الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما لا يشترط وما يشترط في صحة العطف]
قال ابن مالك: (لا يشترط في صحّة العطف وقوع المعطوف موقع المعطوف عليه، ولا تقدير العامل بعد العاطف، بل يشترط صلاحيّة المعطوف، أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل).
ــ
ابن عصفور: زيد يقوم لا يقعد، وهذا رزق الله لا كدك، والصدق ينبئ عنك لا الوعيد، فكدك معطوف على الخبر، والوعيد معطوف على المبتدأ.
ولم يظهر لي أن المعطوف في هذين المثالين جملة. وأما لا يقعد من قولك زيد يقوم لا يقعد فهو من عطف المفردات لا عطف الجمل. ثم قال ابن عصفور:
وزعم بعضهم (1) أن العطف بها بعد الماضي غير جائز. ثم رد هذا القول (2).
ولا شك أن الجمهور على خلافه، لأن الماضي ورد في الكتاب العزيز منفيّا بلا قال تعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (3)، وقال: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (4) ومن العطف بها بعد الماضي قول الشاعر:
3334 -
كأنّ دثارا حلّقت بلبونه
…
عقاب تنوفى لا عقاب القواعل (5)
قال ناظر الجيش: قال المصنف (6): يجوز قام زيد وأنا وإن لم يصلح مباشرة قام لأنا لأنه بمعنى التاء المضمومة في قمت وزيد وكذا رأيت زيدا وإياك وإن لم تصلح مباشرة رأيت لإياك لأنه بمعنى الكاف في رأيتك وزيدا.
ويجوز رب رجل وأبيه وإن لم تصلح مباشرة رب لأبيه لأنه بمعنى رب أي رجل ورجل. ويجوز الواهب المائة الهجان وعبدها وإن لم يصلح مباشرة الواهب لعبدها لأنه بمعنى الواهب عبد المائة والمائة. ويجوز أن زيدا وأباه قائمان وإن لم يصلح أن يباشر إن أباه لأنه بمعنى أن أبا زيد وزيدا قائمان، ويجوز مررت برجل قائم أبواه -
(1) هو أبو القاسم الزجاجي في «معاني الحروف» له واستدل على ذلك بأن «لا» لا ينفي الماضي بها وإذا عطفت بها بعده كانت نافية له في المعنى - شرح الجمل (1/ 129).
(2)
السابق.
(3)
سورة القيامة: 31.
(4)
سورة البلد: 11.
(5)
البيت من الطويل لامرئ القيس - ديوانه: (94) والأشموني (3/ 111)، والتصريح (2/ 150)، والخصائص (3/ 191)، والعيني (4/ 154)،
والمغني (/ 242).
(6)
انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 371).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا قاعدين وإن لم يصلح وقوع قاعدين موقع قائم؛ لأنه بمعنى لا قاعد أبواه أو لا قاعدهما، أو لأنه بمعنى لم يقعدا ويجوز أن زيدا قائم لا عمرا وإن لم يصلح تقديران بعد لا؛ لأن تقدير العامل بعد العاطف ليس شرطا بل هو ممتنع مع مواضع نحو:
اختصم زيد وعمرو، ومن يأتني ويسلني أعطه، وعرقت ابني زيد عمرو. فلو كان ما بعد العاطف لا يصلح لمباشرة العامل ولا هو بمعنى ما يصلح لمباشرته أضمر له عامل مدلول عليه بما قبل العاطف وجعل من عطف الجمل نحو قوله تعالى: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ * (1) وفَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ (2)، فـ «زوجك» و «ربك» مرفوعان «بليسكن» «وبليذهب» مضمرين مدلول عليهما ما باسكن واذهب.
والمحوج إلى هذا التقدير أن فعل الأمر لا يرفع إلا ضمير المأمور المخاطب. لكنه وإن لم يكن صالحا لرفع غيره فهو صالح للدلالة على ما يرفعه. ولو كان ما قبل العاطف فعلا مضارعا مفتتحا بالهمزة أو النون لفعل بعده من التقدير والإضمار ما فعل بعد الأمر نحو: لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ (3) فأنت مرفوع بفعل مضمر مدلول عليه بنخلفه، والتقدير ولا تخلفه أنت لأن نفعل وأفعل لا يرفعان إلا ضميري المتكلم. وكذا لو كان الفعل مفتتحا بتاء الخطاب لعومل ما بعد العاطف الذي بعده بهذه المعاملة نحو: تقوم أنت وزيد. وكذا لو كان مفتتحا بتاء المضارعة الدالة على التأنيث كقوله تعالى: لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ (4) أي ولا يضار مولود. ولا بد من هذا [4/ 170] التقدير لأن الفعل المفتتح بتاء التأنيث لا يرفع إلا مؤنثا. وكل ما استحقه المعطوف من التقدير المذكور مستحق في البدل نحو:
ادخلوا أولكم وآخركم فيقدر قبلهما ليدخل؛ لأن ادخل لا يرفع إلّا ضمير المأمور المخاطب نص على هذا المعنى سيبويه (5) رحمه الله تعالى.
فإن جعل أولكم وآخركم بدلا فهو عامله من إبدال الجمل بعضها من بعض كما يقال في العطف.
(1) سورة البقرة: 35، وسورة الأعراف:19.
(2)
سورة المائدة: 24.
(3)
سورة طه: 58.
(4)
سورة البقرة: 233.
(5)
في الكتاب (3/ 398) وما بعدها، «وكان عيسى يقول: ادخلوا الأول فالأول؛ لأن معناه:
ليدخل، فحمله على المعنى وليس بأبعد من: ليبك يزيد ضارع لخصومه، فإذا قلت: ادخلوا الأول والآخر والصغير والكبير فالرفع لأن معناه معنى كلهم كأنه قال: «ليدخلوا كلهم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن المستحق لهذه المعاملة قول الشاعر:
3335 -
نطوّف ما نطوّف ثمّ نأوي
…
ذوو الأموال منا والعديم
إلى حفر أسافلهنّ جوف
…
وأعلاهنّ صفاح مّقيم (1)
فذوو الأموال مرفوع بنأوي مضمرا مدلولا عليه بنأوي، لأن المضارع ذا النون لا يرفع إلا ضمير المتكلم وإن جعل ذوو الأموال والعديم توكيدا كما جعل على أحد الوجهين الظهر والبطن من قولهم: ضرب زيد الظهر والبطن جاز وكان العامل فيه نأوي كما يكون عاملا في كلنا إذا قيل: نأوي كلنا لأن التوكيد بمنزلة تكرير المؤكد.
هذا كلامه رحمه الله تعالى.
ونقله الشيخ عنه ولم يدفعه بشيء غير أنه قال: وما ذهب إليه من أنه إذا لم يصلح يعني المعطوف لمباشرة العامل ولا هو بمعنى ما يصلح لمباشرته أضمر له عامل مدلول عليه بما قبل العطف ويجعل من عطف الجمل - مخالف لما تظافرت عليه نصوص النحويين والمعربين من أن وَزَوْجُكَ (2) معطوف على الضمير المستكن في اسْكُنْ (3) وكذلك فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ (4). انتهى.
فلم ينازع المصنف في اشتراط صلاحية المعطوف أو ما بمعناه لمباشرة العامل وكأنه سلم له ذلك. وإذا كان هذا الاشتراط مسلما وجب الاعتراف بتقدير عامل للمعطوف في الآيات الشريفة والأمثلة التي ذكرها.
وبعد:
فللباحث في هذه المسألة أحد مسلكين:
إما أن يقول: هذا الشرط الذي ذكر غير مسلم، ويقول: كما لا يشترط صحة وقوع المعطوف موقع المعطوف عليه لا يشترط صلاحية المعطوف لمباشرة العامل.
وإما أن يقول: كما اكتفى في صحة العطف بصلاحية ما هو بمعنى المعطوف للمباشرة هكذا يكتفي فيه بصلاحية المعطوف لمباشرة عامل يعطي معنى ذلك العامل ويؤكد هذا أن عدم صلاحية الاسم الظاهر لمباشرة أمر
المخاطب مثلا ليس لأمر يرجع إلى المعنى إنما هو لأمر يرجع إلى الاستعمال فزيد في مثل قولنا: ادخل أنت وزيد إن -
(1) البيت من الوافر لابن مسهر - الحماسة (1277)، والمغني (ص 579).
(2)
،
(3)
سورة البقرة: 35.
(4)
سورة المائدة: 24.