشعراء (2/ 712)، والخزانة (2/ 408)، والعيني (4/ 364).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
انتهى (1).
فتفسيره ذلك بقوله: هلمّ من يعذرك يدل على أنه وصف لا مصدر؛ لأن من يعذر هو العاذر، وكذا تفسيره الناصب له بقوله: هلمّ يدل على أن العامل المقدّر «أحضر» كما قال المصنف، ثم قال الشيخ (2): ويقول العرب: من يعذرني
من فلان، على معنى: من يعتذر لي منه، فالعذير بمعنى العاذر وهو صيغة مبالغة.
ولم يظهر لي وجه ترتب قوله: «فالعذير بمعنى العاذر» على قوله: «إن معني من يعذرني من فلان: من يعتذر لي منه» ثم الذي يظهر أن «عذير» من نحو قولهم:
3558 -
عذيرك من خليلك من مراد (3)
ومن قولهم:
3559 -
عذير الحيّ من عدوان (4)
مصدر لا صفة، وهو منصوب بـ «أحضر» لازم الإضمار - كما ذكروا - على المفعولية، وأما «عذير» من قول القائل:«من عذيري من أناس» فهو صفة بمعنى «عاذر» أي: من يعذرني؟
[4/ 230] ثمّ مراد المصنف بقوله: «ديار الأحباب» ديار من يحبّه الذاكر للدّيار، كقول ذي الرّمّة:
3560 -
ديار ميّة إذ ميّ تساعفنا
…
ولا يرى مثلها عجم ولا عرب (5)
وكقول طرفة: -
(1) أي: كلام الجوهري في الصحاح (عذر).
(2)
التذييل والتكميل 4 ورقة (245 / أ) وكلامه هنا يشير إلى أن «العذير» وصف لا مصدر وهو مخالف لما ذهب إليه سيبويه. انظر هامش رقم 6 من الصفحة السابقة.
(3)
سبق ذكره.
(4)
سبق ذكره.
(5)
سبق الكلام عليه والشاهد هنا: في قوله: «ديار ميّة» إذ قصد به ديار الأحباب وأضاف الديار إلى محبوبته.