المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تعريفه، موافقته ومخالفته المتبوع، الإبدال من المضمر والظاهر] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٧

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الحادي والأربعون باب الإضافة

- ‌[تعريفها - أثرها]

- ‌[الأثر المعنوي للإضافة ومواقعه]

- ‌[تقدم معمول المضاف إليه على المضاف وما يكتسبه الاسم بالإضافة]

- ‌[ما لازم الإضافة لفظا ومعنى وأحكامه]

- ‌[ما لازم الإضافة معنى فقط وأحكامه]

- ‌[من أحكام ما لازم الإضافة]

- ‌[من أحكام إضافة أسماء الزمان المبهمة]

- ‌[حذف أحد المتضايفات، والجر بالمضاف المحذوف]

- ‌[الفصل بين المتضايفين، وأحكامه]

- ‌[الإضافة إلى ياء المتكلم وأحكامها]

- ‌الباب الثاني والأربعون باب التّابع

- ‌[تعريفه، وأقسامه]

- ‌[فصل التابع من المتبوع وتقدم معموله عليه]

- ‌الباب الثالث والأربعون باب التّوكيد

- ‌[أقسامه، وذكر أحكام التوكيد بالنفس والعين]

- ‌[من أغراض التوكيد المعنوي]

- ‌[من أحكام بعض ألفاظ التوكيد المعنوي]

- ‌[من أحكام التوكيد المعنوي]

- ‌[من أحكام ألفاظ التوكيد المعنوي]

- ‌[التوكيد اللفظي: حقيقته، وبعض أحكامه]

- ‌[توكيد الضمير المتصل مرفوعا أو منصوبا]

- ‌الباب الرابع والأربعون باب النّعت

- ‌[تعريفه - وأغراضه]

- ‌[إتباع النعت منعوته وغيره]

- ‌[ذكر ما ينعت به، وأحكام الجملة الواقعة نعتا]

- ‌[بعض أحكام النعت المفرد]

- ‌[تفريق النعت وجمعه وإتباعه وقطعه]

- ‌[من أحكام النعت]

- ‌[أقسام الأسماء من حيث ما ينعت به وينعت]

- ‌[الاستغناء عن المنعوت، وعن النعت]

- ‌الباب الخامس والأربعون باب عطف البيان

- ‌[تعريفه، أغراضه، موافقته ومخالفته متبوعه]

- ‌[جواز جعل عطف البيان بدلا وعدمه]

- ‌الباب السادس والأربعون باب البدل

- ‌[تعريفه، موافقته ومخالفته المتبوع، الإبدال من المضمر والظاهر]

- ‌[أقسام البدل وما يختص به كل قسم]

- ‌[من أحكام البدل وحكم اجتماع التوابع]

- ‌الباب السابع والأربعون باب المعطوف عطف النّسق

- ‌[تعريفه، وذكر حروفه]

- ‌[معاني حروف العطف: الواو - الفاء - ثم - حتى - أم - أو - بل - لا]

- ‌[حديث خاص بالواو]

- ‌[حديث خاص بثم والفاء]

- ‌[حديث خاص بحتى وأم وأو]

- ‌[«إما» العاطفة معانيها، وأحكامها]

- ‌[من حروف العطف: بل، لكن، لا]

- ‌[ما لا يشترط وما يشترط في صحة العطف]

- ‌[العطف على الضمير المتصل، والعطف على عاملين]

- ‌[من أحكام الواو، والفاء، وأم، وأو

- ‌[عطف الفعل على الاسم والماضي على المضارع، وعكسه]

- ‌[الفصل بين العاطف والمعطوف]

- ‌الباب الثامن والأربعون باب النّداء

- ‌[بعض أحكامه من جر وحذف الحرف]

- ‌[بناء المنادى وإعرابه]

- ‌[أحكام المنقوص والمضموم المنون اضطرارا في النداء]

- ‌[من أحكام أسلوب النداء (لا ينادى ما فيه أل)]

- ‌[تابع المنادى وأحكامه]

- ‌[الضمير مع تابع المنادى]

- ‌[أحكام المنادى المضاف إلى ياء المتكلم]

- ‌[المنادى غير المصرح باسمه]

- ‌الباب التاسع والأربعون باب الاستغاثة والتعجّب الشبيه بها

- ‌[تعريف الاستغاثة وأحكامها]

- ‌الباب الخمسون باب النّدبة

- ‌[تعريف المندوب - مساواته للمنادى في أحكامه]

- ‌[من أحكام المندوب]

- ‌[من أحكام ألف الندبة]

- ‌[أحكام أخرى لألف الندبة]

- ‌الباب الحادي والخمسون باب أسماء لازمت النداء

- ‌[ذكرها وما يتعلّق بها من أحكام]

- ‌الباب الثاني والخمسون باب ترخيم المنادى

- ‌[ما يرخم، وما لا يرخم]

- ‌تقدير ثبوت المحذوف للترخيم

- ‌[أحكام آخر المرخم]

- ‌الباب الثالث والخمسون باب الاختصاص

- ‌[دواعيه وأحكامه]

- ‌الباب الرابع والخمسون باب التّحذير والإغراء وما ألحق بهما

- ‌[ما ينصب على ذلك - إظهار العامل وإضماره]

- ‌[ما يلحق بالتحذير والإغراء]

- ‌[مسائل وأمثلة أخرى في إضمار العامل]

الفصل: ‌[تعريفه، موافقته ومخالفته المتبوع، الإبدال من المضمر والظاهر]

‌الباب السادس والأربعون باب البدل

(1)

[تعريفه، موافقته ومخالفته المتبوع، الإبدال من المضمر والظاهر]

قال ابن مالك: (وهو التّابع المستقلّ بمقتضى العامل تقديرا دون متبع ويوافق المتبوع ويخالفه في التّعريف والتّنكير ولا يبدل مضمر من مضمر ولا من ظاهر. وما أوهم ذلك جعل توكيدا إن لم يفد إضرابا).

قال ناظر الجيش: قال المصنف (2): البدل تابع المبدل منه وهو مع تبعيته في تقدير المستقل بمقتضى العامل وفي حكم تكريره ولذلك يعاد معه العامل [4/ 137] كثيرا نحو: لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ (3) ولَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ (4)، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم:«وإنّما نزل القرآن بلسان عربيّ مبين» (5)، وكقول الأخطل (6):

3186 -

حوامل حاجات ثقال يجرّها

إلى حسن النعمى سواهم نسّل

إلى خالد حتّى أناخت بخالد

فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمّل (7)

وكقول الحطيئة:

3187 -

كفيت بها مازنا كلّها

أصاغرها وكفيت الكهولا (8)

-

(1) ينظر في هذا الباب: الأشموني (3/ 123 - 132)، والأصول (2/ 304)، وأوضح المسالك (3/ 399 - 410)، والتذييل (4/ 137 - 148)، والتصريح (2/ 155 - 163)، والرضى (1/ 337 - 343)، وشرح الجمل (1/ 279 - 293) وشرح اللمع (ص 210 - 215)، وشرح المفصل (3/ 63 - 71)، والكتاب (1/ 150، 158، 432، 439، 441، 442، 2/ 9، 14 - 17، 311، 318، 341، 386، 387، 3/ 86، 87)، والكفاية (ص 103 - 107)، والمقرب (1/ 242 - 247)، والهمع (2/ 125 - 128).

(2)

شرح التسهيل (3/ 329) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون.

(3)

سورة الأعراف: 75.

(4)

سورة الأحزاب: 21.

(5)

البخاري: حج (36)، اعتصام (2)، وابن ماجه: فتن (27) ومسلم: فتن (89).

(6)

غياث بن غوث بن الصلت من بني تغلب شاعر الأمويين تهاجى مع جرير والفرزدق (ت 90 هـ) الأعلام (5/ 318)، والخزانة (1/ 219)، والشعر والشعراء (1/ 483).

(7)

من الطويل وانظره في التذييل (4/ 137).

(8)

من الوافر - ديوانه (ص 69)، والتذييل (4/ 137).

ص: 3389

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولكونه في حكم تكرير العامل منع أبو الحسن: مررت برجل قائم زيد أبوه، على البدل وأجازه على أن يكون أبوه صفة. ولا يلزم من هذا تقدير عامل آخر إذا لم يعد العامل، كما لا يلزم ذلك في عطف النسق مع كثرة إعادة العامل وتقدير عامل آخر في كل بدل مذهب ابن خروف (1). قال: ولذلك بني البدل المفرد على الضم بعد المنادى المضاف نحو: يا أخانا زيد. وظاهر قول سيبويه أن عامل البدل هو عامل المبدل منه؛ لأنه قال في بعض أبواب البدل: هذا باب من الفعل يعمل في الاسم ثم يبدل مكان ذلك الاسم اسم آخر فيعمل فيه كما عمل في الأول وذلك قولك:

رأيت قومك أكثرهم (ورأيت قومك ثلثهم)(2) فهذا تصريح بأن العامل في البدل ومتبوعه واحد، ولأنه قال في بعض أبواب الحال بعد تمثله بدخلوا الأول فالأول.

وإن شئت رفعت فقلت: (دخلوا)(3) الأول فالأول جعلته بدلا وحملته (4) على الفعل كأنه قال: دخل الأول فالأول.

ثم قال: فإن قيل: ادخلوا فالنصب الوجه ولا يكون بدلا لأنك لو قلت: ادخل الأول فالأول لم يجز (5). فهذا أيضا

تصريح بأن العامل في المبدل هو العامل في المبدل منه والأول أصرح. ولا حجة لابن خروف في لزوم ضم المفرد المبدل من المضاف كما لا حجة لمن زعم أن عامل المعطوف غير عامل المعطوف عليه محتجّا بضم زيد في نحو: يا أخانا زيد. والجواب عنهما: أن العرب التزمت في البدل والمعطوف أحد الجائزين في القياس وهو تقدير حرف النداء تنبيها على أنهما في غير النداء وفي تقدير المستقل بمقتضى العامل فلم يجز لنا أن تخالف ما التزمته. وخص المعطوف والبدل بهذا لأن المعطوف غير المعطوف عليه وكذا البدل إذا لم يكن بدل كل من كل ولو لم يكن العامل في البدل والمبدل منه واحدا لزم إطراد إضمار الجار والجازم في الإبدال من المجرور والمجزوم وذلك ممتنع، وما أفضى إلى الممتنع ممتنع.

قلت: وإذ قد تقررت هذه القاعدة فلنعد إلى الكلام على حد البدل فالتابع يعم -

(1) التذييل (4/ 137، 138).

(2)

الكتاب: ورأيت بني زيد ثلثيهم - الكتاب (1/ 150).

(3)

من الكتاب.

(4)

الكتاب: جعله بدلا وحمله.

(5)

الكتاب (1/ 397، 398).

ص: 3390

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التوابع الخمسة والمستقل بمقتضى العامل تقديرا يخرج النعت وعطف البيان والتوكيد؛ لأن المتبوعات هي المستقلة بمقتضى العامل لفظا وتقديرا.

ودون متبع يخرج المعطوف ببل ولكن فإنه داخل تحت المستقل بمقتضى العامل تقديرا ولكن حصول تقدير (الاستقلال) له بمتبع وحصوله للبدل بغير متبع فلذلك قلت: دون متبع.

وتبدل المعرفة من المعرفة نحو: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 1 اللَّهِ (1) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكوفيين (2)، والنكرة من النكرة نحو:

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً 31 حَدائِقَ وَأَعْناباً (3)، والمعرفة من النكرة نحو: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ 52 صِراطِ اللَّهِ (4) والنكرة من المعرفة نحو: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ 15 ناصِيَةٍ (5) واشترط الكوفيون في إبدال النكرة من المعرفة اتحاد اللفظين كما هو في بِالنَّاصِيَةِ 15 ناصِيَةٍ والعرب لا تلتزم ذلك.

ومن الحجج عليهم قول الشاعر:

3188 -

ولن يلبث العصران يوم وليلة

إذا طلبا أن يدركا ما تيمّما (6)

ومنها ما أنشد أبو زيد من قول الشاعر:

3189 -

فلا وأبيك خير منك إنّي

ليؤذيني (التّحمحم) والصّهيل (7)

ويبدل الظاهر من المضمر كثيرا. ومنه قول الشاعر:

3190 -

على حالة لو أنّ في القوم حاتما

على جوده لضنّ بالماء حاتم (8)

-

(1) سورة إبراهيم: 1، 2.

(2)

البحر المحيط (5/ 403، 404) وحجة ابن زنجلة (376).

(3)

سورة النبأ: 31، 32.

(4)

سورة الشورى: 52، 53.

(5)

سورة العلق: 15، 16.

(6)

من الطويل - التذييل (4/ 138)، شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ (2/ 581) تحقيق عدنان الدوري.

(7)

من الوافر - التذييل (4/ 138)، والتحمحم - كما في اللسان: حمم: صوت الفرس دون الصهيل.

(8)

من الطويل للفرزدق - ديوانه (842)، وشرح المفصل (3/ 69، 186) والعمدة (1/ 174).

ص: 3391

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنه قول الآخر:

3191 -

المنعمون بنو حرب وقد حذفت

بي المنيّة واستنبطأت أنصاري

قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم

دون النّساء ولو باتت بأطهار (1)

فبنو حرب بدل من الضمير المستكن في المنعمون، ولا يجوز أن يكون المنعمون مبتدأ وبنو حرب خبرا؛ لأن قوله وقد حذفت حال العامل فيه المنعمون فلو جعل بنو حرب خبرا لمبتدأ لزم الإخبار عن الموصول قبل تمام الصلة ويبدل المضمر من الظاهر نحو: رأيت زيدا إياه، والمضمر من المضمر نحو: رأيتك إياك. ولم أمثل بهذين المثالين إلا جريا على عادة المصنفين المقلد بعضهم بعضا.

والصحيح عندي أن نحو: رأيت زيدا إياه لم يستعمل في كلام العرب نثره ونظمه ولو استعمل لكان توكيدا لا بدلا. وأما رأيتك إياك فقد تقدم في باب التوكيد.

إن البصريين يجعلونه بدلا وإن الكوفيين يجعلونه توكيدا وإن قول الكوفيين عندي أصح؛ لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل في رأيتك إياك كنسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتصل في فعلت أنت والمرفوع توكيد بإجماع فليكن المنصوب توكيدا فإن الفرق بينهما تحكم بلا دليل. وجعل الزمخشري من أمثلة البدل: مررت بك بك (2)، وهذا إنما هو توكيد لفظي ولو صح جعله بدلا لم يكن للتوكيد اللفظي مثال يختص به، وعلى هذا وأمثاله نبهت بقولي: ولا يبدل مضمر من مضمر ولا من ظاهر. وأما أوهم ذلك جعل توكيدا - ثم قلت: إن لم يفد إضرابا فنبهت بذلك على قول القائل: إياك إياي قصد زيد إذ كان المراد بل اياي. انتهى [4/ 138] كلامه رحمه الله تعالى (3).

واعلم أن قوله: البدل في تقدير العامل المستقل بمقتضى العامل وفي حكم تكريره، كلام متين كاشف عن حقيقة البدل يرتفع به ما في كلام أكثرهم من الغبش.

وذلك إن منهم من يقول: إن البدل معمول لعامل مقدر وهو قول أكثرهم، حتى -

(1) من البسيط للأخطل - ديوانه (120)، والأشموني (4/ 39)، والمغني (264)، ويس (2/ 256).

(2)

انظر المفصل (ص 122) دار الجيل.

(3)

انظر شرح التسهيل (3/ 333).

ص: 3392

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إنهم اختلفوا في جواز إظهاره إذا كان رافعا أو ناصبا بعد اتفاقهم على جواز إظهاره إذا كان خافضا.

ولا يخفي أن كونه يكون معمولا لعامل مقدر ينفي كونه تابعا والاتفاق على أنه تابع.

ولا شك أنه إذا كان معمولا لغير العامل الأول كان مستقلّا بنفسه غير تابع لشيء قبله. وأما ظهور الخافض في قوله تعالى: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ (1) فلقائل أن يقول:

إن «لمن» جملته أعني الحرف وما دخل عليه هو البدل والمبدل منه «للّذين» بجملته أيضا. ولا يقول إن «من» خاصة بدل من «الّذين» خاصة ثم إن العامل في «الّذين» إنما هو «قال» واللام وصلة بين العامل ومعموله وقال: لم تعد، فكيف يقال إن العامل أعيد مع المخفوض. ومنهم من عدل عن هذه العبارة أعني كون البدل معمولا لعامل مقدر إلى قوله: إن المبدل منه على نية الطرح ولكنه عنى بذلك أنه منوي الطرح معنى لا لفظا.

ولذلك صرح ابن عصفور به حيث قال في حد البدل: إنه إعلام السامع بمجموع الاسمين أو الفعلين على جهة تبيين

الأول بالثاني وعلى أن ينوي بالأول منهما الطرح معنى لا لفظا (2). فاحترز بقوله: على جهة تبيين من المعطوف نسقا وبقوله على أن ينوي بالأول الطرح من النعت والتأكيد وإنما قال معنى لا لفظا؛ لأن نحو ضربت زيدا يده جائز، فلو لم يعتد بزيد في اللفظ لم يكن للضمير ما يعود عليه. وظاهر كلام من قال: ينوي بالأول الطرح أن البدل معمول لعامل مقدر أيضا وفيه ما تقدمت الإشارة إليه.

والحق: أن العامل فيه هو العامل في المبدل منه. وقد عرفت أنه مذهب سيبويه (3)، وأنه اختيار المصنف. ولا يتصور أن يقدر له عامل؛ لأن كونه تابعا بإجماع النحاة يمنع من تقدير عامل؛ لأن تقدير العامل يلزم منه الحكم للبدل بالاستقلال والحكم باستقلاله يخرجه عن كونه تابعا، ولما كان كذلك وكان البدل هو المعتمد عليه في الإخبار أتى المصنف في حده بهذه العبارة الحسنة وهو قوله: التابع المستقل بمقتضى -

(1) سورة الأعراف: 75.

(2)

شرح الجمل (1/ 279).

(3)

الكتاب (1/ 150).

ص: 3393

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العامل تقديرا، فأفاد أن العامل في البدل هو العامل في المبدل وأن المبدل منه مستقل بمقتضى العامل لفظا والبدل مستقل بمقتضاه تقديرا. ثم أفاد بقوله إنه في حكم تكرير العامل أنه ليس معمولا لعامل مقدر ولكنه محكوم له بحكم ما له عامل مقدر.

وأنت إذا اعتبرت كلام المصنف مع كلام غيره في هذا الموضوع تبين لك ترجحه بل قوته وضعف غيره.

ثم إن المصنف مثّل لاختلاف البدل والمبدل منه في التعريف والتنكير ببدل الشيء من الشيء ومثال ذلك في بدل البعض: أكلت الرغيف ثلثه، وأكلت رغيفا ثلثا منه، وأكلت رغيفا ثلثه. وأكلت الرغيف ثلثا منه. ومثال بدل الاشتمال: أعجبتني الجارية حسنها، وجارية حسن لها والجارية حسن لها، وجارية حسنها. واعلم أن ما ذكر المصنف أنه مذهب الكوفيين وهو اتحاد اللفظين في إبدال النكرة من المعرفة ذكره ابن عصفور عن أهل بغداد ولم يقيد إبدال النكرة بكونه من معرفة بل قال إن أهل بغداد يشترطون في إبدال النكرة من غيرها أن تكون لفظ الأول مستدلين بأنه لم يرد إلا كذلك كقوله تعالى: بِالنَّاصِيَةِ 15 ناصِيَةٍ (1)، وقال الشاعر:

3192 -

وكنت كذي رجلين رجل صحيحة

ورجل رمى فيها الزّمان فشلّت (2)

قال: واشترطوا فيها الوصف، ووافقهم على هذا الشرط أهل الكوفة ثم إنه رد ذلك بقول الشاعر:

3193 -

فلا وأبيك خير منك

وهو مما رد به المصنف، وبقول الآخر:

3194 -

إنّا وجدنا بني سلمى بمنزلة

كساعد الضّبّ لا طول ولا قصر (3)

قال: فلا طول ولا قصر نكرتان وهما بدل من ساعد الضب ولم ينعتا ولا هما من لفظ الأول (4). ثم قد عرفت قول المصنف إن المضمر لا يبدل من ظاهر، وأنه -

(1) سورة العلق: 15، 16.

(2)

من الطويل لكثير - ديوانه (1/ 46)، والحلل (ص 26)، والخزانة (2/ 376)، والكتاب (1/ 215)، والمقتضب (4/ 290)، وابن يعيش (3/ 68)، وانظر - كذلك - شرح الجمل (1/ 286).

(3)

من البسيط - الخزانة (2/ 264)، والمحتسب (1/ 196).

(4)

شرح الجمل (1/ 287) وما بعدها.

ص: 3394

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يقول أن ذلك غير مستعمل في كلام العرب، وأنه إن استعمل كان توكيدا، وكذا قوله لا يبدل مضمر من مضمر أيضا. وقد قال: إنه إنما مثل بذلك جريا على عادة المصنفين المقلد بعضهم بعضا.

وأما ابن عصفور فإنه فعل ما فعله المصنفون. فقال: البدل ينقسم بالنظر إلى الإظهار والإضمار أربعة أقسام ظاهر من ظاهر ومضمر من مضمر ومضمر من مظهر وظاهر من مضمر.

إلا أن في بدل المضمر من غيره في بدل البعض من الكل وبدل الاشتمال تكلف إعادة الظاهر كما سيبين. فمثال ذلك في بدل الكل ضربت زيدا أخاك، وزيد ضربته إياه، وضربت زيدا إياه، وزيد ضربته أخاك. ومثاله في بدل البعض: أكلت الرغيف ثلثه، والرغيف أكلته ثلثه، وثلث الرغيف أكلته إياه، فالضمير في أكلته يعود على الرغيف وإياه يعود على الثلث، وثلث الرغيف (الرغيف) أكلت الرغيف اياه، فيعيد الضمير على الثلث فقد تكلف تكرار الرغيف في المسألتين الأخيرتين. ومثال ذلك في بدل الاشتمال: عجبت من الجارية حسنها والجارية عجبت حسنها وحسن الجارية الجارية عجبت منها منه وحسن الجارية عجبت من الجارية منه فتكلفت أيضا تكرار الجارية في الوجهين الأخيرين. قال: وهذه المسائل التي تؤدي إلى تكلف [4/ 139] تكرار الظاهر فيها خلاف بين النحويين فمنهم من منع ومنهم من أجاز.

فالذي منعها حمله على ذلك خلو الجملة الواقعة خبرا من ضمير يعود على المخبر عنه لأنك إذا قلت: ثلث الرغيف

أكلت الرغيف إياه، لم يكن في الجملة التي هي أكلت الرغيف الواقعة خبرا لثلث ضمير عائد على الثلث. ولا يقال إن إياه المبدل من الرغيف عائد على الثلث فلا يحتاج معه إلى عائد؛ لأن البدل على تقدير تكرار العامل والاستئناف، فكأنك قلت: إياه أكلت. وعلى هذا تخلو الجملة الواقعة خبرا من ضمير عائد على المبتدأ، وكذلك مسألة ثلث الرغيف (الرغيف) أكلته إياه فان أكلته في موضع خبر الرغيف والضمير في أكلته عائد عليه والجملة من المبتدأ والخبر في موضع خبر الثلث ولا ضمير فيها وإياه غير معتد به؛ لأنه على نية الاستئناف.

والذي أجاز اعتد بالضمير المبدل لما كان العامل فيه غير موجود في اللفظ فصار لذلك من تمام الجملة المتقدمة؛ ولذلك لا يتكلم بالبدل وحده كما يتكلم بالجمل -

ص: 3395