المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حديث خاص بحتى وأم وأو] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٧

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الحادي والأربعون باب الإضافة

- ‌[تعريفها - أثرها]

- ‌[الأثر المعنوي للإضافة ومواقعه]

- ‌[تقدم معمول المضاف إليه على المضاف وما يكتسبه الاسم بالإضافة]

- ‌[ما لازم الإضافة لفظا ومعنى وأحكامه]

- ‌[ما لازم الإضافة معنى فقط وأحكامه]

- ‌[من أحكام ما لازم الإضافة]

- ‌[من أحكام إضافة أسماء الزمان المبهمة]

- ‌[حذف أحد المتضايفات، والجر بالمضاف المحذوف]

- ‌[الفصل بين المتضايفين، وأحكامه]

- ‌[الإضافة إلى ياء المتكلم وأحكامها]

- ‌الباب الثاني والأربعون باب التّابع

- ‌[تعريفه، وأقسامه]

- ‌[فصل التابع من المتبوع وتقدم معموله عليه]

- ‌الباب الثالث والأربعون باب التّوكيد

- ‌[أقسامه، وذكر أحكام التوكيد بالنفس والعين]

- ‌[من أغراض التوكيد المعنوي]

- ‌[من أحكام بعض ألفاظ التوكيد المعنوي]

- ‌[من أحكام التوكيد المعنوي]

- ‌[من أحكام ألفاظ التوكيد المعنوي]

- ‌[التوكيد اللفظي: حقيقته، وبعض أحكامه]

- ‌[توكيد الضمير المتصل مرفوعا أو منصوبا]

- ‌الباب الرابع والأربعون باب النّعت

- ‌[تعريفه - وأغراضه]

- ‌[إتباع النعت منعوته وغيره]

- ‌[ذكر ما ينعت به، وأحكام الجملة الواقعة نعتا]

- ‌[بعض أحكام النعت المفرد]

- ‌[تفريق النعت وجمعه وإتباعه وقطعه]

- ‌[من أحكام النعت]

- ‌[أقسام الأسماء من حيث ما ينعت به وينعت]

- ‌[الاستغناء عن المنعوت، وعن النعت]

- ‌الباب الخامس والأربعون باب عطف البيان

- ‌[تعريفه، أغراضه، موافقته ومخالفته متبوعه]

- ‌[جواز جعل عطف البيان بدلا وعدمه]

- ‌الباب السادس والأربعون باب البدل

- ‌[تعريفه، موافقته ومخالفته المتبوع، الإبدال من المضمر والظاهر]

- ‌[أقسام البدل وما يختص به كل قسم]

- ‌[من أحكام البدل وحكم اجتماع التوابع]

- ‌الباب السابع والأربعون باب المعطوف عطف النّسق

- ‌[تعريفه، وذكر حروفه]

- ‌[معاني حروف العطف: الواو - الفاء - ثم - حتى - أم - أو - بل - لا]

- ‌[حديث خاص بالواو]

- ‌[حديث خاص بثم والفاء]

- ‌[حديث خاص بحتى وأم وأو]

- ‌[«إما» العاطفة معانيها، وأحكامها]

- ‌[من حروف العطف: بل، لكن، لا]

- ‌[ما لا يشترط وما يشترط في صحة العطف]

- ‌[العطف على الضمير المتصل، والعطف على عاملين]

- ‌[من أحكام الواو، والفاء، وأم، وأو

- ‌[عطف الفعل على الاسم والماضي على المضارع، وعكسه]

- ‌[الفصل بين العاطف والمعطوف]

- ‌الباب الثامن والأربعون باب النّداء

- ‌[بعض أحكامه من جر وحذف الحرف]

- ‌[بناء المنادى وإعرابه]

- ‌[أحكام المنقوص والمضموم المنون اضطرارا في النداء]

- ‌[من أحكام أسلوب النداء (لا ينادى ما فيه أل)]

- ‌[تابع المنادى وأحكامه]

- ‌[الضمير مع تابع المنادى]

- ‌[أحكام المنادى المضاف إلى ياء المتكلم]

- ‌[المنادى غير المصرح باسمه]

- ‌الباب التاسع والأربعون باب الاستغاثة والتعجّب الشبيه بها

- ‌[تعريف الاستغاثة وأحكامها]

- ‌الباب الخمسون باب النّدبة

- ‌[تعريف المندوب - مساواته للمنادى في أحكامه]

- ‌[من أحكام المندوب]

- ‌[من أحكام ألف الندبة]

- ‌[أحكام أخرى لألف الندبة]

- ‌الباب الحادي والخمسون باب أسماء لازمت النداء

- ‌[ذكرها وما يتعلّق بها من أحكام]

- ‌الباب الثاني والخمسون باب ترخيم المنادى

- ‌[ما يرخم، وما لا يرخم]

- ‌تقدير ثبوت المحذوف للترخيم

- ‌[أحكام آخر المرخم]

- ‌الباب الثالث والخمسون باب الاختصاص

- ‌[دواعيه وأحكامه]

- ‌الباب الرابع والخمسون باب التّحذير والإغراء وما ألحق بهما

- ‌[ما ينصب على ذلك - إظهار العامل وإضماره]

- ‌[ما يلحق بالتحذير والإغراء]

- ‌[مسائل وأمثلة أخرى في إضمار العامل]

الفصل: ‌[حديث خاص بحتى وأم وأو]

[حديث خاص بحتى وأم وأو]

قال ابن مالك: (المعطوف بحتّى بعض متبوعه أو كبعضه، وغاية له في زيادة أو نقص مفيد ذكرها، وإن عطفت على مجرور لزم إعادة الجارّ ما لم يتعّين العطف ولا يقتضي ترتيبا على الأصحّ، و «أم» متّصلة ومنقطعة، فالمتّصلة المسبوقة بهمزة صالح موضعها لأيّ، وربّما حذفت ونويت، والمنقطعة ما سواها، وتقتضي إضرابا مع استفهام ودونه، وعطفها المفرد قليل. وفصل «أمّ» ممّا عطفت عليه أكثر من وصلها. و «أو» لشكّ أو تفريق مجرّد أو إبهام أو إضراب أو تخيير. وتعاقب الواو في الإباحة كثيرا وفي عطف المصاحب والمؤكّد قليلا، وتوافق «ولا» بعد النّهي والنّفي).

ــ

قبل الأب أشد من الشر الذي يلحق من قبل الأم لأن الاعتماد في الانتساب إنما هو على الآباء. وأما قول الشاعر:

3269 -

إنّ من ساد ثمّ ساد أبوه

ثمّ قد ساد بعد ذلك جدّه

فإنّه ينبغي أن يحمل على ظاهره ويكون الجد قد أتاه السؤدد من قبل الأب وأتى الأب من قبل الابن؛ لأن ذلك مما يمدح به وإن كان الأكثر في كلامهم المدح بتوارث السؤدد، ويكون البيت إذ ذاك مثل قول القائل:

3270 -

وكم أب قد علا بابن ذرى شرف

كما علت برسول الله عدنان (1)

قال: ومما يبين لك أن معاني هذه الحروف الثلاثة يعني الواو والفاء وثم على حسب ما تقرر فيها قوله تعالى: وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ 79 وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ 80 وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (2) فجاء عطف (يحيي) بـ (ثمّ) للتراخي الذي بين وقت الإماتة ووقت الإحياء، وأتى بالفاء في فَهُوَ يَشْفِينِ؛ لأن الشفاء يعقب المرض من غير مهلة، وجاء عطف وَيَسْقِينِ على يُطْعِمُنِي بالواو لأن كلّا من الإطعام والسقي قد يتقدم على الآخر وقد يتأخر عنه.

قال ناظر الجيش: قال المصنف (3): لا يعطف بحتى إلا بعض أو كبعض وغاية -

(1) البيت من البسيط لابن الرومي - المغني (118).

(2)

سورة الشعراء: 79 - 81.

(3)

انظر شرح التسهيل (3/ 357).

ص: 3446

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للمعطوف عليه في زيادة أو نقص فيدخل في الزيادة الأقوى والأعظم والأكثر.

ويدخل في النقص الأضعف والأحقر والأقل نحو: فاق على - رضي الله تعالى عنه - الأبطال حتى عنترة وعجز في العلم الأذكياء حتى الحكماء وقصر عن جوده الغيوث حتى الديم وقهر الجبان الناس حتى النساء. ومن كلام العرب استنت الفصال حتى القرعي (1). وقد أجمعت غايتا القوة والضعف في قول الشاعر:

3271 -

قهرناكم حتّى الكماة فإنّكم

لتخشوننا حتّى بنينا الأصاغرا (2)

فالمعطوف في هذه الأمثلة بعض محقق وقد يكون شبيها ببعض لا بعضا كقولك: أعجبتني الجارية حتى حديثها، فالحديث ليس بعضا ولكنه كبعض لأنه معنى من معاني المحدث، والمعتمد عليه في ما يصح عطفه بحتى أن يصح استثناؤه بإلا فيصح أعجبتني الجارية حتى حديثها كما يصح أعجبتني الجارية إلا حديثها ويمتنع أعجبتني الجارية حتى ابنها كما لا يمتنع أعجبتني الجارية إلا ابنها. وقد يكون المعطوف بحتى مباينا فتقدر بعضيته بالتأويل - كقول الشاعر:

3272 -

ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله

والزّاد حتّى نعله ألقاها (3)

فعطف بحتى وليس بعضا لما قبلها ولكنها بالتأويل بعض لأن المعنى ألقى ما يثقله حتى نعله ويروي بالجر والرفع. وقيدت الغاية بأن يكون ذكرها مفيدا تنبيها على أنك لو قلت:

أتيتك الأيام حتى يوما لم يجز لأنه لا فائدة فيه. وهكذا لو قلت في الاستثناء:

صمت الأيام إلا يوما فلو وقت ما بعد حتى والأحسن وكانت فيه فائدة نحو:

صمت الأيام حتى يوم الجمعة وإلا يوم الجمعة. وإن عطف بحتى على مجرور وخيف توهم كون المعطوف مجرورا بحتى لزم إعادة الجار نحو:

اعتكفت في الشهر حتى في آخره فإن أمن ذلك لم يلزم إعادة الجار نحو: -

(1) استنت: سمنت، وهو مثل يضرب لمن تعدى طوره وادعى ما ليس له - اللسان (قرع) ومجمع الأمثال (1/ 333)، والمستقصى (1/ 158).

(2)

البيت من الطويل - الأشموني (3/ 97)، والدرر (2/ 188)، والمغني (ص 127)، والهمع (2/ 136).

(3)

تقدم في باب حروف الجر.

ص: 3447

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عجبت من القوم حتى بنيهم. ونحو قول الشاعر:

3273 -

جود يمناك فاض في الخلق حتّى

بائس دان بالإساءة حينا (1)

وحتى بالنسبة إلى الترتيب كالواو فجائز كون المعطوف بها مصاحبا كقولك:

قدم الحجاج حتى المشاة في ساعة كذا، وجائز كونه سابقا كقولك: قدموا حتى المشاة متقدمين. ومن زعم أنها تقتضي الترتيب في الزمان فقد ادعى ما لا دليل عليه وفي الحديث: «كلّ شيء بقضاء وقدر حتّى العجز والكيس» (2)، وليس في القضاء ترتيب، وإنما الترتيب في ظهور المقضيات، وقال الشاعر:

3274 -

لقومي حتّى الأقدمون تمالئوا

على كلّ أمر يورث المجد والحمدا (3)

فعطف بحتى الأقدمين مع كونهم يتعين متقدمين.

وأم المعتمد [4/ 155] عليها في العطف هي المتصلة نحو: أزيد عندك أم عمرو، وسميت متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى أحدهما عن الآخر ولا تحصل الفائدة إلا بهما. وشرط ذلك أن يكون متبوعهما مسبوقا بهمزة صالح موضعها لأي كالواقعة في أزيد عندك أم عمرو، وفي قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (4)، [و] وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (5)، وأَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ (6)، وأَ ذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (7)، وأَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ (8)، وقد يكون مصحوبا هما فعلين لفاعلين متباينين.

كقول حسان - رضي الله تعالى عنه -:

3275 -

ما أبالي أنبّ بالحزن تيس

أم جفاني بظهر غيب لئيم (9)

وقد يكون مصحوباهما جملتين ابتدائيتين كقول الشاعر: -

(1) البيت من الخفيف - التذييل (4/ 18).

(2)

ينظر: ابن حنبل (2/ 110) ومسلم: القدر 18، والموطأ: القدر 4، و «بقضاء» ليس فيه.

(3)

البيت من الطويل - الدرر (2/ 188) والكافية الشافية (ص 469)، والهمع (2/ 136).

(4)

سورة البقرة: 6.

(5)

سورة الأنبياء: 109.

(6)

سورة الفرقان: 15.

(7)

سورة الصافات: 62.

(8)

سورة النازعات: 27.

(9)

البيت من الخفيف ديوانه (ص 378)، والشجري (ص 334)، والعيني (4/ 135)، والكتاب (1/ 488)، والمقتضب (3/ 298).

ص: 3448

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

3276 -

ولست أبالي بعد فقدي مالكا

أموتي ناء أم هو الآن واقع (1)

ومثله:

3277 -

لعمرك [ما] أدري وإن كنت داريا

شعيث ابن سهم أم شعيث ابن [منقر](2)

أراد ما أدري أشعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر. فهذه الأبيات شواهد على وقوع أم المتصلة بين جملتين إذا كان المعنى معنى أي. وابن سهم وابن منقر خبران لا صفتان وحذف التنوين من شعيث على حد حذفه في قول الشاعر:

3278 -

عمرو الّذي هشم الثّريد لقومه

ورجال مكّة مسنتون عجاف (3)

وخرج بقولي: صالح موضعها لأي أم المسبوقة بهمزة صالح موضعها للنفي كقوله تعالى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها (4) فأم في هذه المواضع الثلاثة منقطعة؛ لأنها لا تصلح لأي.

وكذا إذا كان معنى ما هي فيه تقريرا كقوله تعالى: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (5)، وكقول الراجز:

3279 -

ألعبا بألف أم توانيا

والموت يدنو رائحا وغاديا (6)

وكذا كل موضع لم تتقدم فيه الهمزة استفهاما كان أو إخبارا. فالاستفهام كقوله:

3280 -

أنّى جزوا عامرا سوءا بفعلهم

أم كيف يجزون بالسوءى من الحسن

أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به

رئمان أنف إذا ما ضنّ باللّبن (7)

-

(1) البيت من الطويل لمتمم بن نويرة - الدرر (2/ 175)، والعيني (4/ 136)، والمغني (/ 41)، والهمع (2/ 132).

(2)

البيت الأصل: منقرا - تحريف، والبيت من الطويل للأسود بن يعفر - التصريح (2/ 143) والكتاب (1/ 485)، والمحتسب (1/ 50)، وفيه أنه لعمران بن حطان، والمقتضب:(3/ 294) والهمع (2/ 132).

(3)

البيت من الكامل لابن الزبعرى - الإنصاف (663)، وشرح المفصل (9/ 36) واللسان: سنت.

(4)

سورة الأعراف: 195.

(5)

سورة النور: 50.

(6)

البيت ينظر شرح التسهيل (196).

(7)

البيت من البسيط لأفنون التغلبي - الخصائص (2/ 184، 3/ 107)، والشجري (1/ 37)، وشرح المفصل (4/ 18)، والمغني (45)، والهمع (2/ 133).

ص: 3449

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والإخبار كقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ (1) فأم في هذين الموضعين وما أشبههما منقطعة لعدم الهمزة قبلها كما هي منقطعة في أَمْ لَهُمْ (2) لعدم معنى أي. وقد تحذف الهمزة ويكتفى بظهور معناها قبل أم المتصلة كقول الشاعر:

3281 -

فأصبحت منهم آمنا لا كمعشر

أتوني وقالوا من ربيعة أم مضر (3)

ومثله:

3282 -

لعمرك ما أدري وإن كنت داريا

بسبع رمين الجمر أم بثمان (4)

ومنه قراءة ابن محيصن (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم)(5)، وأكثر وقوع أم المنقطعة إضرابا واستفهاما كقوله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ (6) إلى أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ (7). وقد يجاء بها لمجرد الإضراب ومن علامات ذلك في اللفظ أن يليها استفهام نحو: أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) ونحو: أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ (9) ونحو قول الشاعر:

3283 -

أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به

رئمان أنف إذا ما ضنّ باللّبن (10)

وإن ولي المنقطعة مفرد فهو معطوف بها على ما قبلها كقول بعض العرب أنها لإبل أم شاء فأم هنا لمجرد الإضراب عاطفة ما بعدها على ما قبلها كما كان يكون بعد بل فإنها بمعناها. وزعم ابن جني أنها بمنزلة الهمزة وبل وأن التقدير: بل أهي شاء، وهذه دعوى لا دليل عليها ولا انقياد إليها. وقد قال بعض العرب: إن هناك إبلا أم شاء فنصب ما بعد أم حين نصب ما قبلها وهذا عطف صريح مقوّ لعدم -

(1) سورة السجدة: 3.

(2)

في آية: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ السابقة.

(3)

البيت من الطويل لعمران بن حطان - الخصائص (2/ 181)، والشجري (1/ 167، 317)، وشواهد التوضيح (/ 88)، والمحتسب (1/ 50).

(4)

البيت من الطويل لابن أبي ربيعة ديوانه (/ 266)، والدرر (2/ 175)، والعيني (4/ 142)، ولكتاب (1/ 475).

(5)

سورة البقرة: 6، وانظر البحر المحيط (1/ 48)، وابن زنجلة (86).

(6)

سورة الطور: 35.

(7)

سورة الطور: 43.

(8)

سورة النمل: 84.

(9)

سورة الملك: 20.

(10)

تقدم ذكره.

ص: 3450

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الإضمار قبل المرفوع. وفصل أم المتصلة بما عطفت عليه نحو: أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ (1) أكثر من وصلها نحو: أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (2) ومن ادعى امتناع وصلها أو ضعفه فمخطئ؛ لأن دعواه مخالفة للاستعمال المقطوع بصحته، ولقول سيبويه (3) والمحققين من أصحابه.

ومن العطف بأو في الشك قوله تعالى: قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ (4)، ومن العطف بها في التفريق المجرد قوله تعالى: لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى (5) وقوله تعالى: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما (6). والمراد بوصف التفريق بالمجرد خلوه من الشكّ والإبهام والإضراب والتخيير فإن مع كل واحد منهما تفريقا مصحوبا بغيره. والتعبير عن هذا المعنى بالتفريق أولى من التعبير عنه بالتقسيم؛ لأن استعمال الواو في ما هو تقسيم أجود من استعمال أو كقولك: الكلمة اسم وفعل وحرف، والاسم ظاهر ومضمر والفعل ماض وأمر ومضارع، والحرف عامل وغير عامل. ومنه قول الشاعر:

3284 -

وننصر مولانا ونعلم أنّه

كما النّاس مجروم عليه وجارم (7)

ولو جيء هنا بأو لجاز وكان التقدير الملقى منهم مجروم عليه أو جارم، والتقدير مع الواو منهم مجروم عليه ومنهم جارم أو بعضهم مجروم عليه وبعضهم جارم.

ومن الجائي بأو مع كون الواو أولى قول الشاعر:

3285 -

فقالوا لنا ثنتان لا بدّ منهما

صدور رماح أشرعت أو سلاسل (8)

ومن مجيء أو في الإبهام قوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (9) ومثله قول الشاعر: -

(1) سورة الفرقان: 15.

(2)

سورة الأنبياء: 109.

(3)

الكتاب (3/ 169، 174).

(4)

سورة البقرة: 259.

(5)

سورة آل عمران: 195.

(6)

سورة النساء: 135.

(7)

تقدم ذكره في باب حروف الجر.

(8)

البيت من الطويل لجعفر الحارثي - الحماسة بشرح المرزوقي (ص 45)، والدرر (2/ 181)، وشواهد التوضيح (ص 115) وو المغني (ص 65) والهمع (2/ 134).

(9)

سورة سبأ: 24.

ص: 3451

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

3286 -

نحن أو أنتم الألى ألفوا الحق

قّ فبعدا للظّالمين وسحقا (1)

ومن مجيئها للإضراب قراءة أبي السمال (2) أو كلما عهدوا عهدا (3)

قال أبو الفتح: معنى أو هنا معنى بل بمنزلة أم المنقطعة فكأنه قيل: بل كلما عاهدوا عهدا. قال: وأو التي بمنزلة أم المنقطعة موجودة في الكلام كثيرا» (4) وقال الفراء في قوله تعالى: إِلى مِائَةِ أَلْفٍ [4/ 156] أَوْ يَزِيدُونَ (5): أو هنا في معنى بل كذا جاء في التفسير مع صحته في العربية (6).

وحكى الفراء: اذهب إلى زيد أو دع ذلك فلا تبرح اليوم (7). وقال ابن برهان في شرح اللمع: قال أبو علي أو حرف يستعمل على ضربين. أحدهما أن يكون لأحد الشيئين أو الأشياء، والآخر: أن يكون للإضراب (8)، قلت: ومن مجيء أو للتخيير قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (9) ومن مجيئها للإباحة قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ (10) إلى أَوِ الطِّفْلِ (11).

ومن علامات التي للإباحة استحسان وقوع الواو موقعها ألا ترى أنه لو قيل:

ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن وآباء بعولتهن لم يختلف المعنى. ومنه جالس الحسن أو ابن سيرين (12) أي جالس الصنف المبارك الذين منهم الحسن وابن سيرين فلو جالسهما معا لم يخالف ما أبيح له والاعتماد في فهم المراد من هذا الخطاب على القرائن.

(1) البيت من الخفيف - المغني بحاشية الأمير (ص 59).

(2)

قعنب بن أبي قعنب العدوي البصري له في القراءة اختيار شاذ - تاج العروس (7/ 381)، وغاية النهاية (2/ 27).

(3)

سورة البقرة: 100، وانظر البحر المحيط (1/ 323، 324).

(4)

الأشموني والصبان (3/ 104).

(5)

سورة الصافات: 147.

(6)

معاني الفراء (2/ 393).

(7)

التذييل (4/ 166).

(8)

شرح اللمع له (ص 228).

(9)

سورة المائدة: 89.

(10)

سورة النور: 31.

(11)

السابقة.

(12)

هما الحسن البصري ومحمد بن سيرين. كانا متعاصرين في البصرة وتوفيا سنة (110 هـ).

ص: 3452

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومن معاقبة أو الواو في عطف المصاحب قول الشاعر:

3287 -

قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم

من بين ملجم مهره أو سافع (1)

ومثله قول الآخر:

3288 -

حتّى خضبت بما تحدّر من دمي

أكناف سرجي أو عنان لجامي (2)

ومثله أيضا:

3289 -

فظلت وظلّ أصحابي لديهم

عريض اللّحم نيّ أو نضيج (3)

فأوفى هذه المواضع بمعنى الواو التي للمصاحبة. ومن أحسن شواهد هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اسكن فما عليك إلّا نبيّ أو صديق أو شهيد» (4) وقول ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: «كل ما شئت واشرب ما شئت ما أخطأك ثنتان سرف أو مخيلة» (5).

ومن معاقبة أو الواو في عطف المؤكد قوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً (6)، وقوله تعالى: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً (7)، ومنه قول الشاعر:

3290 -

حواسر ممّا قد رأت فعيونها

تفيض بماء لا قليل ولا تزر (8)

وإذا وقع نهي أو نفي قبل أو كانت بمعنى الواو مردفة بلا. فمثال ذلك مع النهي قوله تعالى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (9) ومثال ذلك مع النفي قوله تعالى:

وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ إلى: أَوْ صَدِيقِكُمْ (10) أي: ولا تطع منهم آثما ولا كفورا، ولا على أنفسكم أن تأكلوا -

(1) البيت من الكامل لحميد بن ثور - ديوانه (ص 111)، والأشموني (3/ 107)، والتصريح (2/ 146) والمغني (63).

(2)

البيت من الكامل لقطري بن الفجاءة - التذييل (4/ 166).

(3)

البيت من الوافر - التذييل (4/ 167).

(4)

البخاري: فضائل أصحاب النبي (62)، ومناقب عمر بن الخطاب (6).

(5)

البخاري: اللباس (1)، والهمع (2/ 134).

(6)

سورة المائدة: 48.

(7)

سورة النساء: 112.

(8)

البيت من الطويل - شرح العمدة (ص 634).

(9)

سورة الإنسان: 24.

(10)

سورة النور: 61.

ص: 3453

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من بيوتكم ولا من بيوت آبائكم (1). هذا آخر كلام المصنف رحمه الله تعالى.

ولنتبعه بالتنبيه على أمور:

منها: أنك قد عرفت في أول هذا الباب أن العطف بحتى قليل. ثم إن العطف بها مشروط بأربعة أمور:

الأمران اللذان ذكرهما وهما أن يكون المعطوف بها بعض متبوعه أو كبعضه وأن يكون غاية له في زيادة أو نقص.

والأمران الآخران أن يكون المعطوف بها أيضا مفردا أو أن يكون ظاهر.

أما كون المعطوف بها لا يكون جملة فقد علله ابن أبي الربيع بأن قال:

العطف بها قليل، واستعمالها حرف ابتداء كثير. (قال: وهذا مما يدل على أنها إذا وقعت بعدها الجملة فليست بحرف عطف؛ إذ وقوع الجملة بعدها كثير والعطف بها في المفردات وهو أصل العطف قليل (2).

وقال ابن عصفور: ولا يجوز أن يعطف بها إلّا الأفعال والجمل؛ لأن المعطوف بها لا يكون إلّا بعضا مما عطف

عليه وغاية له ولا يتصور ذلك في الأفعال والجمل (3).

انتهى.

وعلل غيره ذلك بأن الأصل في العاطفة أن تكون جارة نحو قط على أصلها من استعمالها مع الأسماء. وأما كون المعطوف بها لا يكون ضميرا فالظاهر أنه كما امتنع فيها أن تجر المضمر امتنع فيها أن تعطفه ليكون حكمها في البابين واحد.

قال الخضراوي: لا يجوز العطف إلا حيث يجوز الجر، ولذلك لا يعطف المضمر على المظهر ولا على المضمر. ولا يجوز ضربت القوم إلا إياك ولا قاموا معهم حتى أنت لأن حتى لا تجر المضمر فلا تعطفه.

وأعلم أن تعبير المصنف عن المعطوف بها بالبعضية وشبهها أحسن وأخضر من قول ابن عصفور أن المعطوف بها لا يكون إلا مختلطا بما عطف عليه أو جزءا من -

(1) شرح التسهيل (ص 565).

(2)

التذييل (4/ 158) وما بعدها.

(3)

في شرح الجمل (1/ 228) - إشارة إلى ذلك.

ص: 3454

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أجزاء أو واحدا من أحاده إن كان المعطوف عليه جمعا نحو قولك: قتلت الجند حتى دوابهم وأكلت السمكة حتى رأسها وضربت القوم حتى زيدا ولو قلت:

ضربت زيدا حتى عمرا وضربت الرجلين حتى أفضلهما لم يجز لأن المعطوف بها ليس شيئا من ذلك (1) ومن ثم قال الشيخ: وكان ينبغي للمصنف أن يقيد المتبوع بأن يكون ذا أجزاء أو واحدا من جمع فلو قلت: ضربت الرجلين حتى أفضلهما - لم يجز (2). انتهى.

ومقتضى كلامه هنا أن عدم جواز ضربت الرجلين حتى أفضلهما لا يفهم من عبارة المصنف وهو عجب، فإن أفضلهما ليس بعض الرجلين فيحتاج إلى التقييد.

ومنها: أن الشيخ قال مشيرا إلى قول المصنف مفيد ذكرها وأنه قيد الغاية بأن يكون ذكرها مفيد تنبيها على أنك لو قلت: أتيتك الأيام حتى يوما لم يجز لأنه لا فائدة فيه - فقال الشيخ:

هذا القيد لم يذكره النحويون لأنه لا فائدة في ذكره لأن الشرط أن يكون المعطوف غاية للمعطوف عليه في زيادة أو نقص، ويوما من المثال المذكور لا يتصف بأنه غاية فضلا عن أن يتصف بقوة أو ضعف أو عظم أو حقارة (3).

انتهى.

وما قاله ظاهر.

ومنها: أنك قد عرفت قول المصنف وإن عطفت على مجرور لزم إعادة الجار ما لم يتعين العطف لكن قال ابن عصفور في شرح الإيضاح: الأحسن أن يعيد الخافض.

والذي قاله المصنف هو الظاهر بل المتعين. وقد نقل الشيخ عن رجلين كبيرين أنهما نصّا على أنه لا بد من إعادة الخافض كما قال المصنف.

ثم إن الشيخ قال في المثال الذي مثّل به المصنف وهو عجبت من القوم حتى -

(1) ينظر في معناه - شرح الجمل (1/ 228).

(2)

التذييل (4/ 157).

(3)

قال في التذييل (4/ 158): «وقد وافق المصنف أبو عبد الله الجليس مؤلف الكتاب الثمار، وابن الخباز الموصلي شارح الدرة فنصّا على أنه إذا عطفت بحتى على مخفوض فلا بد من إعادة الخافض فرقا بينها وبين الجارة.

ص: 3455

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[4/ 157] بنيهم إن بنيهم هنا ليس معطوفا بحتى.

قال: لأنهم ليسوا واحدا من جمع إذ ليسوا مندرجين في القوم ولا تنزلوا منزلة جزء.

قال: لأنك لو قلت عجبت من القوم إلا بنيهم لم يصح. فالذي يظهر أن حتى في هذا المثال هي الجارة لا العاطفة.

قال: وكذلك لا يتعين أن تكون عاطفة في البيت الذي أنشده (1). انتهى.

وما قاله الشيخ غير ظاهر؛ فإن القوم صادق على الآباء والأبناء جميعا. لكن إذا قيل عجبت من القوم فربما يتوهم أن العجب إنما حصل من الآباء دون الأبناء فعطف الأبناء على القوم لتحقيق أن العجب حصل منهم كما حصل من آبائهم. كما أن قولك: قدم الحاج صادق على الحاج بأجمعهم (2)، ثم تقول حتى المشاة لتحقيق قدومهم إذ قد يتوهم أنهم لضعفهم ربما تأخر قدومهم كما قد يتوهم أن الأبناء لصغرهم ربما لا يصدر منهم ما يحصل منه عجب وإذا كان القوم صادقا على الآباء والأبناء جميعا كان الأبناء بعضا من القوم وإذا كانوا بعضا صح العطف والاستثناء، ثم إذا حكم بأن حتى في المثال المذكور جارة كانت بمعنى إلى. وإذا كان كذلك كان المعنى في المثال عجبت من القوم إلى بنيهم وفي البيت فاض في الحق إلى بائس، وهذا لا يقال؛ إذ لا معنى لقولنا إلى بنيهم ولا إلى بائس.

ومنها: أن ابن عصفور قال ما ملخصه: والاسم الواقع بعد حتى إذا استوفى الشرط المشروط في عطفه بها فإن

دلت قرينة على أنه شريك لما قبله في المعنى لم يجز فيه إلا العطف نحو: ضربت القوم حتى زيدا أيضا بنصب زيد لدلالة أيضا على تكرار الفعل، وإن دلت قرينة على أنه غير شريك لما قبله في المعنى كانت حتى جارة ولم يجز العطف نحو صمت الأيام حتى يوم الفطر بالخفض وإن لم تكن قرينة تدل على أنه شريك أو غير شريك جاز في حتى أن تكون عاطفة وخافضة. والخفض أحسن لأن العطف بها لغة ضعيفة فتقول: ضربت القوم حتى زيدا بالنصب -

(1) التذييل (4/ 158).

(2)

في اللسان (حجج) الحجيج: جماعة الحاج.

ص: 3456

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والخفض (1). هذه الأمور المتعلقة بحتى.

أما الأمور المتعلقة بأم فمنها: أن قول المصنف أن أم المتصلة هي المسبوقة بهمزة صالح موضعها لأي يقتضي أن المعتبر هو صلاحية وقوع أي موقع الهمزة خاصة.

ولا شك أن أيا إذا أتى بها في مثل هذا الكلام إنما تكون واقعة موقع الهمزة وأم معا لا موقع الهمزة وحدها.

ثم إنه لم يتعرض لذكر همزة التسوية مع أنه ذكرها في غير هذا الكتاب (2).

وكلامه يقتضي أن همزة التسوية) صالحة لوقوع أي موضعها، ولذا مثل لذلك بقوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (3) وذلك غير ظاهر؛ لأن أيّا إنما تصلح مكان الهمزة وأم إذا كان معنى الاستفهام مرادا.

ولا شك أن معنى الاستفهام في التسوية مفقود، فافترقت الهمزتان حينئذ.

وكلامه في شرح الكافية أبين وأخلص من كلامه هنا. فإنه بعد أن ذكر أن أم المعتمد عليها في العطف هي المتصلة وأنها سميت متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغني أحدهما عن الآخر.

قال: وشرط ذلك أن يقرن ما يعطف بها عليه بهمزة التسوية أو بهمزة يطلب بها وبأم ما يطلب بأي، وعلامة ذلك صحة الاستغناء بها عنهما فمن لوازم ذلك كون الناطق بأم المذكورة مدعيا العلم بنسبة الحكم إلى أحد المذكورين دون تعيين (4) انتهى.

وأفهم قوله: فمن لوازم ذلك كون الناطق بأم المذكورة مدعيا العلم بنسبة الحكم إلى أحد المذكوريين دون تعيين المسألة التي يذكرها النحاة وهي أن:

جواب السائل بالهمزة وأم إنما هو بأحد الشيئين أو الأشياء. وذلك بأن تقول زيد أو تقول عمرو في جواب من

قال: أقام زيد أم عمرو أو تقول: زيد أو عمرو أو جعفر في جواب من قال: أقام زيد أم عمرو أم جعفر لأن الغرض أن السائل عالم بالنسبة الواقعة وهي القيام ولكنه لم يتعين عنده من قامت به تلك النسبة فوجب أن يكون الجواب بتعيين من جهل تعينه، ولا يجاب عن ذلك بنعم أو لا. -

(1) هذا الكلام لابن عصفور من شرح الإيضاح المفقود وله إشارة في المقرب في باب حروف الخفض.

(2)

الكافية الشافية (3/ 1212) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي.

(3)

سورة البقرة: 6.

(4)

الكافية الشافية (3/ 1212).

ص: 3457

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأن السائل بالهمزة وأو إنما سأل عن حصول النسبة لا عمن قامت به. فاذا قال القائل: أقام زيد أو عمرو جاز أن يقال في جوابه نعم أو لا؛ لأن المعنى أقام أحدهما أو لا، وكذا إذا قلت أعبد الله عندك أو جعفر جاز أن قال نعم أو لا، لأن المعنى أأحدهما عندك أو لا، ويجوز أن يجاب بالتعيين أيضا فيقال في جواب المثال الأول: زيد أو يقال عمرو.

وفي جواب المثال الثاني عبد الله أو جعفر - لأن قائل ذلك أتى بالجواب وهو حصول النسبة وزاد بأن غين من قامت به النسبة ثم إن ابن عصفور بعد تقرير أن جواب السائل بالهمزة وأم المتصلة إنما يكون بأحد الشيئين أو الأشياء. قال (1): فإن قال قائل كيف قال ذو الرمة:

3291 -

تقول عجوز مدرجي متروّحا

على بابها من عند أهلي وغاديا

أذو زوجة بالمصر أم ذو خصومة

أراك لها بالبصرة العام ثاويا

فقلت لها لا إنّ أهلي حيرة

لأكثبة الدّهناء جميعا وما ليا

وما كنت مذ أبصرتني في خصومة

أراجع فيها يا ابنة العمّ قاضيا (2)

فأجاب أم من قوله: أذو زوجة بالمصر أم ذو خصومة بقوله: لا وهي متصلة، ألا ترى أنها تقدمتها الهمزة وما بعدها مفرد. فالجواب أن قوله: لا جواب لاعتقادها وذلك أنها لم تسأل بأم المتصلة إلا بعد ما قطعت في ظنها [4/ 158] بأنه إما ذو زوجة وإما ذو خصومة فأجابها عن ذلك بلا كأنه قال: لست ذا زوجة ولا ذا خصومة، ولو كان سؤالها بأم سؤالا صحيحا لم يكن الجواب إلا بأن يقول: ذو زوجة أو ذو خصومة فإن قال قائل فلعل أم هذه منفصلة وتكون ذو خصومة خبر ابتداء مضمر كأنه قيل: أم أنت ذو خصومة فيكون ما بعدها جملة، ولذلك أجاب بلا (3).

وكان قد تقدم في كلامه أن أم المنقطعة لا يقع بعدها إلا الجملة ثم أجاب عن -

(1) شرح الجمل (1/ 237) وما بعدها.

(2)

البيت من الطويل - ديوانه: (653، 654)، وأمالي الزجاجي (90)، والخصائص (3/ 295)، واللسان (وهن)، ومجالس العلماء (195)، والمحتسب (2/ 266)، والمغني (42).

(3)

شرح الجمل (1/ 237، 238).

ص: 3458

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك بأن قال: أم المنفصلة إنما يجاب ما بعدها خاصة لأن ما قبلها مضرب عنه فلا يحتاج إلى جواب وهو ها هنا قد أجاب عن قولها أذو زوجة وعن قولها أم ذو خصومة فنفى أن يكون ذا زوجة بالمصر بقوله: إن أهلي حيرة لأكثبة الدهناء، ونفى أن يكون ذا خصومة بقوله: وما كنت مذ أبصرتني في خصومة، فلم يبق إلا أن يكون محمولا على ما ذكرت (1). انتهى كلامه. ويتعلق بالتقرير المتقدم مسألة ذكرها صاحب الإيضاح وهي قول القائل: الحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية.

فإن الجواب فيها أن يقال أحدهما بهذا اللفظ، ولا يجوز أن يقال الحسن ولا الحسين لأن السائل لم يسأل عن الأفضل من الحسن وابن الحنفية ولا من الحسين وابن الحنفية.

وإنما جعل أحدهما لا بعينه قرينا لابن الحنفية فالمعنى: أأحدهما أفضل أم ابن الحنفية.

والجواب ينبغي أن يكون على ما يقتضيه السؤال (2).

ولما ذكر ابن عصفور هذه المسائل في كلام أبي علي قال:

هذه المسألة وأمثالها من المسائل التي جمع فيها بين أو وأم. ولا ينبغي أن يطلق القول فيها بأن الجواب بذكر أحد الاسمين المعطوف أحدهما على الآخر بأو لا يجوز بل من التفصيل وهو أن يقال: إذا قال السائل: أزيد أو عمرو أفضل أم بكر. فإما أن يكون كل واحد منهما أفضل من بكر أو يكون الذي هو أفضل منه واحدا، فإن كان الذي هو أفضل منه واحدا فإن الجواب المطابق لسؤاله أن يقول: أحدهما وإن قال زيد أو عمرو كان ذلك جائزا لأنه بمنزلة أن يقول أحدهما أفضل وهو فلان.

وإذا كان بمنزلة ذلك فقد أتى بالجواب وزيادة بيان. وذكر أحد الاسمين لا يخرج الجواب عن أن يفيد الإخبار بأن أحدهما أفضل من بكر وإن كان كل واحد منهما أفضل من بكر لم يجز أن يقال في الجواب زيد أو عمرو؛ لأن ذلك

بمنزلة أن يقول:

أحدهما وهو فلان.

وإذا كان كل واحد منهما أفضل من بكر كان القول وهو فلان خطأ، لأنه يعطي أن الآخر ليس أفضل منه فتعين أن يقال أحدهما لأن الجواب إنما يكون على ما يقتضيه السؤال وإذا كان كل واحد منهما أفضل من بكر فأحدهما أفضل منه بلا شك. -

(1) المصدر السابق (1/ 128).

(2)

الإيضاح للفارسي (54).

ص: 3459

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال: والمسألة التي ذكرها أبو علي من هذا القبيل لأن الحسن والحسين رضي الله عنهما تعالى يفضل كل واحد منهما ابن الحنفية من جهة أمه - رضي الله تعالى عنها - فلذلك كان الجواب بذكر الحسن أو الحسين خطأ (1). انتهى.

وليعلم أن الاستفهام المشروط مقارنته لأم المتصلة لا يتعين فيه أن يكون استفهاما من حيث المعنى بل يجوز أن يراد به حقيقة معنى الاستفهام وأن لا يراد.

ومن ثم قال ابن عصفور رحمه الله تعالى شارحا لقول أبي علي: فأما أم فإنها لا تكون إلا في الاستفهام. قال: يريد أنها لا تكون إلا حيث يستعمل لفظ الاستفهام سواء كان معنى الكلام على الاستفهام أم لا يكون. ولهذا تقول: قد علمت أزيد في الدار أم عمرو وليت شعري أعمرو قائم أم خالد، وما أبالي أقام زيد أم قعد وسواء على أقمت أم قعدت وإن لم يكن المعنى في شيء من ذلك على الاستفهام. وانما جاز استعمال همزة الاستفهام في هذه المواضع وإن لم يكن المعنى على الاستفهام لشبهها به من حيث كان المعنى فيها على التسوية كما أن الاستفهام كذلك. ألا ترى أنك إذا قلت: علمت أزيد عندك أم عمرو قد (2) سويت ظن المخاطب في زيد وعمرو لأنه لا يدري أيهما الذي ادعيت العلم بكونه عنده.

وإذا قلت: ليت شعري أعمرو قائم أم خالد فقد استوى عمرو وخالد في ظنك فلم تدر القائم منهما.

وإذا قلت: ما أبالي أقام زيد أم قعد فقد استوى عندك قيام زيد وقعوده وهو أنهما عليك.

وإذا قلت: سواء علي أقمت أم قعدت فقد أخبرت أن قيام المخاطب وقعوده مستويان عليك كما أنك إذا استفهمت فقلت: أزيد عندك أم عمرو فقد استوى زيد وعمرو في ظنك لأنك لا تدري الذي عند المخاطب منهما. انتهى.

ومنها: أن مصحوبي الهمزة وأم المتصلة يختلف. فرن كانت الهمزة للتسوية فلا يكون مصحوبا هما إلا جملتين والجملتان في تأويل مفردين وتكونان فعليتين كقوله -

(1) هذا النص الطويل من شرح الإيضاح المفقود لابن عصفور ولدي منه مصورة لا تتجاوز خمسين ورقة من أول الكتاب (د/ علي فاخر) من تركيا.

(2)

كذا في الأصل وهو صحيح إذا كان هو الخبر واعترض بالشرط أو قدم من تأخير وإلا فتجب الفاء.

ص: 3460

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (1) واسميتين كقول الشاعر:

3292 -

ولست أبالي بعد فقدي مالكا

أموتي ناء أم هو الآن واقع (2)

ومختلفتين كقوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (3) وإن كانت الهمزة لغير التسوية بأن تكون للاستفهام حقيقة فقد يكون مصحوبا هما اسمين نحو: أزيد عندك أم عمرو، أو فعلين لفاعل واحد في المعنى نحو: أقام زيد أم قعد، أو فعلين لفاعلين متباينين كقول الشاعر:

3293 -

ما أبالي أنبّ بالحزن تيس

أم جفاني بظهر غيب لئيم (4)

وجملتين ابتدائيتين كقول الشاعر:

3294 -

لعمرك ما أدري وإن كنت داريا

شعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر (5)

[4/ 159] هذا كلام المصنف في شرح الكافية (6) أعني من فقد يكون مصحوبا هما اسمين. وقال بعد ذلك مشيرا إلى هذا البيت الآخر:

وفي هذا البيت حجة على وقوع أم المتصلة بين جملتين ابتدائيتين لأن المعنى أي كأنه قال: ما أدري أي الشيئين هو الصحيح (7). انتهى.

ومقتضى إيراده أن الهمزة في ما أبالي أنب بالحزن تيس، وفي لعمرك ما أدري وإن كنت داريا .. البيتين ليست للتسوية. ولهذا قال في البيت الثاني إن المعنى معنى أي (8) وإذا لم تكن للتسوية كانت للاستفهام الحقيقي. وقد تقدم من كلام ابن عصفور أن معنى الكلام بعد ما أبالي على الاستفهام وقرن ذكر ما أبالي أقام زيد أم قعد بذكر سواء على أقمت أم قعدت.

وذكر غيره لا أدري أيضا مع أبالي مسويا بينهما في أن الهمزة الواقعة بعدهما للتسوية.

وعلى هذا يشكل كلام المصنف أعني كلامه في شرح الكافية حيث جعل الهمزة -

(1) سورة البقرة: 6.

(2)

تقدم ذكره.

(3)

سورة الأعراف: 193.

(4)

تقدم ذكره.

(5)

الأصل: شعيب بن سهم أم شعيب بن منقر - وتقدم هذا البيت.

(6)

شرح الكافية الشافية (3/ 1213).

(7)

السابق (3/ 1214).

(8)

شرح الكافية الشافية (3/ 1213).

ص: 3461

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصالح موضعها لأي قسيمة لهمزة التسوية. أما كلامه في التسهيل وما شرحه به فع، لأنه جعل الهمزة الصالح موضعها لأي شاملة لكلتا الهمزتين ولا شك أن المسألة تحتاج إلى تحقيق.

ويظهر أن يقال أن ما أبالي يمكن أن يقال لإرادة معنى التسوية بالكلام التي هي فيه بمعنى أن الأمرين المذكورين بعدها مستويان عند المتكلم بها، ويمكن أن يقال لإرادة عدم المبالاة أي لا أبالي فعلك، وكذا لا أدري يمكن أن يراد بها استواء الأمرين عند المتكلم بها بمعنى أنهما استويا عنده في عدم العلم ويمكن أن يراد بها عدم الالتفات والمعنى حينئذ يرجع إلى معنى عدم المبالاة وإذا كان كذلك كان من الكلمتين اعتباران فيحسن الاستشهاد بهما بمعنى التسوية (له) وللمعنى الآخر.

وقد يكون مصحوب الهمزة وأم المتصلة جملتين مختلفتين كقوله تعالى: أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (1) وذلك إذا جعل (أنتم) فاعلا بفعل قد حذف.

ولا شك أن القول بالفاعلية فيه أرجح من القول بابتدائيته.

ومنها: أنك تعلم من قول المصنف: والمنقطعة ما سواها بعد قوله: فالمتصلة المسبوقة بهمزة صالح موضعها لأي أن المنقطعة هي التي سلبت ما ذكره للمتصلة وذلك بأن يكون المتقدم عليها خبرا نحو قوله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ 2 أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ (2) أو غير الهمزة من أدوات الاستفهام نحو: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ (3) أو همزة لا يصلح في موضعها أي نحو قوله تعالى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها (4) وقد يعبر عن هذه الهمزة بأن يقال: همزة لا يراد بها الاستفهام فإن الهمزة في

قوله تعالى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ للإنكار وهو إنكار يراد به النفي وفي قوله تعالى: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا (5)؛ فإن الهمزة فيه للتقرير. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في كلام المصنف. -

(1) سورة الواقعة: 59.

(2)

سورة السجدة: 2، 3.

(3)

سورة الرعد: 16.

(4)

سورة الأعراف: 195.

(5)

سورة النور: 20.

ص: 3462

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها: أنك قد عرفت من كلام المصنف أنها أعني المنقطعة تقتضي إضرابا واستفهاما في الأكثر وأنها قد يجاء بها لمجرد الإضراب فهي للإضراب والاستفهام في قوله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ إلى أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ (1) وكذا في قوله تعالى: أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (2)، ومنه قول العرب: إنها لإبل أم شاء.

التقدير بل أهي شاء لكن الاستفهام في الآيتين الشريفتين استفهام إنكار، وفي أهي شاء استفهام طلب. وهي لمجرد الإضراب في قوله تعالى: أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ (3) وقوله تعالى: أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (4)، [و] أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ (5) وذلك لأن استفهاما لا يباشر استفهاما فامتنع تقديره لذلك. وكذا هي لمجرد الإضراب في قوله تعالى: أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ (6)؛ لأن المراد أن يخبر عنهم أنهم اعتقدوا الشركاء وأم هذه مع جواز مباشرتها أدوات الاستفهام لا تباشر همزة الاستفهام لا يقال: قام زيد أم أعمرو قائم.

نبه على ذلك الشيخ في ارتشاف الضرب (7).

ومنها: أنك قد عرفت أن المصنف جعلها أعني المنقطعة إذا وليها مفرد عاطفة، والجماعة لا يثبتون لها العطف ومن ثم قال الشيخ: وأصحابنا يقولون إن أم المنقطعة ليست للعطف لا في مفرد ولا في جملة. وقال ابن عصفور: وسميت أم هذه المنفصلة لأن ما بعدها كلام مستأنف منقطع مما قبلها وليست بعاطفة لأن ما بعدها ليس مع ما قبلها كلاما واحدا وحروف العطف ما بعدها مع ما قبلها كلام واحد (8). انتهى.

وقد عرفت أن المصنف استدل لدعواه بقول العرب أن هناك إبلا أم شاء. فقال الشيخ: إن ثبت هذا عن العرب فلا حجة فيه لاحتمال أن تكون أم متصلة وحذفت الهمزة من أن هناك والتقدير أئن هناك .. ويحتمل إذا لم تقدم الهمزة أن ينتصب شاء على إضمار فعل تقديره أم ترى شاء (9). انتهى. -

(1) سورة الطور: 35 - 43.

(2)

سورة الطور: 39.

(3)

سورة الرعد: 16.

(4)

سورة النمل: 84.

(5)

سورة الملك: 20.

(6)

سورة الرعد: 16.

(7)

الارتشاف (2/ 654).

(8)

التذييل (4/ 163)، وشرح الجمل (1/ 237).

(9)

التذييل (4/ 163، 164).

ص: 3463

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا شك أن القول بأن أم هنا عاطفة مفيدة ما تفيده بل أسهل من هذا التخريج وهي إذا كانت عاطفة كبل كان ما بعدها مع ما قلبها كلاما واحدا فيندفع تعليل ابن عصفور. ثم إن الشيخ ذكر في شرحه عن النحاة في معنى أم المنقطعة مذاهب.

قال رحمه الله تعالى:

اختلف النحويون في أم المنقطعة (1): فذهب البصريون إلى أنها تقدر ببل والهمزة مطلقا وذهب الكسائي وهشام إلى أنها بمنزلة بل وما بعدها مثل ما قبلها. فإذا قلت:

قام زيد أم قام عمرو فالمعنى بل قام عمرو. وإذا قلت: هل قام زيد أم قام عمرو، فالمعنى بل هل قام عمرو (2).

وذهب الفراء إلى أن العرب [4/ 160] تجعل أم مكان بل إذا كان في أول الكلام استفهام مستدلا بقول الشاعر:

3295 -

فو الله ما أدري أسلمى تغوّلت

أم النّوم أم كلّ إليّ حبيب (3)

قال: يريد بل كل إلى حبيب (4). وذهب بعض الكوفيين إلى أنها تكون بمعنى بل فقط بعد الاستفهام وبعد الخبر. قال: وقد تكون بمعنى الهمزة إذا لم يتقدمها استفهام (5)، وذهب أبو عبيدة إلى أن أم بمعنى ألف الاستفهام. قال: ومنه قوله تعالى: (أَمْ تُرِيدُونَ)(6) أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ (7). انتهى.

والحق من هذه المذاهب ما ذكره المصنف وهو أن أم المذكورة تقتضي الإضراب مع الاستفهام وهو الكثير فيها وأنها قد تقتضي الإضراب مجردا عن الاستفهام.

وأما غير هذين المذهبين فلا معول عليه.

ومنها: أنهم قالوا إنما كان الوجه الأحسن أن يتوسط ما وقعت المعادلة من أجله. -

(1) راجع الصبان (3/ 99)، والمغني (45)، والهمع (2/ 133).

(2)

ينظر المغني: 44 وما بعدها، والهمع (2/ 133).

(3)

البيت من الطويل، وفي اللسان: غول: تغول تناكر وتشابه وتلون، وانظره في التذييل (4/ 161).

(4)

التذييل (4/ 162) والهمع (2/ 132).

(5)

بعده في التذييل: وإلى هذا ذهب الهروي في الأزهية.

(6)

غير واضح في الأصل.

(7)

سورة البقرة: 108. هذا: وانظر التذييل (4/ 163)، والأشموني (3/ 91)، والهمع (2/ 132).

ص: 3464

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيجعل أحد الشيئين يلي الهمزة ويلي الآخر أم لأنهما الأداتان اللتان يستفهم بمجموعهما عما يطلب تعيينه وجعل الذي وقعت المعادلة من أجله يلي المتقدم منهما حتى يكون قد فرغ من ذكره وذكر ما وقعت المعادلة من أجله وحينئذ يعدل بالثاني.

وعبارة سيبويه في هذه المسألة أن قال: أزيد عندك أم عمرو، وأزيد لقيت أم بشرا بتقديم الاسم أحسن. ولو قلت: ألقيت زيدا أم عمرا كان جائزا حسنا، أو قلت:

أعندك زيد أم عمرو كان كذلك. وقال أيضا: وإن شئت قلت: ما أدري أعندك زيد أم عمرا وكان جائز حسنا كما جاز أزيد عندك أم عمرو. وتقديم الاسمين جميعا مثله وهو مؤخر وإن كان أضعف (1).

أما ما يتعلق بأو فأقول:

إن المصنف ذكر لها سبعة معان وهي الشك، والتفريق وهو الذي عبر عنه في بقية كتبه بالتقسيم (2)، والإبهام، والتخيير، والإباحة، والإضراب، ومعنى الواو وذكر المغاربة معنى آخر وهو التفصيل (3). وما عدا الإضراب ومعنى الواو متفق عليه (4). وكونها للإضراب أو بمعنى الواو منسوب إلى الكوفيين كما سيذكر.

والحق أن المعاني المذكورة إنما تستفاد بقرائن الكلام الذي هي فيه، وأو إنما هي لأحد الشيئين أو الأشياء.

وقد قال ابن أبي الربيع شارحا لقول أبي علي:

وأو لأحد الشيئين أو الأشياء في الخبر وغيره. وهذا الذي ذكره هو المعنى الذي وضعت له. وقد يصحبها الإبهام

والشك والتنويع في الخبر وكذلك يصحبها التخيير والإباحة في الاقتضاء وعني بالتنويع التقسيم لأنه مثل له بقوله: هذه المسألة لا تخلو من كذا أو كذا.

وبعد: فأنا أشير إلى المعاني التي ذكرها المصنف معنى معنى منوطا به ما فيه من بحث وخلاف وأتبع ذلك بالمعنى الذي زاده الجماعة عليه: -

(1) الكتاب (3/ 169) وما بعدها.

(2)

ينظر شرح الكافية الشافية (3/ 1220) وما بعدها.

(3)

الهمع (2/ 134) وما بعدها.

(4)

السابق.

ص: 3465

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أما الشك: فقد تقدم تمثيل المصنف له بقوله تعالى: قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ (1) قال ابن عصفور: وكذا إذا دخلت أداة الاستفهام على الفعل فقلت:

أقام زيد أو عمرو لأنك إنما تسأل أوقع هذا القيام الذي ادعى أنه فعله أحد الشخصين وشك في فاعله أم لا (2). هذا كلامه ولم أتحققه، فإن هذا الكلام إنما يصدر من جاهل بحصول النسبة مستفهم هل حصل قيام من أحد المذكورين أولا بخلاف قولك: قام زيد أو عمرو فإنه جازم بحصول القيام ولكنه شاكّ في من نسب إليه.

وأما التفريق: فقد تقدم أن المراد به التقسيم وأنه يعبر عنه بالتنويع أيضا.

وقد عرفت أن المصنف يرى أن التعبير بالتفريق أولى من التعبير بالتقسيم معللا ذلك بأن استعمال الواو في ما هو تقسيم أجود من استعمال أو. أقول: إن هذا لا يمنع إن يقال ان أو تكون للتقسيم على أن المصنف قد أنشد قول القائل:

3296 -

فقالوا لنا ثنتان لا بدّ منهما

صدور رماح أشرعت أو سلاسل (3)

وأو فيه للتقسيم بدليل قوله: ثنتان لا بد منهما، وقد قال هو في هذا البيت أنه من الجائي بأو كون الواو أولى وهذا منه اعتراف بأن أو للتقسيم.

وأما الإبهام: فقد مثل له المصنف بقوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (4) ومثل غيره بقوله تعالى: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (5) فإنه تعالى يعلم أي ذلك كان.

وجعل ابن عصفور من ذلك قوله تعالى: أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً (6) ولا يظهر في الآية الشريفة ما قاله، وإنما أو

فيها للتقسيم أعني تقسيم الزمان الذي يأتي فيه ما يغير تلك البهجة التي اكتسبتها الأرض بمعنى أن الله تعالى إذا أتى أمره يتغير ذلك إما أن يأتي ليلا وإما أن يأتي نهارا وإذا كان كذلك فمن أين يجيء الإبهام.

وجعل ابن عصفور من الإبهام أيضا قول الشاعر وهو لبيد (7): -

(1) سورة البقرة: 259.

(2)

شرح الإيضاح المفقود.

(3)

سبق ذكره.

(4)

سورة سبأ: 24.

(5)

سورة النجم: 9.

(6)

سورة يونس: 24.

(7)

لبيد بن ربيعة أبو عقيل العامري مخضرم عاش في الجاهلية وأسلم لما أدرك الإسلام، وهو واحد من أصحاب المعلقات وفحول الشعراء - (ت 41 هـ) - الأعلام (6/ 104)، والسمط (13)، والشعر والشعراء (1/ 274).

ص: 3466

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

3297 -

تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما

وهل أنا إلّا من ربيعة أو مضر (1)

قال: فإنه من مضر وليس من ربيعة إلا أنه أبهم وكأنه قال: وهل أنا إلا من إحدى هاتين القبيلتين فسبيلي أن أفنى كما فنيا. وكان الإبهام أبلغ في ما أراده من تعزية ابنتيه وتسليتهما لما فيه من تكثير المتأسي بهم بل لو زاد في الإبهام فقال: وهل أنا إلا من العرب أو من الناس لكان أبلغ في ما أراده.

وأما الإضراب فقد تقدمت الإشارة (إلى)(2) أن فيه خلافا، وتقدم استشهاد المصنف على مجيئها للإضراب بقراءة أبي السمال:(أو كلّما عاهدوا عهدا) وبقول الفراء في قوله تعالى: إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (3) وبإثبات أبي عليّ لذلك كما نقله عنه ابن برهان في شرح اللمع [4/ 161].

وقال ابن عصفور في شرح الإيضاح: الإضراب ذكره سيبويه في النفي والنهي إذا أعدت العامل وذلك نحو قولك: لست بشرا أو لست عمرا وما أنت ببشر أو ما أنت بعمرو ولا تضرب زيدا أو لا تضرب عمرا أو في جميع ذلك للإضراب وكأنك قلت:

لا بل لست عمرا بل ما أنت بعمرو ولا بل لا تضرب عمرا. وإذا أردت لست واحدا منهما قلت: لست بشرا ولا عمرا

أو لست بشرا أو عمرا وما أنت ببشر أو عمرو وكذلك إذا أردت لا تضرب واحدا منهما قلت: لا تضرب زيد ولا عمرا، ولا تضرب زيدا أو عمرا كما، قال تعالى جده: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (4) أي لا تطع واحدا منهما.

قال سيبويه «ولو قلت: أو لا تطع كفورا لا نقلب المعنى (5). يعني إذا أعاد لا تطع يصير إضرابا كأنه ترك النهي عن اتباع الإثم وأضرب عنه ونهي عن طاعة الكفور فقط. قال: وزعم بعض النحويين أنها تكون للإضراب على الإطلاق واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ قالوا: -

(1) البيت من الطويل - ديوانه (213)، والخزانة (4/ 424)، والشذور (170)، وشرح المفصل (8/ 99)، والعقد الفريد (2/ 78)، (3/ 56).

(2)

زيادة لا بد منها ليتم المعنى. وانظر القاموس واللسان: شور.

(3)

سورة الصافات: 147.

(4)

سورة الإنسان: 24.

(5)

الكتاب (3/ 188).

ص: 3467

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

معناه بل يزيدون واحتجوا بما روي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال كانوا مائة ألف وبضعة وأربعين ألفا (1) وبقوله تعالى: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (2)، وبقوله تعالى: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ (3) قالوا المعنى بل هو أقرب واستدلوا أيضا بقول الشاعر:

3298 -

بدت مثل قرن الشّمس في رونق الضّحى

وصورتها أو أنت في العين أملح (4)

قالوا المعنى بل أنت في العين أملح. قال: وهذا الذي ذهبوا إليه فاسد بدليل أنها لو وقعت في هذه المواضع موقع بل لجاز أن تقع ذلك الموقع في غيرها فكنت تقول:

ضربت زيدا أو عمرا، وما ضربت زيدا أو عمرا على معنى بل، وذلك مردود عند جميع النحويين.

قال: وأيضا فإن أو في الآي التي استدلوا بها لا يمكن أن تكون بمعنى بل، لأن بل إذا أريد بالإضراب بها إبطال ما قبلها وإثبات ما بعدها لا تجيء إلا بعد غلط أو نسيان وذلك منفي عن الله تعالى، وإن جاء الإضراب بها في كتاب الله تعالى على جهة الإبطال لما قبلها والإثبات لما بعدها فإنما يجيء بعد كلام سيق من غيره والخطأ إذ ذاك إنما الحق كلام الأول. قال: فأما أَوْ يَزِيدُونَ فأو فيه إما للإبهام على المخاطبين أو للشك وهو مصروف للمخاطبين أيضا.

وأما أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً فأو فيه للشك أي إن من شاهدهم فرأى قله تأثير الزواجر فيهم تردد في تشبيه قلوبهم بالحجارة

أو بما هو أشد صلابة منها كالحديد أو للتفصيل فصّل القلوب بعد أن ذكرها مجملة إلى ما يشبه الحجارة وإلى ما يشبه ما هو أشد صلابة منها كالحديد.

وأما أَوْ هُوَ أَقْرَبُ فأو فيه للإباحة وكأنه قيل: إن شبه أمر الساعة بلمح البصر أو أخبر عنه بأنه أقرب من ذلك أو جمع بين التشبيه بلمح البصر والإخبار بأنه أقرب من لمح البصر فذلك كله سائغ. ثم قال: ووجه تشبيه الساعة بلمح البصر -

(1) انظره في التذييل (4/ 116) وشرح السيرافي على الكتاب (4/ 64 / أ).

(2)

سورة البقرة: 74.

(3)

سورة النحل: 77.

(4)

البيت من الطويل - الإنصاف (478)، والخزانة (4/ 423)، والخصائص (2/ 458)، وشرح السيرافي (4/ 64 / أ)، ومعاني الفراء (1/ 72).

ص: 3468

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإن كان ما بيننا وبين الساعة هو أن كل ما يفنى يشبه بما لم يكن لأنه إذا فني بطل حكم وجوده ولذلك يقال: كأنك بالدنيا لم تكن، وما قبل الساعة من قبيل ما يفنى فصار أمر الساعة لذلك مشبها في القرب بلمح البصر ووجه الإخبار عنه بأنه أقرب من لمح البصر هو أن ما يأتي يشبه بما لم يزل؛ لأنه إذا أتى بطل حكم عدمه؛ ولذلك يقال: كأنك بالآخرة لم تزل، وأمر الساعة من قبيل ما يأتي فجعل كأنه موجود، وساغ لذلك أن يقال إنه أقرب من لمح البصر.

قال: وأما قول الشاعر:

3299 -

بدت مثل قرن الشّمس

........ البيت

فأو فيه للشك؛ لأن العرب قد تخرج التشبيه مخرج الشك إشعارا بإفراط الشبه، ومن ذلك قوله:

3300 -

فيا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النّقا أأنت أم أمّ سالم (1)

فعلى هذا يكون قد شكك نفسه هل هي مثل قرن الشمس أو أملح منه في العين ليمكن بذلك شبهها بالشمس (2). هذا آخر كلام ابن عصفور.

وأقول: إن المصنف لم يدع أن أو للإضراب على الإطلاق. وإنما قال: إنها تكون للإضراب ونقل ذلك عن الفراء وابن برهان وأبي علي وأنشد في شرح الكافية قول جرير يخاطب هشام بن عبد الملك (3):

3301 -

ماذا ترى في عيال قد برمت بهم

لم أحص عدّتهم إلّا بعدّاد

كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية

لولا رجاؤك قد قتّلت أولادي (4)

-

(1) البيت من الطويل - ديوان ذي الرمة (2/ 767)، (3/ 1992)، والخصائص (2/ 458)، والكامل (2/ 77)، والكتاب (2/ 168)، والمقتضب (1/ 163)، وابن يعيش (1/ 94)، (9/ 119).

(2)

ينظر شرح الجمل (1/ 235، 236).

(3)

ابن مروان من ملوك الدولة الأموية في الشام بويع بالخلافة بعد وفاة أخيه يزيد سنة (105 هـ) وقتل (120 هـ)، الأعلام (9/ 84، 85) ومرآة الجنان (1/ 261 / 263).

(4)

البيت من البسيط ديوانه (ص 123) والأشموني (3/ 106) والدرر (2/ 181) والمغني (ص 64، 272) والهمع (2/ 134) هذا: ورواية الديوان:

لم تحص عدّتهم ..... البيت

كذلك - في شرح الكافية الشافية (3/ 1221).

ص: 3469

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وابن عصفور قد اعترف بأنها تأتي للإضراب ونقل عن سيبويه ذلك أيضا (1).

وحاصل الأمر أن أو إذا لم يكن لها معنى سوى الإضراب ولا مانع يمنع منه حمل الكلام عليه.

وأما التخيير: فقد مثل له المصنف بقوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (2) ومن ذلك أيضا قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (3).

وأما الإباحة: فنحو قولنا: جالس الحسن أو ابن سيرين أو صاحب الفقهاء أو النحاة. وقد مثل لها المصنف كما عرفت بقوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ (4) الآية الشريفة، ومثله قوله تعالى: وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ (5) إلى آخر الآية الشريفة.

قال ابن عصفور: لأن الأكل من بيوت كل صنف من هذه الأصناف على انفرادها أو مع غيرها جائز.

والذي يظهر: أن أو في هاتين الآيتين الشريفتين للتنويع أي التقسيم، والإباحة فيهما إنما هي مستفادة من الشرع الشريف. والمقصود إنما هو ذكر الإباحة اللغوية أي التي تستفاد من الكلام [4/ 162] ثم قال ابن عصفور:

ومثله قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ (6)؛

لأن الحكم بالتحريم واقع على كل واحد مما سمي وحده ومع غيره. قال: وسئل المزني صاحب الشافعي - رضي الله تعالى عنهما - عن رجل حلف فقال: «والله لا كلمت لا كوفيّا أو بصريّا» فكلم كوفيّا وبصريّا فقال: ما أراه إلا حانثا. فانتهى إلى بعض أصحاب أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه -» فقال: أخطأ المزني وحالف الكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ (7). وكل -

(1) سبق ذكره.

(2)

سورة المائدة: 89.

(3)

سورة البقرة: 196.

(4)

سورة النور: 31.

(5)

سورة النور: 61.

(6)

سورة الأنعام: 145.

(7)

سورة الأنعام: 146.

ص: 3470

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك مباح خارج بالاستثناء من التحريم. وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت ألّا أقبل هديّة إلّا من قرشيّ أو من ثقفيّ» (1) والمفهوم من ذلك أن القرشي أو الثقفي كانا جميعا مستثنين. انتهى.

وتمثيله بهذه الآية الشريفة هنا وهي قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً إلى أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ (2) وذكره الاستدلال بقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ إلى أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ (3) يدل على أنه جعل معيار كون أو للإباحة أن ما ذكر قبلها وبعدها يجوز أن ينفرد كل عن الآخر إتيانا وتركا ويجوز أن يجتمع إتيانا وتركا أيضا.

لا يظهر كون أو للإباحة في هاتين الآيتين الشريفتين. أما قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً الآية، فلأن الإباحة المراد بها طلب الفعل لا طلب الترك. وأما الآية الثانية فلأن الإباحة فيها إنما هي الإباحة الشرعية والكلام هنا إنما هو في الإباحة اللغوية.

والظاهر أن أو في الآيتين الشريفتين إنما هي للتنويع.

ففي الآية الأولى لتنويع ما حرم، وفي الآية الثانية لتنويع ما أبيح لهم أعني للذين هادوا.

ثم إن المصنف قال في شرح الكافية: وأكثر ورود الإباحة في تشبيه نحو: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (4)، وكَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ (5) أو تقدير نحو:

فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (6)، وإِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (7) فلو جيء بالواو في مثل هذا لم يختلف المعنى (8).

وبعد: فقد بقي الكلام على أمرين:

أحدهما: الفرق بين التخيير بأو والإباحة بها. أنه لا يجوز الجمع بين الشيئين في التخيير فلا يجوز أخذ الدرهم والدينار معا لمن قيل له: خذ درهما أو دينارا، وفي الإباحة يجوز الجمع فيجوز مجالسة الرجلين معا لمن قيل له جالس الحسن أو ابن سيرين.

ومن ثم يقال: التخيير إنما يكون فيما أصله المنع والإباحة إنما تكون فيما ليس -

(1) ينظر: ابن حنبل (1/ 295)، وشرح السيرافي (4/ 62) أ، ب.

(2)

سورة الأنعام: 145.

(3)

سورة الأنعام: 146.

(4)

سورة البقرة: 74.

(5)

سورة النحل: 77.

(6)

سورة النجم: 9.

(7)

سورة الصافات: 147.

(8)

شرح الكافية (2/ 1223 - 1224) وتقدمت تلك الآيات الشريفة قريبا.

ص: 3471

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أصله المنع. وأما قول المصنف في المتن مشيرا إلى أو: وتعاقب الواو في الإباحة كثيرا، وقوله في الشرح: ومن علامات التي للإباحة استحسان وقوع الواو موقعها.

ألا ترى أنه لو قيل: (ولا يبدين زينتهنّ إلّا لبعولتهنّ وآبائهنّ وآباء بعولتهنّ) لم يختلف المعنى، ومنه جالس الحسن وابن سيرين أي جالس الصنف المبارك الذي منهم الحسن أو ابن سيرين فلو جالسهما معا لم يخالف ما أبيح له، فغير ظاهر ولا دليل على ما ذكره.

وأما الآية الشريفة: فقد تقدم أن أو فيها للتنويع أي التقسيم. ولا شك أن التقسيم يورد تارة بأو وتارة بالواو. تقول: الكلمة اسم أو فعل أو حرف ولك أن تقول: الكلمة اسم وفعل وحرف. ثم إن الإباحة في الآية الشريفة لم تستفد من الواو وإنما استفيدت من الشريعة المطهرة كما تقدم.

وأما جالس الحسن وابن سيرين فلا يلزم من جواز مجالستهما معا صحة وقوع الواو موقع أو، لأن مجالستهما إنما جازت لأنها لا مانع منها في الأصل بل مجالسة أهل العلم والدين مطلوبة ومراد القائل دلالة المأمور على الخير بأنه يجالس من هو متصف بصفات حميدة فكأنه قال: جالس هذا الصنف من الناس، وإنما أتى بأو كي لا يضيق عليه ويلزمه بمجالسة كليهما فقصد تخفيف الحال على المأمور وتيسيره، فإذا أتى المأمور بما فوق ذلك من النوع المقصود فقد أحسن حيث أتى بالمأمور به وزاد عليه.

أما لو قيل: جالس الحسن وابن سيرين وعطف بالواو لكان أمرا بمجالستهما معا.

وقد قال ابن عصفور: فإن قيل: فما الفرق بين أو التي للإباحة وبين الواو إذ يجوز الجمع بين الشيئين كما يجوز مع الواو، فالجواب أن الفرق بين أو التي للإباحة وبين الواو أنه لو قيل: جالس الحسن وابن سيرين لم يجز له مجالسة أحدهما دون الآخر، وإذا أتى بأو جاز له أن يجالس أحدهما وأن يجالسهما (1) معا (أو أن يجالسهما وغيرهما ممن هو مثلهما في الفضل).

الأمر الثاني: قال ابن عصفور: إذا نهيت عن المباح فإن النهي يستوجب جميع ما كان مباحا باتفاق من النحويين. فإذا قلت لا تذكر إذا افتخرت عمرا أو زيدا أو خالدا فقد نهيت عن أن يذكروا واحد منهم وحده ومع غيره. وكأنك قلت: -

(1) شرح الجمل (1/ 234).

ص: 3472

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا تذكر إذا افتخرت واحدا من هؤلاء، ومن هذا القبيل قوله تعالى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (1) أي لا تطع واحدا منهما. وإذا نهيت عما خيرت فيه فإن أبا الحسن ابن كيسان جوّز أن يكون النهي عن واحد، وأن يكون عن الجميع، فإذا قلت: لا تأخذ دينارا أو ثوبا جاز عنده أن يكون قد نهاه عن أحدهما، وأن يكون قد نهاه عن أخذ أحدهما على مقابلة الأمر؛ لأن الأمر كان بأخذ أحدهما، وكذلك إذا أدخلت النفي على كلام تكون أو فيه للشك نحو قولك: ما جاءني زيد أو عمرو.

ويجوز عنده أن يكون المنفيّ مجيء أحدهما وأن يكون المنفي مجيئهما (2).

وذهب السيرافي إلى أن النهي والنفي يستوعبان الجميع (3) وهو الصحيح.

والدليل على ذلك أنك إذا خيرته فقلت: خذ دينارا أو ثوبا فقد أمرته بأخذ أحدهما وحظرت [4/ 173] الآخر عليه فإذا نهيته فقلت: لا تأخذ دينارا أو ثوبا فقد حظرت عليه الذي كنت أمرته بأخذه فصار الجميع محظورا، وأيضا فإن

قولك:

خذ دينارا أو ثوبا بمنزلة قولك: خذ أحدهما، فيلزم أن يكون النهي بمنزلة قولك:

لا تأخذ واحدا منهما وأنت لو قلت: لا تأخذ واحدا منهما لكنت قد نهيته عن أخذهما معا؛ لأنه إذا أخذهما معا فقد أخذ أحدهما، وكذلك إذا قيل: جاء زيد أو عمرو، والقائل شاك، فمعناه جاء واحد منهما، فيلزم أن يكون النفي بمنزلة قولك: ما جاء أحدهما.

وإذا قال: ما جاء واحد منهما، فقد نفاهما جميعا، بدليل أنهما لو جاءا معا لكان قولك: ما جاء واحد منهما كاذبا (4).

ثم أشار المصنف بقوله: وفي عطف المصاحب والمؤكد قليلا إلى أن أو تعاقب الواو في عطفها المصاحب والمؤكد كما عاقبتها في الإباحة، لكن المعاقبة في الإباحة كثير وفي عطف المذكورين قليل، وقد تقدم الاستشهاد على ذلك في كلام المصنف.

غير أني لم أفهم مقصوده بإيراده الآية الشريفة في عطف المؤكد، وهي قوله تعالى:

لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً (5) وكذا البيت الذي أنشده وهو: -

(1) سورة الإنسان: 24.

(2)

النص من شرح الإيضاح المفقود لابن عصفور.

(3)

شرح السيرافي على الكتاب (4/ 68 ب).

(4)

ينظر - في ذلك - شرح الجمل (1/ 234) وما بعدها، والأشموني (3/ 106، 107).

(5)

سورة المائدة: 48.

ص: 3473

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

3302 -

حواسر ممّا قد رأت فعيونها

تفيض بماء لا قليل ولا نزر (1)

وأما كون أو بمعنى الواو في غير ما ذكره فلم يصرح به المصنف في هذا الكتاب ولكنه صرح به في بقية كتبه ففي الكافية والألفية:

وربّما عاقبت الواو إذا

لم يلف ذو النّطق للبس منفذا (2)

وقال في شرح الكافية: نبهت بقولي: وربما عاقبت الواو على أن أو قد تقع موضع الواو وذلك إذا أمن اللبس كقول الشاعر:

3303 -

جاء الخلافة أو كانت له قدرا

كما أتى ربّه موسى على قدر (3)

وكقول الآخر:

3304 -

قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم

ما بين ملجم مهره أو سافع (4)

ومثله قول امرئ القيس:

3305 -

فظلّ طهاة اللّحم من بين منضج

صفيف شواء أو قدير معجّل (5)

ثم قال: ومن المواضع التي يتعاقب فيها أو والواو الإباحة نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين أي جالس الصنف الدين منهم الحسن وابن سيرين (6).

فجعل معاقبتها الواو في الإباحة من صور معاقبتها إياها على الإطلاق، وكلامه في هذا الكتاب يعطي أن المعاقبة إنما تكون في الإباحة، وأنها قد تعاقب في عطف المصاحب والمؤكد. وقال ابن عصفور: استدل القائلون بأن أو تستعمل بمعنى الواو بأشياء منها قوله تعالى: عُذْراً أَوْ نُذْراً (7)، ولَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (8)[و]-

(1) سبق ذكره.

(2)

الكافية الشافية (3/ 1222).

(3)

البيت من البسيط لجرير - ديوانه (ص 211)، والأشموني (2/ 58)، والتصريح (1/ 283)، والدرر (2/ 182)، والشجري (2/ 317)، والعيني (2/ 485)، (4/ 145)، والمغني (ص 62)، والهمع (2/ 134)، هذا: وفي الكافية الشافية (ص 474)، ربّه، ورواية الديوان: نال الخلافة إذ كانت

(4)

سبق ذكره.

(5)

البيت من معلقة امرئ القيس (الديوان ص 38) وهو في شرح الكافية الشافية (ص 1223) والصفيف ما صف على النار ليشوى.

(6)

شرح الكافية الشافية (3/ 1222 - 1223).

(7)

سورة المرسلات: 6.

(8)

سورة طه: 44.

ص: 3474

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (1)، [و] أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ (2)، ومنها قول الشاعر:

3306 -

[قالت ألا ليتما هذا الحمام] لنا

إلى حمامتنا أو نصفه فقد (3)

ومنها قول الآخر:

3307 -

فلو كان البكاء يردّ شيئا

بكيت على بجير أو عقاق

على المرءين إذ هلكا جميعا

لشأنهما بشجو واشتياق (4)

ثم أجاب عن ذلك بأن قال: فأما عُذْراً أَوْ نُذْراً (5) فأو فيه للتفصيل؛ لأنها فصلت الذكر إلى ما هو عذر أي حجة وإلى ما هو نذر أي تخويف. وأما لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (6)، ولَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً فأو فيهما للإباحة؛ لأن المترجي طالب وقوع أحد الأمرين التذكر وهو التوبة أو الخشية والاتقاء لما في كل واحد منهما من الانكفاف عن الكفر أو مجموعهما؛ لأن ذلك أبلغ في الانكفاف، والترجي في الآيتين مصروف إلى البشر، وأما أَوْ كَصَيِّبٍ (7) فأو فيه للإباحة أيضا وكأنه قيل: شبّه مثل المنافقين بأحد هذين المثلين المضروبين لهما تكن مصيبا، وأما: أو نصفه فقد: فأو فيه للشك والتقدير: أو هذا الحمام ونصفه فحذف المعطوف عليه وحرف العطف وهو الواو. وأما أو عقاق فأو فيه لإثبات أحد الشيئين في وقت دون وقت وكأنه قال: بكيت على بجير تارة وعلى عقاق أخرى (8). انتهى.

ولا يخفى ما في بعض هذا التخريج الذي ذكره ويمكن المنازعة فيه ولكن قد طال الكلام في مسألة أو، وهذا يؤدي إلى الملل.

وأما قوله: يوافق ولا بعد النهي والنفي فكلام لطيف يؤدي إلى المقصود بسهولة وبانضمامه إلى كلام ابن عصفور وتعليله المتقدم الذكر تصير المسألة في غاية الوضوح. -

(1) سورة طه: 113.

(2)

سورة البقرة: 19.

(3)

البيت من بيت من البسيط للذبياني - ديوانه (ص 24)، والأشموني (1/ 284) والتصريح (1/ 225)، والخصائص (2/ 460)، والكتاب (1/ 272).

(4)

البيت من الوافر لمتمم بن نويرة - الشجري (2/ 318).

(5)

سورة المرسلات: 6.

(6)

سورة طه: 44.

(7)

سورة البقرة: 19.

(8)

انظر شرح الجمل (1/ 235)، وفيه بعض الشواهد وأما النص كله ففي شرح الإيضاح المفقود لابن عصفور.

ص: 3475

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثم لك أن تقول: كلام ابن عصفور إنما هو في أو المفيدة للإباحة أو التخيير.

وكلام المصنف في الشرح يقتضي الإطلاق لقوله: وإذا وقع نهي أو نفي قبل أو كانت بمعنى الواو مردفة بلا فأطلق ولم يقيد. أما كلامه في المتن فيمكن حمله على التي للإباحة والتخيير. وذلك بأن تجعل الضمير الذي هو فاعل يوافق عائد على أقرب مذكور وهو أو التي للتخيير أو الإباحة. على أن المصنف لم يصرح بالإباحة كما بالتخيير لكنه لما قال: وتعاقب الواو في الإباحة كثيرا علم منه أنها تكون للإباحة وكان الواجب أن يصرح بذكرها.

وأما المعنى الذي ذكره الجماعة ولم يذكره المصنف فهو التفصيل.

قال ابن عصفور: وهو أن تأتي بها عقب إجمال لتفصله بها ودلت نحو قولك:

اجتمع القوم، فقالوا: حاربوا أو صالحوا أي قال بعضهم حاربوا وبعضهم صالحوا ومن ذلك قوله تعالى: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا (1) ألا ترى أن اليهود والنصارى جمعوا في أمر واحد حين أخبر عنهم بأنهم قالوا، ثم فصل بأو ما قالت اليهود [وما] قالت النصارى.

وقوله: قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (2) فجمع القائلون في شيء واحد حين أخبر عنهم بأنهم قالوا ثم فصل بأو قول بعضهم من قول بعض فكأنه قيل: قال بعضهم:

ساحر، وقال بعضهم مجنون، ومن ذلك قول الشاعر:

3308 -

كلانا بكى أو كاد يبكي صبابة

إلى إلفه واستعجلت عبرة قبلي (3)

ألا ترى أن قوله: كلانا لفظ شامل له [4/ 164] ولإلفه وأن أو فصلت خبره من خبر إلفه وكأنه قال: بكى أحدنا وكاد يبكي الآخر، والباكي منهما هو إلفه بدليل قوله واستعجلت عبرة قبلي، وقول الآخر:

3309 -

وتلاف قبل الفوت ثأري إنّه

علق بثوبي داهن أو ناعب (4)

ألا ترى أن أو فصلت الثوبين وجعلت أحدهما لداهن والآخر لناعب وكأنه قال -

(1) سورة البقرة: 135.

(2)

سورة الذاريات: 52.

(3)

البيت من الطويل، وانظره في التذييل (4/ 165).

(4)

البيت من الكامل، وداهن، وناعب: من بطون العرب وانظر التذييل (4/ 165)، واللسان:

دهن، نعب.

ص: 3476