الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أحكام المنقوص والمضموم المنون اضطرارا في النداء]
قال ابن مالك: (ويحذف تنوين المنقوص المعيّن بالنّداء. وتثبت ياؤه عند الخليل، لا عند يونس، فإن كان ذا أصل واحد ثبتت الياء بإجماع. ويترك مضموما أو ينصب ما نوّن اضطرارا من منادى مضموم).
ــ
فإنه مبتدأ وخبر، «وعزير» منصرف فحذف تنوينه لالتقاء الساكنين ولشبهه بتنوين العلم المنعوت بابن، وحذف التنوين هنا أحسن من حذف التنوين في قراءة عبد الوارث (1) قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 1 اللَّهُ الصَّمَدُ (2) من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن اتصال «عزير» بابن لأنهما جزءا جملة واحدة ألزم من اتصال «أحد» بالله لأنهما من جملتين. ثانيها: أن
حذف تنوين «عزير» في الإخبار عنه بابن شبيه بحذفه في النعت به بخلاف حذف تنوين أحد.
ثالثها: أن حذف تنوين «عزير» تخلص من ثقل لا يلزم مثله من ثبوت تنوين أحد، وذلك أن تنوين «عزير» إذا لم يحذف تحرك لالتقاء الساكنين فيلزم من تحريكه وقوع كسرة بين ضمتين أولاهما في حرف تكرار قبله ياء ساكنة، ولا يلزم ذلك، ولا قريب منه إذا لم يحذف تنوين «أحد» فكان حذف تنوين «عزير» أحسن، وأولى.
وإنما حكمت بانصراف عزيز لأن عاصما والكسائي قرآ به فصح كونه منصرفا، إما لأنه عربي الأصل، وإما لأن أصله عازار أو عيزار ثم صغر تصغير الترخيم حين عرّب فصرف لصيرورته ثلاثيّا. ولا اعتداد بياء التصغير؛ لأن نوحا لو صغر لبقي مصروفا.
ولأن سيبويه حكى في تصغير إبراهيم وإسماعيل بريها سميعا مصروفين (3).
قال ناظر الجيش: قال المصنف (4): إذا نودي نحو: قاض وقصد تعيينه حذف تنوينه وأثبتت ياؤه فقيل: يا قاضي ويجوز حذف الياء والتنوين معا فيقال: يا قاض -
(1) ابن سعيد أبو عبيد العنبري حافظ ثبت فصيح من أئمة الحديث ت 180 هـ - الأعلام (4/ 329)، وتذكرة الحفاظ (1/ 237).
(2)
سورة الإخلاص: 1، 2، البحر المحيط (8/ 528)، والكشاف (2/ 185، 4/ 185، 4/ 298)، وابن مجاهد (ص 701).
(3)
الكتاب (3/ 476).
(4)
شرح التسهيل (3/ 395)، شرح الكافية الشافية (3/ 1302).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما قيل مع الألف واللام في غير النداء جاء القاضي وجاء القاض. والأول مذهب الخليل والثاني مذهب يونس. وقوّى سيبويه قول يونس (1) وإن كان المنقوص ذا أصل واحد كاسم فاعل أرى ثبتت الياء بإجماع، فيقال: يا مري، ولا يقال: يا مر وإذا اضطر شاعر إلى تنوين المنادى المضموم جاز بقاء الضم وهو الأكثر وجاز نصبه وهو الأقيس لأن البناء استحق لشبه المضمر، وقد ضعف بالتنوين؛ لأن المضمر لا ينون ولكنه عارض للضرورة فجاز أن لا يعتدّ به.
وحكى ابن السراج أن بقاء الضم إذا اضطر إلى التنوين اختيار الخليل وسيبويه وأبو عمرو ويونس وعيسى بن عمر والجرمى يختارون النصب (2) وما حكاه ابن السراج حكاه المبرد أيضا وزاد أن المازني مثل الخليل وسيبويه (3).
قلت: وعندي أن بقاء الضمة راجح في العلم والنصب راجح في النكرة المعينة لأن شبهها بالمضمر أضعف، ومن
شواهد البقاء على الضم قول الأحوص:
3422 -
سلّام الله يا مطر عليها
…
وليس عليك يا مطر السّلام (4)
ومنها: ما أنشد الفراء من قول لبيد:
3423 -
قدّموا إذ قيل (قيس)(5) قدّموا
…
وارفعوا المجد بأطراف الأسل (6)
أراد قدموا يا قيس قدموا. وأنشد غيره لعدي بن ربيعة يرثي أخاه مهلهلا (7): -
(1) في الكتاب (4/ 184) «وسألت الخليل عن القاضي في النداء فقال: اختار يا قاضي؛ لأنه ليس بمنون كما اختار هذا القاضي وأما يونس فقال: يا قاض، وقول يونس أقوى؛ لأنه لما كان من كلامهم أن يحذفوا في غير النداء كانوا في النداء أجدر لأن النداء موضع حذف يحذفون التنوين، ويقولون:
يا حار، ويا صاح، ويا غلام أقبل.
(2)
ينظر في ذلك الأصول (1/ 344) وما بعدها، والكتاب (2/ 202، 203، 3/ 504، 508)، والتصريح (2/ 171) وما بعدها.
(3)
المقتضب (4/ 213) وما بعدها، والتصريح (2/ 171، 172)، والمازني وأثره (ص 323 - 325)، والهمع (1/ 173، 2/ 167).
(4)
تقدم ذكره.
(5)
من الديوان.
(6)
من الرمل - ديوانه (ص 192) برواية: قال .. واحفظوا، واللسان: قدم.
(7)
من بنى جشم من تغلب كانت له عجائب في وقائع بكر - وتغلب - وانظر الأعلام (5/ 9)، والجمهرة (ص 305).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3424 -
ظبية من ظباء وجرة تعطو
…
ونداها في ناضر الأوراق
ضربت صدرها إليّ وقالت
…
يا عديّا لقد وقتك الأواقي
ما ترجّى في العيش بعد ندامى
…
قد أراهم سقوا بكأس حلاق (1)
ومن شواهد النصب والمنادى علم أيضا قول الشاعر:
3425 -
فطر خالدا إن كنت تستطيع طيرة
…
ولا نفعا لا وقلبك طائر (2)
ومن شواهده والمنادى نكرة معينة قول عبد يغوث (3):
3426 -
أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغا
…
نداماي من نجران أن لا تلاقيا (4)
ومنها قول الآخر:
3427 -
أعبدا حلّ في شعبى غريبا
…
ألؤما لا أبالك واغترابا (5)
ومثله:
3428 -
يا سيّدا ما أنت من سيّد
…
موطّأ الأكناف رحب الذّراع
قوّال معروف وفعّاله
…
نحّار أمّات الرّباع الرّتاع (6)
ومنها قول الآخر:
3429 -
ألا يا قتيلا ما قتيل بني حلس
…
إذا ابتلّ أطراف الرّماح من الدعس (7)
ومنها قول ذي الرمة:
3430 -
أدارا بحزوى هجت للعين عبرة
…
فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق (8)
-
(1) من الخفيف - الأشموني (3/ 145)، والشجري (2/ 9)، والشذور (ص 112)، والمقتضب (4/ 214)، وابن يعيش (10/ 8، 10).
(2)
في التذييل (4/ 196).
(3)
من بني الحارث بن كعب من قحطان شاعر جاهلي يمنى سيد قومه وقائدهم ت: 40 ق هـ.
الأعلام (4/ 337)، والأغاني (15/ 69: 76)، والسمط (3/ 63).
(4)
تقدم.
(5)
من الوافر لجرير - ديوانه (ص 56)، والأغاني (7/ 43)، والحلل (ص 206)، والكتاب (1/ 173).
(6)
من السريع للسفاح بن بكير - التصريح (1/ 399)، والدرر (1/ 149، 2/ 119)، والمفضليات (ص 322)، والمقتضب (3/ 170).
(7)
من الطويل - التذييل (4/ 197)، والدعسي: الطعن - اللسان: دعس.
(8)
تقدم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وسيبويه يسمي هذا النوع نكرة باعتبار حاله قبل النداء (1). ومن شواهد الضم قول كثير:
3431 -
ليت التّحيّة كانت لي فأشكرها
…
مكان يا جمل حيّيت يا رجل (2)
هكذا الرواية المشهورة يا جمل بالضم. انتهى كلامه رحمه الله تعالى (3).
وقال في شرح الكافية مشيرا إلى توجيه الضم [4/ 188] والنصب إن المنادى المضموم إذا اضطر إلى تنوينه فيه وجهان: الضم تشبيها بمرفوع اضطر إلى تنوينه وهو مستحق لمنع الصرف، والنصب تشبيها بالمضاف لطوله بالتنوين (4).
ثم إنك قد رأيت في ما تقدم أنه مثّل للنكرة المحضة بهذا البيت الذي هو:
3432 -
أيا راكبا إمّا عرضت
…
........
وها هو قد مثّل به هنا للنكرة المعينة. وقال الشيخ:
فأما أعبدا حلّ، وأدارا بحزوى فإنهما من المنادى الموصوف. وقد ذكر هو - يعني المصنف: أنه يجوز نصب ما وصف من معرّف بقصد وإقبال (5).
قال: فإنشاده إياهما على أنهما من المضموم الذي نصب ونون للضرورة مناقض لما قرره. قال: وأما يا سيّدا ويا راكبا ويا قتيلا، فإنها خلف لموصوف محذوف التقدير يا رجلا سيدا، ويا رجلا راكبا، ويا رجلا قتيلا، وما قاله الشيخ حق.
والذي يسلم له من الخدش ويتم الاستشهاد به على النصب إذا نون ضرورة من الأبيات التي ذكرها إنما هو: فطر خالدا إن كنت، ويا عديّا لقد وقتك الأواقي.
وأما قول المصنف: إن سيبويه يسمي هذا النوع نكرة باعتبار حاله قبل النداء فكأنه إنما احتاج إلى ذكر ذلك من أجل أنه قد ذكر أن المنادى المضموم أعني غير العلم معرفة وإذا كان معرفة فكيف يقال فيه أنه نكرة. فقال: إن تسميته نكرة إنما هو بالنظر إلى حالة النداء.
(1) الكتاب (2/ 199).
(2)
من البسيط - ديوانه (1/ 159)، والدرر (1/ 149)، وشرح المفصل (1/ 129)، والعيني (4/ 214)، والهمع (1/ 173).
(3)
شرح التسهيل (3/ 397).
(4)
شرح الكافية الشافية (3/ 1303).
(5)
التذييل والتكميل (4/ 197).