الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تقدم معمول المضاف إليه على المضاف وما يكتسبه الاسم بالإضافة]
قال ابن مالك: (فصل لا يتقدّم على مضاف معمول مضاف إليه إلّا على «غير» مرادا به نفي خلافا للكسائيّ في جواز: «أنت أخانا أوّل ضارب» ويؤنّث المضاف لتأنيث المضاف إليه إن صحّ الاستغناء به وكان المضاف بعضه أو كبعضه، وقد يرد مثل ذلك في التّذكير ويضاف الشّيء بأدنى ملابسة).
ــ
وقد يكون بالعكس فيكون الملغى هو المضاف إليه والمضاف هو المقصود في الكلام على الأمر الثالث الذي فرغنا منه لاشتماله على الأمر الرابع وانتظام أقسامه فيه.
قال ناظر الجيش: قال المصنف (1): المضاف إليه كصلة للمضاف فلا يتقدم على المضاف معمول المضاف إليه، كما لا يتقدم على الموصول معمول الصلة فلا يقال في: أنت أول قاصد خيرا: أنت خيرا أول قاصد، ولا في: أنا مثل مكرم عمرا: أنا عمرا مثل مكرم؛ فإن كان المضاف «غيرا» مرادا بها النفي جاز أن يتقدم عليها معمول ما أضيفت إليه كما يتقدم معمول النفي بـ «لم» و «أن» و «لا» . ومن شواهد ذلك قول الشاعر:
2924 -
فتى هو حقّا غير ملغ تولّه
…
ولا تتّخذ يوما سواه خليلا (2)
ومثله:
2925 -
إنّ امرأ خصّني عمدا مودّته
…
على التّنائي لعندي غير مكفور (3)
والأصل: غير ملغ حقّا، وغير مكفور عندي، وجاز التقديم؛ لأن النفي مراد، كأن الأول قد قال: هو حقّا لا يلغى، وكأن الثاني قال: على التنائي لا يكفر عندي، فلو لم يرد بغير النفي لم يجز تقديم معمول ما أضيفت إليه كقولك: أكرم القوم غير شاتم زيدا، فلو قيل: أكرم زيدا غير شاتم، لم يجز؛ لأن النفي غير مراد، وحكى ثعلب (4) أن الكسائي أجاز أن يقال: أنت أخانا أول ضارب؛ بمعنى: أنت -
(1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 236).
(2)
من الطويل وانظره في التذييل (7/ 210).
(3)
من البسيط لأبي زبيد الطائي. ديوانه (78)، والأشموني (2/ 280)، والكتاب (1/ 281)، والهمع (1/ 139)، (2/ 49) ويروى «يوما» بدل «عمدا» .
(4)
الأشموني (2/ 246)، والتصريح (2/ 28)، والهمع (2/ 49).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أول ضارب أخانا، وغير الكسائي (1) يمنع ذلك وهو الصحيح، ويكتسب المذكر المضاف إلى مؤنث تأنيثا؛ بشرط صحة الاستغناء بالمضاف إليه وكون الأول بعضا أو كبعض وكذلك يكتسب المؤنث المضاف إليه مذكر تذكيرا بالشرط المذكور فمن الأول قول الشاعر:
2926 -
إذا بعض السّنين تعرّقتنا
…
كفى الأيتام فقد أبي اليتيم (2)
ومثله:
2927 -
مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت
…
أعاليها مرّ الرياح النّواسم (3)
ومثله:
2928 -
لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت
…
سور المدينة والجبال الخشّع (4)
ومثله:
2929 -
أبا عرو لا تبعد فكلّ ابن حرّة
…
سيدعوه داعي ميتة فيجيب (5)
ومثله:
2930 -
مويهة داعي المنيّة بالوري
…
فمنهم مقدّم ومنهم مؤخّر (6)
ومثله:
2931 -
قد صرّح السّير عن كتمان وابتذلت
…
وقع المحاجن بالمهريّة الذّقن (7)
-
(1) المصادر السابقة.
(2)
من الوافر لجرير. ديوانه (412)، والكتاب (1/ 26، 32)، والمقتضب (4/ 198)، ويس (2/ 32).
(3)
من الطويل لذي الرمة. الخصائص (2/ 417)، والكتاب (1/ 25، 33، 73)، والمقتضب (4/ 197).
(4)
من الكامل وهو لجرير. ديوانه (270)، والخزانة (2/ 226)، والخصائص (2/ 418)، والكامل (2/ 486)، والكتاب (1/ 125)، واللسان: سورة ومجاز القرآن (1/ 197)، والمقتضب (4/ 197).
(5)
من الطويل، وانظره في التذييل (7/ 213) والتصريح (2/ 184). هذا و «عرو» في الأصل:
عروة - تحريف.
(6)
من الطويل - التذييل (7/ 213).
(7)
من البسيط لتميم بن مقبل. وكتمان: اسم موضع، والمهرية: إبل منسوبة إلى إحدى قبائل اليمن، والذقن: التي تميل ذقنها إلى الأرض، والمحاجن - وفي الأصل: المحاجر، وهو تحريف -: العصى المعوجة. وانظر ديوانه (303)، والخصائص (2/ 418) واللسان:«حجن» ، و «ذقن» ، و «كتم» ، والمحتسب (1/ 237)، ومعاني الفراء (1/ 187).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن قراءة أبي العالية (1): [4/ 79] لا تنفع نفسا إيمانها (2)، ومن الثاني قول الله تعالى: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (3)، ويمكن أن يكون منه: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (4)، ومنه قول الشاعر:
2932 -
إساءة من يبغي على النّاس موقع
…
بحوبائه الهلكاء من حيث لا يدري (5)
ومنه:
2933 -
نعجة الحسن فاتن فاغضض الطّر
…
فـ ليلقى صيد الظباء الأسودا (6)
ومثله:
2934 -
إنارة العقل مكسوف بطوع هوى
…
وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا (7)
ومثله:
2935 -
رؤية الفكر ما يؤول له الأم
…
ر معين على اجتناب التّواني (8)
فـ «أنت» في النوع الأول المضاف وهو مذكر لتأنيث المضاف إليه، وذكر في النوع الثاني المضاف وهو مؤنث لتذكير المضاف إليه؛ لصحة الاستغناء فيهما عن المضاف بالمضاف إليه مع كون المضاف بعض المضاف إليه أو كبعضه، واحترزت بهذا من المضافات الصالحة للحذف وليست بعض المضاف إليه معمولا ولا كبعضه كـ: يوم الخميس، وذي صباح، فلو لم يصح الاستغناء بالمضاف إليه لم يؤنث مذكر ولم يذكر مؤنث نحو حسن غلام هند، وكرمت أم زيد، ويضاف الشيء إلى الشيء بأدنى ملابسة بينهما كقول صاحب الخشبة لحامليها خذا طرفيكما، وكقول الشاعر:
2936 -
إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة
…
سهيل أضاعت غزلها في القرائب (9)
-
(1) رفيع بن مهران الرياحي تابعي قرأ عليه الأعشى وأبو عمرو (ت: 90 هـ). غاية النهاية (1/ 617)، والطبقات (1/ 284).
(2)
سورة الأنعام: 158، والبحر المحيط (4/ 259).
(3)
سورة الشعراء: 4.
(4)
سورة الأعراف: 56، وراجع الأشباه والنظائر (3/ 136 - 153)، ومعاني الأخفش (1/ 200).
(5)
من الطويل. سر الصناعة (436).
(6)
وانظره في التذييل (7/ 214).
(7)
من البسيط لأحد المولدين. التصريح (2/ 32)، والخزانة (2/ 169)، والعيني (3/ 396)، والمغني (ص 512).
(8)
ينظر في التذييل (7/ 214)، والهمع (2/ 49).
(9)
تقدم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكقول الآخر:
2937 -
إذا قال قدني قال بالله حلفة
…
لتغني عنّي ذا إنائك أجمعا (1)
انتهى كلامه رحمه الله تعالى (2).
وأقول: أما التعليل الذي ذكره لكون معمول المضاف إليه لا يتقدم على المضاف؛ فقد ذكر الجماعة تعليلا أحسن منه وهو أن المتضايفين شديدا الاتصال لحلول الثاني من الأول محل ما به تمامه من تنوين أو نون إن كانا فيه، ومعمول المضاف إليه من تمامه فلا يتقدم على المضاف كما لا يتقدم المضاف إليه على المضاف وأما أن معمول المضاف إليه «غير» فإنه يجوز تقديمه على «غير» الذي هو المضاف إذا كان المراد بـ «غير» النفي.
فقال الشيخ: قد سبقه إلى ذلك الزمخشري، وحكاه أصحابنا عن بعضهم وردوه وصححوا أن ذلك لا يجوز (3)، ثم إنه خرج ما استدل به المصنف فقال: إن «حقّا» يكون معمولا لعامل مضمر كأنه قال: فتى لا يلغي (4) حقّا. ولا يخفى إذا قدرنا ذلك ما يؤول إليه الكلام من الركة والسماجة.
وأما «لعندي غير مكفور» فقال فيه: سهل ذلك كون المعمول ظرفا والظروف يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها مع أنه محتمل للتأويل كتأويل «هو حقّا غير ملغ» (5).
ولا شك أن الذي ذكره المصنف لا يبعد عن الصواب؛ فكم من كلام يجوز فيه ما كان ممتنعا لكونه في معنى كلام يجوز فيه ذلك، ومنه ما قيل في قوله تعالى:
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (6): إن الباء الزائدة جعلت في خبر «إن» لما كان معنى الكلام: أليس الله بقادر. ولذلك نظائر كثيرة. ثم قال الشيخ: وأجاز بعض النحويين أن يتقدم معمول ما أضيف إليه «حق» مستدلّا بقول الشاعر:
2938 -
فإلّا أكن كلّ الشّجاع فإنّني
…
بضرب الكلى والهام حقّ عليهم (7)
-
(1) تقدم ذكره.
(2)
انظر: شرح التسهيل للمصنف (3/ 239).
(3)
المفصل بشرح ابن يعيش (8/ 65).
(4)
التذييل (7/ 211).
(5)
التذييل (7/ 211).
(6)
سورة الأحقاف: 33.
(7)
من الطويل وانظره في التذييل (7/ 212).